العلاقة بين القطاع التكنولوجي والعسكري في العديد من الدول وثيقة، وقد تأسست هذه العلاقة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، على العلاقة بين الجيش الأمريكي وشركات الدفاع الخاصة، مثل شركات لوكهيد مارتن وبوينج وجنرال ديناميكس وريثيون، والتي توفر العديد من الأسلحة والأنظمة المتقدمة تقنياً التي يستخدمها أفراد الجيش الأمريكي.غير أنه في الآونة الأخيرة بات من الواضح لدى الولايات المتحدة أن هناك الآلاف من شركات التكنولوجيا الأخرى، بعضها كبير وبعضها صغير جداً، والتي لديها أفكار وقدرات كبيرة يمكن أن تسهم في توفير تقنيات تساعد في الدفاع عن الولايات المتحدة. ويلاحظ أن هذا التطور تشهده العديد من الدول، بما في ذلك روسيا وإسرائيل وغيرهما.
باتت العديد من الدول تعتمد على ابتكارات القطاع الخاص، خاصة الشركات الناشئة، من أجل تطوير منتجات تكنولوجية أكثر كفاءة في أرض المعركة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
اعتماد واشنطن على الشركات الناشئة لتطوير الذكاء الاصطناعي:
استخدمت الولايات المتحدة العديد من خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي أنتجتها شركة «برايمر» (Primer)، وهي شركة أمريكية تقدم خدمات الذكاء الاصطناعي لمحللي الاستخبارات، إذ تمكنت الشركة من تسجيل المحادثات التي تتم بين أفراد الجيش الروسي عبر اتصالات غير مشفرة، وكتابتها وترجمتها وتحليلها تلقائياً.
وتقدم الشركات التي تقوم بتسويق الذكاء الاصطناعي العسكري ادعاءات جريئة حول قدرات منتجاتها، إذ يزعمون أنها يمكن أن تساعد في تحليل بيانات الأقمار الصناعية، وتحديد الأنماط في البيانات لتمكين الجنود من العمل بسرعة أكبر في ساحات المعارك، كما يمكنها المساعدة في تحديد الهدف من خلال برنامج التعرف على الصور، وغيرها من القدرات. ولذلك أعلن حلف الناتو عن إنشاء صندوق ابتكار بقيمة مليار دولار أمريكي في 30 يونيو 2022، والمخصص للاستثمار في الشركات الناشئة والخاصة التي تعمل على التقنيات «ذات الأولوية» للحلف مثل الأتمتة ومعالجة البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي. وسعت العديد من الشركات التكنولوجية الناشئة لاستغلال الحرب الروسية – الأوكرانية لتسويق منتجاتها المبتكرة ذات التطبيقات العسكرية. ومن ذلك على سبيل المثال، قيام شركة «كابيلا سبيس»، وهي شركة ناشئة مقرها سان فرانسيسكو، ببناء أسطول من الأقمار الصناعية الصغيرة غير المكلفة التي يمكنها تتبع قوات العدو أثناء تحركها ليلاً، أو تحت غطاء السحب، والتي لا تستطيع الأقمار الصناعية التقليدية رؤيته. وتريد شركة «فورتيم تكنولوجيز»، وهي شركة طيران صغيرة في ولاية يوتا، تزويد البنتاجون بنوع جديد من الطائرات المسيرة التي يمكنها تعطيل طائرات العدو المسيرة.
الشركات الروسية الناشئة تطور مُسَيَّرات أرخص:
كان من الواضح في بداية الحرب الروسية – الأوكرانية أن موسكو لم تستثمر بما فيه الكفاية في تطوير طائرات مسيَّرة، غير أنه بدءاً من مطلع العام 2023، تمكنت روسيا من تجاوز هذه المشكلة جزئياً، وذلك عبر الطائرة المسيرة «لانتسيت»، والتي قامت بتطويرها مجموعة كلاشينكوف، وهي إحدى الشركات العسكرية الروسية الحكومية. وتمكنت الطائرة المسيَّرة الروسية من تدمير عدد كبير من المدرعات الغربية، بما ذلك المدرعة برادلي، والدبابة الألمانية ليوبارد.
وعلى الرغم من هذا النجاح، يشير البعض إلى أن تكلفة إنتاج الطائرة المسيرة لانتسيت مرتفعاً، ولذلك بدأت بعض الشركات الخاصة في تطوير طائرات مسيرة جديدة مثل «بريفيت – 82» (Privet-82)، وهي من إنتاج إحدى الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتحديداً شركة أوكو (Oko)، والتي يقع مقرها في مدينة سانت بطرسبرج الروسية، والتي تتخصص في إنتاج المركبات الجوية العسكرية المسيرة منخفضة التكلفة.
ويلاحظ أن «بريفيت – 82» هي المنافس المباشر للطائرة المسيرة «لانتسيت 3»، إذ أنها تعمل كذلك بمحرك كهربائي، ومع مدى طيران يصل إلى عشرين ميلاً، وتستطيع أن تحمل رأساً حربياً يبلغ وزنه اثني عشر رطلاً. وتستطيع التحليق بسرعة تتراوح ما بين 55 ميلاً و100 ميل في الساعة. وتتمتع المسيرة الجديدة بالعديد من مزايا لانتسيت، خاصة فيما يتعلق بقدرتها على مقاومة التشويش، وتستخدم مزيجاً من الملاحة عبر الأقمار الصناعية والتوجيه عن بعد من خلال طيار يتواجد في غرفة تحكم. وفي المرحلة النهائية من الهجوم، تستخدم «بريفيت – 82» رؤية الكمبيوتر لتحديد الأهداف تلقائياً. وتستطيع الشركة أن تنتج ما يصل إلى مائة طائرة مسيَّرة شهرياً، وهو ما يفوق عدد الطائرات التي يمكن إنتاجها من طائرات لانسيت المسيرة.
وأشار بعض المحللين الدفاعيين الغربيين إلى أن روسيا تستفيد من حربها الدائرة في أوكرانيا، إذ تتعلم من أخطائها بسرعة عالية، وتقوم بإدخال تكنولوجيات جديدة بسرعة شديدة. ولا شك أن الشركات الناشئة سوف تلعب دوراً كبيراً في إدخال هذه النوعية من التكنولوجيات، إذا ما تمكنت من تقديم أسلحة جديدة للجيش الروسي تثبت كفاءتها في ساحات القتال.
مأسسة إسرائيل التعاون مع الشركات الناشئة:
يسعى الجيش الإسرائيلي للاستفادة من التقنيات التكنولوجية التي تطورها الشركات الناشئة، والتي تسعى للبحث عن تطبيقات عسكرية لها. فقد أنشأ قسم البحث والتطوير في وزارة الدفاع الإسرائيلية برنامجاً في عام 2019 يسمى «برنامج إينوفينس» والذي يهدف لأن يكون مركزاً للابتكار يساعد الشركات الناشئة الشريكة في التمويل، إذ يقوم البرنامج بالتواصل مع هذه النوعية من الشركات، ويقوم بإمدادها بتمويل قدره 50 ألف دولار، وحوالي أربعة أشهر، وذلك لتقديم نموذج تكنولوجي مبتكر قابل للتطبيق، وإذا ما تمكنت الشركة الناشئة من تجاوز هذه المرحلة، فإنها تنتقل إلى المرحلة الثانية، والتي تؤهلها للحصول على عقد شراء لمنتجها، أو تمويل يمكنها من تطوير مشروعها، أو تحصل على تمويل من الشركات العسكرية الكبرى التي تعمل مع الجيش الإسرائيلي، على غرار الشركات الثلاث الكبرى، إلبيت، ورفائيل، وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية «آي إيه آي».
وعلى سبيل المثال، اختارت شركة صناعة الفضاء الإسرائيلية خمس شركات ناشئة للعمل مع مهندسيها وخبرائها لإنشاء منتجات لصالح الشركة، بما في ذلك أجهزة الاستشعار وأنظمة الذكاء الاصطناعي وغيرها.
عوامل دافعة
لعبت العديد من العوامل دوراً كبيراً في دفع الحكومات حول العالم للاعتماد على شركات التكنولوجيا الناشئة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
تغير بيئة الأمن الدولي: باتت بيئة الأمن الدولي تعتمد على الابتكارات التي يجري تطويرها من جانب المعامل الجامعية، وقطاع التكنولوجيا، والأبحاث العسكرية، إذ تقدِّم هذه الكيانات أفكاراً مبتكرة وأسلحة منخفضة التكلفة وتكنولوجيات مزدوجة الاستخدام، والتي تترك تأثيرات مباشرة على الأمن الدولي، إذ أن التكنولوجيات المبتكرة ومزدوجة الاستخدام يتم توظيفها لأغراض تقوض الاستقرار والسلام، من جانب الدول المعادية، والميليشيات المسلحة من دون الدول على حد سواء، كما في توظيف الطائرات المسيرة من جانب الجماعات الإرهابية على سبيل المثال، لتهديد البنية التحتية الحيوية. وأمام مثل هذا التطور باتت الحكومات في حاجة إلى تطوير أفكار سريعة ومبتكرة لمواجهة هذه التحديات الجديدة ذات الطبيعة التكنولوجية، وهو ما يمكن أن تسهم فيه الشركات الناشئة.
تحول موطن الابتكارات: كانت الجيوش الوطنية هي القائد للابتكارات التكنولوجية، بلا منازع، خلال معظم القرن العشرين. وكانت التكنولوجيا المطورة في مختبرات الدفاع تتدفق في كثير من الأحيان إلى القطاعات المدنية. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، مثل الإنترنت، والذي تم تطويره في عام 1969 بواسطة علماء يعملون في وزارة الدفاع الأمريكية، وذلك بهدف ربط الجامعات والوكالات الحكومية والمتعاقدين الدفاعيين في جميع أنحاء الولايات المتحدة بشبكة اتصال لامركزية، إذ أن إنشاء مركز اتصال مركزي كان سيصبح هدفاً رئيسياً للتجسس من قبل الخصوم، ثم أصبح الإنترنت يستخدم في الاستخدامات المدنية بدءاً من مطلع التسعينات من القرن العشرين. ويأتي من ضمن الابتكارات كذلك أنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية، والتي تساعد الآن في التنقل من نقطة إلى أخرى، إذ أن ذلك يتم باستخدام مجموعة من الأقمار الصناعية التي أنشأتها وزارة الدفاع الأمريكية لأول مرة في السبعينات من القرن العشرين باستخدام تقنية نظام تحديد المواقع العالمي. وأتيح للاستخدامات المدنية بشكل محدود في عام 1983، قبل أن يتم توسيع الاستخدامات المدنية بحلول عام 1993.
ولكن في تسعينات القرن الماضي، وبسبب الانخفاض الكبير في ميزانيات الدفاع، أصبحت الميزانية المخصصة للبحث والتطوير في القطاعات المدنية تفوق بأربعة أضعاف نظيرتها العسكرية، وبالتالي أصبحت الشركات المدنية هي المحرك الرئيسي للابتكارات حول العالم. وبناءً على ذلك، تبنى قطاع الدفاع نهجاً مرناً يقوم على الاستفادة من التقنيات الجديدة التي طورها القطاع المدني. كما شرعت الشركات التكنولوجية الكبرى في وادي السيليكون بالولايات المتحدة بالعمل في مجال الدفاع، مثل شركة «إنتل»، و«جوجل» و «بلانيت» و «أي 3». فقد استحوذت شركة «إنتل» على شركة «أسيندنج تكنولوجيز» (Ascending Technologies)، التي تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي للطائرات المسيرة، وشركة «موفيديس» (Movidius)، والتي تطور الرقائق للطائرات المسيرة، وشركة «مافينشي جي إم بي إتش» (MAVinci GmBH)، والتي تطور برنامج تخطيط مسار الرحلة لهذه النوعية من الطائرات. ولذلك كان تنامي العلاقات التعاونية بين وزارة الدفاع الأمريكية وهذه الشركات أمراً طبيعياً، خاصة إذا ما تمكنت الأخيرة من تطوير منتجات تكنولوجية ناجحة ذات استخدامات دفاعية يمكن أن تسوقها للجيش الأمريكي.
ولذلك، فإن سعي وزارات الدفاع حول العالم لتطوير علاقات مع الشركات الناشئة هو أمر منطقي تماماً، خاصة وأن الأخيرة تعد إحدى القوى الرئيسية التي تطور التكنولوجيات الإرباكية. ويقصد بها تلك التكنولوجيا الناشئة، التي تغير المفاهيم السائدة في المجالات العسكرية وتدفع إلى تغيير طريقة التفكير، وكذلك آليات العمل في مسعى للحفاظ على ميزة عسكرية في المستقبل أمام الخصوم. ولذلك فإن وزارات الدفاع تسعى إلى تطوير التكنولوجيا الإرباكية التي تمكنها من تحقيق التفوق العسكري على الخصوم، وامتلاك جيل جديد من الأسلحة يمكن أن يساهم في الانتقاص من فائدة الأسلحة القديمة، وفتح الباب أمام امتلاك أسلحة جديدة. ولعل من الأمثلة الرئيسية على ذلك الطائرات المسيرة، والتي تتوسع أغلب جيوش العالم على تطوير أجيال متقدمة ومتنوعة منها.
عودة صراعات القوى الكبرى: يلاحظ أن تجدد الصراعات بين القوى الكبرى في النظام الدولي، وتحديداً بين روسيا والولايات المتحدة حول أوكرانيا، أو بين واشنطن وبكين حول تايوان، قد ساهم في زيادة الإنفاق العسكري والبحث عن الابتكارات التكنولوجية، التي تساهم في مواجهة أوجه القصور الحالية في أداء الجيوش وقت القتال، أو في تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة للتحديات التي تواجهها الجيوش في ساحة المعركة.
ولعل من المؤشرات الدالة على ذلك، موافقة أصحاب رؤوس الأموال في الولايات المتحدة على أكثر من 200 صفقة دفاعية في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2023، بقيمة تقارب 17 مليار دولار، وهو ما يفوق حجم الأموال التي جمعها هذا القطاع خلال عام 2019 بأكمله. وارتفعت الاستثمارات الموجهة إلى الشركات الدفاعية الناشئة من أقل من حوالي 16 مليار دولار بقليل في عام 2019، إلى حوالي 33 مليار دولار في 2022. ونظراً لتوقع ارتفاع الميزانية العسكرية الأمريكية إلى حوالي 886 مليار دولار في عام 2024، فإنه من المتوقع أن تحصل الشركات الناشئة على حصة كبيرة من هذه الميزانية، وهو الأمر الذي شجع كبرى الشركات التكنولوجية الأمريكية إلى توجيه جانب من استثماراتها للاستحواذ على الشركات الدفاعية الناشئة، فقد بدأت شركتا أندريسن هورويتز وسيكويا كابيتال الاستثمار في الشركات التي تصنع منتجات دفاعية، بالإضافة إلى أنظمة الأسلحة «الحركية» لأول مرة.
التكنولوجيا مزدوجة الاستخدام: يلاحظ أن العديد من التطبيقات التكنولوجية باتت مزدوجة الاستخدام، وتؤكد الحرب الروسية – الأوكرانية هذه الحقيقة بجلاء، فقد قدمت شركة «سبيس إكس» الأمريكية خدمات الاتصالات عبر الإنترنت للجيش الأوكراني، والتي نجحت في تجنب التشويش الروسي. كما أن شركة «هوك آي 360» أمدت الجيش الأوكراني بخدمات التصوير الراداري عبر الأقمار الصناعية لكشف حركة القوافل العسكرية الروسية.
التحديات القائمة
يلاحظ أنه على الرغم من الفرص الكبيرة التي تقدمها الشركات الناشئة لوزارات الدفاع في الدول المختلفة، فإنه من الملاحظ أنها لاتزال تواجه تحديات هائلة، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
تحدي «وادي الموت»: يعني هذا المصطلح في الاستخدامات العسكرية معنيين أساسيين، وهما نفاد الموارد المالية من الشركة وهي تطور نموذجاً أولياً، وذلك بسبب إخفاقها في الحصول على عقد مع الحكومة لشراء منتجها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى إفلاس الشركة، وخروجها من السوق، وينطبق ذلك الأمر بشكل رئيسي على الشركات الناشئة محدودة الموارد. كما يشير المصطلح إلى معنى ثانٍ، وهو إخفاق الشركات الدفاعية في الانتقال من النماذج الأولية إلى منتجات نهائية بسبب بيروقراطية وزارة الدفاع الأمريكية، إذ تحتاج الأخيرة إلى وقت طويل لكي تتمكن من تجربة النماذج الأولية، والتأكد من وملاءمتها للاستخدامات القتالية. ويلاحظ أن هذا التحدي قد يكبد الشركات الناشئة خسائر فادحة، ويدفعها للخروج من السوق في النهاية.
انتقاد خصخصة الدفاع: تصاعدت الانتقادات في الولايات المتحدة من بعض الدوائر الداخلية، وذلك على أساس أن الخصخصة المفرطة لشركات الأسلحة، خاصة في أعقاب الحرب الباردة، أدى إلى تراجع إنتاج بعض الأسلحة الأمريكية، مثل الذخيرة وغيرها، واللازمة لدعم الجيش الأوكراني في حربه ضد نظيره الروسي. فقد كانت الولايات المتحدة في أوائل الأربعينات من القرن العشرين تمتلك ما يقرب من 90 % من الطاقة الإنتاجية للطائرات والسفن والمدافع والذخيرة، وهو ما يختلف عن الوضع الحالي، والذي يسهم فيه القطاع الخاص بأكثر من 88 % من عقود المشتريات الجديدة للبنتاجون منذ عام 2011، كما يستثمر رأس المال الخاص أكثر من 6 مليارات دولار سنوياً في صناعة الدفاع.
ووفقاً لهذا الرأي، فإن الولايات المتحدة لا تملك القوة العاملة اللازمة لإنتاج أسلحة كافية لدعم أوكرانيا، إذ إن الولايات المتحدة وقفت عاجزة عن دعم أوكرانيا بعدد صواريخ «جافلين» التي طلبتها، وذلك بعد أن استنفدت الأخيرة مخزونات كان من المفترض أن تكفي لمدة خمس سنوات من هذه الصواريخ في الأشهر الستة الأولى من الحرب. كما أنها استهلكت ما كان من المفترض أن يكون إمداداً لمدة ست سنوات من صواريخ «ستينجر» في غضون عشرة أشهر فقط.
وعندما انفجر أحد المصانع القليلة المملوكة للمقاولين العسكريين الأمريكيين، والتي تنتج البارود الأسود لقذائف المدفعية في عام 2021، فإنه لم تتم إعادة بناء المصنع من جديد، لأنها لن تستطع تحقيق ربح كافٍ. ومن المتوقع أيضاً أن تؤثر الانقطاعات في سلاسل التوريد العالمية على صناعة الدفاع في المستقبل المنظور، وذلك على الرغم من أن الصناعة تتوقع زيادة في المبيعات وهوامش الربح خلال العام المقبل، إذ إن عمليات التأخر في الإنتاج، واضطراب الإمداد، وتجاوزات تكاليف الإنتاج الفعلية التقديرات الأولية سوف تؤثر على قدرة الصناعات العسكرية الأمريكية الخاصة على إنتاج الأسلحة المطلوبة. ووفقاً لهذا الرأي، فإنه يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل بصورة أكبر في عملية الإنتاج العسكري، وذلك عبر الاستحواذ على بعض الشركات الدفاعية، وذلك لإنتاج نوعيات الأسلحة التي تعتبر غير مربحة، وذلك حتى تتمكن واشنطن من استعادة مخزونات بعض الأنواع من الأسلحة عند مستوياتها الطبيعية، والتي استنفدت بسبب إمداد أوكرانيا بها. وقد تتجه الولايات المتحدة إلى تبني هذا الرأي، وهو ما سيؤثر بدوره على الشركات التكنولوجية الناشئة، إذ أن أغلب الإنفاق لوزارة الدفاع سوف يتم توجيهه في هذه الحال إلى الإنتاج العسكري الحكومي، أو للاستحواذ على جانب من الشركات الدفاعية الخاصة.
الخاتمة
وفي الختام، يلاحظ أنه على الرغم من التحديات الهائلة التي تواجه الشركات الناشئة حول العالم، وخاصة فيما يتعلق بقدرتها على تقديم تكنولوجيا مبتكرة تكون قابلة للتطبيق بنجاح من جانب الجيوش المختلفة، فإن هذه الشركات الناشئة ستظل جزءاً لا يتجزأ من المشهد الدفاعي في أغلب دول العالم، وذلك بسبب قدرتها على تقديم تقنيات متقدمة يمكن أن تسهم في تطوير تكنولوجيا إرباكية قادرة على تحقيق ميزة عسكرية على الخصوم.
» الدكتور شادي عبدالوهاب باحث عسكري واستراتيجي