Special forces soldier, military communications operator or maintainer in helmet and glasses, screaming in radio during battle in desert. Calling up reinforcements, reporting situation on battlefield

الأنا العالية بين ما يجب التحلي به وما يجب التحرر منه (نصائح للقادة)

تُعتبر‭ “‬الأنا‭ ‬العالية‭” ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬تُثير‭ ‬الجدل‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع،‭ ‬نظراً‭ ‬لما‭ ‬تنطوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬متعددة‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭ ‬سماتٍ‭ ‬إيجابيةٍ‭ ‬يجب‭ ‬التحلي‭ ‬بها،‭ ‬وأخرى‭ ‬سلبيّةٍ‭ ‬يجب‭ ‬التحرزُ‭ ‬والتحررُ‭ ‬منها‭! ‬يُلُخص‭ ‬مفهوم‭ “‬الأنا‭ ‬العالية‭” ‬بكونها‭ ‬ذلك‭ ‬الإحساس‭ ‬القوي‭ ‬بالذات‭ ‬الذي‭ ‬يعكس‭ ‬الثقةَ‭ ‬بالنفس‭ ‬والطموح،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬قد‭ ‬يتجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬ليصبح‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬التمركز‭ ‬حول‭ ‬الذات‭ ‬أو‭ ‬النرجسية،‭ ‬وقد‭ ‬يتفاقم‭ ‬الأمر‭ ‬فيعتقد‭ ‬القائدُ‭ ‬المتصفُ‭ ‬بها‭ ‬–‭ ‬سواء‭ ‬علم‭ ‬بذلك‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يعلم‭ ‬–‭ ‬أنَّ‭ ‬مصلحةَ‭ ‬المؤسسةِ‭ ‬ومصلحتَه‭ ‬الذاتيةِ‭ ‬أمران‭ ‬مترادفان‭ ‬لا‭ ‬فرق‭ ‬بينهما‭.‬

وبينما‭ ‬تُعتبر‭ ‬هذه‭ ‬الصفة‭ ‬أداةً‭ ‬فاعلة‭ ‬لتحقيق‭ ‬القيادة‭ ‬والإبداع،‭ ‬لكنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬سيفاً‭ ‬ذا‭ ‬حدّين‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تُدار‭ ‬بشكلٍ‭ ‬سليم‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يُطرح‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأفراد،‭ ‬خاصةً‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يتقلدون‭ ‬مناصب‭ ‬قيادية،‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬إيجابياتٍ‭ ‬مثل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬بثقة،‭ ‬أو‭ ‬سلبياتٍ،‭ ‬مثل‭ ‬انعدام‭ ‬المرونة‭ ‬وتجاهل‭ ‬آراء‭ ‬الآخرين‭ ‬والسعي‭ ‬للإنجاز‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المرؤوسين‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬تظهر‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬منهجية‭ ‬لاستكشاف‭ ‬هذه‭ ‬الصفة،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬للفرد،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المؤسسي‭ ‬عبر‭ ‬أدوات‭ ‬تقييم‭ ‬تستخدمها‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬بتأهيل‭ ‬القادة‭ ‬لضمان‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬والتواضع‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭. ‬إن‭ ‬القصد‭ ‬هو‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬صفة‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬مع‭ ‬بيان‭ ‬إيجابياتها‭ ‬وسلبياتها،‭ ‬ومناقشة‭ ‬بعض‭ ‬الأدوات‭ ‬والطرق‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬تحلي‭ ‬القادة‭ ‬بالجوانب‭ ‬الإيجابية‭ ‬وتحررِهم‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬السلبية‭ ‬‮«‬للأنا‭ ‬العالية‮»‬‭.‬

بدأ‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬يأخذ‭ ‬صبغة‭ ‬علمية‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬ترجمة‭ ‬أعمال‭ ‬سيغموند‭ ‬فرويد‭. ‬حيث‭ ‬قُدم‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الأنا‭ (‬Ego‭)‬‮»‬‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬النظرية‭ ‬النفسية‭ ‬لفرويد‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الهُوَ‭ ‬Id‮»‬‭  ‬و«الأنا‭ ‬الأعلى‭ (‬Superego‭)‬‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬السلبي‭ ‬لصفة‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مصطلحات‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬أخلاقي‭ ‬وديني،‭ ‬مثل‭ ‬الغرور،‭ ‬الكِبرياء‭ ‬أو‭ ‬التعالي‭. ‬فقد‭ ‬تناول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمفكرين‭ ‬المسلمين‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬كابن‭ ‬قيِّم‭ ‬الجوزية‭ ‬والغزالي،‭ ‬رحمهما‭ ‬الله،‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬حذروا‭ ‬من‭ ‬الانشغال‭ ‬المفرط‭ ‬بالذات‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الآخرين،‭ ‬وربطوا‭ ‬ذلك‭ ‬بالبعد‭ ‬عن‭ ‬التواضع‭. ‬وقد‭ ‬ركّز‭ ‬الغزالي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬إحياء‭ ‬علوم‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬تهذيب‭ ‬النفس‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الكبرياء،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التواضع‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬الجليلة‭ ‬الواجب‭ ‬التحلي‭ ‬بها‭ ‬وهو‭ ‬سمات‭ ‬القادة‭ ‬العظام‭.‬

يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬صفة‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬بأنها‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬يتميز‭ ‬فيها‭ ‬الفرد‭ ‬بإحساس‭ ‬مفرط‭ ‬بأهمية‭ ‬ذاته‭ ‬والثقة‭ ‬المفرطة‭ ‬بالنفس،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬الزائد‭ ‬على‭ ‬الإنجازات‭ ‬الشخصية‭ ‬واعتقاد‭ ‬الفرد‭ ‬بتفوقه‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭. ‬في‭ ‬السياق‭ ‬القيادي،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬على‭ ‬السلوك‭ ‬بطرق‭ ‬متعددة‭. ‬فمن‭ ‬جهة،‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬القائد‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬جريئة‭ ‬واستراتيجية‭ ‬بسبب‭ ‬ثقته‭ ‬المفرطة‭ ‬بقدراته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مفيداً‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬حسماً‭ ‬سريعاً‭ ‬أو‭ ‬تحمل‭ ‬المخاطر‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬هذه‭ ‬السمة‭ ‬إلى‭ ‬سلوكيات‭ ‬سلبية،‭ ‬مثل‭ ‬تجاهل‭ ‬آراء‭ ‬الآخرين،‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالأخطاء،‭ ‬وصعوبة‭ ‬العمل‭ ‬ضمن‭ ‬فريق،‭ ‬مما‭ ‬يضر‭ ‬بالأداء‭ ‬الجماعي‭ ‬والثقة‭ ‬داخل‭ ‬المنظمة‭. ‬تشير‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القادة‭ ‬ذوي‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬إظهار‭ ‬أسلوب‭ ‬قيادي‭ ‬مستبد،‭ ‬حيث‭ ‬يركزون‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬صورتهم‭ ‬الذاتية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الفريق‭ ‬سواء‭ ‬شعروا‭ ‬بذلك‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬يشعروا‭. ‬وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬يأتي‭ ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بمستوى‭ ‬متوازنٍ‭ ‬من‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭ ‬والذين‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬يكونون‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬النجاح‭ ‬المستدام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬تعاونية‭.‬

أورد‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬دماء‭ ‬فاسدة‭: ‬أسرار‭ ‬وأكاذيب‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬ناشئة‭ ‬بوادي‭ ‬السيليكون‮»‬،‭ ‬أحد‭ ‬الأمثلة‭ ‬الشهيرة‭ ‬على‭ ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬ارتبطت‭ ‬قيادتهم‭ ‬بـ‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬بصورة‭ ‬سلبية،‭ ‬إليزابيث‭ ‬هولمز،‭ ‬المؤسِسة‭ ‬والرئيسة‭ ‬التنفيذية‭ ‬لشركة‭ ‬Theranos‭. ‬كانت‭ ‬هولمز‭ ‬تتمتع‭ ‬بثقة‭ ‬مفرطة‭ ‬في‭ ‬نفسها‭ ‬وصورتها‭ ‬العامة‭ ‬كقائدة‭ ‬مبتكرة،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬الترويج‭ ‬المفرط‭ ‬لتقنيات‭ ‬شركتها‭ ‬التي‭ ‬زعمت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬التحاليل‭ ‬الطبية‭ ‬باستخدام‭ ‬قطرة‭ ‬دم‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭. ‬واتبعت‭ ‬نهجاً‭ ‬مرتكزاً‭ ‬على‭ ‬سماع‭ ‬الذات‭ ‬وتجاهل‭ ‬الآخرين،‭ ‬واتصف‭ ‬نهجها‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬السلبية‭ ‬مثل‭ ‬تجاهل‭ ‬تحذيرات‭ ‬الخبراء‭ ‬والمختصين‭ ‬حول‭ ‬عدم‭ ‬دقة‭ ‬تقنياتها‭ ‬الطبية‭. ‬اعتمدت‭ ‬هولمز‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬صورة‭ ‬إعلامية‭ ‬عن‭ ‬نجاحاتها‭ ‬الوهمية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬القضايا‭ ‬الجوهرية‭ ‬داخل‭ ‬شركتها،‭ ‬وقامت‭ ‬بإخفاء‭ ‬الحقائق‭ ‬وتركيزها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سمعتها‭ ‬وشركتها‭ ‬وتسترها‭ ‬على‭ ‬أخطاء‭ ‬خطيرة‭ ‬وتقارير‭ ‬غير‭ ‬دقيقة،‭ ‬ومارست‭ ‬أسلوباً‭ ‬سلطوياً‭ ‬داخل‭ ‬شركتها‭ ‬وكانت‭ ‬ترفض‭ ‬الآراء‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬الموظفون‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬تقنية‭ ‬أو‭ ‬أخلاقية‭. ‬أدى‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬غير‭ ‬شفافة‭ ‬وغير‭ ‬صحية،‭ ‬ثم‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انهيار‭ ‬الشركة‭ ‬وفضيحة‭ ‬كبرى،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬التقنيات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعمل‭ ‬كما‭ ‬زعمت،‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬مثالاً‭ ‬واضحاً‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬‮«‬للأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬المؤسسة‭ ‬للفشل‭.‬

على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬السيدة‭ ‬هولمز،‭ ‬يبرز‭ ‬اسم‭ ‬العقيد‭ ‬جون‭ ‬بويد‭ ‬ضمن‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬للقائد‭ ‬المتجرد‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أورد‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬Ego‭ ‬is the Enemy‮»‬،‭ ‬قصة‭ ‬العقيد‭ ‬الطيار‭ ‬جون‭ ‬بويد‭ (‬1927–1997‭) ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬القادة‭ ‬العسكريين‭ ‬والمفكرين‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لاشتهاره‭ ‬بعبقرتيه‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬التكتيكات‭ ‬الجوية‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬القتال،‭ ‬لكنه‭ ‬تميز‭ ‬أيضاً‭ ‬بتواضعه‭ ‬وتفانيه‭ ‬لخدمة‭ ‬الآخرين‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تُسيطر‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬تأثيره‭ ‬العميق‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬العسكري‭. ‬اشتهر‭ ‬بويد‭ ‬بلقب‭ ‬‮«‬40‭ ‬seconds Boyd‮»‬‭ ‬لتحديه‭ ‬أي‭ ‬طيار‭ ‬بإسقاطه‭ ‬خلال‭ ‬40‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬التدريبية،‭ ‬وكان‭ ‬الفوز‭ ‬حليفه‭ ‬دائماً‭. ‬بعد‭ ‬مسيرته‭ ‬كطيار‭ ‬مقاتل،‭ ‬تحوّل‭ ‬إلى‭ ‬الابتكار‭ ‬النظري،‭ ‬حيث‭ ‬طور‭ ‬نظريات‭ ‬ثورية،‭ ‬غيَّرت‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرب‭ ‬الجوية‭ ‬والبرية،‭ ‬لم‭ ‬يسع‭ ‬إلى‭ ‬الترقيات‭ ‬أو‭ ‬الشهرة‭ ‬الخاصة‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬تميز‭ ‬بالتفاني‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الآخرين‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الفريق‭ ‬وليس‭ ‬الذات‭. ‬صمم‭ ‬مناهج‭ ‬جديدة‭ ‬للقتال‭ ‬الجوي‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الديناميكا‭ ‬والطاقة،‭ ‬مما‭ ‬حسّن‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬الطيارين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وكان‭ ‬همه‭ ‬الرئيسي‭ ‬هو‭ ‬تحسين‭ ‬الأداء‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬ناضل‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬مما‭ ‬عرض‭ ‬مسيرته‭ ‬المهنية‭ ‬للخطر‭. ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إصلاح‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الطيران،‭ ‬أسهمت‭ ‬أفكاره‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬F-16‭ ‬وF-15،‭ ‬وأثرت‭ ‬نظرية‭ ‬OODA Loop‭ (‬الملاحظة،‭ ‬التوجيه،‭ ‬القرار،‭ ‬العمل‭) – ‬التي‭ ‬يرجع‭ ‬الفضل‭ ‬له‭ ‬فيها‭ – ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬العسكري‭ ‬العالمي‭ ‬والعقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬تأثير‭ ‬استمر‭ ‬ليومنا‭ ‬الحاضر‭.‬

أدوات‭ ‬وطرق‭ ‬اكتشاف‭ ‬الأفراد‭ ‬ذوي‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬وآليات‭ ‬التعامل‭ ‬معها

يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬اكتشاف‭ ‬اتصاف‭ ‬القادة‭ ‬المحتملين‭ ‬‮«‬بالأنا‭ ‬العالية‮»‬،‭ ‬بكونه‭ ‬جزءاً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬إدارة‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬وتأهيل‭ ‬قادة‭ ‬المستقبل‭. ‬تعتمد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬أدوات‭ ‬حديثة‭ ‬لتقييم‭ ‬السمات‭ ‬الشخصية‭ (‬يهدف‭ ‬المقال‭ ‬للإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أمثلة‭ ‬منها‭ ‬فقط‭)‬،‭ ‬مثل‭ ‬نموذج‭ ‬العوامل‭ ‬الخمسة‭ ‬الكبرى‭ ‬للشخصية‭ (‬Big Five Personality Traits‭) ‬،‭ ‬وهو‭ ‬إطار‭ ‬شائع‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬لفهم‭ ‬وتصنيف‭ ‬سمات‭ ‬الشخصية،‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬أبعاد‭ ‬رئيسة‭ ‬للشخصية‭ ‬تمثل‭ ‬جوانب‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬البشري‭: ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬التجربة‭ ((‬Openness to Experience،‭ ‬درجة‭ ‬الاجتماعية‭ (‬Extraversion‭) ‬،‭ ‬القبول‭ (‬Agreeableness‭)‬،‭ ‬الضمير‭ ‬الحي‭ (‬Conscientiousness‭) ‬والعصابية‭ (‬Neuroticism‭). ‬يعد‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬موثوقاً‭ ‬علمياً‭ ‬ومعتمداً‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭. ‬ففي‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬يُستخدم‭ ‬النموذج‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬اختيار‭ ‬وتدريب‭ ‬الجنود‭ ‬لتحديد‭ ‬السمات‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬العسكري‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬الضغوط،‭ ‬كما‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الكندية‭ ‬لنفس‭ ‬الغاية‭ ‬وللقناعة‭ ‬السائدة‭ ‬بأن‭ ‬سماتٍ‭ ‬مثل‭ ‬الضمير‭ ‬الحي‭ ‬والاستقرار‭ ‬العاطفي‭ ‬ترتبط‭ ‬بأداء‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬العسكرية‭. ‬هناك‭ ‬اختبارات‭ ‬نفسية‭ ‬وأدوات‭ ‬أخرى‭ ‬مصممة‭ ‬لتقييم‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬،‭ ‬مثل‭ ‬مقياس‭ ‬النرجسية‭ (‬Narcissistic Personality Inventory‭ – ‬NPI‭) ‬الذي‭ ‬يقيّم‭ ‬جوانب‭ ‬مثل‭ ‬الشعور‭ ‬بالعظمة‭ ‬وحب‭ ‬التفوق‭. ‬يمكن‭ ‬أيضاً‭ ‬استخدام‭ ‬اختبارات‭ ‬تقيس‭ ‬الذكاء‭ ‬العاطفي‭ ‬لتحديد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬القائد‭ ‬يتمتع‭ ‬بالوعي‭ ‬الذاتي‭ ‬الكافي‭ ‬لإدارة‭ ‬‮«‬الأنا‮»‬‭.‬

آليات‭ ‬تدريب‭ ‬القادة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬

تلعب‭ ‬إدارات‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬دوراً‭ ‬حيوياً‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬المبكر‭ ‬عن‭ ‬السلوكيات‭ ‬المرتبطة‭ ‬‮«‬بالأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬لدى‭ ‬الموظفين،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬القيادية‭. ‬يجب‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬السمات‭ ‬السلوكية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭. ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أدوات‭ ‬مثل‭ ‬اختبارات‭ ‬الشخصية‭ ‬والمقابلات‭ ‬السلوكية،‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬مؤشرات‭ ‬مثل‭ ‬الغطرسة،‭ ‬ورفض‭ ‬النقد،‭ ‬والتركيز‭ ‬الزائد‭ ‬على‭ ‬الذات‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬يمكن‭ ‬تبني‭ ‬آليات‭ ‬محددة‭ ‬لتوجيه‭ ‬القادة‭ ‬مثل‭ ‬التغذية‭ ‬الراجعة‭ ‬البناءة‭ ‬بتقديم‭ ‬ملاحظات‭ ‬صادقة‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬سلوك‭ ‬القائد‭ ‬على‭ ‬الفريق‭ ‬والأداء‭ ‬العام‭. ‬توفر‭ ‬التغذية‭ ‬الراجعة‭ ‬البناءة‭ ‬إطاراً‭ ‬لتحليل‭ ‬السلوكيات‭ ‬والقرارات‭ ‬القيادية‭ ‬بموضوعية،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التطوير‭ ‬والتحسين‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التغذية‭ ‬الراجعة‭ ‬البناءة،‭ ‬يحصل‭ ‬القادة‭ ‬على‭ ‬ملاحظاتٍ‭ ‬قيمةٍ‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬أفعالهم‭ ‬وقراراتهم‭ ‬على‭ ‬الفرق‭ ‬والأداء‭ ‬المؤسسي‭ ‬ككل‭. ‬تُساهم‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬الذاتي‭ ‬لدى‭ ‬القادة،‭ ‬مما‭ ‬يساعدهم‭ ‬على‭ ‬تحديد‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬واستثمارها،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬معالجتها‭.‬

إضافة‭ ‬للتغذية‭ ‬الراجعة،‭ ‬تستغل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬المتقدمة‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالتدريب‭ ‬التنفيذي‭ (‬Executive Coaching‭)  ‬لتحسين‭ ‬أداء‭ ‬المدراء‭ ‬التنفيذيين‭ (‬والقادة‭) ‬وتعزيز‭ ‬مهاراتهم‭ ‬القيادية،‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عملية‭ ‬تطوير‭ ‬مهنية‭ ‬موجهة‭ ‬تنفذ‭ ‬بعدة‭ ‬أشكال‭ ‬مثل‭ ‬تنفيذ‭ ‬جلسات‭ ‬فردية‭ ‬بين‭ ‬القائد‭ ‬ومستشار‭ ‬أو‭ ‬مدرب‭ ‬متخصص‭ ‬لتقديم‭ ‬التوجيه‭ ‬والدعم‭ ‬لمساعدة‭ ‬القائد‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬الشخصية‭ ‬والتنظيمية‭. ‬يهدف‭ ‬التدريب‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬تأثير‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرة‭ ‬القادة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬حل‭ ‬المشكلات‭ ‬بفعالية،‭ ‬وبناء‭ ‬ثقافة‭ ‬عمل‭ ‬إيجابية‭ ‬تدعم‭ ‬النجاح‭ ‬المؤسسي‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬تنفيذ‭ ‬ورش‭ ‬الذكاء‭ ‬العاطفي‭ ‬التي‭ ‬تُركز‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬مهارات‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬مشاعر‭ ‬الآخرين‭ ‬والاستجابة‭ ‬لها‭ ‬بطريقة‭ ‬بناءة،‭ ‬مما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬وتعزيز‭ ‬ثقافة‭ ‬الشفافية‭ ‬والمساءلة‭. ‬

التغيير‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الذات

رغم‭ ‬أهمية‭ ‬الدور‭ ‬المؤسسي‭ ‬للسعي‭ ‬نحو‭ ‬تطوير‭ ‬قدرات‭ ‬القادة‭ ‬وتحليهم‭ ‬بالصفات‭ ‬الإيجابية‭ ‬وتحذيرهم‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬السلبية‭ ‬ليتحرروا‭ ‬منها،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬الفرد‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭. ‬فالسعي‭ ‬نحو‭ ‬تطوير‭ ‬الذات‭ ‬ومعرفة‭ ‬العيوب‭ ‬الشخصية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يسبق‭ ‬معرفةَ‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬لدى‭ ‬الانسان‭. ‬ستتناول‭ ‬الفقرات‭ ‬التالية‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإرشادات‭ ‬يقصد‭ ‬منها‭ ‬جذبَ‭ ‬الانتباه‭ ‬نحو‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬التغيير‭ ‬والسعي‭ ‬للتطوير‭ ‬من‭ ‬الذات‭.‬

التوازن‭ ‬بين‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬و»الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭: ‬يُعد‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬و»الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬أمراً‭ ‬ضرورياً‭ ‬للقيادة‭ ‬الفاعلة‭ ‬وللعلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬الصحية‭. ‬تعكس‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬إيماناً‭ ‬إيجابياً‭ ‬بقدرات‭ ‬الفرد،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات،‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات،‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬إلهام‭ ‬الآخرين‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تظهر‭ ‬‮«‬الأنا‭ ‬العالية‮»‬‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬تركيز‭ ‬مفرط‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬والمبالغة‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬القدرات‭ ‬الذاتية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الغطرسة‭ ‬وصعوبة‭ ‬تقبل‭ ‬النقد‭ ‬البناء‭ ‬ووجهات‭ ‬النظر‭ ‬المغايرة‭. ‬يتطلب‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬التوازن‭ ‬الوعيَ‭ ‬الذاتي‭ ‬والتواضع،‭ ‬فالقائد‭ ‬الذي‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬التوازن‭ ‬يكسب‭ ‬ثقة‭ ‬واحترام‭ ‬الآخرين،‭ ‬لجمعه‭ ‬بين‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬رؤيته‭ ‬وبين‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الاستماع‭ ‬والتعاون‭. ‬ولنا‭ ‬في‭ ‬الفاروق‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬أسوة‭ ‬حسنه،‭ ‬فقد‭ ‬أُثر‭ ‬عنه‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬رحم‭ ‬الله‭ ‬امرءاً‭ ‬أهدى‭ ‬إليّ‭ ‬عيوبي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬التواضع‭ ‬وحب‭ ‬التوجيه‭ ‬والنقد‭ ‬البنّاء‭ ‬وإدراكه‭ ‬لأهمية‭ ‬التغذية‭ ‬الراجعة‭ ‬والنقد‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬النفس‭ ‬والسلوك‭. ‬يمكّن‭ ‬التواضعُ‭ ‬القادةَ‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحدود‭ ‬قدراتهم‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬الجماعية‭. ‬

تقديم‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭:‬‭ ‬إن‭ ‬الحاجة‭ ‬للتقدير‭ ‬والاعتراف‭ ‬المجتمعي‭ ‬أمر‭ ‬مفهوم،‭ ‬فمن‭ ‬منا‭ ‬لا‭ ‬يحبُّ‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬الناس‭ ‬عنه‭! ‬هناك‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬تغافلها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬قائد‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬ذاته‭ ‬تتعلق‭ ‬بالنزاهة،‭ ‬فالنزاهة‭ ‬في‭ ‬التصرفات‭ ‬والنوايا‭ ‬تفتح‭ ‬آفاقاً‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها‭. ‬تطبيقاً‭ ‬للتوجيه‭ ‬النبوي‭ ‬الموجه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬إذا‭ ‬عمل‭ ‬أحدكم‭ ‬عملاً‭ ‬أن‭ ‬يتقنه‮»‬‭ (‬الحديث‭ ‬المشهور‭)‬،‭ ‬عند‭ ‬السعي‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القصد‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬أثر‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬اكتساب‭ ‬الشهرة‭ ‬أو‭ ‬بناء‭ ‬اسم‭ ‬شخصي‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬ينبغي‭ ‬للقائد‭ ‬أن‭ ‬يذكر‭ ‬نفسه‭ ‬ويسأل‭ ‬نفسه‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬لك‭ ‬اسمك؟‭ ‬هل‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬يردد‭ ‬المسؤولون‭ ‬اسمك‭ ‬كثيراً؟‭ ‬بالطبع‭ ‬يحب‭ ‬أغلبنا‭ ‬أن‭ ‬يتداول‭ ‬المسؤولون‭ ‬في‭ ‬الجهات‭ ‬العليا‭ ‬اسمَه،‭ ‬ولا‭ ‬ضرر‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬اتصاف‭ ‬القائد‭ ‬بالسمات‭ ‬السلبية‭ ‬‮«‬للأنا‮»‬‭ ‬المذكورة‭ ‬آنفاً‭. ‬من‭ ‬التكتيكات‭ ‬الذاتية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬وضمن‭ ‬ما‭ ‬يندرج‭ ‬تحت‭ ‬نقد‭ ‬الذات،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينتبه‭ ‬القائد‭ ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الواجبات‭ ‬أو‭ ‬حضوره‭ ‬للأنشطة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مقترنة‭ ‬باسمه‭ ‬أو‭ ‬بمنصبه‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬تتم‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬تتم‭ ‬مناقشتها‭ (‬أو‭ ‬متابعتها‭) ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المستوى‭ ‬الأعلى،‭ ‬الذي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬بتفويض‭ ‬تنفيذ‭ ‬معظم‭ ‬المهام‭ ‬للمستوى‭ ‬الأدنى‭. ‬فإن‭ ‬اختلف‭ ‬التعامل،‭ ‬دل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬خطر‭ ‬قد‭ ‬تظهر‭ ‬نتائجه‭ ‬السلبية‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭. ‬

تكرار‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الذات‭:‬‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬قائد‭ ‬تحري‭ ‬هل‭ ‬يكثر‭ ‬هو‭ ‬الحديثَ‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وإنجازاته؟‭ ‬فبإمكانه‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بتسجيل‭ ‬إحدى‭ ‬محاضراته‭ ‬أو‭ ‬مداخلاته‭ ‬ثم‭ ‬يعيد‭ ‬الاستماع‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬يشاهدها‭ ‬لاحقاً،‭ ‬ثم‭ ‬يسأل‭ ‬نفسه‭ ‬هل‭ ‬أكثرتُ‭ ‬من‭ ‬الاستشهاد‭ ‬بالذات؟‭ ‬إن‭ ‬الإكثار‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬المتعالي‭ ‬عن‭ ‬الذات‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬علامات‭ ‬النرجسية‭! ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬Ego is the Enemy‭ ‬أن‭ ‬تكرار‭ ‬الحديث‭ ‬عنها‭ ‬يولد‭ ‬وهماً‭ ‬خادعاً‭ ‬بالإنجاز،‭ ‬وهذا‭ ‬يضعف‭ ‬الدافع‭ ‬الحقيقي‭ ‬نحو‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬والمثابرة‭ ‬والصبر‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬النتائج‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭. ‬

أهمية‭ ‬التواضع‭:‬‭ ‬مهما‭ ‬علت‭ ‬درجة‭ ‬القائد،‭ ‬ينبغي‭ ‬له‭ ‬تذكر‭ ‬كونه‭ ‬طالبَ‭ ‬علم،‭ ‬وسيبقى‭ ‬طالباً‭ ‬للعلم‭ ‬لآخر‭ ‬حياته‭. ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الطالب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بالتواضع‭ ‬العلمي،‭ ‬فالتواضع‭ ‬العلمي‭ ‬يمنح‭ ‬طالب‭ ‬العلم‭ ‬قوة‭ ‬استثنائية،‭ ‬أما‭ ‬المريض‭ ‬‮«‬بالأنا‮»‬،‭ ‬فلا‭ ‬يهتم‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬له‭ ‬شيئاً‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭. ‬ينبغي‭ ‬استحضار‭ ‬أنه‭ ‬مهما‭ ‬قلَّت‭ ‬درجة‭ ‬مَن‭ ‬تناقش،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬يعرف‭ ‬شيئاً‭ ‬لا‭ ‬تعرفه‭ ‬أنت‭. ‬لعلِّ‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬آفات‭ ‬الاتصاف‭ ‬‮«‬بالأنا‭ ‬العالية‮»‬،‭ ‬اعتقادُ‭ ‬صاحبِها‭ ‬وتبنيه‭ ‬لفكرة‭ ‬تفوقه‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬وسبيل‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬التواضع‭. ‬

تقبل‭ ‬الإخفاقات‭:‬‭ ‬لدى‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬التوجيه‭ ‬النبوي‭ ‬المتعلق‭ ‬باجتهاد‭ ‬الحاكم،‭ ‬إن‭ ‬أصاب‭ ‬له‭ ‬أجران،‭ ‬وإن‭ ‬أخطأ‭ ‬فله‭ ‬أجر،‭ ‬يتبين‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬الخطأ‭ ‬عن‭ ‬اجتهاد‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬ممكن‭ ‬الحدوث‭. ‬يتعامل‭ ‬المصاب‭ ‬‮«‬بالأنا‮»‬‭ ‬مع‭ ‬إخفاقات‭ ‬المستوى‭ ‬الأدنى‭ ‬بمنحيين،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الإخفاق‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬سمعته‭ ‬الشخصية‭ ‬تصرف‭ ‬تصرفاً‭ ‬عادياً‭ ‬لعلاج‭ ‬الإخفاق،‭ ‬أما‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬سمعته،‭ ‬وينبغي‭ ‬تذكر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬مصلحته‭ ‬الشخصية‭ ‬ومصلحة‭ ‬العمل‭ ‬فهما‭ ‬مترادفتان‭ ‬عنده،‭ ‬فقد‭ ‬لا‭ ‬يتصرف‭ ‬تصرفاً‭ ‬عادياً،‭ ‬وربما‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬الإجراءات‭ ‬لإحساسه‭ ‬بأن‭ ‬سمعته‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬وربما‭ ‬أوقع‭ ‬ضرراً‭ ‬مبالغاً‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬المرؤوسين‭.‬

فيما‭ ‬يلي‭ ‬أسئلة‭ ‬إضافية‭ ‬ينبغي‭ ‬للقائد‭ ‬أن‭ ‬يسألها‭ ‬ويجيب‭ ‬عنها‭:‬

ما‭ ‬مدى‭ ‬ثقة‭ ‬المرؤوسين‭ ‬بي؟‭ ‬هل‭ ‬يتمنون‭ ‬استمرار‭ ‬العمل‭ ‬معي‭ ‬أو‭ ‬يتمنون‭ ‬عكس‭ ‬ذلك؟‭ ‬هل‭ ‬يهمني‭ ‬رأي‭ ‬المرؤوسين‭ ‬بي؟‭ ‬كيف‭ ‬أنظر‭ ‬للمرؤوسين؟‭ ‬هل‭ ‬هم‭ ‬شركاء،‭ ‬أم‭ ‬أدوات‭ ‬لتحقيق‭ ‬الإنجاز‭ ‬والغايات‭ ‬الشخصية؟‭ ‬هل‭ ‬أحب‭ ‬التغذية‭ ‬الراجعة‭ ‬وإعلامي‭ ‬بسلبياتي؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬كوني‭ ‬على‭ ‬صواب‭ (‬وفق‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬ونظر‭ ‬المدّاحين‭) ‬وبين‭ ‬فعل‭ ‬الأمر‭ ‬الصواب‭ (‬مع‭ ‬ما‭ ‬يصاحبه‭ ‬أحياناً‭ ‬من‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬المصلحة‭ ‬الشخصية‭ ‬للقائد‭)  ‬being right vs doing the right thing؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬كونك‭ ‬تملك‭ ‬الحق‭ ‬لفعل‭ ‬أمر‭ ‬ما،‭ ‬وبين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬محقاً‭ ‬لفعله؟‭ ‬هل‭ ‬أستخدم‭ ‬أسلوب‭ ‬القولبة‭ ‬مع‭ ‬المستوى‭ ‬الأعلى‭ (‬يقصد‭ ‬بالقولبة‭ ‬محاولة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستوى‭ ‬الأعلى‭ ‬بما‭ ‬يوافق‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬المتبناة‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الاتصاف‭ ‬بالتجرد‭ ‬التام‭)‬؟‭  ‬كيف‭ ‬يمكنني‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬الذاتي‭ ‬ومراقبة‭ ‬سلوكياتي‭ ‬وهل‭ ‬أنا‭ ‬بحاجة‭ ‬لذلك؟‭ ‬هل‭ ‬ألجأ‭ ‬عادة‭ ‬لإجراء‭ ‬مقارنات‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬لتأكيد‭ ‬تفوقي‭ ‬عليهم؟‭ ‬هل‭ ‬أحب‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬نجاحاتي‭ ‬كثيراً‭ ‬أم‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬تتحدث‭ ‬النتائج‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬بينما‭ ‬أركز‭ ‬على‭ ‬الجهود‭ ‬والمثابرة‭ ‬والتعليم‭ ‬والتعلم‭ ‬من‭ ‬الآخرين؟‭ ‬وأخيراً‭: ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬مستمع‭ ‬جيد؟

الختام

وختاماً،‭ ‬إن‭ ‬اكتشاف‭ ‬والتعرف‭ ‬إلى‭ ‬الجوانب‭ ‬النفسية‭ ‬الدقيقة‭ ‬التي‭ ‬تتصف‭ ‬بها‭ ‬الشخصيات‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬الهين‭. ‬تستلزم‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬بعد‭ ‬الاستعانة‭ ‬بأهل‭ ‬الاختصاص،‭ ‬قيام‭ ‬المعنيين‭ ‬بالموارد‭ ‬البشرية‭ ‬وتأهيل‭ ‬القادة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات‭ ‬بتبني‭ ‬المنهجيات‭ ‬والطرق‭ ‬الكفيلة‭ ‬بتوجيه‭ ‬القادة‭ ‬في‭ ‬مراحل‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬مسارهم‭ ‬المهني‭ ‬والوظيفي‭ ‬سعياً‭ ‬لتحقيق‭ ‬الغايات‭ ‬المنشودة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المؤسسات‭. ‬ويبقى‭ ‬على‭ ‬الجميع‭ ‬التفطن‭ ‬لأهمية‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬تطوير‭ ‬الذات‭ ‬وإدامة‭ ‬السعي‭ ‬للتحلي‭ ‬بكافة‭ ‬السمات‭ ‬الإيجابية‭ ‬‮«‬للأنا‮»‬‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬سلبياتها‭.‬

إعداد‭:‬
اللواء خالد علي السميطي

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض