بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، افتتح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قاعدة “برنيس” العسكرية في جنوب البحر الأحمر، وذلك يوم 15 يناير .2020 وقد أشاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بالقاعدة وامكاناتها وتجهيزاتها المتطورة وما تمثله من إضافة نوعية مهمة للقدرات العسكرية المصرية ودعم لحرية الملاحة وأمنها في منطقة البحر الأحمر إضافة إلى أهميتها في خدمة مشروعات التنمية.
تقع القاعدة على ساحل البحر الأحمر بالقرب من الحدود الدولية الجنوبية شرق مدينة أسوان، وتبلغ مساحتها 150 ألف فدان، وتضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية ومستشفى عسكرياً ورصيفاً تجارياً ومحطة استقبال ركاب وأرصفة متعددة الأغراض وأرصفة لتخزين البضائع العامة وأرصفة وساحات تخزين الحاويات، بالإضافة إلى مطار برنيس الدولي ومحطة لتحلية مياه البحر. وتعد هذه القاعدة الأكبر في منطقة البحر الأحمر. وقد تم إنشاء هذه القاعدة في وقت لا يتعدى السنة، وقبل افتتاحها كانت القاعدة العسكرية البحرية الرئيسية لمصر على البحر الأحمر هي قاعدة سفاجا العسكرية.
وقاعدة “برنيس” العسكرية هي واحدة من ثلاث قواعد عسكرية تقوم مصر ببنائها منذ فترة، ومنها برنيس إضافة إلى قاعدة “شرق بورسعيد” البحرية، وقاعدة “جرجوب”، بمنطقة النجيلة غربي مدينة مطروح الساحلية غربي مصر. وتُضاف قاعدة “برنيس” العسكرية إلى العديد من القواعد العسكرية التي تمتلكها مصر وأهمها: قاعدتي راس التين وأبو قير في الإسكندرية، وقاعدة بورسعيد، وقاعدة السويس، وقاعدة سفاجا، وقاعدة مطروح، والرصيف الحربي في ميناء دمياط، والرصيف الحربي في ميناء الغردقة، والرصيف الحربي في ميناء شرم الشيخ، وقاعدة محمد نجيب العسكرية، بمدينة الحمام في مرسى مطروح، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط، وجرى افتتاحها بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في .2017
ويكتسب افتتاح قاعدة “برنيس” العسكرية، أهميته ومعانيه ودلالاته الاستراتيجية من العديد من العوامل والاعتبارات لعل أهمها:
١
الأهمية الاستراتيجية الكبيرة للبحر الأحمر: حيث يربط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي عبر خليج عدن، ويتحكم في مضيقين من أهم المضايق البحرية وهما قناة السويس، ومضيق باب المندب.ومن ثم تساهم القاعدة العسكرية الجديدة في تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ومواجهة مخاطر القرصنة والإرهاب، خاصة مع التهديدات التي تعرض ويتعرض لها مضيق باب المندب من قبل الحوثيين في اليمن. ويكتسب مضيق باب المندب أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية؛ فهو رابع أكبر الممرات المائية في العالم (بعد مضيق هرمز ومضيق ملقا ومضيق السويس)، كما أنه رابع أكبر الممرات من حيث عدد براميل النفط التي تمر به يومياً، وتمر من خلاله سنوياً أكثر من 21 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية. ويكتسب المضيق أهمية خاصة بالنسبة إلى مصر بالنظر إلى إن نحو 98% من البضائع والسفن الداخلة عبر قناة السويس تمر من خلال المضيق.
ومن ثم فإن حماية هذا المضيق وضمان حرية الملاحة فيه والحيلولة دون تعرضه لأي تهديدات، يمثل مصلحة أكيدة بالنسبة إلى الأمن الوطني المصري، وقاعدة “برنيس” العسكرية قادرة على توفير هذه الحماية بالنظر إلى قربها الجغرافي من المضيق، حيث إنها تقع في جنوب البحر الأحمر.
٢
تكتسب القاعدة الجديدة أهميتها الاستراتيجية بالنظر إلى أنها تندرج ضمن “أسطول الجنوب”العسكري المصري الذي تم إنشاؤه في عام 2017، بهدف إحكام مصر لسيطرتها على حدودها البحرية وميائها الإقليمية من خلال أسطول الشمال في البحر المتوسط وأسطول الجنوب في البحر الأحمر، فضلاً عن تعزيز حضورها الإقليمي في ملفات المنطقة، وتوفير الحماية العسكرية للمشروعات التنموية في منطقة البحر الأحمر وأهمها موانئ سفاجا وأرقين وغيرها. وقبل افتتاح قاعدة “برنيس”لم تكن هناك قواعد مصرية أخرى في جنوب البحر الأحمر سوى قاعدة سفاجا، ولذلك كان من الضروري وجود قاعدة أخرى لتخفيف الضغط عن هذه القاعدة، وتعزيز فاعلية أسطول الجنوب.
٣
تحركاً استراتيجياً مصرياً في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها مصر والعالم العربي من قبل الحضور التركي والإيراني في القارة الإفريقية بشكل عام ومنطقة القرن الإفريقي على وجه الخصوص. وفي هذا السياق فإن تركيا افتتحت قاعدة عسكرية في الصومال في سبتمبر 2017 تعد أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج، كما تطل القاعدة على المحيط الهندي، ولا تبعد كثيراً عن خليج عدن ومضيق باب المندب. وإضافة إلى تركيا، فإن إيران تعطي اهتماماً كبيرا بالتواجد في منطقة القرن الإفريقي، سواء من خلال العلاقات الاقتصادية أو الثقافية، والخيرة تهدف إيران من خلالها إلى نشر التشيع في المنطقة من خلال إنشاء المراكز الثقافية، وهذا يمثل تهديداً للأمن القومي المصري والعربي. كما أن إسرائيل تعمل على الحضور الاقتصادي والعسكري والأمني في منطقة القرن الإفريقي بالنظر إلى ارتباط هذه المنطقة بالبحر الأحمر وميناء ايلات الإسرائيلي الذي يقع في شمال البحر الأحمر.
٤
التوقيت الذي جاء الافتتاح فيه: حيث التوتر الشديد بين مصر وتركيا بسبب الأوضاع في ليبيا والتدخلات التركية في شؤون ليبيا، ومن ثم فإن الرسالة المصرية من وراء افتتاح هذه القاعدة هي: إن مصر لديها إرادة التصدي للمشروع التركي في المنطقة العربية سواء في البحر الأحمر (وجود تركيا في القرن الإفريقي)، أو في البحر المتوسط (التدخلات التركية في ليبيا وسعي أنقرة إلى بناء تحالفات مع تونس والجزائر). والأمر نفسه بالنسبة إلى المشروع الإيراني، خاصة أن افتتاح القاعدة جاء في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر في العلاقات العربية-الإيرانية بشكل كبير، وبروز تهديدات من قبل الحوثيين بتعطيل الملاحة في باب المندب.
٥
صلابة التحالف الإماراتي- المصري: لعل أحد أهم الأمور التي كشف عنها افتتاح قاعدة برنيس العسكرية في البحر الأحمر، هي قوة وصلابة التحالف الاستراتيجي بين دولة الإمارات وجمهورية مصر العربية، وهو ما عبر عنه حرص صاحب السمو محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد العلى للقوات المسلحة، على حضور افتتاح القاعدة وجلوسه في المنصة الرئيسية إلى جانب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في رسالة واضحة على أن الإمارات ومصر معاً في مواجهة التحديات المشتركة. كما كان حضور الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع السعودي، والشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب مستشار الأمن الوطني رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة بمملكة البحرين، لفعاليات افتتاح القاعدة، تأكيداً على قوة التحالف الرباعي الإماراتي- المصري- السعودي-البحريني.
» نرمين عبدالحميد )باحثة في الشؤون السياسية والاستراتيجية)
