606 Web File Cover

سور المسيرات حدود الدفاع «الكامل» ضد التهديدات الجوية

قررت‭ ‬ليتوانيا‭ ‬ولاتفيا‭ ‬وإستونيا‭ ‬وفنلندا‭ ‬والنرويج‭ ‬وبولندا،‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬مايو‭ ‬4202،‭ ‬إقامة‭ ‬منطقة‭ ‬دفاعية‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬أطلقت‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬سور‭ ‬المسيّرات‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬ستعتمد،‭ ‬وفقاً‭ ‬للتصور‭ ‬المبدئي،‭ ‬على‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬وأنظمة‭ ‬مضادة‭ ‬للمسيّرات،‭ ‬لمواجهة‭ ‬الاستفزاز‭ ‬والتهديد‭ ‬‮«‬الشرقي‮»‬‭ ‬ومنع‭ ‬التهريب،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬مبطنة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭. ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬تحديد‭ ‬إطار‭ ‬زمني‭ ‬بعد‭ ‬لتنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭. ‬

تسعى‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬أبعاد‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬الدفاعي‭ ‬الجديد،‭ ‬وتقديم‭ ‬مدى‭ ‬فاعليته،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬قد‭ ‬ينذر‭ ‬بتصعيد‭ ‬التوتر‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬هدف‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬هو‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬عن‭ ‬الداخل‭ ‬الروسي‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬الحدود،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيجعل‭ ‬هذه‭ ‬النظم‭ ‬عرضة‭ ‬لاستهداف‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭. ‬

معضلة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬

عادة‭ ‬ما‭ ‬تتكون‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬من‭ ‬عنصرين‭ ‬رئيسيين،‭ ‬أنظمة‭ ‬متحركة‭ ‬في‭ ‬الهواء،‭ ‬وأخرى‭ ‬منتشرة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬ويتمثل‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬لأي‭ ‬نظام‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬هو‭ ‬الاعتراض‭ ‬الفعّال‭ ‬لأي‭ ‬هجمات،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬مقاتلات،‭ ‬أو‭ ‬صواريخ،‭ ‬أو‭ ‬طائرات‭ ‬مسيرة‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬التهديد‭ ‬من‭ ‬مسافة‭ ‬كافية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬أسلحة‭ ‬للاشتباك‭ ‬معه‭.‬

كما‭ ‬تدخل‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬كذلك‭ ‬ضمن‭ ‬العناصر‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬القوي،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لبرنامج‭ ‬دعم‭ ‬الدفاع‭ ‬جزءاً‭ ‬أساسياً‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬الإنذار‭ ‬المبكر‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية،‭ ‬إذ‭ ‬تساعد‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الأقمار‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬عمليات‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬وعمليات‭ ‬الإطلاق‭ ‬الفضائية‭ ‬وكذلك‭ ‬التفجيرات‭ ‬النووية‭. ‬وتستخدم‭ ‬هذه‭ ‬الأقمار‭ ‬مستشعر‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬الحرارة‭ ‬المنبعثة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ،‭ ‬وكذلك‭ ‬أعمدة‭ ‬الدخان‭ ‬المنطلقة‭ ‬منه‭. ‬وقد‭ ‬تمكنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1995،‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬تقدم‭ ‬تكنولوجي‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬الصواريخ‭ ‬الأصغر‭ ‬حجماً‭ ‬لتوفير‭ ‬تحذير‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الهجوم‭ ‬بواسطة‭ ‬الصواريخ‭ ‬قصيرة‭ ‬المدى‭ ‬ضد‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والقوات‭ ‬المتحالفة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬تطوير‭ ‬قدرات‭ ‬كافية‭ ‬لرصد‭ ‬واكتشاف‭ ‬كافة‭ ‬التهديدات‭ ‬الجوية،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تطوير‭ ‬النظام‭ ‬الدفاعي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬كافة‭ ‬أنواع‭ ‬التهديدات‭ ‬بعد،‭ ‬سواء‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬أو‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬التهديدات‭ ‬المستجدة،‭ ‬مثل‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭. ‬

ولتوضيح‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنفقت‭ ‬حوالي‭ ‬165‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬65‭ ‬عاماً‭ ‬لتطوير‭ ‬نظم‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬لمواجهة‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الجوية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬جهودها‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النظم‭ ‬لم‭ ‬تكلل‭ ‬بالنجاح،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬اتجاه‭ ‬خصوم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬مثل‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬صواريخ‭ ‬أكثر‭ ‬تقدماً‭ ‬وتعقيداً،‭ ‬مثل‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬والتي‭ ‬تعجز‭ ‬نظم‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الموجودة‭ ‬حالياً‭ ‬عن‭ ‬اعتراضها‭. ‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬كشفت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2022،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬وما‭ ‬تخللها‭ ‬من‭ ‬مواجهات‭ ‬محدودة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران،‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أنظمة‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬الكاملة‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬التهديدات،‭ ‬فقد‭ ‬انهارت‭ ‬منظومة‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬أثناء‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬عندما‭ ‬أطلقت‭ ‬حماس‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬بشكل‭ ‬متزامن‭. ‬كما‭ ‬زعم‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني،‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2024،‭ ‬أنه‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬استهداف‭ ‬وتدمير‭ ‬منصة‭ ‬القبة‭ ‬الحديدية‭ ‬في‭ ‬ثكنة‭ ‬راموت‭ ‬نفتالي‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬إطلاقه‭ ‬كمّاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬لإصابة‭ ‬المنظومة‭ ‬بالشلل،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬حماس‭. ‬

أبعاد‭ ‬الخطة‭ ‬السداسية‭: ‬

يمكن‭ ‬تفصيل‭ ‬مقترح‭ ‬‮«‬سور‭ ‬المسيرات‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

1- مشروع‭ ‬أوروبي‭ ‬موازٍ‭:‬‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬خمساً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الست‭ ‬هي‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬عدا‭ ‬النرويج،‭ ‬ولذلك‭ ‬يتوقع‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬تطلب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬أموالاً‭ ‬أوروبية‭ ‬لتمويل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬درع‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبي‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬أعلنت‭ ‬عنه‭ ‬عدة‭ ‬دولة‭ ‬أوروبية،‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬ألمانيا،‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022،‭ ‬ويهدف‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬منظومة‭ ‬‮«‬درع‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبي‮»‬‭ ‬بهدف‭ ‬سد‭ ‬الثغرات‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭. ‬وقد‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬21‭ ‬دولة،‭ ‬بعد‭ ‬انضمام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سويسرا‭ ‬والنمسا‭ ‬إلى‭ ‬درع‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬2023،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬انضمام‭ ‬بولندا‭ ‬للدرع‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬انضمامها‭ ‬لسور‭ ‬المسيرات‭. ‬

ويثير‭ ‬الأمر‭ ‬السابق‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬حدود‭ ‬التمايز‭ ‬والاختلاف‭ ‬بين‭ ‬‮«‬سور‭ ‬المسيرات‮»‬‭ ‬و«الدرع‭ ‬الأوروبي‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬إحدى‭ ‬الإجابات‭ ‬المحتملة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الدرع‭ ‬الأوروبي‭ ‬لم‭ ‬يمض‭ ‬قدماً‭ ‬بالسرعة‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬التمويل‭ ‬الضخم‭ ‬الذي‭ ‬يحتاجه‭ ‬شراء‭ ‬منظومات‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬توجيه‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬إنتاجها‭ ‬الصناعي‭ ‬العسكري‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬روسيا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬تصاعدت‭ ‬دعوات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني،‭ ‬فولوديمير‭ ‬زيلينسكي،‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬بمد‭ ‬بلاده‭ ‬بأنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬لمساعدتها‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للهجمات‭ ‬الروسية،‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2024‭. ‬

ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الألماني‭ ‬قد‭ ‬لاقى‭ ‬انتقادات‭ ‬فرنسية،‭ ‬نظراً‭ ‬لأن‭ ‬الدرع‭ ‬الأوروبي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الأمريكية‭ ‬والإسرائيلية‭ ‬بالأساس،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يتجاهل‭ ‬الشركات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬والاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬دفاعية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الروسية‭ ‬المتصورة‭ ‬مستقبلاً‭. ‬وفي‭ ‬محاولة‭ ‬للتوفيق‭ ‬بين‭ ‬وجهتي‭ ‬النظر‭ ‬الألمانية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬دعت‭ ‬بعض‭ ‬مراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬المتخصصة‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬بالاقتراض‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬شراء‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬العواصم‭ ‬الأوروبية‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬ميزانيتها‭ ‬لتطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬أوروبية‭ ‬للدفاع‭ ‬الجوي،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬شراء‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬لن‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬تطوير‭ ‬صناعات‭ ‬دفاعية‭ ‬أوروبية‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬المتوسط‭ ‬والطويل‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬سور‭ ‬المسيرات‭ ‬وكذلك‭ ‬الدرع‭ ‬الأوروبي‭ ‬كلاهما‭ ‬يعانيان‭ ‬مشاكل‭ ‬تمويلية‭ ‬واضحة،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬وزيرة‭ ‬الداخلية‭ ‬الليتوانية،‭ ‬أغني‭ ‬بيلوتايتي،‭ ‬أن‭ ‬سور‭ ‬المسيرات‭ ‬لايزال‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬التطوير‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬جدول‭ ‬زمني‭ ‬محدد‭ ‬لتنفيذه‭.‬

2- خوف‭ ‬متصاعد‭ ‬من‭ ‬روسيا‭:‬‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تنامياً‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬المشاريع‭ ‬الدفاعية‭ ‬والأمنية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعكس،‭ ‬خوفاً‭ ‬متزايداً‭ ‬من‭ ‬روسيا،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬إخفاق‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬هجومها‭ ‬المضاد‭ ‬ضد‭ ‬روسيا،‭ ‬والذي‭ ‬كانت‭ ‬تعول‭ ‬عليه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬أوروبا،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إضعاف‭ ‬موسكو‭. ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬تضارب‭ ‬المشاريع‭ ‬الدفاعية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬التضارب‭ ‬بين‭ ‬سور‭ ‬المسيرات‭ ‬والدرع‭ ‬الصاروخي،‭ ‬ولكن‭ ‬كذلك‭ ‬قيام‭ ‬إستونيا،‭ ‬ولاتفيا،‭ ‬وليتوانيا‭ ‬بتوقيع‭ ‬اتفاق‭ ‬‮«‬للردع‭ ‬والدفاع‭ ‬ضد‭ ‬التهديدات‭ ‬العسكرية‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‮»‬‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أنها‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحالف‭ ‬دفاعي‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬تحالف‭ ‬الناتو،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تخشى‭ ‬أن‭ ‬الأخير‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬بتقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لهم‭ ‬بالشكل‭ ‬الكافي،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬مستبعداً‭. ‬

3- إحباط‭ ‬التهديدات‭ ‬المحتملة‭: ‬أعلنت‭ ‬الدول‭ ‬الست‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬سور‭ ‬المسيرات‭ ‬هو‭ ‬مراقبة‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬وامتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬للأنشطة‭ ‬الروسية‭ ‬ومواجهتها‭. ‬وبالتالي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هدف‭ ‬هذا‭ ‬التحالف‭ ‬هو‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬أعمال‭ ‬تخريبية‭ ‬من‭ ‬روسيا‭. ‬فقد‭ ‬نفذت‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬تفجيراً‭ ‬لخطوط‭ ‬أنابيب‭ ‬‮«‬نورد‭ ‬ستريم‮»‬‭ ‬1‭ ‬و‭ ‬2،‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬أغضب‭ ‬روسيا‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬وقع‭ ‬هجوم‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬ليتوانيا‭ ‬استهدف‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬‮«‬أمبر‭ ‬جريد‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬دول‭ ‬البلطيق‭ ‬ببولندا،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2023،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬تفجير‭ ‬خط‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬1‭ ‬و2‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬المشغلة‭ ‬لخط‭ ‬أمبر‭ ‬جريد‭ ‬استبعدت‭ ‬العمل‭ ‬التخريبي،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استبعاد‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬موسكو‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬تخريبي‭ ‬يستهدفها‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وقعت‭ ‬عمليات‭ ‬مماثلة‭ ‬لتفجير‭ ‬خط‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬سور‭ ‬المسيرات‭ ‬يستهدف‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬التسلل‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭ ‬وتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬تخريبية‭. ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬أن‭ ‬وزيرة‭ ‬الداخلية‭ ‬الليتوانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬عن‭ ‬سور‭ ‬المسيرات‭. 

4- ‬تهديد‭ ‬محتمل‭ ‬لموسكو‭:‬‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المعلن‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬سور‭ ‬المسيرات‭ ‬ذو‭ ‬طابع‭ ‬دفاعي،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إغفال‭ ‬حقيقة‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يحمل‭ ‬تهديدات‭ ‬مباشرة‭ ‬لروسيا،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬الاستطلاع‭ ‬والتجسس‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تطير‭ ‬خارج‭ ‬حدود‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬استطلاع‭ ‬أن‭ ‬تتجسس،‭ ‬وتقوم‭ ‬برصد‭ ‬والتقاط‭ ‬الإشارات‭ ‬والصور‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تصاعد‭ ‬التوتر‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭.‬

تحديات‭ ‬قائمة

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬طموح‭ ‬المشاريع‭ ‬الأوروبية‭ ‬لتأمين‭ ‬مجالها‭ ‬الجوي‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الروسية‭ ‬المحتملة،‭ ‬فإنه‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬سوف‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كثيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تفصيله‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

1- ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬التفوق‭ ‬الروسي‭: ‬اعترف‭ ‬مسؤولون‭ ‬بالجيشين‭ ‬الأمريكي‭ ‬والأوكراني‭ ‬مؤخراً‭ ‬بتفوق‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحرب‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وأنها‭ ‬أثرت‭ ‬بشكل‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أكد‭ ‬دانييل‭ ‬بات،‭ ‬وهو‭ ‬زميل‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬هدسون،‭ ‬أن‭ ‬التشويش‭ ‬الروسي‭ ‬أدّى‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬معدل‭ ‬كفاءة‭ ‬مدفعية‭ ‬‮«‬إكس‭ ‬كاليبر‮»‬‭ ‬معيار‭ ‬155‭ ‬ملم‭ ‬الموجهة‭ ‬بنظام‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬70‭ % ‬إلى‭ ‬6‭ %‬،‭ ‬كما‭ ‬أثبتت‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬والقنابل‭ ‬ذات‭ ‬القطر‭ ‬الصغير،‭ ‬وبعض‭ ‬أنظمة‭ ‬الاتصالات‭ ‬أنها‭ ‬معرضة‭ ‬لخطر‭ ‬التشويش‭ ‬بشكل‭ ‬مماثل،‭ ‬مما‭ ‬قوض‭ ‬فاعليتها‭.‬

وتعد‭ ‬دول‭ ‬البلطيق‭ ‬الثلاث‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬عرضه‭ ‬لهذه‭ ‬التهديدات،‭ ‬فقد‭ ‬اتهم‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬دول‭ ‬البلطيق،‭ ‬بشكل‭ ‬منفصل،‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬2024،‭ ‬روسيا‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬عن‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ ‬العالمي‭ (‬GPS‭)‬،‭ ‬عبر‭ ‬منطقة‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق،‭ ‬مما‭ ‬اضطر‭ ‬رحلات‭ ‬مدنية‭ ‬بين‭ ‬هلسنكي‭ ‬وإستونيا‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬الرحلة‭ ‬في‭ ‬منتصفها،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬تشويش‭ ‬نظام‭ ‬تحديد‭ ‬المواقع‭ ‬العالمي‭. ‬كما‭ ‬أدى‭ ‬التشويش‭ ‬إلى‭ ‬إعاقة‭ ‬الإشارات‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬القوارب‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تحذيرات‭ ‬من‭ ‬البحرية‭ ‬السويدية‭ ‬بشأن‭ ‬سلامة‭ ‬الشحن‭. ‬وتتهم‭ ‬دول‭ ‬البلطيق‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تقوم‭ ‬بالتشويش‭ ‬من‭ ‬جيب‭ ‬كالينينجراد،‭ ‬الواقع‭ ‬بين‭ ‬بولندا‭ ‬وليتوانيا‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬البلطيق‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬الروسي،‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬هجومياً،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬دفاعياً،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬مسؤول‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إحدى‭ ‬النظريات‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تحاول‭ ‬حماية‭ ‬كالينينجراد‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬محتملة‭ ‬بطائرات‭ ‬مسيرة‭ ‬أوكرانية‭. ‬وأياً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬فإن‭ ‬تفوق‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التشويش‭ ‬الإلكتروني‭ ‬سوف‭ ‬يقوض‭ ‬من‭ ‬فاعلية‭ ‬توظيف‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬سور‭ ‬المسيرات‭ ‬الدفاعي‭ ‬الأوروبي‭. ‬

2- تصعيد‭ ‬التوتر‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭:‬‭ ‬تثير‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬إشكالية‭ ‬كبيرة،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬إجراءً‭ ‬دفاعياً‭ ‬بدرجة‭ ‬أساسية،‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬تحمل‭ ‬تهديداً‭ ‬كبيراً‭ ‬للدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬امتلاك‭ ‬دولة‭ ‬للقدرة‭ ‬على‭ ‬صد‭ ‬كافة‭ ‬التهديدات‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬أو‭ ‬المجنحة،‭ ‬أو‭ ‬غيرهما‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الجوية،‭ ‬وهو‭ ‬افتراض‭ ‬نظري،‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬تمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬ضربات‭ ‬بصواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬ضد‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬امتلاكها‭ ‬للقدرة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬الضربات‭ ‬الصاروخية‭ ‬الانتقامية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يخل‭ ‬بالردع‭ ‬النووي،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الأخير‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬تلقي‭ ‬الضربة‭ ‬الأولى،‭ ‬وامتلاكها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬ثانية‭ ‬انتقامية‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬الضربة‭ ‬الأولى‭. 

تتأكد‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬مراجعة‭ ‬تاريخ‭ ‬نظم‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬وتحديداً‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي،‭ ‬ثم‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬إذ‭ ‬يميّز‭ ‬المنظرون‭ ‬العسكريون‭ ‬بين‭ ‬ثلاث‭ ‬حقب‭ ‬أساسية،‭ ‬وتبدأ‭ ‬الحقبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1972،‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬توقيع‭ ‬‮«‬معاهدة‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للباليستية‮»‬‭. ‬وامتازت‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬بقيام‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬بتطوير‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬وصواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬نووية‭ ‬محمولة‭ ‬في‭ ‬الغواصات‭ ‬النووية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الصواريخ،‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬التقيد‭ ‬بأي‭ ‬قيود،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬لامتلاك‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬المنظومات‭. ‬

وبدأت‭ ‬الحقبة‭ ‬الثانية‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1972،‭ ‬وحتى‭ ‬عام‭ ‬2002،‭ ‬حين‭ ‬انسحبت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منها‭. ‬فقد‭ ‬هدفت‭ ‬معاهدة‭ ‬1972‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬أنظمة‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للباليستية‭ ‬المستخدمة‭ ‬للدفاع‭ ‬ضد‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬المنقولة‭ ‬بالصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬وفقاً‭ ‬لبنود‭ ‬المعاهدة،‭ ‬يلتزم‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬بنظامين‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬المضادة‭ ‬للباليستية،‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬يحدد‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬100‭ ‬صاروخ‭ ‬مضاد‭ ‬للباليستية‭. ‬

أما‭ ‬الحقبة‭ ‬الثالثة،‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬انسحاب‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬جورج‭ ‬بوش،‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬1972،‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2002،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬نظم‭ ‬دفاع‭ ‬صاروخي،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬أخفقت‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬تطويره،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬دفع‭ ‬روسيا،‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لتطوير‭ ‬نظم‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الخاص‭ ‬بها،‭ ‬ولكن‭ ‬كذلك‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬والتي‭ ‬يصعب‭ ‬اعتراضها‭ ‬بأي‭ ‬نظم‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬تقليدي‭. ‬وبالتالي،‭ ‬فإنه‭ ‬منذ‭ ‬يونيو‭ ‬2002،‭ ‬بدأت‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬سباق‭ ‬التسلح‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬كلا‭ ‬البلدين‭ ‬لتطوير‭ ‬نظم‭ ‬دفاع‭ ‬جوي‭ ‬وصواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬هجومية‭. ‬

وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬لمحاولة‭ ‬امتلاك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬نفسها‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬تقوم‭ ‬بتهديد‭ ‬الآخرين،‭ ‬وعبر‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬لم‭ ‬يُكتب‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬النجاح،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الحالات،‭ ‬فقد‭ ‬أدى‭ ‬انسحاب‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬معاهدة‭ ‬الدفاع‭ ‬ضد‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬ومحاولتها‭ ‬تطوير‭ ‬درع‭ ‬صاروخي،‭ ‬إلى‭ ‬إخفاق‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الدرع‭ ‬الصاروخي،‭ ‬كما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬اتجاه‭ ‬روسيا‭ ‬لامتلاك‭ ‬صواريخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتية‭ ‬يصعب‭ ‬اعتراضها‭ ‬عبر‭ ‬نظم‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الموجودة‭ ‬حالياً‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬لايزال‭ ‬الدفاع‭ ‬ضد‭ ‬التهديدات‭ ‬الجوية‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬صعب‭ ‬عملياً‭. ‬ولاتزال‭ ‬الدول‭ ‬تسعى‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ضد‭ ‬التهديدات‭ ‬الجوية،‭ ‬عبر‭ ‬امتلاك‭ ‬قدرات‭ ‬صاروخية‭ ‬هجومية‭ ‬لردع‭ ‬خصومها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تحقق‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬تفاعلات‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬وتحالفاتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الموالية‭ ‬لها‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬كافة‭ ‬المفاهيم‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأوروبية،‭ ‬سواء‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬سور‭ ‬المسيرات،‭ ‬أو‭ ‬الدرع‭ ‬الأوروبية،‭ ‬لاتزال‭ ‬مفاهيم‭ ‬نظرية‭ ‬لم‭ ‬تختبر‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العملي،‭ ‬بل‭ ‬وتبدو‭ ‬فرص‭ ‬نجاحها‭ ‬صعبة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬النهائي‭ ‬صد‭ ‬كافة‭ ‬التهديدات‭ ‬الجوية،‭ ‬إذ‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬نظم‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوية‭ ‬الغربية‭ ‬ما‭ ‬أثبت‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬صد‭ ‬كافة‭ ‬التهديدات‭ ‬الجوية،‭ ‬وتوضح‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬بجلاء‭. ‬

»‬‭ ‬الدكتور‭ ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب

 (‬أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬بكلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬أبوظبي‭(

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض