WEB_0000_M1

الاستفزازات‭ ‬العسكرية‭ ‬دلالات‭ ‬وأهداف‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬وتأثيرها‭ ‬في‭ ‬تصعيد‭ ‬التوترات‭ ‬الدولية‭ ‬

مع‭ ‬تصاعد‭ ‬الصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬تصاعد‭ ‬توظيف‭ ‬الاستفزاز‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬وبعضها‭ ‬بعضاً،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ينذر‭ ‬بتصاعد‭ ‬التوتر‭ ‬الدولي‭. ‬ونظراً‭ ‬لأهمية‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬التفاعلات‭ ‬الدولية،‭ ‬فسوف‭ ‬يسعى‭ ‬التحليل‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬أبعاد‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬وأسبابه،‭ ‬وأخيراً‭ ‬كيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬الدول‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬السلوك،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الحالات،‭ ‬مثل‭ ‬الصراع‭ ‬الروسي‭ ‬–‭ ‬الأوكراني،‭ ‬أو‭ ‬الصراع‭ ‬التوتر‭ ‬التايواني‭ ‬–‭ ‬الصيني،‭ ‬أو‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬مع‭ ‬جارتها‭ ‬الجنوبية‭.‬

تتعدد‭ ‬التعريفات‭ ‬المقدمة‭ ‬للاستفزاز‭ ‬العسكري،‭ ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬قد‭ ‬استندت‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬سياسات‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬خاصة‭ ‬ضد‭ ‬جارتها‭ ‬الجنوبية‭. ‬ويأتي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬التعريفات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تعريف‭ ‬الاستفزاز‭ ‬العسكري‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬جميع‭ ‬التصرفات‭ ‬العدوانية‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬العسكري،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬معين‭ ‬تجاه‭ ‬شعب‭ ‬وسيادة‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬معين‮»‬،‭ ‬ويعاب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬أنه‭ ‬غامض،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالهدف‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ارتكاب‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭. ‬

ويأتي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬التعريفات‭ ‬المقدمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬تعريف‭ ‬‮«‬الاستفزاز‭ ‬العسكري‮»‬‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬استخدام‭ ‬الدولة‭ ‬لتكتيكات‭ ‬خادعة‭ ‬لتحريض‭ ‬دولة‭ ‬معادية‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‮»‬‭. ‬ويعاب‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬أنه‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬نمط‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الاستفزازات،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬استدراج‭ ‬الدولة‭ ‬المعادية‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬هزيمة‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة،‭ ‬ولذلك‭ ‬يغفل‭ ‬هذا‭ ‬التعريف‭ ‬أشكال‭ ‬الاستفزازات‭ ‬الأخرى،‭ ‬والتي‭ ‬تسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الدولة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬أخرى،‭ ‬غير‭ ‬إثارة‭ ‬الحرب‭. ‬ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬التعريف‭ ‬الأنسب‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬التعريف‭ ‬الذي‭ ‬يعرف‭ ‬الاستفزازات‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬أفعال‭ ‬أو‭ ‬حوادث‭ ‬ترى‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬أنها‭ ‬تتحدى‭ ‬أو‭ ‬تنتهك‭ ‬قيمها‭ ‬وأهدافها‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬وبشكل‭ ‬غير‭ ‬مبرر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تثير‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬غاضبة‭ ‬تحفز‭ ‬بدورها‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متهورة‭ ‬وعدوانية‮»‬‭. ‬فلا‭ ‬يجب‭ ‬إغفال‭ ‬أن‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭ ‬بطبيعته‭ ‬يتحدى‭ ‬شيئاً‭ ‬ذا‭ ‬قيمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬للدولة‭ ‬وقادتها،‭ ‬مثل‭ ‬المكانة،‭ ‬أو‭ ‬الشعور‭ ‬بالاعتزاز،‭ ‬والاعتقاد‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬صحيح‭ ‬أو‭ ‬سليم‭.‬

ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الاستفزاز‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬صانع‭ ‬القرار،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬شعوره‭ ‬بالغضب‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬تأثيرات‭ ‬مهمة،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬تفضيلات‭ ‬صانع‭ ‬القرار،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬إقدامه‭ ‬على‭ ‬سياسات‭ ‬تتسم‭ ‬بقدر‭ ‬عالٍ‭ ‬من‭ ‬المخاطرة،‭ ‬كما‭ ‬يعظم‭ ‬الشعور‭ ‬لدى‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬بضرورة‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬عاجلة‭ ‬بدون‭ ‬قدر‭ ‬كافٍ‭ ‬من‭ ‬التدبر‭. ‬وتتمثل‭ ‬النتيجة‭ ‬الإجمالية‭ ‬لهذه‭ ‬التأثيرات‭ ‬الثلاثة‭ ‬في‭ ‬الميل‭ ‬نحو‭ ‬التصرف‭ ‬المتهور‭ ‬والعدواني‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬عدم‭ ‬إغفال‭ ‬أن‭ ‬الشعور‭ ‬بالغضب‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬صانع‭ ‬القرار،‭ ‬ولكن‭ ‬قد‭ ‬يمتد‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬شعب‭ ‬الدولة‭ ‬المعنية،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الحادثة‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إثارة‭ ‬الغضب‭ ‬ترتبط‭ ‬بقضية‭ ‬جماعية‭ ‬يرتبط‭ ‬بها‭ ‬الشعب‭ ‬المعني‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يتجه‭ ‬الشعب‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬ضغوط‭ ‬على‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدولة‭ ‬المعادية‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فإن‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬صانع‭ ‬القرار‭ ‬تكون‭ ‬مرتفعة‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بقضية‭ ‬تتصل‭ ‬بشرعية‭ ‬النظام،‭ ‬مثل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬إثنية‭ ‬معينة،‭ ‬أو‭ ‬منطقة‭ ‬متنازع‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭. ‬

أسباب‭ ‬الاستفزاز

هناك‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدوافع‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انتهاج‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬الاستفزاز،‭ ‬ويمكن‭ ‬بيان‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬التفسيرات‭ ‬في‭ ‬التالي‭:‬

إثارة‭ ‬الحرب‭: ‬يعد‭ ‬هذا‭ ‬أحد‭ ‬الأهداف‭ ‬الرئيسية‭ ‬للسلوك‭ ‬الاستفزازي،‭ ‬وهو‭ ‬دفع‭ ‬الخصم‭ ‬إلى‭ ‬شن‭ ‬الحرب،‭ ‬بصورة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬الدولة‭ ‬القائمة‭ ‬بالسلوك‭ ‬الاستفزازي،‭ ‬والذي‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توريطها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬خاسرة‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬إعلان‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬بتحريض‭ ‬من‭ ‬واشنطن،‭ ‬على‭ ‬سعيها‭ ‬للانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬استفز‭ ‬روسيا،‭ ‬ودفعها‭ ‬إلى‭ ‬إعلان‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬واشنطن‭ ‬تدرك‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬انضمام‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬هو‭ ‬أوضح‭ ‬‮«‬الخطوط‭ ‬الحمراء‮»‬‭ ‬لدى‭ ‬روسيا،‭ ‬وفقاً‭ ‬لويليام‭ ‬بيرنز،‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬إلى‭ ‬موسكو،‭ ‬ومدير‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ ‬حالياً‭. ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خافياً‭ ‬على‭ ‬واشنطن‭ ‬أن‭ ‬إصرار‭ ‬أوكرانيا‭ ‬على‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الناتو،‭ ‬وفتح‭ ‬واشنطن‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬انضمامها‭ ‬إليه‭ ‬سوف‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استفزاز‭ ‬روسيا،‭ ‬ودفعها‭ ‬للحرب‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭.‬‭ ‬

وقد‭ ‬وضح‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬اتهام‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني،‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي،‭ ‬للمستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬السابقة،‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل،‭ ‬بأنها‭ ‬قدمت‭ ‬تنازلات‭ ‬لصالح‭ ‬روسيا‭ ‬طوال‭ ‬14‭ ‬عاماً،‭ ‬واصفاً‭ ‬سياسة‭ ‬المستشارة‭ ‬السابقة‭ ‬بالفاشلة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقات‭ ‬مينسك‭ ‬1‭ ‬و2،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بتنفيذ‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬بنودها‭. ‬فقد‭ ‬اتجهت‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬السابقة،‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل،‭ ‬أحد‭ ‬رعاة‭ ‬الاتفاقيتين،‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬تسايت‮»‬‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022،‭ ‬للتأكيد‭ ‬أن‭ ‬اتفاق‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬كان‭ ‬‮«‬محاولة‭ ‬لشراء‭ ‬الوقت‭ ‬لأوكرانيا‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬استخدمته‭ ‬لتصبح‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬وهي‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬عقَّب‭ ‬عليها‭ ‬بوتين‭ ‬قائلاً‭ ‬‮«‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬كان‭ ‬سيفي‭ ‬بكل‭ ‬اتفاقات‭ ‬مينسك‮»‬،‭ ‬‮«‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬ضخ‭ ‬الأسلحة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وإعدادها‭ ‬للأعمال‭ ‬العدائية‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭.‬

تأمين‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭: ‬تشدد‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬الضرورة‭ ‬الأمنية‮»‬‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬تتبنى‭ ‬سلوك‭ ‬الاستفزاز‭ ‬بدافع‭ ‬شعورها‭ ‬بالخوف‭ ‬والتهديد‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬دولة‭ ‬أقوى‭ ‬منها‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تذهب‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬تواجه‭ ‬تهديداً‭ ‬أمنياً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ (‬اليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وغيرهما‭)‬،‭ ‬فليس‭ ‬أمامها‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬آخر‭ ‬سوى‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬عسكرية‭ ‬تظهر‭ ‬قوتها‭ ‬مثل‭ ‬القيام‭ ‬باختبار‭ ‬قنابل‭ ‬نووية،‭ ‬أو‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية،‭ ‬أو‭ ‬إطلاق‭ ‬صواريخ‭ ‬حاملة‭ ‬لأقمار‭ ‬اصطناعية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬إرادتها‭ ‬في‭ ‬خوض‭ ‬الحروب‭ ‬لردع‭ ‬خطة‭ ‬خصومها‭ ‬عن‭ ‬شن‭ ‬هجوم‭ ‬وقائي‭ ‬يستهدف‭ ‬بيونج‭ ‬يانج،‭ ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬آخرون‭ ‬أن‭ ‬استفزازات‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬تهدف‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬إجبار‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬على‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬التفاوض،‭ ‬وانتزاع‭ ‬تنازلات‭ ‬منهما‭. ‬وأياً‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬فإن‭ ‬سلوك‭ ‬الدولة‭ ‬المستفزة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬يهدف‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأساسية‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬الدولة،‭ ‬أو‭ ‬تأمين‭ ‬مصالحها‭ ‬الرئيسية‭. ‬

تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬عسكرية‭ ‬تكتيكية‭ ‬أو‭ ‬استراتيجية‭: ‬تسعى‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬إلى‭ ‬استفزاز‭ ‬الدولة‭ ‬المعادية‭ ‬لدفعها‭ ‬للرد،‭ ‬وتبني‭ ‬سياسات‭ ‬متسرعة‭ ‬غير‭ ‬مدروسة‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الدولة‭ ‬القائمة‭ ‬بالاستفزاز‭. ‬ويأتي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الأمثلة‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬إقدام‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬إقليم‭ ‬كورسك‭ ‬الروسي،‭ ‬والتوغل‭ ‬لمسافة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬بضعة‭ ‬كيلومترات‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية،‭ ‬وهو‭ ‬الهجوم‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي،‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬استفزازاً،‭ ‬لجهة‭ ‬إقدام‭ ‬دولة‭ ‬مثل‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهي‭ ‬دولة‭ ‬تتمتع‭ ‬بقدرات‭ ‬عسكرية‭ ‬محدودة‭ ‬مقارنة‭ ‬بروسيا‭ ‬بشن‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية،‭ ‬وهو‭ ‬هجوم‭ ‬هدف‭ ‬إلى‭ ‬إحراج‭ ‬روسيا‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬نفسها،‭ ‬باعتبارها‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭. ‬وتمثل‭ ‬هدف‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬المباغت‭ ‬هو‭ ‬إثارة‭ ‬الغضب‭ ‬لدى‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي،‭ ‬ودفعه‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬قواته‭ ‬من‭ ‬جبهة‭ ‬الدونباس،‭ ‬وتخفيف‭ ‬الضغط‭ ‬الروسي‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬المحيطة‭ ‬بمدينة‭ ‬‮«‬بوكروفسك‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬المدينة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬لأسابيع‭ ‬مركز‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬أعلن‭ ‬عنه‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬الجنرال،‭ ‬أولكسندر‭ ‬سيرسكي،‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفع‭ ‬معنويات‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني،‭ ‬والذي‭ ‬تعرض‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الانتكاسات‭ ‬المتتالية‭ ‬أمام‭ ‬تقدم‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭.‬‭ ‬

وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬فإن‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭ ‬قد‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬جديد،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬مساعي‭ ‬تايوان‭ ‬للانفصال‭ ‬عن‭ ‬الصين،‭ ‬وإصدارها‭ ‬تصريحات‭ ‬تؤكد‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭. ‬ففي‭ ‬20‭ ‬مايو‭ ‬2024،‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬التايواني‭ ‬الجديد‭ ‬لاي‭ ‬تشينغ‭ ‬تي،‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬تنصيبه،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الصين‭ ‬لم‭ ‬تتخلَّ‭ ‬بعد‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬لغزو‭ ‬تايوان‮»‬،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬الجزيرة‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تفهم‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬قبلت‭ ‬اقتراح‭ ‬الصين‭ ‬بالكامل‭ ‬وتخلَّت‭ ‬عن‭ ‬سيادتها،‭ ‬فإن‭ ‬محاولة‭ ‬الصين‭ ‬لضم‭ ‬تايوان‭ ‬لن‭ ‬تختفي‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬التصريح‭ ‬الذي‭ ‬اعتبرته‭ ‬بكين‭ ‬تصريحاً‭ ‬استفزازياً‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬انفصال‭ ‬تايوان‭ ‬عن‭ ‬الصين،‭ ‬وردت‭ ‬عليه‭ ‬الصين‭ ‬عسكرياً‭ ‬عبر‭ ‬القيام‭ ‬بمناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬حول‭ ‬الجزيرة‭. ‬

إرسال‭ ‬رسائل‭ ‬تهديد‭ ‬للخصوم‭: ‬تسعى‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بسلوك‭ ‬استفزازي‭ ‬لإرسال‭ ‬رسائل‭ ‬تحذير‭ ‬إلى‭ ‬الخصوم‭. ‬ويأتي‭ ‬ضمن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬قيام‭ ‬خمس‭ ‬سفن‭ ‬صينية،‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬2009،‭ ‬بمراقبة‭ ‬السفينة‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬‮«‬يو‭ ‬إس‭ ‬إن‭ ‬إس‭ ‬إيمبيسكبل‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬مناورة‭ ‬تحمل‭ ‬قدراً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬التهور‭ ‬على‭ ‬مقربة‭ ‬من‭ ‬السفينة‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭. ‬كما‭ ‬اقتربت‭ ‬سفينتان‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬الخمس،‭ ‬وهما‭ ‬سفينتا‭ ‬صيد‭ ‬صينيتان‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬50‭ ‬قدماً‭ ‬من‭ ‬السفينة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحاول‭ ‬طاقمهما‭ ‬إعاقة‭ ‬السونار‭ ‬الصوتي‭ ‬للسفينة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وكانت‭ ‬الصين‭ ‬تستهدف‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬دفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬عمليات‭ ‬المراقبة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مناطقها‭ ‬العسكرية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭.‬

ويأتي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬إسقاط‭ ‬مقاتلة‭ ‬روسية‭ ‬طائرة‭ ‬مسيرة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬إم‭ ‬كيو‭ ‬–‭ ‬9‭ ‬ريبر‮»‬‭ ‬تابعة‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬فوق‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2023،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ألحقت‭ ‬الضرر‭ ‬بمروحة‭ ‬المسيرة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفقاً‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المسيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كانت‭ ‬تطير‭ ‬فوق‭ ‬المياه‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأسود،‭ ‬فإنها‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بجمع‭ ‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬عن‭ ‬انتشار‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬الروسية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم،‭ ‬التي‭ ‬ضمتها‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إمداد‭ ‬الأخيرة‭ ‬بها،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تنفيذ‭ ‬هجمات‭ ‬ضد‭ ‬القواعد‭ ‬الروسية‭ ‬هناك‭.‬

وتؤكد‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬كثافة‭ ‬الطائرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬المسيرة‭ ‬فوق‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬جمع‭ ‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬عن‭ ‬مواقع‭ ‬انتشار‭ ‬الأصول‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية،‭ ‬وذلك‭ ‬لتوجيه‭ ‬الأسلحة‭ ‬الدقيقة‭ ‬التي‭ ‬تزود‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬لتوجيه‭ ‬ضربات‭ ‬إلى‭ ‬المنشآت‭ ‬الروسية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬عدته‭ ‬روسيا‭ ‬مشاركة‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عسكرياً‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬استفزازاً‭ ‬صريحاً‭ ‬لها‭.‬

وتمثل‭ ‬الهدف‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬المسيرة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هو‭ ‬دفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬عمليات‭ ‬التجسس‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬واشنطن‭ ‬دعماً‭ ‬للجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬في‭ ‬معاركه‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭. ‬وهددت‭ ‬روسيا‭ ‬صراحة‭ ‬بذلك‭ ‬بعد‭ ‬مواصلة‭ ‬واشنطن‭ ‬طلعاتها‭ ‬الجوية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬تعهدت‭ ‬بمواصلة‭ ‬طلعاتها‭ ‬الجوية‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬فوق‭ ‬البحر‭ ‬الأسود،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ردت‭ ‬عليه‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكليف‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان‭ ‬لتطوير‭ ‬خيارات‭ ‬لكيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الاستفزازات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفقاً‭ ‬لوجهة‭ ‬نظر‭ ‬موسكو‭. ‬

الرد‭ ‬على‭ ‬الاستفزازات

من‭ ‬خلال‭ ‬استقراء‭ ‬الوقائع‭ ‬الدولية‭ ‬المختلفة،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الدول‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتهاج‭ ‬إحدى‭ ‬السياسات‭ ‬التالية‭: ‬

تبني‭ ‬سياسات‭ ‬مكافئة‭: ‬يقصد‭ ‬بهذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬بانتهاج‭ ‬سلوك‭ ‬مكافئ‭ ‬للدولة‭ ‬المرتكبة‭ ‬للسلوك‭ ‬المستفز،‭ ‬وذلك‭ ‬لردعها‭ ‬عن‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬الاستفزاز‭. ‬ففي‭ ‬موازاة‭ ‬التصريحات‭ ‬والسياسات‭ ‬التايوانية‭ ‬المتواترة،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬يؤكد‭ ‬استقلالها‭ ‬تايبيه‭ ‬عن‭ ‬الصين،‭ ‬اتجهت‭ ‬بكين‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬وضع‭ ‬جديد‭ ‬مقابل،‭ ‬وهو‭ ‬القيام‭ ‬بمناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬حول‭ ‬الجزيرة‭ ‬لتأكيد‭ ‬هيمنتها‭ ‬عليها،‭ ‬وأحقيتها‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬حولها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأكيد‭ ‬جدية‭ ‬بكين‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬كافة‭ ‬الوسائل‭ ‬لاستعادة‭ ‬الجزيرة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوسائل‭ ‬العسكرية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬دفع‭ ‬تايبيه‭ ‬عن‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬سياستها‭ ‬للانفصال‭ ‬عن‭ ‬بكين‭. ‬ولذلك‭ ‬أكد‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني،‭ ‬وو‭ ‬تشيان،‭ ‬أن‭ ‬التدريبات‭ ‬المشتركة‭ ‬لجيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني‭ ‬هو‭ ‬‮«‬إجراء‭ ‬لاحتواء‭ ‬الأنشطة‭ ‬العدوانية‭ ‬التايوانية‭ ‬الاستقلالية‭ ‬والانفصالية‭ ‬وتحذير‭ ‬من‭ ‬التدخل‭ ‬الأجنبي‮»‬‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

تبني‭ ‬سلوك‭ ‬دفاعي‭: ‬يقصد‭ ‬بذلك‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لسلوك‭ ‬استفزازي‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬مناوئة‭ ‬لها‭ ‬بتبني‭ ‬سياسات‭ ‬دفاعية،‭ ‬تهدف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬أمنها،‭ ‬وتجنب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬استدراجها‭ ‬إلى‭ ‬التصعيد،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬هدف‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تنتهج‭ ‬سلوك‭ ‬الاستفزاز‭. ‬

ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬موقف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬إذ‭ ‬تصف‭ ‬واشنطن‭ ‬كافة‭ ‬التجارب‭ ‬الصاروخية‭ ‬والنووية‭ ‬لبيونج‭ ‬يانج‭ ‬بأنها‭ ‬عمل‭ ‬استفزازي،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يقابَل‭ ‬سوى‭ ‬بتأكيد‭ ‬واشنطن‭ ‬دعمها‭ ‬لأمن‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إطلاق‭ ‬التهديدات‭ ‬تجاه‭ ‬الأخيرة‭.‬

ويعاب‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬أنها‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬مواجهة‭ ‬مصدر‭ ‬التهديد،‭ ‬إذ‭ ‬قامت‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬بست‭ ‬تفجيرات‭ ‬نووية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إطلاق‭ ‬عدة‭ ‬صواريخ‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬رؤوس‭ ‬نووية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالاً‭ ‬للشك‭ ‬على‭ ‬امتلاكها‭ ‬لأسلحة‭ ‬نووية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬امتلاك‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬حجم‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭. ‬

إفشال‭ ‬هدف‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭: ‬تسعى‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬الاستدراك‭ ‬لتبني‭ ‬سلوكيات‭ ‬مرسومة‭ ‬سلفاً‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الخصوم،‭ ‬وتبني‭ ‬سياسات‭ ‬أخرى،‭ ‬تستهدف‭ ‬إفشال‭ ‬أغراض‭ ‬الخصم‭ ‬من‭ ‬الفعل‭ ‬الاستفزازي‭. ‬وقد‭ ‬يتمثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬التجاوب‭ ‬مع‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭ ‬وشن‭ ‬الحرب،‭ ‬كما‭ ‬تهدف‭ ‬الدولة‭ ‬القائمة‭ ‬بالاستفزاز،‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر‭ ‬العسكري،‭ ‬وتجنب‭ ‬الهزيمة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬شن‭ ‬موسكو‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬تجنب‭ ‬استنزافها‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وتحقيق‭ ‬النصر‭. ‬

أما‭ ‬المثال‭ ‬الآخر،‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬تجنب‭ ‬موسكو‭ ‬الاستدراج‭ ‬إلى‭ ‬المخطط‭ ‬الأوكراني،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يستهدف‭ ‬دفعها‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬قواتها‭ ‬من‭ ‬جبهة‭ ‬الدونباس،‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬كورسك‭ ‬للدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬بحشد‭ ‬قوات‭ ‬أغلبها‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬القوات‭ ‬الخاصة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬جبهة‭ ‬الدونباس،‭ ‬واستغل‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬نقل‭ ‬كييف‭ ‬قوات‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لشن‭ ‬هجوم‭ ‬كورسك‭ ‬المفاجئ،‭ ‬وقام‭ ‬الأخير‭ ‬بتصعيد‭ ‬هجومه‭ ‬على‭ ‬الدونباس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬مكنّه،‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬مدينتي‭ ‬بوكروفسك‭ ‬وميرنوهراد،‭ ‬وهما‭ ‬المدينتان‭ ‬الحيويتان‭ ‬بالنسبة‭ ‬لدفاع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬عن‭ ‬الجبهة‭ ‬الشرقية،‭ ‬خاصة‭ ‬الأولى،‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬نقطة‭ ‬لوجستية‭ ‬استراتيجية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سقوطهما،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعرض‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬كوستيانتينيفكا‭ ‬ودروزكيفكا‭ ‬وكراماتورسك‭ ‬وسلوفيانسك‭ ‬لمخاطر‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي،‭ ‬ويعزز‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬روسيا‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وأكد‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬نفسه،‭ ‬إذ‭ ‬أكد‭ ‬إن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كانت‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬وقف‭ ‬عملياتنا‭ ‬الهجومية‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬رئيسية‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬دونباس‭. ‬النتيجة‭ ‬معروفة‭… ‬لم‭ ‬ينجحوا‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬تقدمنا‭ ‬في‭ ‬دونباس‮»‬‭. ‬مضيفاً‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬متأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاستفزاز‭ ‬سيفشل‮»‬‭. ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يتضح‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭ ‬بهدف‭ ‬استدراج‭ ‬خصومها‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬متسرعة‭ ‬غير‭ ‬عقلانية‭ ‬تستهدف،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬إلى‭ ‬دفعهم‭ ‬لارتكاب‭ ‬سياسات‭ ‬خاطئة‭ ‬تخدم‭ ‬الدولة‭ ‬القائمة‭ ‬بالسلوك‭ ‬الاستفزازي‭. ‬وتتنوع‭ ‬السياسات‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭ ‬بين‭ ‬التجاوب‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬السلوك،‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬الرد‭ ‬عليه،‭ ‬أو‭ ‬تبني‭ ‬سلوكيات‭ ‬دفاعية،‭ ‬أو‭ ‬محاولة‭ ‬إفشال‭ ‬الهدف‭ ‬النهائي‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الاستفزازي‭. ‬●

د‭. ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض