على مدار التاريخ العسكري، احتل الابتكار مكانة متميزة. فقد سعت الجيوش تاريخياً إلى إيجاد طرق لدمج الأسلحة وأساليب القتال الجديدة في عملياتها العسكرية لتوظيف عنصر المفاجئة ضد العدو وتعزيز فرص النصر. كما أن الخبرة التاريخية تكشف عن أن المؤسسات العسكرية التي سعت للحفاظ على ممارساتها القديمة دون تحديث كان مآلها الانهيار والفشل. ونظراً لأهمية ودور الابتكار في زيادة فاعلية المؤسسات العسكرية، فإنه سوف يتم تناول المفهوم ومحركاته الرئيسية، وكذلك أنواعه وأبعاده، مع عرض لأبرز الأمثلة عليه من واقع المعارك السابقة أو منظومات الأسلحة الجديدة.
أولاً: فهم الابتكار العسكري
يمكن تعريف الابتكار على أنه قدرة المرء على تقديم شيء جديد إلى الوجود، أو توليد أفكار جديدة تتمتع بتقدير من جانب الآخرين، كما أنه يتضمن كذلك تقديم الأفكار أو العمليات القائمة بالفعل بطريقة مختلفة. وبشكل عام، لكي يكون المرء مبدعاً ومبتكراً، يجب أن يتجاوز المنتج أو الفكرة الكامنة التي تقوم عليها المفاهيم أو وجهات النظر السابقة. كما يجب أن يكون للمنتج المبتكر قيمة جوهرية عالية بسبب أصالته وتفرده. وفي المجال العسكري، تتعدد تعريفات الإبداع، ويتمثل أحد أبرز التعريفات شيوعاً للإبداع العسكري في أنه «تغيير كبير في سير الحرب ينتج عنه زيادة كبيرة في الفعالية العسكرية، وهو ما ينعكس في تحسن نتائج وأداء الجيش في ساحة المعركة». ويساهم الإبداع في تغيير طريقة أداء الوظائف العسكرية في الميدان، ويزيد من الفعالية العسكرية. وبشكل أكثر دقة، يتضمن الابتكار «تطوير تقنيات وتكتيكات واستراتيجيات وهياكل عسكرية جديدة» أثناء عملية التكيف في مواجهة طريقة شن الخصوم للحروب.
ويُعرِّف ستيفن روزن الابتكار العسكري على أنه «التغيير في الطريقة التي يقاتل بها أحد أفرع القوات المسلحة أو إنشاء فرع جديد، كما أنه ينطوي على تغيير في المفاهيم العملية، أي الأفكار التي تحكم كيفية توظيف الأسلحة لتحقيق النصر العسكري، وفضلاً عما سبق، يندرج ضمن الابتكار العسكري التغيير في علاقة أحد أفرع القوات المسلحة بفرع آخر، أو التخلي عن مفاهيم قديمة، وربما عن سلاح كان مهيمناً في فترات تاريخية سابقة.
وتعرف دراسة لمؤسسة راند الابتكار العسكري على النحو التالي: «يتجلى الابتكار العسكري من خلال تطوير مفاهيم حربية جديدة و/أو وسائل جديدة لدمج التكنولوجيا. قد تتضمن الوسائل الجديدة لدمج التكنولوجيا عقيدة أو تكتيكات أو تدريباً أو تقديم الدعم لأحد أفرع القوات المسلحة».
ويتفق المنظرون العسكريون على أن الابتكارات العسكرية والتكنولوجية ليست متطابقة بالضرورة. فقد يستخدم الابتكار العسكري تكنولوجيا جديدة، أو قديمة، ولكن بطريقة فريدة من نوعها تساهم في التغلب على استراتيجية الخصم بشكل فعال. ولكن على الجانب الآخر، فإن الابتكار التكنولوجي يمكن أن يعيق الابتكار العسكري. على سبيل المثال، أدى ظهور العصر النووي إلى سياسة «الانتقام الهائل» وتطوير لنظريات الحرب في العصر النووي، والتي تسببت فعلياً إلى ركود الابتكار العسكري.
وبناءً على التعريفات السابقة وكذلك التمييز بين الابتكار العسكري والتكنولوجيا، تُعرّف هذه الدراسة الابتكار العسكري على أنه تغيير على مستوى العقائد أو التنظيم المؤسسي أو التكنولوجيا والذي يعزز من الفعالية القتالية للقوات المسلحة.
ويلاحظ أن هناك اختلافاً بين المنظرين العسكريين حول درجة التغيير الذي يحدثه الابتكار العسكري، إذ يبالغ البعض في تقديره في بعض الحالات، بحيث يرى أن أمن الإبداع العسكري يتطلب تغييراً كبيراً عن الممارسات الماضية، وبصورة تجعل الأساليب القديمة في شن الحرب عقيمة وغير صالحة للاستخدام أو التوظيف. ووفقاً لهذا الاتجاه، فإن الابتكار العسكري يتطلب تغييراً شاملاً في الفكر العسكري، بل ويذهب البعض إلى أنه يحتاج إلى ابتكار فرع جديد في القوات المسلحة. ويرى أنصار هذا الاتجاه أن الابتكار لا يتطلب إدخال تغييرات جزئية، ولكن تحولات راديكالية، ولذلك يجب أن يطلق عليها «ثورة في الشؤون العسكرية».
وعلى الجانب الآخر، فإن البعض يرى أن الابتكار العسكري يجب أن يبنى على إدخال تعديلات جزئية على التكنولوجيا والتكتيكيات والعقائد العسكرية القائمة. وفي الواقع العملي، فإن كلا الشكلين من التغيير يحدث ولا يمكن إغفال أهمية الابتكارات الجزئية.
ثانياً: محركات الابتكار
يثور جدال بين المنظرين العسكريين حول العوامل التي تدفع لتعزيز الابتكار العسكري، فبينما يذهب البعض إلى التأكيد أن التكنولوجيا هي التي تحفز الابتكار العسكري، يذهب البعض الآخر إلى التأكيد أن الاعتبارات والضرورات العملية في المعارك العسكرية هي التي تدفع الابتكار العسكري إلى الأمام. وفي حقيقة الأمر، فإن كلا العاملين يمثلان محركاً للابتكار العسكري. ففي أوقات الصراعات المسلحة، تلعب الاعتبارات العملية دوراً في الابتكار العسكري، بينما في أوقات السلم، تلعب التكنولوجيا دوراً رئيسياً. كما أنه بالإضافة إلى هذين العاملين، فإن هناك عوامل أخرى تساعد على تبني المؤسسات العسكرية للابتكار، مثل التهديد الخارجي، وضعف الموارد، أو وجود قيادة للدولة تؤمن بأهمية التغيير. ويمكن تفصيل كل ذلك على النحو التالي:
1
التكنولوجيا بالشراكة مع القطاع الخاص: تعد الولايات المتحدة من أكثر الدول دعماً للابتكار في المجال العسكري، وتحرص عليه باستمرار عبر تطوير شراكات مع كبرى شركات التكنولوجيا. ومن الأمثلة الرئيسية في هذا الإطار «مبادرة الابتكار الدفاعي» الأمريكية، إذ تركز وزارة الدفاع الأمريكية حالياً بشكل أساسي على الاستحواذ التكنولوجي بالشراكة مع القطاع الخاص.
وتتمثل أبرز مشاريعها في «مجلس ابتكار الدفاع»، والذي يعمل بالشراكة مع جيف بيزوز، مالك شركة أمازون، والفيزيائي الفلكي نيل ديجراس تايسون، وكذلك «وحدة ابتكار الدفاع التجريبية»، والتي تتمثل مهمتها في تنمية العلاقات وإبرام العقود مع الشركات في وادي السيليكون، والتي تحتضن كبرى شركات التكنولوجيا الأمريكية. ولذلك يُنظر إلى العلماء والمهندسين على أنهم يساهمون بشكل مباشر في الابتكار العسكري في وقت السلم.
2
الاعتبارات العملية في أرض المعركة: يكون القادة العسكريون، في أوقات الحرب، في الخطوط الأمامية للمعارك، وهم أدوار ووكلاء للابتكار والتغيير، ويتم ذلك لاعتبارات تتعلق بالبقاء، فنظراً لعدم وجود طريقة للتنبؤ الكامل بما سيفعله خصم يتبع أساليب ديناميكية ومتطورة في النزاعات المسلحة، أو ما يعرف باسم «ضباب الحرب»، تكون هناك حاجة عملية للتكيف مع ذلك والرد عليه. ويأخذ هذا التكيف أشكالاً كثيرة بدءاً من السعي لاقتناء أسلحة جديدة، إلى تبني تكتيكات وتقنيات وإجراءات جديدة.
ولن تغني هذه الإجراءات عن الحاجة إلى قادة عسكريين يتمتعون بالقدرة على إيجاد حلول عملية وجديدة للمشكلات، أي يكونوا مبتكرين وقابلين للتكيف في المواقف السريعة التي قد تكون مربكة. ويسمح الفكر الإبداعي للقادة بمفاجئة خصومهم، وبالتالي إحباط تكتيكاتهم المفاجئة. ولذلك، يرى البعض، أنه في الحرب، كما في الفن، لا يمكن للقواعد أن تحل محل الموهبة. ولذا، فإن النجاح في القتال على جميع المستويات يتطلب خيالاً من جانب القادة، الذين يجب أن يمتلكوا درجة عالية من الإبداع في التفكير والاستعداد لتحمل المخاطر.
3
المناورات العسكرية المشتركة: يؤكد بيتر روزن في كتابه «الفوز بالحرب التالية» (Winning the Next War)، كيف أجرت البحرية الأمريكية وسلاح مشاة البحرية عمليات محاكاة للمعارك العسكرية خلال فترة ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية كوسيلة للتنبؤ بالحاجات المستقبلية المحتملة للجيش، وتوليد الدعم الكافي بين القادة العسكريين على القدرات العسكرية الجديدة التي ينبغي تطويرها.
4
التهديد الخارجي: يلاحظ أن وجود تهديد خارجي كبير يهدد أمن الدول يحفز في العديد من الحالات التاريخية على الابتكار العسكري. وقد تجلى ذلك في كل من أوقات الحرب والسلم، وكذلك في الحالات التي عانت فيها إحدى الدول حديثاً من هزيمة أو انتصار عسكري.
وتشمل الأمثلة على الابتكار في ضوء التهديد الخارجي تكتيكات قوات العاصفة الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى. فقد تم تدريب بعض الجنود في الجيش الألماني في السنوات الأخيرة من الحرب على التسلسل خلف خطوط العدو وتنفيذ عمليات تخريبية ضد خنادق العدو.
5
الاعتبارات الداخلية: يرى العديد من المنظرين العسكريين أن الابتكار العسكري في العديد من الأحيان قد يكون ناتج عن توجيهات من قيادة الدولة، خاصة إذا ما كانت تمتلك رؤية تؤمن بأهمية الابتكار وتحرص عليه. ويكون ذلك عادة بالتعاون مع القادة العسكريين المتفهمين لأهمية الابتكار.
فعادة ما تكون هناك عوامل كابحة للابتكار داخل المؤسسات الكبرى، بما في ذلك المؤسسات العسكرية، إذ يميل القائمون عليها إلى مقاومة أي ممارسات جديدة تعارض المألوف الذي سار عليه العمل داخل المنظمة على مدار سنوات، حتى ولو كانت التقييمات الأولية تشير إلى أن تأثيراته ستنعكس بالإيجاب على أداء المنظمة بشكل عام. ولذا، فإن القاعدة العامة هي أن الابتكار يلاقى عادة معارضة مؤسسية قوية تعمل على تثبيطه، ولا يحد من تأثير هذا العامل، سوى وجود إيمان قوي بأهمية الابتكار من جانب قيادة الدولة.
ومن جهة ثانية، ترى بعض الأدبيات العسكرية أن الحوافز للابتكار قد ترتبط في بعض الحالات الأخرى، بوجود صراع بين مختلف الأسلحة الرئيسية في القوات المسلحة على الميزانية والموارد، بل إنها قد تكون نتاج الصراع على توزيع الموارد داخل نفس السلاح. ومن جهة ثالثة، فإن الابتكار يكون عادة له بعد مؤسسي، أي أنه يرتبط بوجود تغير في ثقافة المؤسسة بصورة تشجع على الابتكار وتحض عليه.
وقامت وزارة الدفاع الأمريكية بإجراء تغييرات على المستوى الاستراتيجي لتسريع عملية الابتكار داخل الجيش الأمريكي. ومن الأمثلة على ذلك إنشاء مكتب «وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة» داخل مكتب وزير الدفاع، و«إنشاء القيادة المستقبلية للجيش الأمريكي»، ونشر استراتيجية جديدة وطموحة لعلوم وتكنولوجيا القوات الجوية. وتتميز هذه التغييرات بتركيز متجدد على تعزيز الابتكارات الإرباكية التي يمكن أن تعزز من القدرات العسكرية للجيش الأمريكي.
ثالثاً: الابتكار التدريجي والجذري
درس المؤرخون وعلماء الاجتماع نظرية الابتكار منذ أربعينيات القرن الماضي على الأقل، عندما قدم عالم الاقتصاد «جوزيف شومبيتر» مفهوم «التدمير الإبداعي» في علم الاقتصاد، وكان يقصد به «عملية الطفرة الصناعية التي تُحدِث ثورة مستمرة في البنية الاقتصادية من الداخل، من خلال تدمير البنية القديمة مع خلق بنية أخرى جديدة، وأن هذه العملية تتكرر بطريقة مستمرة».
وركزت الكثير من المؤلفات منذ ذلك الحين على الابتكارات في المجالات غير العسكرية. لكن ابتداءً من التسعينيات من القرن العشرين، بدأ الباحثون بجدية في بناء نظرية للابتكار العسكري. كما بُذلت جهود كبيرة للتمييز بين مفهوم الابتكار في وقت السلم وزمن الحرب، وكذا التمييز بين التغيير التكنولوجي مقابل التغيير المؤسسي كمصادر محتملة للإبداع العسكري.
وبذلت في عام 2004 جهود نظرية لمحاولة الربط بين هذه الأفكار في إطار مفهوم واحد للابتكار العسكري. واقترح الكابتن البحري المتقاعد تيري بيرس، بعد دراسة أفكار العديد من منظري الابتكار الآخرين، أن يقوم بوضع إطار جامع للابتكار العسكري يأخذ في الاعتبار كل هذه الأفكار. وصنّف الإطار النظري الذي وضعه الابتكار وفقاً لأربع فئات أساسية، تمثل كل منها نوعاً من أنواع الابتكار، ولكن لكل منها منهج وتداعيات مختلفة. ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:
1
الابتكار التدريجي: يحدث هذا النوع من الابتكار عندما تطرأ تغيرات محدودة أو تحسينات على مكونات الأجهزة أو البرامج الحالية، وذلك
بهدف جعل الأشياء القائمة حالياً تعمل بصورة أفضل، مع بقاء المعرفة حول واجهة النظام ثابتة ولا تتغير. ويندرج تحت هذه الفئة، على سبيل المثال، تحديث نظم الأسلحة. ويتمتع الابتكار التدريجي بأهمية كبيرة، نظراً لأن الغالبية العظمى من التحسينات التي يتم إجراؤها في الجيوش المختلفة تندرج ضمن هذا النوع. كما تخضع بيروقراطية الجيش نفسها للابتكار التدريجي، أي إدخال تعديلات على طريقة عملها وهياكلها المؤسسية، وهو أمر مفيد بالنسبة للمنظمات الكبيرة لأنه يسمح بتطويرها، ومن ثم الحفاظ على استمراريتها وفاعليتها.
2
الابتكار النمطي: يحدث الابتكار النمطي عندما تتغير التكنولوجيا، لكن تظل المبادئ الحالية الحاكمة لعمل النظام دون تغيير. ومن الأمثلة على ذلك، التحوّل من الواجهة التناظرية (Analogue) (أي يدوية) إلى واجهة رقمية (أي مؤتمتة) لملاحة السفينة، أي أن الابتكار النمطي يقدم تقنية جديدة لإنجاز نفس المهمة القديمة. ويحدث هذا بشكل متكرر، ولكن بوتيرة أقل من الابتكار التدريجي. ويتم القيام به بشكل عام بواسطة نفس القوة من الأشخاص في مؤسسة البحث والتطوير التابعة للجيش.
3
الابتكار الجذري: يقصد به التغير في مكونات النظام، وكذلك الواجهة الخاصة به. ومن الأمثلة على ذلك، حاملة الطائرات أو الدبابة أو الطائرة أو الغواصة، فهي كلها أمثلة على الجمع بين التكنولوجيا الجديدة بطرق جديدة لإنتاج شيء لم يكن موجوداً في السابق. وعادة ما تكون الابتكارات الجذرية نادرة.
ويرجع ذلك في جانب منه إلى أن القيود التي تحد من الابتكار الجذري قوية، مثل حاجتها إلى وقت طويل نسبياً لتطويرها، إلى جانب أنها تتطلب في الكثير من الأحيان موارد مالية ضخمة. وعلى الرغم من هذه التحديات، فقد تمكنت مؤسسات البحث والتطوير الرئيسية في المؤسسات العسكرية، والقاعدة الصناعية الدفاعية من تحقيق ابتكارات جذرية.
ومع ذلك، فإن ما ينبغي فهمه عن الابتكار الجذري هو أنه لا يغير المفاهيم الكبرى السائدة حول الحرب. بمعنى آخر، أنه يتم تطوير سلاح جديد وذلك لتعزيز قدرة الجيش على القيام بمهامه، فقد تم تصنيع حاملات الطائرات لدعم السفن الحربية، والدبابات لتعزيز سلاح المشاة والطائرات كمراقبين أماميين.
ويلاحظ أن جميع أنواع الابتكار الثلاثة التي تم تقديمها حتى الآن، التدريجية والنمطية والجذرية، تعتبر جميعها ابتكارات هدفها الحفاظ على استدامة الأجهزة والأنظمة. وبعبارة أخرى، فهي خطوات تطورية ويمكن اعتبارها أيضاً ابتكارات صغيرة ومتوسطة وكبيرة على التوالي، من حيث درجة التعقيد. وبالنسبة للجيش، تعزز الابتكارات المستدامة الطرق الحالية للحرب.
4
الابتكار الهندسي: تحدث هذه النوعية من الابتكارات عندما يتم الاعتماد على التكنولوجيا الحالية، ولكن يتم إعادة رسم أو هندسة العلاقات بين مكونات النظام، أي عندما يتم استخدام الأشياء الحالية بطرق جديدة. وباللغة العسكرية، يمكن للمرء أن يسميها أيضاً ابتكاراً عقائدياً. ويمثل الجمع بين استخدام حاملة الطائرات والمقاتلات والاتصالات اللاسلكية، أو الدبابات والطائرات وأجهزة الراديو على سبيل المثال، ضمن الابتكارات المعمارية. وغالباً ما يحدث الابتكار المعماري في أعقاب التطورات النمطية أو الجذرية المتعددة التي تجعل من الممكن ربط مكونات جديدة ببعضها بعضاً. ويمكن أن تكون الابتكارات المعمارية مستدامة، ومعظمها كذلك، ولكن في حالات استثنائية قليلة، تتسبب في حدوث نوعية جديدة من الابتكارات وهي: الابتكار الإرباكي (Disruptive Innovation).
مجالات الابتكار العسكري:
يمكن تصنيف مجالات الابتكار العسكري على النحو التالي:
1
الابتكار على مستوى العقائد العسكرية: يأتي ضمن العقائد العسكرية المبتكرة، والتي غيرت من مجريات العديد من المعارك مفهوم «الحرب الخاطفة»، والتي طورها الألمان وطبقوها بنجاح في بدايات الحرب العالمية الثانية. وكان يقوم على استخدام الاستطلاع الجوي والأرضي لتحديد الثغرات في دفاعات العدو، ثم تركيز القوات على تلك المنطقة.
وكان العنصر الرئيسي الثاني هو التركيز على سرعة نقل القوات، والمفاجأة، والاستفادة من نوافذ الفرص التي قد تلوح أثناء سير المعارك، وذلك عبر نشر قوات سريعة الحركة تتوغل بعمق في الخطوط الخلفية للعدو. ويتمثل الهدف الأساسي لهذه القوة هو تدمير ليس قوات العدو، بل مراكز القيادة وخطوط الإمداد وتهديد خطوط الانسحاب. وكان مفتاح النجاح الثالث هو التأثير النفسي للقوات الألمانية سريعة الحركة. وفي كثير من الأحيان، تسببت الحرب الخاطفة في انهيار قطاعات كاملة من القوات التي تقاتل على الجبهة على الرغم من أن الدبابات اخترقتها من نقطة واحدة فقط.
وأفضل اختبار للإبداع العسكري هو تحقيق المفاجأة، وذلك عبر وضع خطة خداع مبتكرة للغاية وتنفيذها بمهارة. ويجب على القادة العسكريين أن يضعوا أنفسهم في مكان العدو وأن يفكروا في المسار الأقل احتمالية لتوقع العدو. ولعل من الأمثلة التاريخية على ذلك هو حرب أكتوبر 1973، والتي نجح فيها المخطط العسكري المصري في فهم عقلية إسرائيل بصورة تامة، وتمكن من ثم من وضع خطة خداع ناجحة للغاية.
فقد كان التفكير العسكري الإسرائيلي يقوم على أن القوات المصرية لن تشن الهجوم على نظيرتها الإسرائيلية ما لم تتمكن مصر من امتلاك مقاتلات أحدث تمكنها من توجيه ضربات في العمق الإسرائيلي، وأن القوات المصرية كانت في وضع ضعيف، وأن القوات السورية كانت في وضع أسوأ حالاً، ولذلك، فإن تل أبيب استبعدت أن تقوم مصر وسوريا بشن هجوم عسكري مشترك ضدها. ولذلك عندما شنّت مصر وسوريا هجوماً مشتركاً في 6 أكتوبر، وتمكنت من تحييد عناصر التفوق الإسرائيلية، مثّل ذلك الأمر مفاجأة استراتيجية وإخفاقاً عسكرياً كبيراً لها.
ويأتي في هذا الإطار كذلك نجاح القوات المصرية في حرب أكتوبر في عام 1973 من القضاء على أحد المفاهيم العسكرية الراسخة، وهو «الدفاع المتحرك»، والذي اعتمد عليه الإسرائيليون، ويقوم على توقع هجوم القوات المصرية من اتجاه واحد، ومن ثم توجيه كامل قوة الاحتياطي الإسرائيلي لتدمير القوات المصرية التي تنجح في عبور قناة السويس واختراق خط بارليف من جهة واحدة، ولتجاوز ذلك، قامت القوات المصرية باختراق الدفاعات الإسرائيلية على طول خط المواجهة بالكامل، مما أربك حسابات القوات الإسرائيلية، ووضعها في مأزق لعدم القدرة على تحديد اتجاه دفع الاحتياطي.
ومن ثم نجحت القوات المصرية في إثبات فشل نظام الدفاع المتحرك، الذي تتبناه العقيدة العسكرية الغربية، والذي كان معمولاً به بكل دول حلف الناتو، ولذلك بدأت وزارة الدفاع الأمريكية في تعديل فكر الدفاع المتحرك في العقيدة الغربية، لتخرج للعالم، في عام 1976، بعقيدة عسكرية جديدة تعرف باسم «الدفاع النشط»، والذي يقسم الاحتياطيات في العمق إلى عدة احتياطيات لمواجهة الاختراقات المتعددة على طول خط المواجهة، ولتتبناه كل الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي بعد ذلك.
وطورت الولايات المتحدة مطلع التسعينات من القرن العشرين مصطلحاً جديداً هو «الثورة في الشؤون العسكرية»، والذي كان يعكس تحولاً كبيراً في العقيدة العسكرية الأمريكية، فقد استندت إلى الجمع بين تنفيذ ضربات جوية دقيقة، جنباً إلى جنب مع جمع الاستخبارات عن جيش الخصم من خلال أدوات التجسس المختلفة، وأخيراً «القيادة والسيطرة». وكان التطبيق العملي لهذه الثورة في حرب العراق في عام 1991، واستمرت الولايات المتحدة في تطبيق نفس العقيدة في الحروب التالية، والتي كان أبرزها حرب أفغانستان في عام 2002، والحرب ضد العراق في عام 2003.
وسادت هذه العقيدة العسكرية لسنوات إلى أن ظهرت عقيدة مناوئة، اتسمت هي الأخرى بالابتكار، وحلت محلها، وهي «الحروب الهجينة»، وهي عبارة عن الجيل الجديد من الحرب، التي تبنتها قيادة الأركان العامة الروسية، والتي يمكن تعريفها على أنها «نشاطات خفية أو قابلة للإنكار، تدعمها قوات تقليدية، أو نووية ترمي إلى التأثير على السياسة الداخلية للبلدان المستهدفة، أي أنه يدخل ضمن أهدافها في النهاية التأثير على الشعب ومدركاته.
وتستخدم هذه العقيدة العسكرية الجديدة خليطاً من التكتيكات المختلفة، والتي تتضمن استخدام القوات التقليدية لدعم القوات غير النظامية، أو حمايتها. وتتهم روسيا بتوظيف هذه التكتيكات في كل من أوكرانيا وجورجيا. وفي الأزمة الأوكرانية تحديداً، وظفت روسيا حرب العصابات من أجل دعم الانفصاليين في شرق البلاد، ولكنها اضطرت في النهاية إلى استعمال القوات التقليدية لدعم التكتيكات غير النظامية لضمان ألا تهزم الحركة الانفصالية على يد القوات الأوكرانية في أغسطس 2014.
2
الابتكار على مستوى توظيف الأسلحة: يلاحظ أن إسرائيل والجيوش العربية استخدمت أكثر من 12300 دبابة ومدرعة خلال حرب أكتوبر 1973. وتم تدمير نحو 2600 منها خلال ما يقل عن 3 أسابيع. وعلى الرغم من ذلك، لم تقم القوات المصرية بتدمير أغلب الدبابات الإسرائيلية عبر الاعتماد على الدبابات، ولكن استخدمت، عوضاً عن ذلك، صواريخ «ماليوتكا» الموجهة وقواذف الرمانات «آر بي جي 7» في تدمير الدبابات الإسرائيلية. وحقق هذا التكتيك نجاحاً كبيراً، فقد تمكن جندي مصري واحد من تدمير 23 دبابة و3 مركبات مدرعة.
3
الابتكار على المستوى المؤسسي: يتمثل ذلك في تأسيس وحدات عسكرية جديدة استجابة لتهديدات جديدة أو فرص محتملة يتوقع أن تطرأ على سير المعارك العسكرية. ويأتي ضمن الأمثلة على ذلك محاولة الصين توظيف الذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية، إذ يرى المخططون العسكريون الصينيون أن الذكاء الاصطناعي سوف يتفوق على قوة النيران وقوة الآلات والقوة المعلوماتية في ساحات القتال، وأن ذلك الذكاء سوف يكون العامل الحاسم في تحديد نتيجة المعركة.
وفي ضوء هذا الوضع، طوّر جيش التحرير الصيني نظريات ومفاهيم جديدة لما يسميه «العمليات الذكية» (intelligentised operations)، والتي تقوم على التعاون بين الإنسان والآلة، وتم تقديم مفهوم «الذكاء الهجين للإنسان والآلة» (Human-machine hybrid intelligence)، حيث يعتقد المنظرون العسكريون الصينيون أن طبيعة الحرب تشهد تحولاً من الحرب الشبكية (Network-centric Warfare) إلى «الحروب التي تعتمد على الخوارزميات» (algorithm-centric warfare)، والتي ستشمل استخدام حرب الأسراب الذكية وحرب التحكم الإدراكي. وفي ضوء الوضع السابق، لا يهتم جيش التحرير الشعبي الصيني بتطوير أنظمة الأسلحة التي تدعم الذكاء الاصطناعي فحسب، بل يركز أيضاً على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في القيادة والتحكم، بما يستتبعه ذلك من إحداث تغييرات في بنية القيادة والسيطرة في الجيش الصيني.
ويدخل ضمن الابتكارات المؤسسية اتجاه الولايات المتحدة إلى تأسيس قوات فضائية، وذلك رداً على تطوير كل من روسيا والصين لقدرات فضائية تشك واشنطن أنها ستؤدي في النهاية إلى امتلاك قدرات عسكرية فضائية هجومية، بالإضافة إلى رغبة واشنطن في الحفاظ على تفوق تكنولوجي في مجال الفضاء يفوق البلدين.
4
الابتكار على مستوى تطوير أسلحة جديدة: يأتي في هذا الإطار تطوير الرادار لاكتشاف المقاتلات المهاجمة. فقد أدى توظيف لأول مرة في الحرب العالمية الأولى إلى بحث الجيوش عن طرق لتوفير الإنذار المبكر لحظة اقترابها، وإرشاد المقاتلات لاعتراضها، بل وتوجيه نيران المدفعية المضادة للمقاتلات لتدمير مقاتلات الخصم. وبدأ الجيش الأمريكي في البحث عن اقترابات مختلفة لتطوير رادارات بدءاً من عام 1918. واستمرت هذه الجهود على مدار عقدين من الزمان، وجربت خلالها طرق مختلفة.
وكانت هناك طريقتان أساسيتان لاكتشاف الأشياء البعيدة، وهما الطريقة الأولى: طرق أحادية الاتجاه تعتمد على التقاط شكل من أشكال الطاقة المنبعثة من الهدف. والطريقة الثانية، في اتجاهين، أو ذهاباً وإياباً. وتضمنت التقنيات المستخدمة في هذه الطريقة الثانية إرسال شكل من أشكال الطاقة وتجميع ما يعكسه الكائن الذي يتم تعقبه. وكان التركيز في البداية على الطريقة الأولى، أي على الأنظمة أحادية الاتجاه، لأنها بدت أبسط وأكثر عملية. وتمثلت أنواع الطاقة التي تصدر عن المقاتلة التي تم تقييمها من الأشعة تحت الحمراء والحرارة إلى الصوت وموجات الراديو.
وخطا البرنامج خطوة مهمة إلى الأمام في عام 1926 عندما أصبح الرائد ويليام ر. بلير الضابط المسؤول عن قسم الأبحاث والهندسة في سلاح الإشارة، بالجيش الأمريكي. ولعب بلير دوراً أساسياً في وقف العمل على الترددات الصوتية وتركيز موارد جهاز الإشارة على الانبعاثات الحرارية وترددات الراديو. وفي عام 1930، أصبح بلير مديراً لمختبرات جهاز الإشارة، وهو كيان جديد تم إنشاؤه حينها.
ونجحت البحرية الأمريكية لأول مرة من الاستخدام المحتمل لموجات الراديو المنعكسة كطريقة للكشف عن المقاتلات في عام 1930، وذلك بالصدفة، فقد وجد علماء البحرية أن الطائرات العابرة خلقت تداخلاً ملحوظاً في الإشارات المرسلة في الاختبارات. وواجه المشروع رغم ذلك صعوبات فنية هائلة لم يتم التغلب عليها إلا بحلول عام 1936. وقامت مختبرات جهاز الإشارة بتطوير هوائيات جديدة، كل واحدة أصغر وأفضل من سابقتها. وتعمل هوائيات الإرسال على تحسين وتركيز الإشارة التي ترسلها، في حين أن هوائيات الاستقبال أصبحت أكثر حساسية في التقاط الإشارات العائدة الخافتة. وبعد عدة تجارب دخل الخدمة في عام 1939، وحمل اسم «إس سيه آر 268» (SCR-268).
ويندرج ضمن الابتكارات الجديدة منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، والتي تقوم بإطلاق صاروخ باتجاه الهدف المقصود، ولكن دون إصابته بشكل مباشر حيث ينفجر صاروخ المنظومة بالقرب من الجسم المستهدف، وتتمتع المنظومة بالقدرة على اعتراض دفعة من الصواريخ وطائرات بدون طيار بشكل متزامن، وفقاً للمسؤولين الإسرائيليين. ونظراً لإمكانيات هذه المنظومة، تعاقدت الولايات المتحدة على شرائها.
ومن ضمن الأسلحة الجديدة، والتي تركت تداعيات واضحة على العمليات العسكرية هو تطوير المركبات المسيرة، والتي يتم توجيهها عن بعد. وتوسعت العديد من دول العالم في إنتاج الطائرات المسيرة وتوظيفها في شن هجمات. وكان استخدام هذه النوعية من الطائرات يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية بصورة أساسية، والتي وظفتها في شن هجمات ضد الجماعات الإرهابية. ولكن بعد ذلك، بدأت الدول الأخرى في امتلاك طائرات مسيرة، وتوسعت فيها لدرجة أنه تقوم كبرى الدول المتقدمة بإنتاج مقاتلات مسيرة.
ولا يقتصر تطوير المنصات المسيرة على المقاتلات، بل امتد كذلك إلى ابتكار طائرات مسيرة تقوم بتزويد مختلف أنواع الطائرات المسيرة بالوقود، إذ يسعى الجيش الأمريكي إلى امتلاك وحدات صغيرة الحجم من الطائرات المسيرة بحلول عام 2022، والتي يمكنها أن تتفوق على أقرانها من حيث قدراتها القتالية، كما أنها تستطيع التحليق لمسافات طويلة والعمل على مدار 72 ساعة دون توقف.
وقامت شركة «بروكس ديناميكس» النرويجية بتطوير طائرة مسيرة صغيرة الحجم تحمل اسم «بلاك هورنيت نانو»، مخصصة للاستطلاع، يبلغ طولها 6 بوصات، ويصل وزنها لأقل من أونصة، وهو ما يجعل من الصعب رصدها، ويمكنها الطيران لأكثر من ميل ولمدة تصل إلى 25 دقيقة، كما تم تجهيزها بثلاث كاميرات لمنح الجنود رؤية شاملة أثناء بقائهم بأمان في مكان يختبئون فيه، وتوفير معلومات استخباراتية لهم في الوقت الفعلي.
الختام
يتضح من العرض السابق أن الابتكار كان رفيق التاريخ العسكري، وساهم كثيراً في تعزيز فاعلية القوات المسلحة، ولعب دوراً حاسماً في سير المعارك. ومع تطور قطاع التكنولوجيا المدنية، وإدراك العديد من قادة الدول لأهمية الابتكار، يتوقع أن تتجه المؤسسات العسكرية لاستثمار جانب من مواردها لتعزيز الابتكار، سواء بالشراكة مع القطاع الخاص، أو بصورة مستقلة.
المصادر والمراجع:
لواء دكتور: سمير فرج، حرب أكتوبر 73 من وجهة نظر مركز الدراسات الاستراتيجية، صدى العرب، 7 أكتوبر 2020، https://bit.ly/2R6oOe9
كيف تقوم منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية باعتراض الصواريخ؟، سي إن إن عربي، يوليو 2014، https://cnn.it/3cLaqAf
أندرو رادن، الحرب الهجينة في منطقة البلطيق: التهديدات والاستجابات المحتلمة، راند، 2017، ص ص 5 – 6.
معركة الدبابات في سيناء: جندي واحد يدمر 23 دبابة، سبوتنيك، 9 أكتوبر 2019، https://bit.ly/3wr711s
Milan Vegi, On Military Creativity, Joint Forces Quarterly, 70, 3rd quarter 2013, p. 83.
Michael Mcnerney (2005) Military innovation during war: Paradox or paradigm?, Defense & Security Analysis, 21:2, p. 202.
Ibid., p. 202.
Michael C. Horowitz, What Is A Military Innovation and Why It Matters, October 9, 2020, https://bit.ly/39IA1I6
Daniel M. Gerstein, The Military’s Search for Innovation, The Rand Blog, August 13, 2018, https://bit.ly/2QRWnAh
Nina Kollars, Genius and Mastery in Military Innovation, Survival, 59: 2, 2017, p. 125.
Milan Vegi, op.cit., p. 88.
Michael Mcnerney, op.cit., p. 205.
Tor Bukkvoll, (2015) Military Innovation Under Authoritarian Government – the Case of Russian Special Operations Forces, Journal of Strategic Studies, 38:5, pp. 614 – 615.
George M. Dougherty, Accelerating Military Innovation Lessons from China and Israel, Joint Forces Quarterly, 98, 3rd Quarter, 2020, pp. 10 – 11.
Barry Scott, Naluahi Kaahaaina and Christopher Stock, Innovation in the Military, Small Wars Journal, October 2, 2019, https://bit.ly/3rGTGOE
Milan Vegi, op.cit., pp. 87 – 88.
Anthony Cordesman, The Real Revolution in Military Affairs, CSIS, August 5, 2014, https://bit.ly/3cRZWzc
Elsa B Kania (2019) Chinese Military Innovation in the AI Revolution, The RUSI Journal, 164:5-6, 26-34, pp. 28 – 29.
Wendy Rejan, Radar, in; Jon T. Hoffman (ed.), A History of INNOVATION U.S. Army Adaptation in War and Peace, (Washington; CENTER OF MILITARY HISTORY, 2009), pp. 17 – 18.
Ibid., pp. 20 – 23.
US Army demonstrates autonomous resupply with UAVs at recent AEWE, Jane’s International Defence Review, April 2021.
Prox Dynamics, https://bit.ly/39FeSP9