صعدت الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة في العالم، خاصة في أوروبا، بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، وبرزت على السطح أحزاب يمينية متطرفة استطاعت أن تحقق نتائج انتخابية مهمة مثل “حركة 5 نجوم” في إيطاليا التي حصلت على (32%) من الأصوات في الانتخابات البرلمانية في 2018، ما جعلها تشارك في الحكومة التي تشكلت في سبتمبر 2019 بـ 10 وزراء، وحزب “ديمقراطيو السويد”، الذي فاز بأكثر من 17.6 في المئة من أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية عام 2018، ودخل اليمين المتطرف ممثلاً في حزب “البديل من أجل ألمانيا” إلى البرلمان لأول مرة في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية بعد حصوله على 12.6% من الأصوات في انتخابات سبتمبر 2017، على الرغم من خسارة حزب “الجبهة الوطنية” اليميني المتطرف الانتخابات الرئاسية بفرنسا في عام 2017، فقد وصل عدد الذين صوتوا لصالحه نحو 11 مليون ناخب، وحصلت مرشحة الحزب مارين لوبان، على 33.9 بالمئة من الأصوات. فضلاً عن ذلك فإن هناك العديد من الزعماء الشعبويين يحكمون في العديد من الدول الأوروبية وغيرها مثل فيكتور أوربان في المجر، وياروسلاف كاتشينسكي في بولندا، وروبرت فيكو في سلوفاكيا، وجاييربولسونارو في البرازيل، هذا فضلاً عن دونالد ترامب في الولايات المتحدة. كما كان التصويت في بريطانيا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة أكبر انتصار للتيار اليميني الشعبوي على الساحة الأوروبية.
وتتمثل أهم أطروحات اليمين المتطرف في: العداء للهجرة وللأجانب بشكل كبير، والايمان بالقومية، والرغبة في الخروج من الاتحاد الأوروبي، واتخاذ موقف متشدد من العولمة وحرية التجارة، والعداء للمسلمين، واتخاذ موقف عدائي من النخبة السياسية القائمة.
وفي انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو 2019، حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة أو الشعبوية تقدماً ملحوظا في أكثر من بلد أوروبي، حيث حصل حزب بريكست بزعامة نايجلفاراج في بريطانيا على 32.44 في المئة من الأصوات، وحصل حزب الجبهة الوطنية في فرنسا على 23.31 في المئة من الأصوات، في مقابل حزب الجمهورية للأمام بزعامة الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي حقق 22.41 في المئة من الأصوات، وحصل حزب “ليغا” صاحب المواقف العدائية ضد الاتحاد الأوروبي بزعامة ماتيو سالفيني في إيطاليا على 33.64 من الأصوات، وحصل “الحزب المجري القومي” اليميني في المجر على 52.14 في المئة من الأصوات.
لكن على الرغم من هذا الصعود للتيار الشعبوي اليميني المتطرف في أوروبا والغرب بشكل عام، فإنه يواجه بتحديات كثيرة أهمها:
١- التحذيرات المتصاعدة من خطر هذا التيار والأحزاب التي تمثله على الديمقراطية في الغرب والسلام في العالم، ولعل من أبرز التحذيرات التي صدرت في هذا الشأن تحذير البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، الذي قال في أغسطس 2019 إن التوجهات التي تعبر عنها هذه الأحزاب تنمّ عن تصرف “انغلاقي يقود إلى الحرب”، مشيراً إلى أن خطب بعض هذه الأحزاب” تشبه خطب هتلر عام 1943.
٢-انتباه بعض الدول الأوروبية، سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي، لخطورة التيار الشعبوي المتطرف على الديمقراطية فيها، ومن ثم اتجاهها إلى التصدي لهذا التيار، والمثال البارز هنا ألمانيا التي قال وزير داخليتها في جلسة للبرلمان في يونيو 2019 خصصت لمناقشة خطر اليمين المتطرف، إن التطرف اليميني “خطر كبير”، على بلاده، وفي استطلاع للرأي أجرته شركة “يوجوف” لأبحاث السوق، في سبتمبر 2019، كشف أن 53 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع يرون أن الديمقراطية في ألمانيا في خطر بسبب التيار اليميني المتطرف.
٣- لم تستطع الأحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب تقديم بديل مرضي عن الأحزاب والنحب التقليدية القائمة، وإنما قدمت شعارات عاطفية حصلت على التأييد في البداية ليس من باب الاقتناع بها بقدر ما هو اعتراض على الأحزاب التقليدية. ومع مرور الوقت سوف يتضح عدم قدرة هذه الشعارات على تحقيق أهداف الناخبين، ومن ثم يحدث التراجع لأحزاب اليمين بشكل تدريجي.
٤- نتيجة لعدم قدرة تيار اليمين الشعبوي المتطرف على تحقيق الشعارات التي رفعها، برزت تيارات أو قوى أخرى منافسة له ويمكن ان تسحب البساط من تحت أقدامه خلال الفترة القادمة مثل التيارات اليسارية، فضلاً عن حركات الاحتجاج ومثلها البارز هو حركة السترات الصفراء في فرنسا.
٥- ثمة تراجع في شعبية وحضور العديد من الأحزاب الشعبوية في العالم خلال الفترة الماضية. فقد تعرض حزب “الفجر الذهبي” اليميني اليوناني في الانتخابات التشريعية في يوليو 2019 لخسارة كبيرة، حيث لم يستطع تجاوز عتبة 3% التي تسمح له بدخول البرلمان، بعد أن كان ثالث قوة سياسية في البلاد بعد انتخابات عام 2015.وفي انتخابات النمسا في سبتمبر 2019، حصل”حزب الحرية”اليميني على نحو 16% من الأصوات وخسر عشر نقاط بالمقارنة مع انتخابات عام 2017.وفي هولندا مُني التيار الشعبوي بانتكاسة كبيرة في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، حيث لم يحصل حزب الحرية اليميني بزعامة خيرت فيلدرز، على أي مقعد في هذه الانتخابات، بينما كان لديه 4 مقاعد في السابق، وحصل حزب “منتدى من أجل الديمقراطية” اليميني على 3 مقاعد بعد أن كان قد حصل على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المحلية الهولندية في مارس 2019.وفي الدنمارك حصل حزب الشعب اليميني الشعبويفي الانتخابات التشريعية التي أجريت في 2019 على 8.7% فقط من الأصوات بعد أن كان قد حصل على أكثر من 20% من الأصوات في الانتخابات السابقة.
ما سبق يشير إلى أن التيار الشعبوي، رغم النجاحات التي حققها خلال السنوات الماضية، بدأ في التراجع تدريجياً، ويمكن أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من التراجع، خاصة في ظل اكتشاف خطر هذا التيار على الأمن والديمقراطية والقيم والسلام الاجتماعي في المجتمعات الغربية، لكنه سوف يظل أحد القوى الحاضرة على الساحة السياسية، بشكل أو بآخر.