File_0002_Vector Smart Object

تعقيد‭ ‬الأنشطة‭ ‬العسكرية‭ .. ‬السياق‭ ‬والتداعيات

يبدو‭ ‬أن‭ ‬ساحات‭ ‬المعارك‭ ‬البرية‭ ‬والجوية‭ ‬والبحرية‭ ‬والفضائية‭ ‬والكهرومغناطيسية‭ ‬التي‭ ‬ستحدث‭ ‬فيها‭ ‬الصراعات‭ ‬المسلحة‭ ‬المستقبلية‭ ‬ستتعقد،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬سيزيد‭ ‬من‭ ‬تعقيدها‭ ‬تشابك‭ ‬وتعقد‭ ‬السياقات‭ ‬الثقافية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والبيئية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والتكنولوجية‭ ‬المتصلة‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬ما‭ ‬سيجعل‭ ‬معارك‭ ‬المستقبل‭ ‬مختلفة‭ ‬جذرياً‭ ‬عما‭ ‬تبدو‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬هنري‭ ‬بينتانجيت‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬السابق‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬إن‭ ‬شن‭ ‬الحرب‭ ‬يتطلب‭ ‬التضامن‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬والقيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬والدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الظروف،‭ ‬لأن‭ ‬العمل‭ ‬العسكري‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬عنصر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الشاملة،‭ ‬التي‭ ‬تشمل‭ ‬جوانب‭ ‬مالية‭ ‬واقتصادية‮»‬‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬الشعور‭ ‬بالطمأنينة‭ ‬والأمان‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تشعر‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الجيوش‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬تواجه‭ ‬عدواً‭ ‬يمكن‭ ‬التنبؤ‭ ‬بردود‭ ‬أفعاله‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬خطط‭ ‬الطوارئ‭ ‬التفصيلية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أوروبا‭ ‬والعالم‭ ‬الغربي،‭ ‬ذات‭ ‬أهمية،‭ ‬وكذلك‭ ‬العقائد‭ ‬وبرامج‭ ‬التدريب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مصممة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬لمحاربة‭ ‬عدو‭ ‬معروف‭ ‬سلفاً‭. ‬لقد‭ ‬تحول‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬إلى‭ ‬حقبة‭ ‬فوضوية‭ ‬ومضطربة،‭ ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أكثر‭ ‬غموضاً‭ ‬وعدم‭ ‬يقين‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭. ‬عالم‭ ‬غير‭ ‬مؤكد‭ ‬فيه‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬فيه‭ ‬ستصبح‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭. ‬

فسوف‭ ‬يزداد‭ ‬تعقيد‭ ‬ساحات‭ ‬القتال‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بسبب‭ ‬الطبيعة‭ ‬غير‭ ‬المتماثلة‭ ‬للتهديد،‭ ‬وزيادة‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية،‭ ‬وعدم‭ ‬وضوح‭ ‬سياقات‭ ‬العمليات،‭ ‬وتوسيع‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة،‭ ‬والتفاعل‭ ‬بين‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والبشر،‭ ‬والتغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬المباشرة‭. ‬

‭ ‬أمام‭ ‬هكذا‭ ‬سياق،‭ ‬سعت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تفوق‭ ‬جيوشها‭ ‬العسكري‭ ‬وعلى‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بقدرتها‭ ‬على‭ ‬أخذ‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬معارك‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬وتشابكاً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬لتطوير‭ ‬مفهوم‭ ‬القتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭. ‬وسنستعرض‭ ‬في‭ ‬السطور‭ ‬القادمة‭ ‬أهم‭ ‬التجارب‭ ‬الغربية،‭ ‬وكذلك‭ ‬التجربتين‭ ‬الصينية‭ ‬والروسية‭.‬

التجربة‭ ‬الغربية

قام‭ ‬الجيش‭ ‬الفرنسي‭ ‬بإضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬المؤسسي‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬القتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭ ‬multimilieux‭ / ‬multichamps M2MC،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إدراجه‭ ‬في‭ ‬عقيدة‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬الفرنسية‭ (‬DEF‭). ‬ويقتصر‭ ‬مفهوم‭ ‬القتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭ ‬على‭ ‬عمليتين‭ ‬رئيسيتين‭ ‬وهما‭ ‬الاستهداف‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ (‬CLS‭) ‬والتأثيرات‭ ‬المترابطة‭ ‬‮«‬Joint Effects‮»‬‭.‬

وتعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الدولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬لمفهوم‭ ‬قتال‭ ‬تعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭ (‬M2MC‭)‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬يقتصر‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الجيوش‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬التكتيكي‭ (‬العمليات‭ ‬البرمائية‭ ‬والمحمولة‭ ‬جواً‭ ‬والعمليات‭ ‬الخاصة‭ ‬والدعم‭ ‬الجوي‭ ‬القريب‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬تتطور‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يعكسه‭ ‬الشكل‭ ‬التوضيحي‭ ‬المرفق‭. ‬

تطور‭ ‬التآزر‭ ‬بين‭ ‬المجالات‭ ‬والوسائط‭ ‬لتحقيق‭ ‬القتال‭ ‬التعاوني

استجابة‭ ‬لرغبة‭ ‬بوب‭ ‬وورك،‭ ‬نائب‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬آنذاك،‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬عقيدة‭ ‬تعكس‭ ‬استراتيجية‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬تآكل‭ ‬التفوق‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬بكين‭ ‬وموسكو،‭ ‬تم‭ ‬تعميق‭ ‬استراتيجية‭  ‬‮«‬القتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭ ‬M2MC‮»‬‭ ‬بهدف‭ ‬‮«‬التقارب‭ ‬الأمثل‮»‬‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬لجميع‭ ‬قدرات‭ ‬البيئات‭ ‬والمجالات‭ ‬المختلفة،‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬جديدة‭ ‬لمبدأ‭ ‬التركيز،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لمنع‭ ‬الاختراق‭ ‬وتفكيك‭ ‬قدرات‭ ‬منع‭ ‬الوصول‭ (‬A2‭/‬AD‭)  ‬في‭ ‬حالة‭ ‬النزاع‭ ‬المسلح،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬الفوز‭ ‬الحاسم‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬المنافسة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عمليات‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬‮«‬المنطقة‭ ‬الرمادية‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬مساحة‭ ‬المواجهة‭ ‬الهجينة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬النزاع‭ ‬المسلح،‭ ‬والتي‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬المناورة‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬العدوانية‭ ‬واستخدام‭ ‬الحرب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬التأثير،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬السيبرانية‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تبني‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬مفهوم‭ ‬All-Domain‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المفهوم‭ ‬الجديد‭ ‬للحرب‭ ‬المشتركة‭ (‬JWC‭) ‬وعلى‭ ‬قابلية‭ ‬التشغيل‭ ‬البيني‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭. ‬ويمكن‭ ‬تلخيص‭ ‬الفلسفة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬القتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‮»‬‭ (‬M2MC‭) ‬في‭ ‬التقاء‭ ‬مبدأين‭: ‬الأول،‭ ‬عقائدي‭ ‬وعملياتي،‭ ‬وهو‭ ‬امتداد‭ ‬منطق‭ ‬مناورة‭ ‬الأسلحة‭ ‬المشتركة‭ (‬Combined Arms Maneuver‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬أدخلته‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬AirLand Battle‭ ‬الحروب‭ ‬البرية‭ ‬الجوية‭. ‬والثاني،‭ ‬تقني،‭ ‬وهو‭ ‬استكمال‭ ‬تحقيق‭ ‬منطق‭ ‬NCW‭ (‬الحرب‭ ‬المرتكزة‭ ‬على‭ ‬الشبكة،‭ ‬لضمان‭ ‬استدامة‭ ‬اتصال‭ ‬عناصر‭ ‬جيش‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬وحداته،‭ ‬متصلة‭ ‬ببعضها‭ ‬بعضاً،‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬القيام‭ ‬بعملياتها،‭ ‬مما‭ ‬يعظم‭ ‬من‭ ‬قوتها‭ ‬ويزيد‭ ‬في‭ ‬تدفق‭ ‬المعلومات،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬سهولة‭ ‬التنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭) ‬في‭ ‬عصر‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والسعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬التشغيل‭ ‬البيني‭ ‬الأمثل‭. ‬

وتجمع‭ ‬الرؤية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بين‭ ‬مفهومي‭ ‬‮«‬العمليات‭ ‬متعددة‭ ‬المجالات‮»‬‭ (‬MDO‭) ‬و«العمليات‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬المجالات‮»‬‭ (‬JADO‭) ‬لضمان‭ ‬مزامنة‭ ‬أنظمتها‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات،‭ ‬مثل‭ ‬الطائرات‭ ‬والسفن‭ ‬والغواصات‭ ‬والمركبات‭ ‬البرية‭ ‬والأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬وأنظمة‭ ‬الصواريخ،‭ ‬لتسيد‭ ‬كامل‭ ‬لساحة‭ ‬المعارك‭ ‬الحديثة،‭ ‬وذلك‭ ‬بتمكين‭ ‬القادة‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬أفضل‭ ‬القرارات‭ ‬وبأسرع‭ ‬وقت‭. ‬لأن‭ ‬‮«‬العمليات‭ ‬متعددة‭ ‬المجالات‮»‬‭ (‬MDO‭) ‬و«العمليات‭ ‬المشتركة‭ ‬بين‭ ‬المجالات‮»‬‭ (‬JADO‭) ‬تهدفان‭ ‬معاً‭ ‬لتحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المستوى‭ ‬التكتيكي‭ ‬الأدنى،‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬بتعطيل‭ ‬ثم‭ ‬تدمير‭ ‬قدرات‭ ‬A2‭/‬AD‭ ‬‮«‬منع‭ ‬الدخول‭ ‬وإنهاء‭ ‬الوجود‮»‬‭ ‬للعدو‭.  ‬وهي‭ ‬مجموعة‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬إبطاء‭ ‬حضور‭ ‬القوات‭ ‬لمسرح‭ ‬العمليات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬مسافات‭ ‬بعيدة‭ (‬A2‭) ‬ومجموعة‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬إعاقة‭ ‬عمليات‭ ‬المناورة‭ ‬داخل‭ ‬مسرح‭ ‬العمليات‭ (‬AD‭). ‬وذلك‭ ‬يتناسب‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬الطريقة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭. ‬

تقدم‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬البريطانية‭ ‬رؤيتها‭ ‬للقتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭ ‬في‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬المسماة‭ ‬Multi-Domain Integration‭ (‬MDI‭) ‬والتي‭ ‬تبدو‭ ‬أكثر‭ ‬نضجاً‭ ‬من‭ ‬الرؤية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬نقاط‭ ‬عديدة،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬استهداف‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تحقيق‭ ‬القتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭ ‬بالمعنى‭ ‬الضيق،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الوزرات‭ ‬وبين‭ ‬جيش‭ ‬المملكة‭ ‬وجيوش‭ ‬الدول‭ ‬الحليفة‭ ‬ومؤسساتها‭. ‬كما‭ ‬تندرج‭ ‬استراتيجية‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬للقتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭ ‬في‭ ‬رؤيتها‭ ‬لتحقيق‭ ‬التشغيل‭ ‬العسكري‭ ‬المتكامل‭ ‬Integrated Operating Concept 2025‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬لأن‭ ‬تقود‭ ‬المملكة‭ ‬الحراك‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬عليه،‭ ‬وذلك‭ ‬بامتلاك‭ ‬ركائز‭ ‬القوة‭ ‬الثلاث‭: ‬النفوذ،‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬الأمن،‭ ‬وتأزر‭ ‬التكامل‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭. ‬

التجربتان‭ ‬الروسية‭ ‬والصينية‭ ‬

تُسمى‭ ‬عمليات‭ ‬M2MC‭ ‬بالعمليات‭ ‬متعددة‭ ‬المجالات،‭ ‬والتي‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬عدم‭ ‬السماح‭ ‬بتكرار‭ ‬الأسلوب‭ ‬التي‭ ‬تستخدمه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬حرب‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى،‭ ‬وهو‭ ‬الضربة‭ ‬الجوية‭ ‬الممنهجة‭ ‬وواسعة‭ ‬النطاق‭ ‬والقادرة‭ ‬على‭ ‬قطع‭ ‬رأس‭ ‬مراكز‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭.  ‬فشبح‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الجوية‭ ‬الخاطفة‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬المناطق‭ ‬الغربية‭ ‬والجنوبية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحدد‭ ‬خطط‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬طورت‭ ‬روسيا‭ ‬لقتال‭ ‬تعاوني‭ ‬تسميه‭ ‬وضعية‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬النشط‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬تتكامل‭ ‬فيه‭ ‬كافة‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬القدرة‭ ‬القتالية‭ ‬للخصم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الضربة‭ ‬الاستباقية‭. ‬ولكن‭ ‬الفكرة‭ ‬الروسية‭ ‬هي‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬‮«‬مناطق‭ ‬محرم‭ ‬الوصول‭ ‬لها‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬بالأحرى‭ ‬ديناميكية‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الدفاع‭ (‬الاستنزاف‭) ‬والهجوم‭ ‬المضاد‭ (‬الإبادة‭ ‬والفوضى‭) ‬ومدعومة‭ ‬بسلسلة‭ ‬متواصلة‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬العدائية‭ ‬مع‭ ‬عمليات‭ ‬الردع‭. ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬ضرر‭ ‬بالغ‭ ‬بالخصم،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬قواته‭ ‬التقليدية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إمكاناته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭. ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬نتائج‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬النشط‮»‬‭ ‬التعاوني‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ (‬VVS‭)‬‭ ‬هو‭ ‬دمجها‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ (‬PVO‭)‬،‭ ‬وإضافة‭ ‬مجالات‭ ‬عسكرية‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الفضائية‭ (‬VKS‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015‭. ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬تشبيك‭ ‬مكوناتها‭ ‬الضاربة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬الثقل‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬خصومها‭ ‬وتحييدها‭.‬

وتشبه‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬روسيا،‭ ‬فعاصفة‭ ‬الصحراء‭ ‬كانت‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬العسكرية‭ ‬العامة‭ ‬وهي‭ ‬وضعية‭ ‬‮«‬الدفاع‭ ‬النشط‮»‬‭ ‬التي‭ ‬صممها‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬عليها‭ ‬حديثاً‭ ‬كيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬أن‭ ‬تسفر‭ ‬الضربات‭ ‬العسكرية‭ ‬للعدو‭ ‬عن‭ ‬ميلاد‭ ‬قوة‭ ‬معارضة‭ ‬للنظام‭ ‬تقاتله‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬أو‭ ‬خلق‭ ‬نظام‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭. ‬إن‭ ‬عدم‭ ‬تمكين‭ ‬العدو‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬رأس‭ ‬النظام‭ ‬أو‭ ‬إضعافه‭ ‬بضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬تخلق‭ ‬عدواً‭ ‬للنظام‭ ‬من‭ ‬داخله‭ ‬هو‭ ‬الخط‭ ‬الناظم‭ ‬للاستراتيجية‭ ‬الصينية‭ ‬التكاملية‭ ‬الجديدة‭. ‬وعلى‭ ‬هذا،‭ ‬فإن‭ ‬الهيمنة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والمعرفية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للصين‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لمجابهة‭ ‬تلك‭ ‬الاخطار،‭ ‬وذلك‭ ‬بتحقيق‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬‮«‬الكفاءة‭ ‬العامة‭ ‬المتكاملة‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التدريب،‭ ‬والذهاب‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬وأفرع‭ ‬الجيش،‭ ‬بل‭ ‬توحيدها‭ ‬في‭ ‬‮«‬عمليات‭ ‬مشتركة‭ ‬متكاملة‮»‬‭. ‬ويلخص‭ ‬الكتاب‭ ‬الأبيض‭ ‬لعام‭ ‬2015‭ ‬بشكل‭ ‬مثالي‭ ‬النهج‭ ‬التكاملي‭ ‬العسكري‭ ‬وأهدافه‭ ‬والتي‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭: ‬الهيمنة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والمعرفية،‭ ‬والإصابة‭ ‬الدقيقة‭ ‬للأهداف‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬والعمليات‭ ‬المتكاملة‭ ‬لتحقيق‭ ‬النصر‭ (‬xinxi zhudao‭, ‬jingda yaohai‭, ‬lianhe zhisheng‭). ‬

وخلافاً‭ ‬لروسيا،‭ ‬فإن‭ ‬خيار‭ ‬عدم‭ ‬التماثل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للصين‭ ‬هو‭ ‬أقل‭ ‬بنيوية،‭ ‬ولكنه‭ ‬مشروط‭ ‬بتفوق‭ ‬البلاد‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وعسكرياً‭ ‬على‭ ‬منافسيها‭ ‬حتى‭ ‬يرتقي‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬رتبة‭ ‬‮«‬جيش‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‮»‬‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬التحديث‭ ‬العسكري‭ ‬الصيني‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬خطة‭ ‬عمودية‭ ‬وشاملة‭ ‬لتطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬فالصينيون‭ ‬يتبعون‭ ‬نهجاً‭ ‬تدريجياً،‭ ‬يتم‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬صحته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعزيز‭ ‬التدريجي‭ ‬للمهارات‭ ‬المشتركة‭ ‬المتوخاة‭ ‬لمهام‭ ‬محددة‭ ‬ضمن‭ ‬تشكيلات‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متزايد،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نظام‭ ‬تشغيلي‭ ‬للأنظمة‭ ‬OPSYS‭ ‬يتميز‭ ‬بقدرته‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬العملية‭ ‬بشكل‭ ‬متكامل‭ ‬ومستقل‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬مثل‭ ‬نظام‭ ‬OPSYS‭ ‬المضاد‭ ‬للطيران،‭ ‬ونظام‭ ‬OPSYS‭ ‬المضاد‭ ‬للهبوط،‭ ‬وبرنامج‭ ‬OPSYS53‭ ‬للقتال‭ ‬المعلوماتي‭. ‬ويتم‭ ‬تفعيل‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬العملية‭: ‬حصار‭ ‬جزيرة،‭ ‬حصار‭ ‬مضاد،‭ ‬هجوم‭ ‬برمائي،‭ ‬هجوم‭ ‬مضاد‭ ‬على‭ ‬الحدود،‭ ‬وغارات‭ ‬مضادة‭ ‬للطيران‭.‬

الاستراتيجية‭ ‬الصينية‭ ‬تتمحور‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الجيش‭ ‬الصيني‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬قوات‭ ‬مجمعة‭ ‬خصيصاً‭ ‬لحملة‭ ‬أو‭ ‬مهمة‭ ‬محددة،‭ ‬مع‭ ‬قدرات‭ ‬متعددة‭ ‬المجالات‭ ‬والوظائف‭ ‬والأبعاد،‭ ‬وضمان‭ ‬تكاملها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تنميطها‭ ‬وتوحيدها‭ ‬ضمن‭ ‬بنية‭ ‬القيادة‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬أركان‭ ‬مختلف‭ ‬الأجهزة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬عملياته‭. ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬العناصر‭ ‬وفقاً‭ ‬للاحتياجات‭ ‬أيضاً،‭ ‬فهي‭ ‬ديناميكية‭ ‬تجميع‭ ‬وتفكيك‭ ‬على‭ ‬حسب‭ ‬سياق‭ ‬ساحة‭ ‬القتال‭ ‬والأهداف‭ ‬المراد‭ ‬تحقيقها‭.‬

الخاتمة‭ 

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬التحول‭ ‬للقتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‭ ‬يصطدم‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬والمتوسط‭ ‬بتحديات،‭ ‬أبرزها‭ ‬صعوبة‭ ‬قابلية‭ ‬التشغيل‭ ‬البيني‭ ‬الفني‭ ‬والعقائدي‭ (‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭) ‬والمعرفي‭ ‬بين‭ ‬مؤسسات‭ ‬وقطاعات‭ ‬الجيش‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬وبين‭ ‬الجيوش‭ ‬الحليفة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬وذلك‭ ‬نظراً‭ ‬لتباين‭ ‬ثقافة‭ ‬العمل‭ ‬بينها‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬يبشر‭ ‬المستقبل‭ ‬بتحقق‭ ‬نموذج‭ ‬‮«‬القتال‭ ‬التعاوني‭ ‬متعدد‭ ‬الوسائط‭ ‬والمجالات‮»‬‭ ‬كنموذج‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬والسيطرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأنشطة‭  ‬العسكرية‭  ‬يربط‭ ‬كل‭ ‬وسائل‭ ‬الحرب‭ ‬في‭  ‬شبكة‭ ‬عنكبوتية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬المستويات،‭ ‬التكتيكية‭ ‬والعملانية‭ ‬والاستراتيجية،‭ ‬وربما‭  ‬يؤدي‭  ‬إلى‭  ‬ما‭  ‬استشرفه‭ ‬الباحث‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬العسكرية‭ ‬ماكس‭ ‬بوت،‭ ‬بأن‭ ‬مركز‭ ‬قيادة‭ ‬الجيوش‭  ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬كما‭ ‬تعوّدنا‭ ‬سابقاً‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬عمليّات‭ ‬البنتاغون،‭ ‬أو‭ ‬الكرملين،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬بكين،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬مركز‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬ما،‭ ‬في‭ ‬ناطحة‭ ‬سحاب‭. ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬العاملون‭ ‬فيه‭ ‬بلباس‭ ‬عسكري،‭ ‬أو‭ ‬ضمن‭ ‬تراتبية‭ ‬عسكرية‭ ‬تقليدية‭. ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬اختصاص‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المركز،‭ ‬وتوصيفهم‭ ‬الوظيفي‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬لم‭ ‬نعتده‮»‬‭.‬

الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬وائل‭ ‬صالح‭ ‬‭(‬خبير‭ ‬بمركز‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات‭)‬

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض