باتت عملية حسم المنافسة في الحروب الحديثة معقدة للغاية، وتتطلب العديد من الاحتياجات، من أبرز هذه المتطلبات ضرورة توافر سلسلة إمداد لوجستية مناسبة تربط القوات بقاعدة دعمها، لا سيما في حالة القوات البحرية التي أصبح دورها جوهرياً لتحقيق الهيمنة العسكرية. وفي هذا الإطار، اكتسب نظام «آلية إعادة التسليح القابلة للتحويل في البحر» (TRAM) أهمية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة، التي تنتشر قواتها في كثير من المناطق حول العالم. وهو ما يزيد من حاجتها إلى ربط قواتها البحرية المنتشرة بقاعدة دعمها، من أجل إعادة تسليح سفنها الحربية، ومن ثم تمديد العمليات القتالية دون الحاجة للعودة المتكررة إلى الموانئ، وهو ما يسمح بمعالجة التحديات اللوجستية خلال الصراعات والحروب المستقبلية.
نظام (TRAM) الأمريكي
في خطوة شكلت نقلة نوعية في الحروب البحرية والخدمات اللوجستية، تمكنت البحرية الأمريكية، في أكتوبر 2024، من إجراء أول اختبار لآلية «إعادة التسليح القابلة للتحويل في البحر» Transferable Reload At-sea Method (TRAM)، والتي ستتيح للمقاتلات السطحية التابعة للبحرية الأمريكية فرصة إعادة تحميل عبوات الصواريخ في أنظمة الإطلاق العمودي (VLS) في البحر، ويشكل هذا الاختبار لحظة محورية بالنسبة للجهود المستمرة التي تبذلها البحرية الأمريكية لتعزيز مرونتها التشغيلية وجاهزيتها.
وتجدر الإشارة إلى أن إعادة تحميل خلايا نظام الإطلاق العمودي (VLS) في البحر ظل لعقود طويلة إحدى أبرز الأولويات الرئيسية للبحرية الأمريكية، فقد حاولت الأخيرة جاهدةً الوصول لهذا الهدف. ولعل هذا ما انعكس في تصريحات وزير البحرية الأمريكية، كارلوس ديل تورو، في عام 2023، والذي أشار إلى أهمية تطوير هذه القدرات، وأن نظام (TRAM) سيكون الحل الأمثل والأكثر قابلية للتطبيق من أجل تحقيق هذه الوظيفة الحاسمة. ولطالما احتفظت البحرية الأمريكية بقدرات هائلة في مجال التزويد الجاري أثناء الطقس القاسي، ورغم ذلك اعتادت البحرية على استخدام الرافعات المثبتة على الطرادات من فئة «تيكونديروجا» والمدمرات من فئة «أرلي بيرك» من أجل تنفيذ عملية نقل الإمدادات، بيد أن الإشكاليات التي كانت تواجه هذه الرافعات بسبب التحديات الخاصة بالحركة النسبية في البحر جعلتها غير فعالة، بالتالي تم تطوير نظام (TRAM) لمعالجة هذه الاشكاليات، مع العمل على إحدات ثورة في مجال إعادة التحميل في البحر.
من ناحية أخرى، وفي إطار التوترات الراهنة بين الولايات المتحدة والصين، ثمة قناعة بأن أي حرب مستقبلية بين البلدين من المحتمل أن تندلع بسبب تايوان، ما يعني أن هذه الحرب المحتملة ستخاض في غرب المحيط الهادئ، وهو ما ينذر بنفاد الذخيرة للسفن الحربية الأمريكية خلال أيام قليلة، في الوقت الذي ستكون فيه أقرب قاعدة عسكرية لها على بعد يصل لـ 5000 ميل. خاصةً وأن القواعد البحرية الأمريكية في غرب المحيط الهادئ تقع في نطاق الصواريخ الصينية بعيدة المدى، ما يعني صعوبة الاعتماد على هذه القواعد لإعادة الامداد أثناء الحرب.
وفي هذا السياق، شكلت تجربة البحرية الأمريكية مساراً جديداً سيسمح للسفن الحربية بإعادة التسليح أثناء الإبحار بحلول عام 2027. وخلال هذه التجربة، التي أجريت في المحيط الهادئ، تم نقل حاوية صواريخ فارغة من سفينة «واشنطن تشامبرز» (T-AKE 11)، وهي سفينة شحن وذخيرة تابعة لقيادة النقل البحري العسكري، إلى السفينة الحربية الأمريكية من طراز «يو إس إس تشوسين» (CG-65)، وذلك باستخدام الكابلات، وبمجرد الصعود على متن الطراد الصاروخي، وصلت الحاوية إلى خلية نظام الإطلاق العمودي، وذلك عن طريق استخدام قضبان متصلة بشكل مباشر بنظام (MK 41)، حيث عمد نظام (TRAM) بعدها إلى إمالة الحاوية عمودياً وخفضها إلى الخلية.
وشكل هذا العرض الناجح خطوة حاسمة في تعزيز القدرة على إعادة تسليح السفن الحربية في البحر، والتي باتت تشكل أولوية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة، وهو ما أشار إليه وزير البحرية، كارولوس ديل تورو، والذي أعلن نجاح العرض، لافتاً إلى أن هذا النظام سيؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة وتعزيز قدرات واشنطن على ردع خصومها.
وحظيت هذه التجربة باهتمام كبير من قبل الكونجرس الأمريكي، فبعد العرض الناجح الذي أجراه «مركز الحرب السطحية البحرية» (Port Hueneme Division) قبالة سواحل كاليفورنيا، في يوليو الماضي، جاء العرض الأخير في المحيط الهادئ ليشكل قفزة كبيرة وإثبات نجاح النظام في مجال أكثر تعقيداً.
ويتم استخدام نظام (TRAM)، الذي يعمل بالطاقة الهيدروليكية، من خلال قيام سفينة الإمداد بنقل كافة أنواع الإمدادات إلى السفينة الحربية أثناء التحرك بشكل متواز مع بعضهما بعضاً. كما يمكن استخدام النظام لتجديد خلايا أسلحة نظام الإطلاق العمودي (MK 41) أثناء العمليات، وبالتالي، يسمح نظام (TRAM) للسفن الحربية السطحية بإعادة تحميل عبوات الصواريخ في البحر، كما يمكن للنظام الأمريكي الجديد أن يقوم بإعادة تزويد السفن الحربية بالوقود وإعادة تخزينها بالمؤن بالتزامن مع إعادة تحميل خلايا نظام الإطلاق العمودي، وهو ما يسمح بتمديد العمليات القتالية دون الحاجة للعودة إلى الموانئ.
وتجدر الإشارة إلى أن نظام (TRAM) يعتمد على مفاهيم حقبة الحرب الباردة، لكنه مصمم بالأساس لتلبية متطلبات الحروب الحديثة، ويبدو أن هذا النظام يعالج مشكلات الحركة النسبية لرافعات الإسقاط السابقة. ومن خلال عملية إعادة التحميل القابلة للنقل يمكن للبحرية الحفاظ على تفوقها القتالي في الصراعات المطولة وحتى في البيئات الصعبة. فبفضل هذا النظام الجديد، باتت البحرية الأمريكية قادرة على البقاء في وضع الجاهزية والاستعداد للقتال في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن ثم دعم مساعيها لتحقيق الهيمنة على هذه المنطقة المتنازع عليها بشكل كبير. وبشكل عام، سيكون لهذه القدرة على إعادة التحميل في البحر آثار بعيدة المدى على الجاهزية القتالية للبحرية الأمريكية، فبعكس الوضع الحالي، الذي تحتاج فيه السفن الحربية الأمريكية إلى قطع مسافات طويلة للعودة إلى قواعد آمنة في هاواي وكاليفورنيا من أجل إعادة التحميل، سوف يغير نظام (TRAM) المعادلة عن طريق تمكين السفن الحربية من إعادة التحميل في البحر، ومن ثم تعزيز مدى ومرونة العمليات البحرية، وتقليل الاعتماد على المرافق البحرية الضعيفة.
ورغم ذلك، لم تكشف البحرية الأمريكية عن جملة من التفاصيل الخاصة بالتجربة الناجحة لنظام (TRAM)، سواء فيما يتعلق بالمدة الزمنية التي استغرقتها عملية إعادة التحميل، وما إذا كان هذا النظام سيعمل على تسريع عملية إعادة تحميل نظام الإطلاق العمودي التي عادةً تأخذ وقتاً طويلاً، أو فيما يتعلق بمآلات عبوات الصواريخ المستخدمة، وكيفية التعامل معها.
نظام (TRAM) والحروب المستقبلية عالية الكثافة
تعد المهمة الرئيسية للقوات البحرية هي تحقيق الهيمنة البحرية. وفي هذا الإطار، فإن أبرز وظائف البحرية الأمريكية هو ضمان وصول واشنطن إلى أي ممر مائي في العالم بسرعة، بغية تحقيق الفوز بأي صراع ربما تخوضه الولايات المتحدة، بيد أن قدرة البحرية الأمريكية على تحقيق هذه المهمة تقلصت خلال السنوات الأخيرة، بسبب زيادة قدرات منافسيها، لا سيما الصين.
وانطلاقاً من هذا الطرح، وبسبب تنامي القدرات العسكرية الصينية بوتيرة متسارعة، ما جعلها تشكل تهديداً لاستمرارية الهيمنة العسكرية الأمريكية، تسعى الأخيرة باستمرار لتعزيز قدراتها ومواكبة التطورات المتنامية لقدرات بكين. وفي ظل بُعْد الصين عن الولايات المتحدة، حيث يفصلهما المحيط الهادئ، ستلعب البحرية الأمريكية دوراً محورياً في أي حرب مستقبلية بين بكين وواشنطن، بحيث تتمكن الأخيرة من نقل قواتها العسكرية إلى ساحات المعارك المحتملة. ولعل هذا ما يفسر تركيز الصين على تعزيز قدراتها البحرية بوتيرة أسرع من الولايات المتحدة، ومحاولة تقويض القدرات البحرية للأخيرة في المناطق المتنازع عليها في المحيطين الهندي والهادئ، لا سيما ضد الدعم اللوجستي المحتمل من قبل واشنطن لأي أنشطة بحرية محتملة للولايات المتحدة في المحيطين.
بالتالي، تعاني البحرية الأمريكية في الوقت الراهن معضلة استراتيجية في المحيط الهادئ بسبب القدرات الصينية المتنامية، حيث باتت الأخيرة متفوقة على قدرات واشطن البحرية من حيث الحجم. وفي أي صراع مستقبلي، يتوقع أن تستنفد السفن الحربية الأمريكية ذخائرها خلال أيام محدودة. ووفقاً للتقديرات الغربية، يمكن أن تنفق البحرية الأمريكية في أي صراع عالي الكثافة مع الصين أكثر من 360 صاروخاً يومياً، وبالإضافة إلى أن واشنطن لا تخزن هذا العدد من الأسلحة، فإنها تفتقر أيضاً للقدرة على الحافظ على إمدادات الذخيرة لسفنها الحربية في المحيط الهادئ.
كذا، يمكن أن تكون الموانئ القادرة على القيام بإعادة إمداد «أنظمة الإطلاق العمودي» بعيدة للغاية عن مناطق الصراع، بل إنها ربما تكون هي نفسها معرضة للهجوم، كما سيكون الاحتفاظ بالسفن المقاتلة في مكان الصراع لفترة أطول أمراً بالغ الأهمية، فكل سفينة تعمل في وقت الصراع ستكون ذات قيمة استراتيجية.
وفي هذا الإطار، طرحت البحرية الأمريكية نظام (TRAM) في محاولة للتغلب على هذا العجز، حيث ينظر لهذا النظام باعتباره آلية حاسمة لقدرة البحرية الأمريكية على خوض حرب بحرية عالية الكثافة في المستقبل، لا سيما في المحيط الهادئ. ولعل هذا ما انعكس في العرض الذي أجرته البحرية الأمريكية، والذي أظهر نجاح النظام الجديد في إبقاء الوحدات في حالة قتال لفترة أطول. فقد أظهر هذا النظام قدرته على إعادة تحميل عبوات الصواريخ في أنظمة الإطلاق العمودي (MK41) للسفن الحربية السطحية. وفي هذا الإطار، ثمة قناعة بأن هذه القدرة الجديدة للقدرات البحرية الأمريكية ستكون حاسمة بالنسبة للأسطول السطحي للبحرية الأمريكية في أي حروب مستقبلية، إذ لن تحتاج سفنها للانسحاب من القتال لإعادة التسليح.
ولعل هذا ما انعكس في هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، والتي كشفت بوضوح عن أهمية الحاجة إلى إعادة تحميل أنظمة الإطلاق العمودي (VLS) دون الحاجة إلى العودة إلى الميناء. وإذا تمكن الحوثيون من إحداث ثغرة كبيرة في مخزونات الأسلحة للسفن الحربية للولايات المتحدة، فإن مواجهة مباشرة مع الصين ستكون أسوأ بدرجة أكبر بالنسبة لواشنطن.
وتجدر الإشارة إلى أن البحرية الأمريكية تمتلك في الوقت الراهن حوالي 11 حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية، إلى جانب تسع سفن أصغر قادرة على إعادة التحميل في البحر. لكن من خلال نظام (TRAM)، يمكن ترقية السفن الحربية القديمة، ومن ثم زيادة عدد السفن القادرة على إعادة التحميل إلى حوالي 100 سفينة.
تنامي الاهتمام بعمليات إعادة التسليح في البحر
تعود فكرة إعادة تحميل الصواريخ إلى تسعينات القرن الماضي، حيث حاول المهندسون آنذاك تطوير نظام لإعادة تحميل الصواريخ في البحر، بيد أن التكنولوجيا غير المتطورة في ذلك الوقت حالت دون نجاح عملية نقل عبوات الصواريخ الكبيرة والحساسة بين السفن المتحركة، وهو ما أدى إلى التخلي عن هذا المشروع. قبل أن يعود الاهتمام بتطوير هذا النظام في الوقت الراهن، مع تصاعد التوترات بين القوى الدولية المختلفة والمتنافسة، وتنامي الحاجة إلى تعزيز الجاهزية البحرية. وبفضل التكنولوجيا المتقدمة، تمكن المهندسون من تحديث النماذج القديمة وإضافة أجهزة استشعار الحركة وضوابط محوسبة ومكونات أكثر تطوراً.
وتجدر الإشارة إلى أن القوات البحرية للقوى الكبرى كانت قد نفذت خلال حقبة الحرب الباردة عملية نقل الصواريخ من سفن الدعم اللوجستي الخاصة بها إلى سفنها الحربية، بيد أن هذا الأمر كان مناسباً آنذاك للأجيال السابقة القديمة من الأسلحة. لكن مع نهاية الحرب الباردة وظهور الأسلحة والصواريخ الأكثر تقدماً وقاذفات الإطلاق العمودية (VLS)، لم تعد قدرة إعادة التحميل التقليدية قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة. وقد تزايد الاهتمام الدولي بإحياء قدرات اعادة التحميل في ظل التنافس الحاد في الوقت الراهن بين القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة والصين.
وفي هذا الإطار، بدأت البحرية الأمريكية العمل على تطوير نظام جديد لإعادة تسليح السفن في البحر منذ عام 2016، كما أدت هجمات الحوثيين في الشحن البحري في البحر الأحمر إلى زيادة الحاجة إلى تطوير هذا النظام، فقد اضطرت السفن الحربية الأمريكية، ونظيرتها الغربية، إلى الانسحاب بشكل متكرر من أجل إعادة إمداد مخازنها، وهو ما تضمن في بعض الأحيان العودة لقواعد بعيدة تماماً عن منطقة العمليات، فعلى سبيل المثال، اضطرت المدمرة البحرية الملكية لبريطانيا (إتش إم إس دايموند) إلى الانسحاب لجبل طارق من أجل إعادة التسليح. وهو الأمر الذي كشف عن الفجوة الاستراتيجية التي تعانيها القوات البحرية الغربية الكبرى، وهو ما أضفى أهمية خاصة على التجربة الناجحة لنظام (TRAM) الأمريكي، رغم أن هذه التجربة تضمنت فقط نقل حاوية فارغة من نظام الإطلاق العمودي وليس صاروخاً حقيقياً، لكنه يظل خطوة مهمة باعتباره أول اختبار ناجح لنظام (VLS) بين السفن أثناء الإبحار.
وكان الكاتب العسكري البروسي، كارل فون كلاوزفيتز، قد أكد على مبدأ الاستمرارية، والذي يعني أن تحقيق النصر الحاسم في ساحة المعارك يتطلب توجيه الضربات المتتالية للخصم في نفس الاتجاه، وأن الفشل في مواصلة الضربات يمنح العدو مهلة للتعافي مع إضعاف القوة القتالية الموجهة إليه بمرور الوقت. وفي هذا الإطار، تجاهلت البحرية الأمريكية لعقود طويلة مبدأ الاستمرارية، حيث يحتاج المقاتلون السطحيون إلى الانسحاب من منطقة المعركة عندما تستنفد مخزوناتها من الصواريخ، وتعود إلى الميناء من أجل إعادة التسليح. كما لا يمكن لأسطول الخدمات اللوجستية إعادة تسليحهم في البحر، لتجنب اتلاف الذخائر أو القاذفات العمودية. ويضاف لذلك أن إبحار سفن اللوجستيات القتالية من عمليات الأسطول إلى الميناء لإعادة التزود بالوقود والذخيرة وتسليمها إلى الأسطول قد يعرضها للخطر والاستهداف في رحلتها الطويلة.
وفي هذا الإطار، كشفت بعض التقارير الأمريكية أن التنافس الدولي الراهن، لا سيما بين الصين والولايات المتحدة، دفع الأخيرة إلى العمل على السباق لتطوير قدراتها وإعادة تسليح سفنها الحربية بالصواريخ في البحر. فعملية إعادة التسليح كانت تؤدي إلى إخراج المدمرات الأمريكية من القتال لحوالي شهرين، وهو ما يشكل نقطة ضعف في أي مواجهة مستقبلية مع الصين.
وتشكل منطقة الإندوباسيفيك ساحة معركة حاسمة في الحروب المستقبلية وبلورة نظام دولي جديد، ويمكن للسيطرة على البحار أن تقرر نتيجة الصراعات المستقبلية. ولطالما لعبت القدرات البحرية الأمريكية، التي تتضمن مدمرات وطرادات مجهزة بصواريخ متقدمة، دوراً محورياً لضمان الهيمنة الاستراتيجية لواشنطن. لكن هذه القدرات كانت تواجه إشكالية رئيسية تتمثل في حاجة هذه السفن الحربية للعودة إلى الميناء من أجل إعادة تحميل أنظمة الإطلاق العمودي. وبالتالي، يسمح نظام (TRAM) بإعادة تحميل قاذفات الصواريخ للسفن الحربية أثناء البقاء في البحر، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة، ويسمح للسفن الحربية الأمريكية بالبقاء عاملة في المناطق المتنازع عليها والاستجابة السريعة للتهديدات.
لذا، يأتي تطوير الولايات المتحدة لنظام (TRAM) بالتزامن مع مساعيها لتعزيز تحالفاتها ودعم وجودها طويل الأجل وقدراتها العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، خاصةً مع التوسع السريع والمتنامي للقدرات العسكرية الصينية في المنطقة.
تحديات قائمة
على الرغم من النقلة النوعية التي ربما يحققها نظام (TRAM)، فإن قدرات الصين الهائلة في منع الوصول/ منع المنطقة (A2/AD) تشكل تحدياً كبيراً بالنسبة للنظام الأمريكي الجديد، إذ لم تتمكن البحرية الأمريكية من مواجهة القدرات الصينية المتنامية بشكل فعال حتى الآن. فرغم أن نظام (TRAM) يعمل على تعزيز قدرة البحرية الأمريكية على التحمل التشغيلي، فإن فاعليته لا تزال محدودة طالما أن السفن الحربية الأمريكية لم تتمكن من اختراق دفاعات (A2/AD) الصينية.
وفي هذا الإطار، كشفت بعض التقديرات عن قيام الصين بتطوير قدرات مضادة مصممة بالأساس للتغلب على النظام الأمريكي الجديد، فقد باتت قدرات بكين في منع الوصول/ منع المنطقة (A2/AD) هي الأساس للوجود العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي والشرقي. وقد طورت الصين هذه القدرات بالأساس للحيلولة دون وصول الولايات المتحدة إلى المنطقة المتنازع عليها. وحتى الآن لا تمتلك الولايات المتحدة قدرات عسكرية قادرة على التغلب على نظيرتها الصينية بشكل موثوق، وهو ما يخلق عجزاً استراتيجياً بالنسبة لواشنطن ويمنح بكين مزايا تكتيكية كبيرة.
من ناحية أخرى، ثمة إشكالية أخرى تواجه النظام الأمريكي الجديد تتعلق بعملية نقل عبوات الصواريخ في البحر، في ظل المخاطر المرتبطة بهذه العملية، نتيجة حجم ووزن الصواريخ، وزيادة احتمالات وقوع الحوادث أثناء تنفيذها. لكن ربما يعمل مهندسو البحرية الأمريكية حالياً على تحسين قدرة النظام لتجنب هذه الحوادث، خاصةً وأنه يتوقع أن يتم دمج النظام في الاستخدام التشغيلي خلال فترة تتراوح بين 2-3 أعوام. بالإضافة لذلك، هناك جملة من القضايا التي تحتاج البحرية الأمريكية إلى التغلب عليها، يتعلق بعضها بفاعلية النظام الجديد بالكامل، فالتجربة الناجحة التي نفذتها البحرية لنظام (TRAM) تمت في ظل ظروف بحرية غير مضطربة، لكن لا تزال فاعلية النظام في الظروف القاسية غير واضحة. يضاف لذلك تحدٍّ آخر يتعلق بالنقص الحاد الذي تعانيه واشنطن في سفن الإمداد المناسبة، بالإضافة لنقص المخزونات من الصواريخ لإعادة تحميلها، ناهيك عن الحاجة لتطوير الأسطول وتعديل السفن الحربية الأمريكية، بحيث تصبح قادرة على استقبال الإمدادات من خلال النظام الجديد.
وفي الختام، يشكل نظام (TRAM) أهمية استراتيجية قادرة على تغيير قواعد اللعبة في الهيمنة البحرية، من خلال السماح للسفن الحربية بالعمل بشكل أكثر استقلالية ومرونة في أكثر البيئات صعوبةً. لكنه حتى الآن يبقى مقيداً بسبب القدرات الصينية المضادة، إذ لن يكون لإعادة التسليح في البحر ضرورة حقيقية طالما أن الأسطول السطحي لم يتمكن من الاقتراب بدرجة كافية لإطلاق النار على أهدافه. بفبضل أنظمة (A2/AD) الصينية، ستكون الأخيرة قادرة على إغراق السفن الحربية الأمريكية، وهو ما يحد من أهمية نظام (TRAM). وبالتالي، حال تمكنت الولايات المتحدة من تطوير قدراتها المضادة، يمكن استخدام الأسطول السطحي للبحرية الأمريكية بشكل أكثر اكتمالاً، وحينها يصبح نظام (TRAM) أكثر جدوى.
عدنان موسى
مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـــــ جامعة القاهرة