Untitled-1_0002_Vector Smart Object

تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬إطار حرب‭ ‬المعلومات

‌أدت‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬والاستقطاب‭ ‬العالمي‭ ‬الحاد‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬التاريخ‭ ‬لمرحلة‭ ‬النزاعات‭ ‬والصراعات،‭ ‬لكنها‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬صراعات‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬فقد‭ ‬أتاحت‭ ‬الثورات‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الرقمية‭ ‬والمعلوماتية‭ ‬فرصة‭ ‬لتعزيز‭ ‬قوة‭ ‬الدول‭ ‬على‭ ‬شن‭ ‬الحروب‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭. ‬ورغم‭ ‬التقدم‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬استفادت‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثورات،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬السلاح‭ ‬الأبرز‭ ‬أضحى‭ ‬متمثلاً‭ ‬بالأساس‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬القدرات‭ ‬المعلوماتية‭ ‬لخدمة‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة‭.‬

تعد‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات،‭ ‬وربما‭ ‬أكثرها‭ ‬فاعلية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬اعتماد‭ ‬أغلب‭ ‬المجتمعات‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة‭ ‬قادرة‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬تشكيل‭ ‬تصور‭ ‬المواطنين‭ ‬للواقع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬قيود‭.‬

بالتالي،‭ ‬أصبحت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تشكل‭ ‬أداة‭ ‬قوية‭ ‬للأفراد‭ ‬والحكومات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الفواعل‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬الدعاية‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالرأي‭ ‬العام‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬الانتخابات،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬جمهور‭ ‬واسع‭ ‬للغاية‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬بسهولة‭ ‬وسرعة‭ ‬فائقة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬بدأت‭ ‬الفواعل‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬تكتيكات‭ ‬متطورة‭ ‬لتوظيف‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬بينما‭ ‬عمدت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬تقنيات‭ ‬مضادة‭ ‬لمكافحة‭ ‬هذه‭ ‬التكتيكات‭ ‬وضمان‭ ‬الاستخدام‭ ‬المسؤول‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حرب‭ ‬المعلومات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬والفواعل‭ ‬المختلفة‭. ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬تساؤلات‭ ‬عدة‭ ‬بشأن‭ ‬ماهية‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وكيفية‭ ‬تطور‭ ‬استخدامها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخصوم‭ ‬والأطراف‭ ‬المتنافسة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انعكاساتها‭ ‬على‭ ‬مسارات‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭ ‬والمستقبلية‭.‬

ماهية‭ ‬مفهوم‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي

بينما‭ ‬أُطلق‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الإنترنت‭ ‬الأولى‮»‬،‭ ‬وكذا‭ ‬حرب‭ ‬يوغوسلافيا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬التسعينات‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الويب‭ ‬الأولى‮»‬،‭ ‬جاء‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬ليتضمن‭ ‬صراحةً‭ ‬‮«‬عمليات‭ ‬المعلومات‮»‬‭ ‬كمكون‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬القتالية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬المعلومات‭. ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬محوري‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭. ‬ويستند‭ ‬هذا‭ ‬الطرح‭ ‬إلى‭ ‬فرضية‭ ‬رئيسية‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬المعلومات‭ ‬تشكل‭ ‬مورداً‭ ‬حيوياً‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الحرب،‭ ‬وأن‭ ‬تحقيق‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬يمثل‭ ‬الأهمية‭ ‬ذاتها‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬والخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬الفعلية‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬المعارك‭. ‬فحروب‭ ‬المعلومات‭ ‬أضحت‭ ‬جزءاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬الفعلية‭.‬

ويشير‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬Facebook‭  ‬وInstagram‭ ‬وWhatsApp‭ ‬وTelegram‭ ‬وYoutube‭ ‬وX،‭ ‬بغية‭ ‬نشر‭ ‬الدعاية‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬والأخبار‭ ‬المزيفة‭ ‬والتلاعب‭ ‬بالرأي‭ ‬العام‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬النتائج‭ ‬السياسية‭. ‬وتعمد‭ ‬عملية‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬تكتيكات‭ ‬مختلفة‭ ‬لتوظيف‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬وتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬مختلفة،‭ ‬يمكن‭ ‬عرض‭ ‬أبرزها‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

• نشر‭ ‬المعلومات‭ ‬المغلوطة‭ ‬والأخبار‭ ‬المزيفة‭:‬‭ ‬وتعد‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أدوات‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة،‭ ‬لنشر‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة‭ ‬والأخبار‭ ‬المزيفة‭ ‬عن‭ ‬الخصوم‭ ‬لاستهدافهم‭ ‬والتأثير‭ ‬السلبي‭ ‬عليهم‭.‬

• الدعاية‭:‬‭ ‬والتي‭ ‬تستهدف‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬لخدمة‭ ‬أجندة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬أيديواوجية،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬نشر‭ ‬الصور‭ ‬ومقاطع‭ ‬الفيديو‭ ‬المقنعة‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬الأفراد،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الصور‭ ‬والنصوص‭ ‬الفكاهية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنطوي‭ ‬الدعاية‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬حملات‭ ‬شعبية‭ ‬مزيفة‭ ‬للترويج‭ ‬لقضية‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬اتجاه‭ ‬معين‭.‬

• روبوتات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭:‬‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حسابات‭ ‬آلية‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تضخيم‭ ‬رسائل‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬معلومات‭ ‬كاذبة‭ ‬بنطاق‭ ‬واسع‭ ‬وبشكل‭ ‬مكثف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إغراق‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بمعلومات‭ ‬مغلوطة‭. ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬برمجة‭ ‬هذه‭ ‬الحسابات‭ ‬لبلورة‭ ‬انطباع‭ ‬عام‭ ‬بوجود‭ ‬دعم‭ ‬واسع‭ ‬لقضية‭ ‬معينة‭.‬

• التصيد‭ ‬الاحتيالي‭ ‬‮«‬التصيد‭ ‬بالرمح‮»‬‭:‬‭ ‬تشير‭ ‬عملية‭ ‬التصيد‭ ‬الاحتيالي‭ (‬المعروفة‭ ‬أيضاً‭ ‬باسم‭ ‬التصيد‭ ‬بالرمح‭) ‬إلى‭ ‬استهداف‭ ‬فرد‭ ‬أو‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفراد،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إغراء‭ ‬الضحايا‭ ‬للقيام‭ ‬بعمل‭ ‬ما،‭ ‬يتضمن‭ ‬عادة‭ ‬النقر‭ ‬على‭ ‬رابط‭ ‬ضار‭ ‬أو‭ ‬فتح‭ ‬مرفق‭ ‬يحمل‭ ‬برامج‭ ‬ضارة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬ويب‭ ‬مزيفة‭ ‬تطلب‭ ‬بيانات‭ ‬تسجيل‭ ‬الدخول‭ ‬أو‭ ‬تنزيل‭ ‬البرامج‭ ‬الضارة‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬الضحية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬استغلاله‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬شبكة‭ ‬أوسع‭ ‬أو‭ ‬سرقة‭ ‬معلومات‭ ‬حساسة،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يظل‭ ‬المهاجمون‭ ‬غير‭ ‬مكتشفين‭ ‬لفترات‭ ‬طويلة‭. ‬وبينما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأداة‭ ‬تستخدم‭ ‬سابقاً‭ ‬لتنفيذ‭ ‬هجمات‭ ‬عبر‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬جاءت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتشكل‭ ‬نقاطاً‭ ‬هجومية‭ ‬جديدة‭ ‬للهجمات‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تلك‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالدوافع‭ ‬السياسية‭. ‬وتشكل‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أدوات‭ ‬مناسبة‭ ‬للغاية‭ ‬لاستهدافها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمليات‭ ‬التصيد‭ ‬الرمحي،‭ ‬كونها‭ ‬تعد‭ ‬بيئات‭ ‬عالية‭ ‬الثقة‭.‬

• الهجمات‭ ‬الإلكترونية‭:‬‭ ‬والتي‭ ‬تتضمن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬كاختراق‭ ‬حسابات‭ ‬الخصوم‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المنافسة،‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬البرامج‭ ‬الضارة‭ ‬لاستهداف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬أو‭ ‬سرقة‭ ‬المعلومات‭.‬

تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭: ‬باتت‭ ‬أدوات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تمثل‭ ‬محدداً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجماعي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬ونشر‭ ‬المحتويات‭ ‬المقنعة‭ ‬للغاية‭ ‬والتلاعب‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬بالخطابات‭ ‬السياسية‭ ‬والمعلومات‭ ‬المختلفة،‭ ‬بل‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬اكتشاف‭ ‬هذه‭ ‬الدعاية‭ ‬الممنهجة‭ ‬ومواجهتها‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬ظهر‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬التزييف‭ ‬العميق‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يشير‭ ‬في‭ ‬قدرة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديوهات‭ ‬مزيفة‭ ‬للزعماء‭ ‬السياسيين،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يظهر‭ ‬الزعيم‭ ‬السياسي‭ ‬وكأنه‭ ‬يلقي‭ ‬خطاباً‭ ‬غير‭ ‬حقيقي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬وانعدام‭ ‬الثقة‭. ‬كما‭ ‬باتت‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تساعد‭ ‬الجهات‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬التهرب‭ ‬من‭ ‬الاكتشاف‭.‬

• عمليات‭ ‬المعلومات‭ (‬IO‭):‬‭ ‬والتي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬حملات‭ ‬تضليل‭ ‬منسقة‭ ‬بغية‭ ‬تعطيل‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬لدى‭ ‬الخصوم‭ ‬ونزع‭ ‬الشرعية‭ ‬عنهم‭ ‬وتقويض‭ ‬التماسك‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬عن‭ ‬أهداف‭ ‬محددة‭ ‬وتطوير‭ ‬روايات‭ ‬تحريضية‭ ‬ونشرها‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج‭.‬

• تضخيم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الرقمي‭:‬‭ ‬حيث‭ ‬تستخدم‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتضخيم‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬ونشره‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬هشة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬تأثيرها،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬لدفع‭ ‬الأطراف‭ ‬المختلفة‭ ‬لإثارة‭ ‬العنف،‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاقه‭.‬

• التطرف‭ ‬والتجنيد‭:‬‭ ‬باتت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تمثل‭ ‬قناة‭ ‬مفضلة‭ ‬لبعض‭ ‬التنظيمات‭ ‬المتطرفة‭ ‬لتجنيد‭ ‬عناصر‭ ‬جديدة‭ ‬لديها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬استخدامها‭ ‬كوسيلة‭ ‬للتنسيق‭ ‬والتلاعب،‭ ‬وقد‭ ‬تمكن‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابي‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

ويجب‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬حملات‭ ‬التضليل‭ ‬وترويج‭ ‬خطابات‭ ‬الكراهية‭ ‬وتجنيد‭ ‬الجماعات‭ ‬العنيفة‭ ‬عبر‭ ‬التلاعب‭ ‬بالرأي‭ ‬العام‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ظاهرة‭ ‬حديثة،‭ ‬فلطالما‭ ‬حدثت‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لعبت‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة،‭ ‬حيث‭ ‬تزيد‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الاتصال‭ ‬على‭ ‬النطاق‭ ‬الدولي،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬حجماً‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬المسلحة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬لعدد‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬وبشكل‭ ‬أسرع‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تقوم‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المختلفة‭ ‬بتخصيص‭ ‬المعلومات‭ ‬وفقاً‭ ‬لتفضيلات‭ ‬الأفراد،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬اتساقاً‭ ‬مع‭ ‬تفضيلاتهم‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قدرة‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬التأثير‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬عملية‭ ‬التعلم‭ ‬الآلي‭ ‬التي‭ ‬تعتمدها‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬تأخذ‭ ‬التخصيص‭ ‬لدرجة‭ ‬أبعد،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديمها‭ ‬لمحتوى‭ ‬أكثر‭ ‬استهدافاً،‭ ‬مع‭ ‬تضييق‭ ‬نطاق‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يستقبلها‭ ‬الفرد‭ ‬بموضوعات‭ ‬ووجهات‭ ‬نظر‭ ‬تؤكد‭ ‬بعضها‭ ‬بعضاً‭. ‬كذا،‭ ‬تؤدي‭ ‬عملية‭ ‬التخصيص‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬خطر‭ ‬الصراعات‭ ‬والاستقطابات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الحادة،‭ ‬حيث‭ ‬تنظم‭ ‬المنصات‭ ‬المختلفة‭ ‬مستخدميها‭ ‬إلى‭ ‬مجموعات‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬التفضيلات‭ ‬والخصائص‭ ‬الديموغرافية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الشائعات‭ ‬وكأنها‭ ‬حقائق‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية،‭ ‬مع‭ ‬تحول‭ ‬الغضب‭ ‬الجماعي‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لعنف‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الفعلي‭. ‬

تطور‭ ‬استخدام‭ ‬الخصوم‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كسلاح

بدأت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬والفواعل‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول،‭ ‬إلى‭ ‬توظيف‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬لخدمة‭ ‬أغراضها‭ ‬المختلفة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭.‬2‭ ‬مليار‭ ‬مستخدم‭ ‬لهذه‭ ‬المنصات‭ ‬المختلفة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إمكانية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬الشخصية‭. ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬تطور‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المختلفة‭ ‬بطرق‭ ‬متباينة،‭ ‬وتعددت‭ ‬الأمثلة‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬ذلك‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجية‭ ‬مختلفة،‭ ‬ويمكن‭ ‬الإشارة‭ ‬لأبرز‭ ‬هذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

• الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬عامي‭ ‬2016‭ ‬و2020‭:‬‭ ‬وجهت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬الأمريكية‭ ‬اتهامات‭ ‬لروسيا‭ ‬بشأن‭ ‬توظيف‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬خلال‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬و2020،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشر‭ ‬الدعاية‭ ‬المضللة‭ ‬والمعلومات‭ ‬المغلوطة‭ ‬على‭ ‬المنصات‭ ‬المختلفة‭ ‬بغية‭ ‬توجيه‭ ‬الناخبين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬السياسية‭ ‬والانتخابية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬الروبوتات،‭ ‬التي‭ ‬ضمت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ألف‭ ‬حساب‭ ‬روسي،‭ ‬استهدفت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تويتر،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬خوارزميات‭ ‬الشبكة‭ ‬ونشر‭ ‬فديوهات‭ ‬متنوعة‭ ‬ومنشورات‭ ‬مختلفة‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬توجهات‭ ‬الناخبين‭. ‬

وبعد‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬انتخابات‭ ‬2016،‭ ‬تم‭ ‬إرسال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬تغريدة،‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬محملة‭ ‬بروابط‭ ‬تشعبية‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬ضارة،‭ ‬إلى‭ ‬موظفي‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬تويتر‭ (‬منصة‭ ‬X‭ ‬حالياً‭)‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استهداف‭ ‬أسر‭ ‬الموظفين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تمخض‭ ‬عنه‭ ‬اختراق‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬حكومية‭ ‬حساسة،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شبكات‭ ‬الإنترنت‭ ‬المنزلية‭ ‬المشتركة،‭ ‬في‭ ‬هجوم‭ ‬تم‭ ‬اعتباره‭ ‬آنذاك‭ ‬بمثابة‭ ‬الهجوم‭ ‬الأكثر‭ ‬تنظيماً‭ ‬وتنسيقاً‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

• استفتاء‭ ‬بريكست‭ ‬لخروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭:‬‭ ‬أشارت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استفتاء‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تنظيمه‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬تأثر‭ ‬أيضاً‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬والدعاية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬استهداف‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬السكانية‭ ‬المحددة‭ ‬بهذه‭ ‬المعلومات‭ ‬والدعاية‭. ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬مؤسسة‭ ‬‮«‬الراديو‭ ‬الوطني‭ ‬العام‮»‬‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أن‭ ‬حوالي‭ ‬ثلث‭ ‬المحادثات‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بشأن‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬كانت‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬روبوتات‭ ‬تستهدف‭ ‬دعم‭ ‬اتجاه‭ ‬معين‭.‬

• العملية‭ ‬الانتخابية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة‭:‬‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬اعتماداً‭ ‬متزايداً‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬مسارات‭ ‬العمليات‭ ‬الانتخابية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭. ‬ففي‭ ‬الهند،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬عمدت‭ ‬الاحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬إلى‭ ‬تسليح‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬واستخدامها‭ ‬لاستهداف‭ ‬فئات‭ ‬سكانية‭ ‬محددة‭ ‬عبر‭ ‬نشر‭ ‬رسائل‭ ‬مخصصة‭ ‬لهذه‭ ‬الفئات‭ ‬للتأثير‭ ‬عليها‭ ‬وتصويتها‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬المختلفة‭. ‬وعلى‭ ‬المنوال‭ ‬ذاته،‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬رئيسي‭ ‬لعبته‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬مسارات‭ ‬العمليات‭ ‬الانتخابية‭ ‬المختلفة‭ ‬في‭ ‬المكسيك‭.‬

• نموذج‭ ‬الائتمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الصيني‭:‬‭ ‬ثمة‭ ‬نموذج‭ ‬آخر‭ ‬تطرحه‭ ‬الصين‭ ‬حالياً،‭ ‬يسمى‭ ‬نظام‭ ‬الائتمان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬مراقبة‭ ‬كافة‭ ‬أنشطة‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬الفرد‭ ‬أو‭ ‬يقوم‭ ‬بشرائه‭ ‬يتم‭ ‬جمعه‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الجدارة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬يتم‭ ‬إعطاء‭ ‬الفرد‭ ‬مكافآت‭ ‬مختلفة،‭ ‬أو‭ ‬عقوبات‭ ‬متباينة‭. ‬بل‭ ‬ويصل‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬درجة‭ ‬الفرد‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬فقط،‭ ‬لكنها‭ ‬تعتمد‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬الآخرون‭ ‬في‭ ‬شبكة‭ ‬الفرد‭ ‬من‭ ‬أسرته،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬نمطاً‭ ‬جديداً‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬سلوك‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

• حرب‭ ‬متبادلة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭:‬‭ ‬بدأت‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة‭ ‬تستخدم‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كأدارة‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬تصعيدها‭ ‬المتبادل‭ ‬ضد‭ ‬بعضها‭ ‬بعضاً،‭ ‬فقد‭ ‬قضت‭ ‬المحاكم‭ ‬الألمانية‭ ‬بعقوبات‭ ‬على‭ ‬النقر‭ ‬على‭ ‬زر‭ ‬الإعجاب‭ ‬للمنشورات‭ ‬الموالية‭ ‬لروسيا‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الضغوطات‭ ‬المتزايدة‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬شركات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المفوضية‭ ‬الأوروبية‭ ‬لمحاولة‭ ‬حظر‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬ملايين‭ ‬المتابعين،‭ ‬بل‭ ‬وتم‭ ‬حظر‭ ‬بعض‭ ‬الصحفيين‭ ‬المستقلين‭ ‬ووضعهم‭ ‬تحت‭ ‬تصنيف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التابعة‭ ‬لموسكو‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬ردت‭ ‬الأخيرة‭ ‬بحظر‭ ‬فيسبوك‭ ‬وانستغرام‭ ‬باعتبارهما‭ ‬منظمتين‭ ‬متطرفتين‭. ‬

تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومسارات‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة

لطالما‭ ‬تم‭ ‬اعتبار‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أداة‭ ‬حيوية‭ ‬لخدمة‭ ‬الأغراض‭ ‬السياسية،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الآراء‭ ‬والمستمعين،‭ ‬لكنها‭ ‬أنطوت‭ ‬على‭ ‬تأثيرات‭ ‬جوهرية‭ ‬على‭ ‬مسارات‭ ‬الحروب،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬عندما‭ ‬اعتمدت‭ ‬ألمانيا‭ ‬آنذاك‭ ‬لغزو‭ ‬فرنسا‭ ‬على‭ ‬الراديو،‭ ‬كوسيلة‭ ‬اتصال‭ ‬جديدة‭ ‬وسريعة‭ ‬ذات‭ ‬تأثير‭ ‬عسكري‭ ‬استراتيجي‭ ‬وتكتيكي،‭ ‬لربط‭ ‬الدبابات‭ ‬والطائرات‭ ‬بالسكان‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭. ‬فلم‭ ‬تساعد‭ ‬الاتصالات‭ ‬اللاسلكية‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنسيق‭ ‬والتحرك‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬للألمان،‭ ‬لكنها‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الاتصال‭ ‬المباشر‭ ‬بالسكان‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬ونشر‭ ‬عدوى‭ ‬الخوف‭. ‬وقد‭ ‬تكررت‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬الإرهابي،‭ ‬والتي‭ ‬اعتمدت‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الترويج‭ ‬لنفسها‭ ‬وتسليحها‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬تويتر،‭ ‬في‭ ‬غزوها‭ ‬المفاجئ‭ ‬للعراق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬هزيمة‭ ‬قوة‭ ‬تتفوق‭ ‬عليها‭ ‬بعدة‭ ‬أضعاف،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكاتها‭ ‬من‭ ‬الروبوتات‭ ‬على‭ ‬تويتر‭ ‬للدعاية‭ ‬لهجماتها‭ ‬وتصوير‭ ‬تحركاتها‭ ‬ونشر‭ ‬عدوى‭ ‬الخوف،‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬مهم‭ ‬بشأن‭ ‬كيفية‭ ‬تغيير‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإجتماعي،‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬أبرز‭ ‬أدوات‭ ‬الاتصال‭ ‬الراهنة،‭ ‬لمسار‭ ‬الحروب‭ ‬الراهنة‭. ‬

وانطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطرح،‭ ‬أصبح‭ ‬العصر‭ ‬الحالي‭ ‬يتم‭ ‬تعريفه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حروب‭ ‬المعلومات‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬باعتبارها‭ ‬جانباً‭ ‬رئيسياً‭ ‬للعقيدة‭ ‬والسلوك‭ ‬العسكري‭ ‬للدول‭ ‬المختلفة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيؤدي‭ ‬على‭ ‬الأغلب‭ ‬إلى‭ ‬طمس‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬المقاتلين‭ ‬الفعليين‭ ‬وغير‭ ‬المقاتلين،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬بلورة‭ ‬منطقة‭ ‬رمادية‭ ‬تشكل‭ ‬جزء‭ ‬رئيس‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭.‬

تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التوصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية

تزايدت‭ ‬وتيرة‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬استخدام‭ ‬عمليات‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬فإن‭ ‬مركز‭ ‬ابتكار‭ ‬الحوكمة‭ ‬الدولية‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬تعد‭ ‬أول‭ ‬حرب‭ ‬كاملة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وأنها‭ ‬تشكل‭ ‬نقطة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الحروب‭ ‬المستقبلية‭. ‬فقد‭ ‬جاءت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لتعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬المشهد‭ ‬المعلوماتي‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭. ‬

ولقد‭ ‬تطورت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬لتصبح‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬حروب‭ ‬المعلومات‭ ‬تعقيداً‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تبدأ‭ ‬فعلياً‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2022،‭ ‬لكنها‭ ‬بدأت‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬كأداة‭ ‬قوية‭ ‬لتشكيل‭ ‬التصور‭ ‬العام‭ ‬العالمي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أفرز‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الانقسام‭ ‬بين‭ ‬السردية‭ ‬الغربية‭ ‬الخاصة‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬السردية‭ ‬الروسية،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حرب‭ ‬المعلومات‭ ‬والحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭. ‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬بينما‭ ‬عمدت‭ ‬روسيا‭ ‬للترويج‭ ‬لمنظورها‭ ‬الخاص‭ ‬بالعلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬بين‭ ‬الروس‭ ‬والأوكرانيين،‭ ‬اعتمد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني،‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينيسكي،‭ ‬على‭ ‬حسابه‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬منصة‭ ‬‮«‬x‮»‬‭ ‬للتواصل‭ ‬الفعال‭ ‬مع‭ ‬الجمهور‭ ‬العالمي‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬مؤرخي‭ ‬المواطنين‮»‬،‭ ‬وهم‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يشاركون‭ ‬التطورات‭ ‬والتحديثات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الفعلى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حساباتهم‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهي‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬مشهد‭ ‬التضليل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭. ‬فبينما‭ ‬تمثل‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬آلية‭ ‬جيدة‭ ‬لتوثيق‭ ‬حقائق‭ ‬الحرب،‭ ‬بيد‭ ‬أنها‭ ‬سهلت‭ ‬أيضاً‭ ‬عملية‭ ‬انتشار‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬استراتيجيات‭ ‬التضليل‭ ‬التي‭ ‬اتبعتها‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬حيث‭ ‬عمدت‭ ‬كييف‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬البطولية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬لاحقاً‭ ‬عن‭ ‬كذبها،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لحشد‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬لها،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬تعزيز‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬لجنودها‭. ‬كذا‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬تنشر‭ ‬الروايات‭ ‬الكاذبة‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬لصالح‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع،‭ ‬ومحاولة‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬الترويج‭ ‬للسرديات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬التضليل‭ ‬الداعمة‭ ‬لموقفه‭. ‬

كذا،‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تتمكن‭ ‬فيها‭ ‬دولة‭ ‬محاربة‭ ‬من‭ ‬حشد‭ ‬مستخدمى‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأجهزة‭ ‬الرسمية‭ ‬للدولة‭. ‬فقد‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬وزارة‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بالتفاوض‭ ‬على‭ ‬صفقات‭ ‬سرية‭ ‬مع‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬تمكنت‭ ‬الحكومة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬من‭ ‬تجنيد‭ ‬الآلاف‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬قواتها‭ ‬المسلحة‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭. ‬وتتراوح‭ ‬مهام‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬الرقمية‭ ‬بين‭ ‬حرب‭ ‬المعلومات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استهداف‭ ‬المواقع‭ ‬ووسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الروسية‭ ‬وتلك‭ ‬المتعاطفة‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬مهاجمة‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬العسكرية‭ ‬والمدنية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الروسي‭. ‬

التداعيات‭ ‬والمخاطر

باتت‭ ‬عملية‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تثير‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬المتزايد‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التداعيات‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬تثيرها،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬عرض‭ ‬أبرزها‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

• الدعاية‭ ‬والتضليل‭: ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬معلومات‭ ‬كاذبة‭ ‬ودعاية‭ ‬مضللة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يؤول‭ ‬إلى‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬القرارات‭ ‬السياسية‭ ‬والرأي‭ ‬العام،‭ ‬وتقويض‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحكومية‭ ‬والأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭.‬

• الحرب‭ ‬النفسية‭ ‬واضطرابات‭ ‬اجتماعية‭: ‬يتم‭ ‬توظيف‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للتلاعب‭ ‬بالأفراد‭ ‬وإحداث‭ ‬حروب‭ ‬نفسية،‭ ‬كالشعور‭ ‬بالوحدة‭ ‬والاكتئاب،‭ ‬واضطرابات‭ ‬اجتماعية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭.‬

• الترويج‭ ‬لخطاب‭ ‬التطرف‭ ‬والكراهية‭: ‬يقوم‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬بتسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الترويج‭ ‬للأيديولوجيات‭ ‬المتطرفة‭ ‬ونشر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬تفاقم‭ ‬العنف‭ ‬والاضطرابات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاقم‭ ‬الاستقطاب‭ ‬والانقسامات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭.‬

• تآكل‭ ‬خصوصية‭ ‬الأفراد‭:‬‭ ‬يتم‭ ‬توظيف‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬جمع‭ ‬واستخدام‭ ‬البيانات‭ ‬الشخصية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقوض‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬خصوصية‭ ‬وأمن‭ ‬الأفراد‭ ‬ويعرضها‭ ‬للخطر‭.‬

• التأثير‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الانتخابات‭ ‬والعمليات‭ ‬السياسية‭:‬‭ ‬تقوم‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬باستغلال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬والعمليات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬وربما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭.‬

• الهجمات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والحروب‭ ‬السيبرانية‭: ‬باتت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أدوات‭ ‬رئيسة‭ ‬في‭ ‬الهجمات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬الدول‭ ‬والفواعل‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدول‭ ‬ضد‭ ‬بعضها‭ ‬بعضاً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬بالسلب‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة‭ ‬ويعرض‭ ‬أمنها‭ ‬القومي‭ ‬للخطر،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الأضرار‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالأنظمة‭ ‬المالية،‭ ‬كعمليات‭ ‬الاحتيال‭ ‬وسرقات‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية‭ ‬والأزمات‭ ‬المالية‭ ‬الي‭ ‬قد‭ ‬تضر‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬المختلفة،‭ ‬وربما‭ ‬الدول‭.‬

• تفكك‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬العالمية‭:‬‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬خدمات‭ ‬الإنترنت‭ ‬المحايدة‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬فعلية‭ ‬للخصوم،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬بات‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬التسييس‭ ‬الجيوسياسي‮»‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬تفكك‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬كظاهرة‭ ‬عالمية‭ ‬نتيجة‭ ‬تسليح‭ ‬شركات‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬الإنترنت‭ ‬الجيوسياسي‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬التخلص‭ ‬الدوري‭ ‬من‭ ‬الروبوتات‭ ‬والحسابات‭ ‬المزيفة،‭ ‬لكن‭ ‬الأخيرة‭ ‬لديها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التجديد‭ ‬تلقائياً،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الروبوتات‭ ‬بإمكانها‭ ‬إنشاء‭ ‬حسابات‭ ‬وإبقائها‭ ‬خاملة‭ ‬وتنشيطها‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سنوات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬اكتشافها‭.‬

وثمة‭ ‬إشكالية‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بالوضعية‭ ‬القانونية‭ ‬الغامضة‭ ‬لعمليات‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فالنظم‭ ‬القانونية‭ ‬لم‭ ‬تنظم‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬المشكلة‭ ‬بشكل‭ ‬كافٍ،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أفضى‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بهذا‭ ‬الأمر،‭ ‬كحرية‭ ‬التعبير‭ ‬وتسييس‭ ‬مقدمي‭ ‬خدمات‭ ‬الإنترنت‭ ‬وتفتيت‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬العالمية‭. ‬وبينما‭ ‬ينظم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭ ‬الحرب‭ ‬السيبرانية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لا‭ ‬يتناسب‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬معايير‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬خاصةً‭ ‬وأن‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ليست‭ ‬أفراداً‭ ‬متخصصين،‭ ‬بل‭ ‬غالباً‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬مستخدمي‭ ‬الإنترنت‭ ‬المدنيين‭. ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬تشكل‭ ‬عمليات‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أدوات‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬حيث‭ ‬يمكنها‭ ‬تأجيج‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المستهدفة،‭ ‬وتقويض‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬الموسسات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاستقطاب‭ ‬الحاد‭. ‬وتكشف‭ ‬عمليات‭ ‬تسليح‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬لتعزيز‭ ‬المعرفة‭ ‬الرقمية،‭ ‬ومزيداً‭ ‬من‭ ‬الاصلاحات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬شركات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتحسين‭ ‬الشفافية‭ ‬حول‭ ‬السياسات‭ ‬والخوارزميات‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬الخطاب‭ ‬العالمي‭.‬

‮»‬‭ ‬عدنان‭ ‬موسى‭ ‬‭(‬مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬بكلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬ـــــ‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭)‬

Instagram
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض