تبدي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً ملحوظاً بالقارة الأفريقية وهو ما يتبدى في كثافة التفاعلات السياسية والاقتصادية والتنموية بين الجانبين، واتساع مجالات التعاون التجاري والاستثماري بينهما. وتؤكد القيادة الإماراتية باستمرار حرص الإمارات على توثيق علاقاتها الأفريقية على المستويات كافة، وفي شتى الميادين، “وصولاً إلى بناء شراكة استراتيجية حقيقية، تعود بالخير والفائدة على الجانبين”،وذلك على أسس من “الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة التي تخدم مصلحة الشعوب في التنمية والتقدم والرخاء”.وخلال شهر يناير الماضي وحده زار الإمارات رئيسان أفريقيان هما: رئيس السنغال ورئيس بوركينا فاسو، وفي فبراير زارها رئيس موريتانيا.
وعلى الجانب الآخر تبدي الدول الأفريقية أهمية خاصة لعلاقاتها مع دولة الإمارات وتنظر إليها على انها نموذج تنموي رائد وملهم يمكنها الاستفادة منه والتعلم من دروسه، كما تعتبرها منفذاً لأسواق دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وآسيا.
أفريقيا… أهمية عالمية متصاعدة
ولعل أحد الجوانب الرئيسية التي تفسر التوجه الإماراتي نحو أفريقيا، الأهمية الكبيرة والمتصاعدة للقارة السمراء في العالم التي يتم النظر إليها باعتبارها “القارة الصاعدة” وأرض الفرص، ومن ثم تحرص القوى العالمية الكبرى على تعزيز ومأسسة علاقاتها معها، كما يبدو من منتدى التعاون الأفريقي -الصيني، والقمة الروسية-الأفريقية، والقمة الفرنسية-الأفريقية، وغيرها من الأطر التي تعكس اتجاه العالم نحو أفريقيا.
وفي هذا السياق تشير التقارير المتخصصة إلى زيادة عدد سكان أفريقيا من 229 مليون نسمة في عام 1950 إلى 1,2 مليار نسمة في عام 2019، ويتوقع تضاعف هذا العدد إلى 2,5 مليار نسمة في عام 2050، أي بما يعادل ربع سكان العالم، ما يعني أن القارة تمثل سوقاَ ضخمة للسلع والخدمات من كل انحاء العالم. كما يُتوقع أن تكون عشر دول إفريقية ضمن عشرين دولة حول العالم سيحقق اقتصادها أعلى معدلات نمو خلال الفترة من عام 2018 حتى عام 2022.
إضافة لما سبق، فإن 30٪ من الموارد المعدنية المستخرجة من الأرض موجودة في القارة الإفريقية، و12٪ من النفط المنتج في العالم يأتي منها، وبها أكبر احتياطيات للمعادن الثمينة في العالم، وثلثي مجموع الأراضي الزراعية غير المستغلة عالمياً. وتعد قارة أفريقيا ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، وتأتي في المرتبة الثانية بعد آسيا. ويُنظر إلى أفريقيا باعتبارها “سلة غذاء العالم” إذا ما تم الاستثمار الجيد لمواردها الزراعية، خاصة إنها تمتلك حوالي 60% من الأراضي الصالحة للزراعة غير المزروعة، على المستوى العالمي.
فضلاً عما سبق، فإن الناتج الإجمالي المحلي الأفريقي من المتوقع أن يصل العام الحالي 2020 إلى نحو 2,6 تريليون دولار، وسيصل حجم القوى الشرائية إلى نحو 4,1 تريليون دولار.وتضاعف الاستثمار في البنية التحتية في أفريقيا إلى نحو 80 مليار دولار سنوياً منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.
علاقات تجارية واستثمارية متطورة:
وفي سياق استراتيجيتها لتنويع علاقاتها الخارجية لصالح التنمية في الداخل، والبحث عن فرص استثمارية تدعم الاقتصاد الوطني وتخدم استراتيجية تنويع مصادر الدخل، واستثماراً لما تتمتع به دولة الإمارات من خبرات كبيرة في مجال التنمية، عملت الدولة على توسيع مجالات التجارة والاستثمار مع القارة الأفريقية خلال السنوات الماضية، وفي هذا السياق تشير إحصاءات وزارة الاقتصاد الإماراتية إلى نمو إجمالي التجارة الخارجية للإمارات مع أفريقيا خلال 2018، بنسبة 11,8%، مرتفعاً إلى 161 مليار درهم (43,8 مليار دولار)، مقابل 144 مليار درهم (39,3 مليار دولار) في العام2017. ومن حيث أقاليم القارة المختلفة، بلغ إجمالي تجارة الإمارات مع دول إقليم غرب أفريقيا، خلال 2018، أكثر من 33,5 مليار درهم (9,1 مليار دولار)، ومع دول شرق أفريقيا أكثر من 44,7 مليار درهم (12,2 مليار دولار)، ومع دول منطقة وسط أفريقيا قرابة 21,2 مليار درهم (5,8 مليار دولار)، ومع دول منطقة شمال أفريقيا ما يزيد على 41,4 مليار درهم (11.3 مليار دولار)، ومع دول منطقة جنوب أفريقيا ما يقارب 14 مليار درهم (3.8 مليار دولار).
إضافة لما سبق فإن دولة الإمارات هي الشريك التجاري الأول عربياً لقارة إفريقيا، والإمارات هي ثاني أكبر مستثمر أجنبي في القارة السمراء بعد الصين،بنحو 11 مليار دولار، وبحصة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تصل إلى 12%، وذلك وفق دراسة أعدتها اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة. وكان من اللافت في الأرقام التي أوردتها هذه الدراسة الزيادة الكبيرة لحجم الاستثمارات الإماراتية في افريقيا خلال فترة قصيرة، حيث كشفت الدراسة عن ارتفاع قيمة هذه الاستثمارات بنسبة بلغت 161% في 2016.وفي عام 2017 جاءت إفريقيا في المرتبة الثانية بعد آسيا من حيث الحصول على المساعدات الإنمائية الإماراتية بنسبة 28% وبقيمة 5.44 مليار درهم.
أفريقيا والأمن الغذائي الإماراتي
كما سبقت الإشارة، فإن القارة الأفريقية تمتلك موارد زراعية ضخمة تحتاج إلى استثمارها والاستفادة منها، وهذا جانب حيوي من جوانب العلاقات الإماراتية- الأفريقية، بالنظر إلى سعي الإمارات إلى تحقيق الأمن الغذائي وتنويع مصادر الغذاء، والاستثمار في القطاع الزراعي والغذائي في الكثير من دول العالم خاصة في أفريقيا،وهو ما عبر عنه الوكيل المساعد لقطاع التجارة الخارجية بوزارة الاقتصاد الإماراتية، جمعة محمد الكيتفي 2019، بقوله “في ظل خطط وجهود دولة الإمارات لزيادة استثماراتها في قطاع الزراعة في الخارج، تماشياً مع أجندتها للأمن الغذائي، فإننا نولي أهمية كبيرة لشراكاتنا التجارية مع إفريقيا، خصوصاً في القطاع الزراعي”.
وفي هذا السياق تكتسب أفريقيا أهمية خاصة، فكما سبقت الإشارة، هناك 60% من الأراضي الإفريقية الصالحة للزراعة غير مستغلة، وتقدر مساهمة قطاع الثروة الحيوانية الإفريقي ما بين 30 إلى 80% من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي في العديد من البلدان الإفريقية،كما تشير الأرقام إلى إن أفريقيا تستحوذ على 4% من إجمالي صادرات العالم من السلع الغذائية وعلى 5.2% من إجمالي واردات السلع الغذائية عالمياً، وتمثل هذه السلع ما نسبته 11.2% من إجمالي الصادرات الإفريقية للعالم.
وبالنسبة إلى موقع المنتجات الغذائية في التجارة بين أفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي، تشير الأرقام إلى أن الغذائية ومنتجاتها تساهم بنسبة 7% من إجمالي التجارة الخارجية للسلع بين أفريقيا ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما إن البلدان الإفريقية صدّرت في عام 2018 ما قيمته 3.3 مليار دولار من السلع الغذائية إلى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تمثل ما نسبته 8% من إجمالي واردات دول المجلس الغذائية، في حين بلغت واردات أفريقيا الغذائية من المنطقة 1.5 مليار دولار، تعادل ما نسبته 11% من إجمالي صادرات الغذاء الخليجية.
ما سبق يؤكد على أمر أساسي هو: أن أفريقيا عنصر مهم في استراتيجية الأمن الغذائي ليس في دولة الإمارات فقط وإنما في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل عام.
الإمارات ودعم السلام والاستقرار في إفريقيا
لا يقوم التوجه الإماراتي نحو أفريقيا على اعتبارات اقتصادية وتجارية فحسب، وإنما يمتد إلى العمل من أجل تعزيز السلام والاستقرار في القارة كذلك، في إطار سياستها التي تدعم السلام والتنمية في العالم كله. وفي هذا السياق يمكن الإشارة على الاتي:
• لعبت الإمارات دوراً مهماً في تحقيق المصالحة التاريخية بين كل من أثيوبيا وأريتريا، التي تمت برعاية المملكة العربية السعودية الشقيقة، واستضافت الإمارات في يوليو 2018 قمة ثلاثية جمعت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وأسياسأفورقي رئيس دولة إريتريا والدكتور أبي أحمد رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية.وقد لقي الدور الذي قامت به الإمارات في هذا الشأن إشادة كبيرة من قبل كل من أثيوبيا واريتريا، فضلاً عن الجهات الدولية والإقليمية المعنية.
• في ديسمبر 2019 قدمت دولة الإمارات هبة بقيمة 300 ألف دولار لدعم المنتدى الدولي للسلام والأمن في أفريقيا وذلك على إثر مشاركتها في أعمال الدورة السادسة للمنتدى في السنغال.
• في ديسمبر 2018 أعلنت الإمارات إنهاقدمت 30 مليون يورو، لمجموعة دول الساحل الأفريقي الخمسة، بهدف مساعدتها في التنمية ومكافحة الإرهاب، وإن الدعم الإماراتي لصالح بلدان المجموعة بلغ عام 2018 نحو 270 مليون دولار،وبلغت مساعداتها لصالح المجموعة 253 مليون دولار خلال السنوات الخمسة الأخيرة.
هذا الدور الإيجابي الذي تقوم به دولة الإمارات على الساحة الأفريقية، عزز ثقة دول القارة وشعوبها فيها، لأنها تروم التنمية والسلام والاستقرار، وتذهب إلى هذه الدول بالخير والنماء، وهذا فتح مجالات واسعة امام الشركات الإماراتية للعمل والاستثمار في أفريقيا، والاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز لدولة الإمارات كممر للتجارة العالمية، لبناء شراكات قوية مع نظيراتها الأفريقية.
ولا شك في إن معرض إكسبو 2020 الذي تستضيفه دبي خلال الشهور القادمة، يمثل فرصة كبرى للشركات الأفريقية لتقوية علاقاتها مع نظيراتها في الإمارات والعالم، وثمة اهتمام أفريقي ملحوظ بالمشاركة في هذا المعرض حتى عن تقريراً لوكالة الأنباء النيجيرية في ديسمبر 2019 تحدث عن الدور الريادي الذي يتوقع أن يلعبه المعرض في الساحة الإفريقية، بوصفه منصة لا تقدر بثمن لجميع دول القارة، لتعزيز علاقتها ليس مع الإمارات فقط، وإنما مع دول العالم قاطبة.