Pessimism

جريمة اسمها التشاؤم وكيف يكون التفاؤل؟

الدكتور/ ممدوح مختار
دكتوراه واستشاري الطب السلوكي
هل أنت إنسان متشائم؟ إذا كان هذا السؤال سيسبب لك حرجاً مع نفسك، دعني أسالك أسئلة قد تكون بديلاً لهذا السؤال المباشر الصريح، وأعطيك فرصة كي تراجع نفسك قبل أن تجيب.
•هل عرفت إنساناً كئيباً حزيناً متراخياً مستسلماً لكآبته استطاع أن يحقق نجاحاً في حياته؟.. بالطبع لا.
•هل عرفت إنساناً خجولاً، استطاع أن يحقق حلم حياته مهما كانت مهاراته وذكاؤه وإمكاناته؟.. بالطبع لا.
•هل شاهدت جباناً يتسلق قمة من قمم الحياة؟.. بالطبع لا.
•هل رأيت إنساناً متشائماً يلقى قبولاً في بيئته أو مجتمعه؟.. بالطبع لا.
قبل أن نغوص في أعماق الإنسان المتشائم.. دعني أقول لك إن التشاؤم جريمة في حق النفس، يرتكبها الإنسان ضد نفسه مع سبق الإصرار والترصد.. والغريب أن الإنسان المتشائم ذاته يدفع ثمن جريمته رغم أنفه.. ولعل هذه الجريمة هي الجريمة الوحيدة التي إذا ارتكبها أي إنسان لا بد أن يدفع ثمنها هو، ومن دون أن يضبطه أحد متلبساً بجريمة التشاؤم.
فالتشاؤم نزعة اعتيادية في الذهن، نتيجة عدم الثقة في النفس تؤدي إلى رؤية كل شيء أسود قاتماً، وأخذ كل كلمة وكل تصرف على جانب سيئ من التفسير.. وبمعنى آخر أنه يتمثل في موقف معين وأخذ الجانب السيئ من كل شيء وإهمال ماعداه.. فهو إعلان حالة الحرب مع النفس ومع الناس..
ولا يصح أن نخلط بين الإنسان المتشائم والإنسان الذي قد تأتي له أحياناً نوبات کآبة طارئة، أو ضيق مؤقت، أو تذمر من بعض التصرفات، لأن تلك المواقف الطارئة يمكن أن يتعرض لها أي إنسان عادي، وليس لديه حالة التشاؤم هذه على الإطلاق.
بينما المتشائم الذي أعنيه هو ذلك الإنسان الذي يبدي ذهنيته الحزينة في أي موقف.. وفي كل مناسبة، وعند ذكر أي شيء.. والمتشائم لا يقدِّر شخصيته حق قدرها على الإطلاق، لانه لا يعرف نفسه.. تراه أحياناً يحاول التعاظم ويضع نفسه فوق منزلتها بسذاجة تنطوي على جهل شديد بالحياة والطبيعة الإنسانية. وينظر المتشائم إلى الناس دائماً نظرة قاسية جداً غير عادلة على الإطلاق، ويحكم عليهم من دون مراعاة لظروفهم، فلا يرى الأفعال الطيبة والسلوكيات الممتازة التي يفعلها الناس ولا يرى إلا سيئاتهم.
يفسر كلامهم على هواه، وكما يرغب هو، وليس کما يعني الناس.. فكثير من الكلمات لا تحتاج إلى تفسير.. بل إن التلميحات هي التي تكون قابلة للاستفسار عنها من صاحبها، بدل أن يجاهد الإنسان نفسه لتفسيرها تبعاً لهواه.
والمتشائم يعتبر نفسه دوماً ضحية الناس والظروف، فهو يرى الماضي معاكساً له والحاضر يؤلمه والمستقبل ينتظره بالمشكلات.
والنتيجة مزيد من الكآبة وعدم الرضا عن النفس وعن الناس، فقد يبدأ المتشائم يومه ويستيقظ من نومه منحرف المزاج، لأنه استيقظ رغماً عنه، لأنه لم يأخذ كفايته من النوم.. ويتذمر من الطقس ومن الطريق.. ومن العمل وظروفه، ومن أسرته وأولاده.. ومن الأهل والأصدقاء والأقارب.
فهو لا يلمس في كل خطوة يخطوها غير المعاكسات والعراقيل، يشكو دائماً حظه، وأنه يقف له بالمرصاد.. وأن الحظ ليس بأقل قسوة بأي حال من الأحوال عن الناس معه.
دعني أصارحك القول إن لكل شيء سبباً، وإن أي متشائم لم يصل لدرجة التشاؤم،
إلا لأسباب عديدة أدت به إلى هذا السلوك السيئ، واحمد الله أنك لم تكن ذلك المتشائم الذي حدثتك عنه.. كل ما في الأمر بالنسبة لك أنك تعاني أحياناً أو كثيراً الإخفاق والفشل وعدم تحقيق ما تصبو إليه من أهداف.. فلا تتشاءم.. وصالح نفسك وثق بها.. وثق في قدراتك وإمكاناتك وتفاءل.
وثق يا صديقي أنه ما من بطل ولا عظيم حفظ التاريخ اسمه أو أي إنسان عادي نال منصباً رفيعاً وقدراً مرموقاً إلا وكان يثق في نفسه وينمي باستمرار ثقته بنفسه ويحظى بشخصية قوية ونفسية سامية متماسكة، ستراهم جميعاً يتمتعون بأخلاق عالية رفيعة قوامها التفاؤل عن وعي وفهم، والتعامل مع الناس في ضوء فهم الطبيعة الإنسانية ومتطلباتها.
هل تعرف ما هو السلاح الحقيقي القادر على استرداد الثقة بالنفس من دون أي خسائر تذكر؟
إنه التفاؤل.. ولو سألت أي إنسان عن مفهوم التفاول، ستجده ينبسط من الداخل، وتنفرج أسارير وجهه، ويجيب بلا عصبية أو اندفاع.
والتفاؤل دائماً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعافية النفس وزيادة الثقة بها، وهو لا يكون سليماً ولا مجدياً إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون المتفائل عارفاً أتم المعرفة بنفسه وقدراته وإمكاناته وظروفه، واعياً أدق الوعي لموقفه العام الشخصي والاجتماعي.
وجاء في الحديث النبوي الشريف “تفاؤلوا بالخير تجدوه” وهو ما يعني أنه يجب على الإنسان أن يؤديه نحو نفسه ولا يمكن أن يؤديه أي شخص آخر نيابة عنك.
والتفاؤل أنواع :
1- تفاؤل غافل یقود إلى الاستهتار والتسيب، أو قد يكون ضروباً متتالية من الأحلام والأوهام.
2- تفاؤل واعٍ يحمل صاحبه على الجد في نظره إلى نفسه وإلى الأشياء والحوادث والأشخاص إلى الحياة كلها. فهو التفاؤل المنقذ الذي يخلصك من الأفكار السوداء ويوجهك نحو العمل الإيجابي المثمر، وهو يستقطب طاقات النفس الإيجابية ويدفعها دفعاً لبذل جهد واعٍ، ويؤدي إلى مزيد من الثقة بالنفس وبه، يظهر التوزان العقلي الذي ينتهى أي إنسان بدونه.
ليس عاطفة كما يعتقد الكثيرون، وليس حالة نفسية يمكن أن تنتابك أحياناً وتختفي أحياناً أخرى، إنما هو بالضبط موقف يختاره العقل من بين جميع المواقف، وتتبناه الإرادة، وتدعمه الثقة بالنفس، والعلاقة بين التفاؤل والثقة بالنفس علاقة متوازنة، فزيادة الثقة بالنفس تزيد من درجة التفاؤل الواعي، وكذلك الحال، فإن روح التفاؤل الواعي تزيد من درجة الثقة بالنفس، والتفاؤل الجاد هو ذلك الشخص الذي يزن كل شيء بدقة، ويلاحظ الضرر كما يلاحظ النفع.
وإذا ما قرر شيئاً مضى في تنفيذه من دون تردد، والابتسامة فوق شفتيه على ثقة أن النجاح سيكون حليفه، وأتمنى أن تكون أنت هذا الإنسان، وهذه الابتسامة التي تراها دوماً على وجوه المتفائلين لا تنم دائماً وأبداً عن فرح وسعادة، ففي كثير من الأحيان يفرضها الإنسان المتفائل على نفسه، وبدافع الثقة الموجودة بينه وبين نفسه تصعد هذه الابتسامة على شفتيه لتنير قسمات وجهه وتعطيه دفعة للنجاح.. فهو يبتسم ثقة منه بالخير الذي يتفاءل بتحقيقه.. وبالفعل يتم تحقيقه تصديقاً للحديث الشريف “تفاءلوا بالخير تجدوه”.
والإنسان المتفائل الواعي لماذا لا يكون هو أنت؟ ولماذا لا تبدأ من الآن وتترك الانهزامية واليأس والفكرة القائلة “مفيش فايدة”.. لماذا لا تقول إن كل شيء ممكن، والنجاح أقرب إلينا من الفشل.. هل تظن أن الإنسان المتفائل المبتسم إنسان بلا مشکلات؟ بالطبع لا، إنه مرَّ كأي إنسان آخر بالصدمات القاسية والأزمات الشديدة المختلفة من ضيق اقتصادي وعرقلة في مجال العمل.. بل وسوء معاملة من البعض، ومكائد.. وعدوان وخيانات، ولكنه لا يهرب من المواجهة.. بل يواجه وكله أمل في الانتصار.. يواجه بروح الحب والمرح والتفاؤل بالخير.. لا يواجه بالعنف ولا بالعبوس في وجه الناس، بل بالكلمة الطيبة والثقة في النفس..
بينما قد تجد الإنسان المتشائم يلقي سلاحه قبل أن تبدأ المعركة.. وبمجرد علمه بوجود معركة، لأنه يرى أن النتيجة محسومة مقدماً لغير صالحه، وهو انعكاس واضح لانعدام ثقته في نفسه جعلته لا يفكر حتى في المقاومة، لذا أؤكد أن إحدى النعم التي يمکن أن يحصل عليها الإنسان بنفسه ومن نفسه التفاؤل والثقة بالنفس.. التفاؤل الواعي أو التفاؤل الجاد وليس على الإطلاق التفاؤل المستهتر أو الغافل أو المبني على الخيال والنظرة الوردية للأمور لا أكثر.
والتفاؤل ليس هبة أو منحة بل هو كالزهرة العاطرة أو الثمرة الطيبة اللذيذة يأتي عقب غرس بذوره في العقل والقلب والروح، ثم أن تتعهد هذه البذرة بالرعاية الدائمة والمتواصلة والمستمرة.. فهو نتاج جد واجتهاد بروح قتالية عالية في سبيل إصلاح النفس وتنوير العقل وبناء الشخصية القوية الواثقة بنفسها والقادرة على اكتساب ثقة الناس.

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض