ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، خليفة ذي النورين رضي الله عنه، رابع الخلفاء الراشدين، أمير المؤمنين، قائد المسلمين، العالم الكبير، المعلم المفسر، الشجاع المقدام، الفصيح الحكيم، القوي العادل، التقي العابد، المتواضع الزاهد، الصابر الشهيد، أول من أسلم من الصبيان، أحد العشرة المبشرين بالجنة، كنيته أبوالحسن وأبو تراب، واسمه علي بن أبِي طالِب-عبد مناف- بن عبد المطلب-شيبة الحمد- بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي الهاشمي القرشِي رضي الله عنه وعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
كان رضي الله عنه أميراً شجاعاً من أمراء المؤمنين، وخليفةً راشداً من خلفاء المسلمين، وقائداً فصيحاً من قادة مدرسة رسول رب العالمين، وهذه إطلالة على أهم ملامح قيادته رضي الله عنه:
1 القائد المخلص المسؤول: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان مخلصاً في قبول الخلافة، ولا أدل على ذلك مما يرويه عنه محمد بن الحنفية قال: كنت مع علي حين قتل عثمان رضي الله عنهما، فقام فدخل منزله، فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمامٍ، ولا نجد أحداً أحق بهذا الأمر منك، أقدم مشاهداً، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي: «لا تفعلوا، فإني وزيرٌ خيرٌ مني أن أكون أميراً، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك، قال: ففي المسجد، فإنه لا ينبغي بيعتي أن تكون خفياً، ولا تكون إلا لمن رضي من المسلمين، فقام سالم بن أبي الجعد فقال عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما: فلقد كرهت أن يأتي المسجد كراهية أن يشغب عليه، وأبى هو إلا المسجد، فلما دخل جاء المهاجرون والأنصار فبايعوا وبايع الناس» (السنة لأبي بكر الخلال: 2/417)، ويروى عنه أنه قال: «ولولا الخشية على الدين لم أجبهم» (فتح الباري لابن حجر: 13/57)، فهذا الآثار تدل دلالة صريحة على إخلاصه في قبول الخلافة، حيث لم يطلبها لدنيا ولم يطمع فيها ولم يحرص عليها، وإنما قبلها بعد إلحاح شديد من قِبَل أهل الحل والعقد من الصحابة الكرام وبشروط؛ خوفاً منه على دين الله بسبب ازدياد الفتن وانتشارها.
2 القائد العابد الحيي: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان عابداً تقياً حيياً صابراً محتسباً شاكراً مخلصاً لربه، فمما يدل على شدة عبوديته لربه، ما رواه أبو صالحٍ، قال: «دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية، فقال له: صف لي علياً، فقال: أو تعفيني يا أمير المؤمنين، قال: لا أعفيك، قال: أما إذ لا بد، فإنه كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، وكان والله غزير العبرة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبةً له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، يميل في محرابه قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم (أي الملدوغ)، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا – يتضرع إليه – ثم يقول للدنيا: إلي تغررت، إلي تشوفت، هيهات هيهات، غري غيري، قد بتتك ثلاثاً، فعمرك قصيرٌ، ومجلسك حقيرٌ، وخطرك يسيرٌ، آهٍ آهٍ من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها، وجعل ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، فقال: كذا كان أبو الحسن رحمه الله، كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال: «وجد من ذبح واحدها في حجرها، لا ترقأ دمعتها، ولا يسكن حزنها، ثم قام فخرج» (حلية الأولياء: 1/84-85)، ومما يروى عن حيائه قوله رضي الله عنه: «إني لأستحي من الله أن يكون ذنب أعظم من عفوي، أو جهل أعظم من حلمي، أو عورة لا يواريها ستري، أو خلة لا يسدها جودي» (تاريخ دمشق لابن عساكر: 42/517).
3 القائد الزاهد المتواضع: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان زاهداً متواضعاً، فمما يدل على زهده، ما رواه علي بن ربيعة الوالبي، «أن علي بن أبي طالبٍ جاءه ابن النباح فقال: يا أمير المؤمنين، امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء، قال: الله أكبر، فقام متوكئاً على ابن النباح حتى قام على بيت مال المسلمين فقال: هذا جناي وخياره فيه، وكل جانٍ يده إلى فيه، يا ابن النباح، علي بأشياخ الكوفة، قال: فنودي في الناس، فأعطى جميع ما في بيت المسلمين وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، غري غيري هاوها وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، غري غيري هاوها، حتى ما بقي فيه دينارٌ ولا درهمٌ، ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين» (فضائل الصحابة لابن حنبل: (1/531)، ومما يدل على تواضعه رضي الله عنه ما رواه صالح بن أبي الأسود، عمن حدثه، «أنه رأى علياً قد ركب حماراً ودلى رجليه إلى موضعٍ واحدٍ، ثم قال: أنا الذي أهنت الدنيا» (البداية والنهاية: 11/109)، وروي عنه رضي الله عنه أنه «اشترى تمراً بدرهمٍ فحمله في ملحفةٍ، فقالوا: نحمل عنك يا أمير المؤمنين، قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل» (الزهد لابن حنبل، ص: 110).
4 القائد العالم الفقيه: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان قائداً مجتهداً فقيهاً، فقد عرف عنه رضي الله عنه اجتهادات في أقضية قضى بها ومسائل اجتهد بها في العبادات والمعاملات، من ذلك ما روي عنه في صلاة العيد «فلما تولى علي بن أبي طالبٍ وصار بالكوفة وكان الخلق بها كثيراً قالوا: يا أمير المؤمنين إن بالمدينة شيوخاً وضعفاء يشق عليهم الخروج إلى الصحراء فاستخلف علي بن أبي طالبٍ رجلاً يصلي بالناس العيد في المسجد وهو يصلي بالناس خارج الصحراء ولم يكن هذا يفعل قبل ذلك» (مجموع الفتاوى: 24/208-209)، ويروى عنه أنه قال في مسألة النكاح بدون ولي: «إذا تزوج بغير إذن ولي، ثم دخل بها لم يفرق بينهما، وإن لم يصبها فرق بينهما» (مصنف عبدالرزاق: 6/267)، ويروى عنه أنه قال فيما يعطيه السلطان من الجوائز: «لا بأس بجوائز السلطان، فإن ما يعطيكم من الحلال أكثر مما يعطيكم من الحرام»، وقال: «لا تسأل السلطان شيئاً، وإن أعطى فخذ، فإن ما في بيت المال من الحلال أكثر مما فيه من الحرام» (المغني: 6/375)، وقد روي عنه الكثير من الأحكام الفقهية التي بينها للناس؛ مما يدل على غزارة فقه وعلمه رضي الله عنه.
5 القائد الحكيم الفصيح: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان قائداً خطيباً واعظاً حكيماً فصيحاً شاعراً بليغاً، فقد رويت عنه خطب مؤثرة، ومواعظ بليغة، وحكم سامية، وآراء سديدة، وقصائد جزلة، وأبيات فصيحة، فمما يروى عنه من الحكم قوله رضي الله عنه: «قيمة كل امرئ ما يحسن»، «الناس أعداء ما جهلوا»، «لو كشف الغطاء ما ازددت إلا يقيناً»، «الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا»، «بشر مال البخيل بحادث أو وارث»، «لا راحة لحسود»، «لا شرف أعلى من الإسلام»، «لا ظهير كالمشاورة»، «إذا تم العقل نقص الكلام»، «الشرف بالعقل والأدب، لا بالأصل والنسب»، «الحسب حسن الخلق» (ينظر لكل ما سبق: الإعجاز والإيجاز للثعالبي، ص: 34 – 38)، ومما نسب إليه رضي الله عنه من شعر الحكمة قوله في الفرج والشدة:
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق بما به الصدر الرحيب
أتـــــــــــــاك على قنـــــــــــــوطٍ منــــك غوثٌ يجيء به القريب المستجيـــــــــــــــب
وقوله في الصبر:
ألا فاصبر على الحدث الجليل
وداو جواك بالصـــــــــــبر الجميل
ولا تجزع فإن أعســــــــــــــرت يومــــــــاً
فقد أيسرت في الدهر الطويل
(ينظر: البداية والنهاية لابن كثير: 11/119-120).
ولا شك أن خطبه وحكمه وقصائده تدل على قوة إيمانه، وفصاحة لسانه، ورجحان عقله، وجميل خصاله، وطهارة قلبه، وصفاء نفسه، وسرعة بديهته، وعلو قدره، وعمق علمه رضي الله عنه.
6 القائد الناصح لولاته: من أهم ملامح قيادته رضي الله عنه أنه كان قائداً ناصحاً لولاته، ينصح ويراقب ويتتبع أحوال ولاته ويسأل عنهم الناس، ولا أدل على ذلك مما يروى عنه حين وصى قيس بن سعد الأنصاري عندما ولاه على مصر فقال له: «سر إلى مصر فقد وَلّيتُكَها، واخرج إلى رحلك، واجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك، حتى تأتيها ومعك جند، فإن ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن، واشتد على المريب، وارفق بالعامة والخاصة، فإن الرفق يُمن» (تاريخ الطبري: 4/547-548)، ومن وصاياه إلى ولاته قوله: «يجب على الوالي أن يتعهد أموره ويتفقد أعوانه حتى لا يخفى عليه إحسان محسن ولا إساءة مسيء، ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء، فإنه إذا ترك ذلك تهاون المحسن واجترأ المسيء، وفسد الأمر وضاع العمل» (نهاية الأرب في فنون الأدب: 6/19)، هكذا كان رضي الله عنه حريصاً على نصح ولاته بأن يقيموا العدل بين الناس ويعاملوهم بالحسنى.
وختاماً: رضي الله عن الصحابي الجليل الشهيد علي ذي السبطين، الذي كان خير الصاحب لنبينا صلى الله عليه وسلم، وخير القائد والأمير للمؤمنين، والذي سخر حياته لسيادة أحكام الله في عباده، وتحقيق العدالة بين أفراد رعيته، والحمد لله رب العالمين.
» الدكتور ناصر عيسى البلوشي
(كبير باحثين بدائرة الشؤون الإسلامية
والعمل الخيري بدبي(