د. إبراهيم عبد سعود الجنابي (واعظ بمديرية التوجيه المعنوي(
كان النبي صلى الله عليه وسلـم حريصاً على أن يكون جيشه مستعداً للقتال ومواجهة الأعداء على أكمل الوجوه، ويبدأ هذا الاستعداد بغرس الإيمان والشجاعة في نفوس الجنود، ثم بتحضيرهم للمعركة نفسياً وبدنياً ومادياً من خلال تهيئة جميع أسباب القتال من السلاح والعتاد ووضع الخطط العسكرية.
ومن المواقف العسكرية التي تبين ذلك، موقفه صلى الله عليه في معركة أحد، حين بلغت الأخبار إلى النبي صلى الله عليه وسلـم بأن الأعداء من كفار قريش قد تحركوا من مكة المكرمة قاصدين المدينة المنورة بقصد القضاء على المسلمين واسترداد هيبتهم المستباحة يوم بدر.
حين ذاك، بدأ النبي صلى الله عليه وسلـم الاستعداد لمواجهة هذا العدوان وردع الخطر الذي يهدد واحة الإيمان طيبة المدينة المنورة.
فكان أول الاستعداد أنه صلى الله عليه وسلـم جمع الصحابة رضي الله عنهم وأخذ يستشيرهم في شأن القتال.
فلما أبدوا استعدادهم، استنفرهم للخروج إلى أحد، بعد أن كان رأي الأغلبية الخروج إلى القتال قبل وصول الأعداء إلى المدينة.
ثم استعرض أصحابه رضي الله عنهم، فكان يقبل منهم مَنْ كان من أهل القوة والبسالة في الحرب، ويرد من كان لا يقوى على القتال، وهنا يظهر جانب الاستعداد البدني في المقاتلين، فلا يخوض المعركة إلا من هو مستعد لها تمام الاستعداد.
ثم خرج من المدينة إلى أحد، وسبق الأعداء إلى أرض المعركة، فأعدَّ أرض المعركة، ووضع خطته المحكمة التي ضمنت له النصر حينما تم الالتزام بها وصارت الغنائم لا تجد من يأخذها.
وكانت هذه الخطة تشتمل على تضييق أرض المعركة على العدو، لا سيما أن عدد جيش الأعداء أكثر من عدد جيش المسلمين. من خلال وضع الرماة على جبل صن خلال الاستناد إلى جبل أحد وحماية ظهر الجيش بجبل أحد، ثم وضع الرماة على جبل صغير يمنع الأعداء من الالتفاف خلف جيش المسلمن.
ومن دروس الاستعداد، ما فعله المسلمون يوم الأحزاب، حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلـم بحفر الخندق لمنع جيش الأعداء من اقتحام المدينة المنورة وإهلاك الحرث والنسل.
ومن الاستعداد الحرض على الكفاءة القتالية، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلـم يشرف على الجاهزية القتالية، ولأجل هذا يختبر القوة البدنية برياضة المصارعة، ويختبر تقنية استعمال السلاح من خلال الرماية والمبارزة.
ومن الاستعداد معرفة أخبار الأعداء وأحوالهم حتى يكون الاستعداد على حسب التحدي، ولقد كان يبعث العيون والجواسيس الذين يستطلعون المعلومات العسكرية عن العدو.
ومن الاستعداد رفع الروح المعنوية للمقاتلين، وتذكيرهم بالأهداف المهمة التي يقصدونها من وراء القتال، وهو إعلاء كلمة الحق والعدل كلمة الله جل جلالـه، ونصر المستضعفين، وردع العدوان وإحلال السلام وتحقيق الأمن. قال تعالى (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) سورة النساء.
ومن ذلك وعظهم وتذكيرهم بالله تعالى والحرص على الإخلاص والصدق والثبات، وترغيبهم بالثواب العظيم والنعيم المقيم الذي ينتظرهم إن أكرمهم الله بالشهادة والإصابة، وتحقق العزة والنصر إن أكرمهم الله بالانتصار.
ومن أعظم أسباب الاستعداد التوكل على الله والاستعانة به فهو الناصر والحافظ والموفق سبحانه وتعالى.
قال تعالى: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) سورة آل عمران.