A

علي رضي الله عنه (أبو السبطين)

ابن‭ ‬عم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬وصاحبه،‭ ‬خليفة‭ ‬ذي‭ ‬النورين‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه،‭ ‬رابع‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين،‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬قائد‭ ‬المسلمين،‭ ‬العالم‭ ‬الكبير،‭ ‬المعلم‭ ‬المفسر،‭ ‬الشجاع‭ ‬المقدام،‭ ‬الفصيح‭ ‬الحكيم،‭ ‬القوي‭ ‬العادل،‭ ‬التقي‭ ‬العابد،‭ ‬المتواضع‭ ‬الزاهد،‭ ‬الصابر‭ ‬الشهيد،‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬أسلم‭ ‬من‭ ‬الصبيان،‭ ‬أحد‭ ‬العشرة‭ ‬المبشرين‭ ‬بالجنة،‭ ‬كنيته‭ ‬أبوالحسن‭ ‬وأبو‭ ‬تراب،‭ ‬واسمه‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبِي‭ ‬طالِب‭-‬عبد‭ ‬مناف‭- ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬المطلب‭-‬شيبة‭ ‬الحمد‭- ‬بن‭ ‬هاشم‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬مناف‭ ‬بن‭ ‬قصي‭ ‬بن‭ ‬كلاب‭ ‬بن‭ ‬مرة‭ ‬بن‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬لؤي‭ ‬الهاشمي‭ ‬القرشِي‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬وعن‭ ‬صحابة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬ومن‭ ‬تبعهم‭ ‬بإحسان‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬الدين‭.‬

كان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أميراً‭ ‬شجاعاً‭ ‬من‭ ‬أمراء‭ ‬المؤمنين،‭ ‬وخليفةً‭ ‬راشداً‭ ‬من‭ ‬خلفاء‭ ‬المسلمين،‭ ‬وقائداً‭ ‬فصيحاً‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬مدرسة‭ ‬رسول‭ ‬رب‭ ‬العالمين،‭ ‬وهذه‭ ‬إطلالة‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭:‬

1‭ ‬القائد‭ ‬المخلص‭ ‬المسؤول‭: ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مخلصاً‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬الخلافة،‭ ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يرويه‭ ‬عنه‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬الحنفية‭ ‬قال‭: ‬كنت‭ ‬مع‭ ‬علي‭ ‬حين‭ ‬قتل‭ ‬عثمان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما،‭ ‬فقام‭ ‬فدخل‭ ‬منزله،‭ ‬فأتاه‭ ‬أصحاب‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬فقالوا‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬قد‭ ‬قتل‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬للناس‭ ‬من‭ ‬إمامٍ،‭ ‬ولا‭ ‬نجد‭ ‬أحداً‭ ‬أحق‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر‭ ‬منك،‭ ‬أقدم‭ ‬مشاهداً،‭ ‬ولا‭ ‬أقرب‭ ‬من‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فقال‭ ‬علي‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تفعلوا،‭ ‬فإني‭ ‬وزيرٌ‭ ‬خيرٌ‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬أميراً،‭ ‬فقالوا‭: ‬لا‭ ‬والله‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬بفاعلين‭ ‬حتى‭ ‬نبايعك،‭ ‬قال‭: ‬ففي‭ ‬المسجد،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬بيعتي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬خفياً،‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬رضي‭ ‬من‭ ‬المسلمين،‭ ‬فقام‭ ‬سالم‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬الجعد‭ ‬فقال‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬عباسٍ‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭: ‬فلقد‭ ‬كرهت‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬المسجد‭ ‬كراهية‭ ‬أن‭ ‬يشغب‭ ‬عليه،‭ ‬وأبى‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬المسجد،‭ ‬فلما‭ ‬دخل‭ ‬جاء‭ ‬المهاجرون‭ ‬والأنصار‭ ‬فبايعوا‭ ‬وبايع‭ ‬الناس‮»‬‭ (‬السنة‭ ‬لأبي‭ ‬بكر‭ ‬الخلال‭: ‬2‭/‬417‭)‬،‭ ‬ويروى‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬ولولا‭ ‬الخشية‭ ‬على‭ ‬الدين‭ ‬لم‭ ‬أجبهم‮»‬‭ (‬فتح‭ ‬الباري‭ ‬لابن‭ ‬حجر‭: ‬13‭/‬57‭)‬،‭ ‬فهذا‭ ‬الآثار‭ ‬تدل‭ ‬دلالة‭ ‬صريحة‭ ‬على‭ ‬إخلاصه‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬الخلافة،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يطلبها‭ ‬لدنيا‭ ‬ولم‭ ‬يطمع‭ ‬فيها‭ ‬ولم‭ ‬يحرص‭ ‬عليها،‭ ‬وإنما‭ ‬قبلها‭ ‬بعد‭ ‬إلحاح‭ ‬شديد‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬أهل‭ ‬الحل‭ ‬والعقد‭ ‬من‭ ‬الصحابة‭ ‬الكرام‭ ‬وبشروط؛‭ ‬خوفاً‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬دين‭ ‬الله‭ ‬بسبب‭ ‬ازدياد‭ ‬الفتن‭ ‬وانتشارها‭.‬

2‭ ‬القائد‭ ‬العابد‭ ‬الحيي‭: ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬عابداً‭ ‬تقياً‭ ‬حيياً‭ ‬صابراً‭ ‬محتسباً‭ ‬شاكراً‭ ‬مخلصاً‭ ‬لربه،‭ ‬فمما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬شدة‭ ‬عبوديته‭ ‬لربه،‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬أبو‭ ‬صالحٍ،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬دخل‭ ‬ضرار‭ ‬بن‭ ‬ضمرة‭ ‬الكناني‭ ‬على‭ ‬معاوية،‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬صف‭ ‬لي‭ ‬علياً،‭ ‬فقال‭: ‬أو‭ ‬تعفيني‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬قال‭: ‬لا‭ ‬أعفيك،‭ ‬قال‭: ‬أما‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬بد،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬والله‭ ‬بعيد‭ ‬المدى،‭ ‬شديد‭ ‬القوى،‭ ‬يقول‭ ‬فصلاً‭ ‬ويحكم‭ ‬عدلاً،‭ ‬يتفجر‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬جوانبه،‭ ‬وتنطق‭ ‬الحكمة‭ ‬من‭ ‬نواحيه،‭ ‬يستوحش‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬وزهرتها،‭ ‬‌ويستأنس‭ ‬‌بالليل‭ ‬وظلمته،‭ ‬وكان‭ ‬والله‭ ‬غزير‭ ‬العبرة،‭ ‬طويل‭ ‬الفكرة،‭ ‬يقلب‭ ‬كفه،‭ ‬ويخاطب‭ ‬نفسه،‭ ‬يعجبه‭ ‬من‭ ‬اللباس‭ ‬ما‭ ‬قصر،‭ ‬ومن‭ ‬الطعام‭ ‬ما‭ ‬جشب،‭ ‬كان‭ ‬والله‭ ‬كأحدنا‭ ‬يدنينا‭ ‬إذا‭ ‬أتيناه،‭ ‬ويجيبنا‭ ‬إذا‭ ‬سألناه،‭ ‬وكان‭ ‬مع‭ ‬تقربه‭ ‬إلينا‭ ‬وقربه‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬نكلمه‭ ‬هيبةً‭ ‬له،‭ ‬فإن‭ ‬تبسم‭ ‬فعن‭ ‬مثل‭ ‬اللؤلؤ‭ ‬المنظوم،‭ ‬يعظم‭ ‬أهل‭ ‬الدين،‭ ‬ويحب‭ ‬المساكين،‭ ‬لا‭ ‬يطمع‭ ‬القوي‭ ‬في‭ ‬باطله،‭ ‬ولا‭ ‬ييأس‭ ‬الضعيف‭ ‬من‭ ‬عدله،‭ ‬فأشهد‭ ‬بالله‭ ‬لقد‭ ‬رأيته‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مواقفه،‭ ‬وقد‭ ‬أرخى‭ ‬الليل‭ ‬سدوله،‭ ‬وغارت‭ ‬نجومه،‭ ‬يميل‭ ‬في‭ ‬محرابه‭ ‬قابضاً‭ ‬على‭ ‬لحيته،‭ ‬يتململ‭ ‬تململ‭ ‬السليم‭ (‬أي‭ ‬الملدوغ‭)‬،‭ ‬ويبكي‭ ‬بكاء‭ ‬الحزين،‭ ‬فكأني‭ ‬أسمعه‭ ‬الآن‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬يا‭ ‬ربنا‭ ‬يا‭ ‬ربنا‭ – ‬يتضرع‭ ‬إليه‭ – ‬ثم‭ ‬يقول‭ ‬للدنيا‭: ‬إلي‭ ‬تغررت،‭ ‬إلي‭ ‬تشوفت،‭ ‬هيهات‭ ‬هيهات،‭ ‬غري‭ ‬غيري،‭ ‬قد‭ ‬بتتك‭ ‬ثلاثاً،‭ ‬فعمرك‭ ‬قصيرٌ،‭ ‬ومجلسك‭ ‬حقيرٌ،‭ ‬وخطرك‭ ‬يسيرٌ،‭ ‬آهٍ‭ ‬آهٍ‭ ‬من‭ ‬قلة‭ ‬الزاد،‭ ‬وبعد‭ ‬السفر،‭ ‬ووحشة‭ ‬الطريق،‭ ‬فوكفت‭ ‬دموع‭ ‬معاوية‭ ‬على‭ ‬لحيته‭ ‬ما‭ ‬يملكها،‭ ‬وجعل‭ ‬ينشفها‭ ‬بكمه‭ ‬وقد‭ ‬اختنق‭ ‬القوم‭ ‬بالبكاء،‭ ‬فقال‭: ‬كذا‭ ‬كان‭ ‬أبو‭ ‬الحسن‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬كيف‭ ‬وجدك‭ ‬عليه‭ ‬يا‭ ‬ضرار؟‭ ‬قال‭: ‬‮«‬وجد‭ ‬من‭ ‬ذبح‭ ‬واحدها‭ ‬في‭ ‬حجرها،‭ ‬لا‭ ‬ترقأ‭ ‬دمعتها،‭ ‬ولا‭ ‬يسكن‭ ‬حزنها،‭ ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬فخرج‮»‬‭ (‬حلية‭ ‬الأولياء‭: ‬1‭/‬84‭-‬85‭)‬،‭ ‬ومما‭ ‬يروى‭ ‬عن‭ ‬حيائه‭ ‬قوله‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭: ‬‮«‬إني‭ ‬لأستحي‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬‌ذنب‭ ‬‌أعظم‭ ‬‌من‭ ‬‌عفوي،‭ ‬أو‭ ‬جهل‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬حلمي،‭ ‬أو‭ ‬عورة‭ ‬لا‭ ‬يواريها‭ ‬ستري،‭ ‬أو‭ ‬خلة‭ ‬لا‭ ‬يسدها‭ ‬جودي‮»‬‭ (‬تاريخ‭ ‬دمشق‭ ‬لابن‭ ‬عساكر‭: ‬42‭/‬517‭).‬

3‭ ‬القائد‭ ‬الزاهد‭ ‬المتواضع‭:‬‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬زاهداً‭ ‬متواضعاً،‭ ‬فمما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬زهده،‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬ربيعة‭ ‬الوالبي،‭ ‬‮«‬أن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالبٍ‭ ‬جاءه‭ ‬ابن‭ ‬النباح‭ ‬فقال‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬امتلأ‭ ‬بيت‭ ‬مال‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬صفراء‭ ‬وبيضاء،‭ ‬قال‭: ‬الله‭ ‬أكبر،‭ ‬فقام‭ ‬متوكئاً‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬النباح‭ ‬حتى‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬بيت‭ ‬مال‭ ‬المسلمين‭ ‬فقال‭: ‬هذا‭ ‬جناي‭ ‬وخياره‭ ‬فيه،‭ ‬وكل‭ ‬جانٍ‭ ‬يده‭ ‬إلى‭ ‬فيه،‭ ‬يا‭ ‬ابن‭ ‬النباح،‭ ‬علي‭ ‬بأشياخ‭ ‬الكوفة،‭ ‬قال‭: ‬فنودي‭ ‬في‭ ‬الناس،‭ ‬فأعطى‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المسلمين‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬‌يا‭ ‬‌صفراء،‭ ‬يا‭ ‬بيضاء،‭ ‬غري‭ ‬غيري‭ ‬هاوها‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭: ‬‌يا‭ ‬‌صفراء،‭ ‬يا‭ ‬بيضاء،‭ ‬غري‭ ‬غيري‭ ‬هاوها،‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬فيه‭ ‬دينارٌ‭ ‬ولا‭ ‬درهمٌ،‭ ‬ثم‭ ‬أمر‭ ‬بنضحه‭ ‬وصلى‭ ‬فيه‭ ‬ركعتين‮»‬‭ (‬فضائل‭ ‬الصحابة‭ ‬لابن‭ ‬حنبل‭: (‬1/531‭)‬،‭ ‬ومما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬تواضعه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬صالح‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬الأسود،‭ ‬عمن‭ ‬حدثه،‭ ‬‮«‬أنه‭ ‬رأى‭ ‬علياً‭ ‬قد‭ ‬‌ركب‭ ‬‌حماراً‭ ‬ودلى‭ ‬رجليه‭ ‬إلى‭ ‬موضعٍ‭ ‬واحدٍ،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬أنا‭ ‬الذي‭ ‬أهنت‭ ‬الدنيا‮»‬‭ (‬البداية‭ ‬والنهاية‭: ‬11‭/‬109‭)‬،‭ ‬وروي‭ ‬عنه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬اشترى‭ ‬‌تمراً‭ ‬‌بدرهمٍ‭ ‬فحمله‭ ‬في‭ ‬ملحفةٍ،‭ ‬فقالوا‭: ‬نحمل‭ ‬عنك‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬قال‭: ‬لا،‭ ‬أبو‭ ‬العيال‭ ‬أحق‭ ‬أن‭ ‬يحمل‮»‬‭ (‬الزهد‭ ‬لابن‭ ‬حنبل،‭ ‬ص‭: ‬110‭).‬

4‭ ‬القائد‭ ‬العالم‭ ‬الفقيه‭: ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قائداً‭ ‬مجتهداً‭ ‬فقيهاً،‭ ‬فقد‭ ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭  ‬اجتهادات‭ ‬في‭ ‬أقضية‭ ‬قضى‭ ‬بها‭ ‬ومسائل‭ ‬اجتهد‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬العبادات‭ ‬والمعاملات،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬روي‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬العيد‭ ‬‮«‬فلما‭ ‬تولى‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالبٍ‭ ‬وصار‭ ‬بالكوفة‭ ‬وكان‭ ‬الخلق‭ ‬بها‭ ‬كثيراً‭ ‬قالوا‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬إن‭ ‬بالمدينة‭ ‬شيوخاً‭ ‬وضعفاء‭ ‬يشق‭ ‬عليهم‭ ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬الصحراء‭ ‬فاستخلف‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالبٍ‭ ‬رجلاً‭ ‬يصلي‭ ‬بالناس‭ ‬العيد‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬وهو‭ ‬يصلي‭ ‬بالناس‭ ‬خارج‭ ‬الصحراء‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬يفعل‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‮»‬‭ (‬مجموع‭ ‬الفتاوى‭: ‬24‭/‬208‭-‬209‭)‬،‭ ‬ويروى‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬النكاح‭ ‬بدون‭ ‬ولي‭:  ‬‮«‬إذا‭ ‬‌تزوج‭ ‬‌بغير‭ ‬‌إذن‭ ‬‌ولي،‭ ‬ثم‭ ‬دخل‭ ‬بها‭ ‬لم‭ ‬يفرق‭ ‬بينهما،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يصبها‭ ‬فرق‭ ‬بينهما‮»‬‭ (‬مصنف‭ ‬عبدالرزاق‭: ‬6‭/‬267‭)‬،‭ ‬ويروى‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬فيما‭ ‬يعطيه‭ ‬السلطان‭ ‬من‭ ‬الجوائز‭: ‬‮«‬لا‭ ‬بأس‭ ‬‌بجوائز‭ ‬‌السلطان،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يعطيكم‭ ‬من‭ ‬الحلال‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يعطيكم‭ ‬من‭ ‬الحرام‮»‬،‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تسأل‭ ‬السلطان‭ ‬شيئاً،‭ ‬وإن‭ ‬أعطى‭ ‬فخذ،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬الحلال‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الحرام‮»‬‭ (‬المغني‭: ‬6‭/‬375‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬روي‭ ‬عنه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحكام‭ ‬الفقهية‭ ‬التي‭ ‬بينها‭ ‬للناس؛‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬غزارة‭ ‬فقه‭ ‬وعلمه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭.‬

5‭ ‬القائد‭ ‬الحكيم‭ ‬الفصيح‭: ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قائداً‭ ‬خطيباً‭ ‬واعظاً‭ ‬حكيماً‭ ‬فصيحاً‭ ‬شاعراً‭ ‬بليغاً،‭ ‬فقد‭ ‬رويت‭ ‬عنه‭ ‬خطب‭ ‬مؤثرة،‭ ‬ومواعظ‭ ‬بليغة،‭ ‬وحكم‭ ‬سامية،‭ ‬وآراء‭ ‬سديدة،‭ ‬وقصائد‭ ‬جزلة،‭ ‬وأبيات‭ ‬فصيحة،‭ ‬فمما‭ ‬يروى‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬قوله‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭: ‬‮«‬قيمة‭ ‬كل‭ ‬امرئ‭ ‬ما‭ ‬يحسن‮»‬،‭ ‬‮«‬الناس‭ ‬أعداء‭ ‬ما‭ ‬جهلوا‮»‬،‭ ‬‮«‬لو‭ ‬كشف‭ ‬الغطاء‭ ‬ما‭ ‬ازددت‭ ‬إلا‭ ‬يقيناً‮»‬،‭ ‬‮«‬الناس‭ ‬نيام،‭ ‬فإذا‭ ‬ماتوا‭ ‬انتبهوا‮»‬،‭ ‬‮«‬بشر‭ ‬مال‭ ‬البخيل‭ ‬بحادث‭ ‬أو‭ ‬وارث‮»‬،‭ ‬‮«‬لا‭ ‬راحة‭ ‬لحسود‮»‬،‭ ‬‮«‬لا‭ ‬شرف‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬الإسلام‮»‬،‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ظهير‭ ‬كالمشاورة‮»‬،‭ ‬‮«‬إذا‭ ‬تم‭ ‬العقل‭ ‬نقص‭ ‬الكلام‮»‬،‭ ‬‮«‬الشرف‭ ‬بالعقل‭ ‬والأدب،‭ ‬لا‭ ‬بالأصل‭ ‬والنسب‮»‬،‭ ‬‮«‬الحسب‭ ‬حسن‭ ‬الخلق‮»‬‭ (‬ينظر‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬سبق‭: ‬الإعجاز‭ ‬والإيجاز‭ ‬للثعالبي،‭ ‬ص‭: ‬34‭ ‬–‭ ‬38‭)‬،‭ ‬ومما‭ ‬نسب‭ ‬إليه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬الحكمة‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬الفرج‭ ‬والشدة‭:‬

إذا‭ ‬اشتملت‭ ‬على‭ ‬اليأس‭ ‬القلوب ‌وضاق‭ ‬‌بما‭ ‬‌به‭ ‬الصدر‭ ‬الرحيب

أتـــــــــــــاك‭ ‬على‭ ‬قنـــــــــــــوطٍ‭ ‬منــــك‭ ‬غوثٌ يجيء‭ ‬به‭ ‬القريب‭ ‬المستجيـــــــــــــــب

وقوله‭ ‬في‭ ‬الصبر‭:‬

ألا‭ ‬فاصبر‭ ‬على‭ ‬الحدث‭ ‬الجليل

‌وداو‭ ‬‌جواك‭ ‬بالصـــــــــــبر‭ ‬الجميل

ولا‭ ‬تجزع‭ ‬فإن‭ ‬أعســــــــــــــرت‭ ‬يومــــــــاً

فقد‭ ‬أيسرت‭ ‬في‭ ‬الدهر‭ ‬الطويل

‭(‬ينظر‭: ‬البداية‭ ‬والنهاية‭ ‬لابن‭ ‬كثير‭: ‬11‭/‬119‭-‬120‭).‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬خطبه‭ ‬وحكمه‭ ‬وقصائده‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬إيمانه،‭ ‬وفصاحة‭ ‬لسانه،‭ ‬ورجحان‭ ‬عقله،‭ ‬وجميل‭ ‬خصاله،‭ ‬وطهارة‭ ‬قلبه،‭ ‬وصفاء‭ ‬نفسه،‭ ‬وسرعة‭ ‬بديهته،‭ ‬وعلو‭ ‬قدره،‭ ‬وعمق‭ ‬علمه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭.‬

6‭ ‬القائد‭ ‬الناصح‭ ‬لولاته‭: ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ملامح‭ ‬قيادته‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬قائداً‭ ‬ناصحاً‭ ‬لولاته،‭ ‬ينصح‭ ‬ويراقب‭ ‬ويتتبع‭ ‬أحوال‭ ‬ولاته‭ ‬ويسأل‭ ‬عنهم‭ ‬الناس،‭ ‬ولا‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يروى‭ ‬عنه‭ ‬حين‭ ‬وصى‭ ‬قيس‭ ‬بن‭ ‬سعد‭ ‬الأنصاري‭ ‬عندما‭ ‬ولاه‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬‮«‬سر‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬فقد‭ ‬وَلّيتُكَها،‭ ‬واخرج‭ ‬إلى‭ ‬رحلك،‭ ‬واجمع‭ ‬إليك‭ ‬ثقاتك‭ ‬ومن‭ ‬أحببت‭ ‬أن‭ ‬يصحبك،‭ ‬حتى‭ ‬تأتيها‭ ‬ومعك‭ ‬جند،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬أرعب‭ ‬لعدوك‭ ‬وأعز‭ ‬لوليك،‭ ‬فإذا‭ ‬أنت‭ ‬قدمتها‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬فأحسن‭ ‬إلى‭ ‬المحسن،‭ ‬واشتد‭ ‬على‭ ‬المريب،‭ ‬وارفق‭ ‬بالعامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬فإن‭ ‬الرفق‭ ‬يُمن‮»‬‭ (‬تاريخ‭ ‬الطبري‭: ‬4‭/‬547‭-‬548‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬وصاياه‭ ‬إلى‭ ‬ولاته‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬يجب‭ ‬على‭ ‬الوالي‭ ‬أن‭ ‬‌يتعهد‭ ‬‌أموره‭ ‬ويتفقد‭ ‬أعوانه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬عليه‭ ‬إحسان‭ ‬محسن‭ ‬ولا‭ ‬إساءة‭ ‬مسيء،‭ ‬ثم‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬أحدهما‭ ‬بغير‭ ‬جزاء،‭ ‬فإنه‭ ‬إذا‭ ‬ترك‭ ‬ذلك‭ ‬تهاون‭ ‬المحسن‭ ‬واجترأ‭ ‬المسيء،‭ ‬وفسد‭ ‬الأمر‭ ‬وضاع‭ ‬العمل‮»‬‭ (‬نهاية‭ ‬الأرب‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬الأدب‭: ‬6‭/‬19‭)‬،‭ ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬حريصاً‭ ‬على‭ ‬نصح‭ ‬ولاته‭ ‬بأن‭ ‬يقيموا‭ ‬العدل‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬ويعاملوهم‭ ‬بالحسنى‭.‬

وختاماً‭: ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الصحابي‭ ‬الجليل‭ ‬الشهيد‭ ‬علي‭ ‬ذي‭ ‬السبطين،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬خير‭ ‬الصاحب‭ ‬لنبينا‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬وخير‭ ‬القائد‭ ‬والأمير‭ ‬للمؤمنين،‭ ‬والذي‭ ‬سخر‭ ‬حياته‭ ‬لسيادة‭ ‬أحكام‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عباده،‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬رعيته،‭ ‬والحمد‭ ‬لله‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭.‬

‮»‬‭ ‬الدكتور‭ ‬ناصر‭ ‬عيسى‭ ‬البلوشي‭ ‬
(كبير‭ ‬باحثين‭ ‬بدائرة‭ ‬الشؤون‭ ‬الإسلامية
والعمل‭ ‬الخيري‭ ‬بدبي‭(

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض