عمر المختار أسد الصحراء

مجاهد ليبي، قاوم الغزو الإيطالي لبلاده في الفترة من 1911 إلى 1931. لقبه الليبيون بـ”شيخ المجاهدين” و”أسد الصحراء”، أَسَرَه الإيطاليون، وعقدوا له محاكمة صورية قضت بإعدامه شنقاً في 16 سبتمبر 1931.

المولد والنشأة

ولد عمر بن المختار بن عمر المنفي عام 1862 في قرية جنزور بالبطنان في منطقة الجبل الأخضر ببرقة شرقي ليبيا.

والده المختار بن عمر من قبيلة المنفة، توفي في رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج، فتولى الشيخ حسين الغرياني (شيخ زاوية جنزور السنوسية) رعايته وشقيقه محمد بوصية من أبيه، فأدخلهما مدرسة القرآن الكريم بالزاوية، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي.

الدراسة والتكوين

التحق عمر المختار بمعهد واحة الجغبوب التي كانت آنذاك عاصمة للدعوة السنوسية شرقي ليبيا، فدرس فيه مدة 8 سنوات العلوم الشرعية من فقه وحديث وتفسير.

وقد تميز بثقافة دينية عميقة وبشخصية قيادية عززتها نشأته في الصحراء، حيث خبر القبائل وحروبها، وتعلم وسائل فض الخصومات البدوية، كما أصبح ماهراً بمسالك الصحراء.

الوظائف والمسؤوليات

شق عمر المختار طريقه نحو الزعامة مبكراً حين حاز ثقة مشايخ الدعوة السنوسية، فأسند إليه محمد المهدي السنوسي (شيخ الدعوة) مشيخة “زاوية القصور” بالجبل الأخضر 1897، واختاره ليرافقه إلى تشاد عندما قرر نقل قيادة الزاوية السنوسية إليها 1899.

المسار الجهادي

شارك عمر المختار أثناء وجوده بتشاد في المعارك التي خاضتها كتائب السنوسية (1899-1902) ضد الفرنسيين الذين احتلوا المنطقة، وكانت لا تزال وقتذاك ضمن الأراضي الليبية.

وفي سنة 1908 دُعي للمشاركة في المعارك بين السنوسيين والقوات البريطانية على الحدود الليبية المصرية.

وتولى قيادة “المجلس الأعلى” للعمليات الجهادية الذي أدار أعظم المعارك في التاريخ الليبي مع المحتلين الإيطاليين، خاصة بعد انسحاب الأتراك من البلاد عام 1912 بموجب معاهدة لوزان التي تخلوا فيها لإيطاليا عن ليبيا.

ألحق المجاهدون بقيادة عمر المختار بالغزاة هزائم مريرة، فقتلوا مئات الضباط والجنود، وخاضوا مئات المعارك في حرب استمرت 20 عاماً.

ولما انسحب السنوسيون من ليبيا إلى مصر 1922، ظلت الحرب قائمة بقيادته، وعندما حاصره المحتلون سنة 1926 في الجبل الأخضر، لجأ إلى حرب العصابات، فأجبرهم على طلب مفاوضته سنة 1929، لكنه رفض مطالبهم بوقف القتال والخروج من البلاد، واستأنف قتالهم حتى وقع في الأسر وأعدم عام 1931.

خبير المسالك الصحراوية

استفاد عمر المختار من سنوات قضاها متنقلاً بين منطقة الجغبوب وصولاً إلى الكفرة في جنوب الصحراء الليبية، وخبر الطريق من برقة إلى مصر والسودان، فعرف المسالك الصحراوية واستفاد من تنقله بين القبائل ليكسب سمعة طيبة لديها جعلتها تستجيب له حين استعد للمعارك ضد المستعمر الإيطالي، فكوّن كتائب من المقاتلين تحت إمرته، وقاد عمر المختار القتال ضد المستعمر الإيطالي.

توقيع هدنة من موقع قوة.. مفاوضة الند للند

بدأ عمر المختار بانتهاج تكتيك سياسي جديد، إذ أيقن رغم الانتصار الذي حققه مقاتلوه أن الحكومة الفاشية لن تتراجع حتى تتمكن من إبادة المقاومين، وقرر فك عزلة الثوار بإرسال مقاومين للتعريف بالقضية الليبية في أوروبا ودول إسلامية، وفي المقابل أظهر عبقرية عسكرية أجبرت القوات الإيطالية على إيقاف عملياتها طوال العام 1928.

وفي منتصف العام 1929 تفاوضت القوات الإيطالية مع عمر المختار بشروطه، وكانت في الواقع تحاول كسب الوقت للإيقاع به عن طريق تنظيم صفوفها ووضع خطط للدخول في حرب عصابات مع الثوار الليبيين.

أجبر عمر المختار حاكم طرابلس وبرقة على مقابلته والتفاوض معه نداً لندٍّ، وتشبث بشروطه مقابل قبول الهدنة مع الإيطاليين، ولم يكن يثق بالجنرالات الذين اجتمع معهم في لقاء ودي بعد الاتفاق على وقف الهجمات، وما لبثت أن سقطت الهدنة بعد أن تفطن المختار إلى قيام الجنرالات الإيطاليين ببث الفتنة بين المقاتلين الليبيين، وكان ذلك بعد هجوم على دورية إيطالية اتهمت فيه الحكومة الإيطالية المختار بالخيانة.

معركة بئر الغبي

كان عمر المختار الذراع اليمنى للأمير إدريس السنوسي، حتى أن الأمير أوكل له مهمة قيادة العمل العسكري في ليبيا، مقابل اضطلاع السنوسي بدور سياسي في مصر، وتعاظم وجوده في الأراضي الليبية وفي منطقة الجبل الأخضر بالتحديد، وكبر معه قلق المستعمر الإيطالي وأصبحوا يتعقبونه، خاصة أنه تمكن في معارك مثل معركة بئر الغبي من رد هجوم قاده الإيطاليون ضد المختار ومجموعة صغيرة من المقاتلين الذين كانوا يرافقونه.

بعد وصول الفاشيين إلى الحكم، بدأت إيطاليا باستعراض قوتها وألغت كل الاتفاقات التي عقدتها الحكومات الإيطالية السابقة مع السنوسيين، وكان هدفها الأول هو القضاء على الثوار، وكان رأس المجاهد عمر المختار قد نضج وأينع بعد أن تمكن من جمع القبائل الليبية في الجبل الأخضر ولمّ شمل الثوار من جديد.

كانت إعادة ترتيب صفوف الثوار ضربة قاصمة للإيطاليين الذين راهنوا على انقسام الليبيين في تلك الفترة، خاصة بعد هجرة إدريس السنوسي إلى مصر، لكن المقاتلين الليبيين أنهكوا القوات الإيطالية بسبب انتهاجهم حرب العصابات، وهو ما اعترف به حاكم برقة في مذكراته “برقة الخضراء” بأن حرب العصابات التي انتهجها مقاتلو عمر المختار تركت أثراً معنوياً سيئاً على الجنود الإيطاليين الذين لم يتمكنوا من إيقاف هجمات الثوار الليبيين.

معسكرات الجبل الأخضر

تمركزت في الجبل الأخضر أربعة معسكرات للثوار، وتمكن عمر المختار من تنظيم العمل العسكري في صفوف مقاتليه وأوجد رتباً عسكرية، ولقب بنائب الوكيل العام، وجعل أحد المراكز العسكرية مقراً له.

كانت كل خطوة يقوم بها عمر المختار لتنظيم صفوف الثوار أو لكسب تأييد القبائل التي تولت إمداد مقاتليه بالمؤونة والذخيرة، تزيد من قلق القوات الإيطالية تجاهه، حتى أدركت بالفعل أنه كان قلب المقاومة في الجبل الأخضر.

في العام 1927 دخل عمر المختار على مضض في هدنة مع القوات الإيطالية، وذلك تنفيذاً لأوامر السنوسي، رغم أنه حاول قبل ذلك إقناع بعض القبائل بالعدول عن الهدنة بعد نجاح القوات الإيطالية في احتلال قسم كبير من منطقة فزان، لكن عمر المختار عاد إلى القتال بعد ذلك ضدّ الجيش الإيطالي.

وفي الثامن والعشرين من شهر آذار من العام 1927 أوقع الثوار هزيمة كبيرة بالإيطاليين في معركة الرحيبة، وكان انتصار المقاتلين الليبيين قد أثار غضب الحكومة الإيطالية، فالجيش الإيطالي كان يواجه مقاتلين يفتقرون للخبرة العسكرية والعتاد، لكنه مني بهزائم مخزية، وقررت الحكومة الإيطالية مضاعفة عدد قواتها ومهاجمة عمر المختار، لكن بعد معارك ضارية تراجعت القوات الإيطالية وكانت منهكة بالكامل.

الأسر والوفاة

كان من عادة عمر المختار في كل سنة الانتقال من مركز إقامته إلى المراكز الأخرى التي يقيم فيها المجاهدون لتفقد أحوالهم، مصطحباً قوة كافية تحرسه.

وفي عام 1931 ذهب المختار كعادته، لكن في نفر قليل يقدر بمئة فارس، ثم عاد فردَّ من هذا العدد 60 فارساً وذهب في 40 فقط.

وفي الجبل الأخضر، يوجد واد عظيم اسمه وادي الجريب، وهو صعب المسالك كثير الغابات، كان لا بد من اجتيازه، فمر به عمر المختار ومن معه، وباتوا فيه ليلتين.

وعن طريق عملائها، علمت إيطاليا بمكان المختار، فأمرت بتطويق الوادي من جميع الجهات، فوقع المختار ورفاقه وسط العدو، والتحمت المعركة داخل الوادي.

أصيب عمر المختار بجراح في يده، وأصيبت فرسه بضربة قاتلة، وحُصرت يده السليمة تحت الفرس فلم يتمكن من سحبها، ولم تسعفه يده الجريحة.

ويوم 11 سبتمبر/أيلول 1931، هجم الجنود الطليان على المختار دون أن يعرفوا شخصيته في البداية، وتم القبض عليه، وتعرَّف عليه أحد الخونة، وجاء الكمندتور داود باتشي متصرف درنة ليتعرف عليه، ونقل المختار سريعاً إلى ميناء سوسة محاطاً بعدد كبير من الضباط والجنود الإيطاليين، ومن ثم نقل فوراً إلى بنغازي عن طريق البحر.

قدم الإيطاليون المختار لمحاكمة عسكرية صورية في بنغازي حكمت عليه بالإعدام شنقاً، فنفذ فيه الحكم أمام آلاف الليبيين صباح يوم 16 سبتمبر 1931.

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض