Arctic main copy

التنافس الجيوسياسي في القطب الشمالي وتأثيره على القوات البحرية

في‭ ‬وقت‭ ‬تؤثر‭ ‬فيه‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات‭ ‬الأهلية‭ ‬والكوارث‭ ‬وتغير‭ ‬المناخ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬العالم‭ ‬تقريباً،‭ ‬يتوجب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدراسات،‭ ‬خصوصاً‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬لمنطقة‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكثر‭ ‬المناطق‭ ‬تأثراً‭ ‬بذلك‭ ‬السياق،‭ ‬وذلك‭ ‬لسببين‭ ‬رئيسيين‭: ‬الأول،‭ ‬لأن‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬الجليد‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬ثلاثينات‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سعي‭ ‬الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لخفض‭ ‬أو‭ ‬تصفير‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية،‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬أسرع‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬متوقعاً‭ ‬سابقاً‭. ‬والثاني،‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬الممتدة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬والتي‭ ‬تبلور‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬التوترات‭ ‬المتجددة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ )‬الناتو‭(‬ وبين‭ ‬الصين‭ ‬والغرب‭. ‬

يجب‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬رئاسة‭ ‬روسيا‭ ‬لمجلس‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ (‬2021‭ – ‬2023‭). ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك،‭ ‬أصدرت‭ ‬أطراف‭ ‬مجلس‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬بياناً‭ ‬في‭ ‬3‭ ‬مارس‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬ذكروا‭ ‬فيه‭ ‬أنهم‭ ‬لن‭ ‬يسافروا‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬لحضور‭ ‬اجتماعات‭ ‬مجلس‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬ولن‭ ‬يشاركوا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬اجتماعات‭ ‬المجلس،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬توقف‭ ‬معظم‭ ‬أنشطة‭ ‬مجلس‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭. ‬وتهدف‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬تحليل‭ ‬سياق‭ ‬وواقع‭ ‬الصراع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬وتأثيره‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬البحرية،‭ ‬ولتحقيق‭ ‬ذلك،‭ ‬تنقسم‭ ‬الدراسة‭ ‬إلى‭ ‬قسمين‭: ‬الأول‭ ‬يعين‭ ‬ويحلل‭ ‬سياق‭ ‬وواقع‭ ‬الصراع‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭. ‬والثاني‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬التنافس‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬للدول‭ ‬المتنافسة‭. ‬

1‭. ‬سياق‭ ‬وواقع‭ ‬التنافس‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي

‭ ‬لمحة‭ ‬تاريخية‭ ‬

تغطي‭ ‬الدائرة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬مساحة‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬14‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬تقريباً‭ ‬3‭ % ‬من‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭. ‬وفي‭ ‬مركز‭ ‬الدائرة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬يوجد‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬الجغرافي،‭ ‬الذي‭ ‬يحيط‭ ‬به‭ ‬حوض‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي‭ ‬والأجزاء‭ ‬الشمالية‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬الثماني‭ (‬كندا‭ ‬والدنمارك‭ (‬عبر‭ ‬جرينلاند،‭ ‬أكبر‭ ‬جزيرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭) ‬وفنلندا‭ ‬وآيسلندا‭ ‬والنرويج‭ ‬وروسيا‭ ‬والسويد‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭). ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬القارة‭ ‬القطبية‭ ‬الجنوبية،‭ ‬فإن‭ ‬المناطق‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الوجود‭ ‬البشري‭ ‬الذي‭ ‬خلف‭ ‬وراءه‭ ‬تاريخاً‭ ‬يمتد‭ ‬لآلاف‭ ‬السنين‭. ‬

‭ ‬بدأ‭ ‬الاستكشاف‭ ‬والاستعمار‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬الميلادي،‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الثروات‭ ‬الحيوانية،‭ ‬وأدى‭ ‬هذا‭ ‬لاحقاً‭ ‬إلى‭ ‬تدشين‭ ‬ممرات‭ ‬بحرية‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬المحيطين‭ ‬الأطلسي‭ ‬والهادئ‭. ‬وقد‭ ‬كشفت‭ ‬تلك‭ ‬الممرات‭ ‬والرحلات‭ ‬التي‭ ‬سمحت‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬النطاق‭ ‬الثري‭ ‬لموارد‭ ‬المنطقة‭ ‬المتنوع‭: ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬زيت‭ ‬الحيتان‭ ‬وفراء‭ ‬الفقمة‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الفحم‭ ‬والمعادن‭ (‬من‭ ‬أهمها‭ ‬الماس‭ ‬والنيكل‭ ‬والنحاس‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬الاستغلال‭ ‬التجاري‭ ‬لتلك‭ ‬المنطقة‭.‬

خلال‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬والحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬ازدادت‭ ‬الأهمية‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬للقطب‭ ‬الشمالي‭ ‬وأصبح‭ ‬ساحة‭ ‬للتوتر‭ ‬الجيواستراتيجي،‭ ‬فازدادت‭ ‬وتيرة‭ ‬عسكرة‭ ‬المنطقة‭ ‬طوال‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ (‬تموضع‭ ‬للأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬والصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ ‬والقاذفات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬والقوات‭ ‬العسكرية‭) ‬وأصبحت‭ ‬المنطقة‭ ‬فعلياً‭ ‬خطاً‭ ‬أمامياً‭ ‬عسكرياً‭ ‬للقوي‭ ‬المتنافسة‭. ‬ومثَّلَ‭ ‬خطاب‭ ‬ميخائيل‭ ‬جورباتشوف‭ ‬في‭ ‬مورمانسك‭ ‬عام‭ ‬1987‭ ‬التحول‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬لتلك‭ ‬المنطقة،‭ ‬فلقد‭ ‬بشر‭ ‬ببداية‭ ‬علاقة‭ ‬تعاونية‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬والغرب،‭ ‬ما‭ ‬مهد‭ ‬الطريق‭ ‬لتشكيل‭ ‬مجلس‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬وذلك‭ ‬بتوقيع‭ ‬الدول‭ ‬الثماني‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬على‭ ‬إعلان‭ ‬أوتاوا‭ ‬الذي‭ ‬أنشأ‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996‭. ‬ويركز‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الشعوب‭ ‬الأصلية‭ ‬وقضايا‭ ‬الموارد‭ ‬والبيئة‭ ‬ويتفادى‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬المناقشات‭ ‬حول‭ ‬الأمن‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬والآن‭ ‬عادت‭ ‬المنطقة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لتكون‭ ‬موضع‭ ‬نزاع‭ ‬متزايد،‭ ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬منطقة‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬لمجموعة‭ ‬أوسع‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬الحكومية‭ ‬وغير‭ ‬الحكومية،‭ ‬وكثير‭ ‬منها‭ ‬بعيدة‭ ‬جغرافياً‭ ‬عن‭ ‬المنطقة،‭ ‬وذلك‭ ‬نظراً‭ ‬للوجود‭ ‬البحري‭ ‬المتزايد،‭ ‬ولقرب‭ ‬فتح‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬طرقاً‭ ‬بحرية‭ ‬جديدة‭ ‬ولكشفه‭ ‬عن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬ثرواته‭ ‬بسبب‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭. ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬المنطقة‭ ‬وجهة‭ ‬سياحية‭ ‬جذابة‭ ‬وتشهد‭ ‬توسعاً‭ ‬في‭ ‬نشاط‭ ‬الصيد‭ ‬العالمي‭. ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬دولاً‭ ‬لتحديث‭ ‬وتوسيع‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحها،‭ ‬ما‭ ‬قوض‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬رؤية‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬كمنطقة‭ ‬سلام‭ ‬وتعاون‭.‬

الأهمية‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬

أفادت‭ ‬دراسات‭ ‬متعددة،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬دراسة‭ ‬لمعهد‭ ‬الدراسات‭ ‬الجيولوجية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬بأن‭ ‬المنطقة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬قد‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬1390‭ ‬مليار‭ ‬برميل‭ ‬من‭ ‬النفط‭ (‬16‭ % ‬من‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭)‬،‭ ‬و1669‭ ‬تريليون‭ ‬قدم‭ ‬مكعب‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ (‬30‭ %) ‬و44‭ ‬مليار‭ ‬برميل‭ ‬من‭ ‬سوائل‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ (‬38‭ %)‬،‭ ‬وحوالي‭ ‬22‭ % ‬من‭ ‬موارد‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬غير‭ ‬المكتشفة،‭ ‬ولكن‭ ‬القابلة‭ ‬للاستخراج‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الفنية‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

كما‭ ‬سيستمر‭ ‬الاحترار‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬مياه‭ ‬المنطقة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬الجليد‭ ‬كل‭ ‬سنة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتيح‭ ‬فتح‭ ‬مسارات‭ ‬جديدة‭ ‬للملاحة‭ ‬البحرية‭ ‬تدريجياً،‭ ‬ما‭ ‬سيسهم‭ ‬في‭ ‬اختصار‭ ‬المسافة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬روتردام‭ ‬ويوكوهاما‭ ‬بنسبة‭ ‬40‭ %‬،‭ ‬مقارنة‭ ‬بطريق‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭. ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬فإن‭ ‬المسارات‭ ‬الجديدة‭ ‬قبالة‭ ‬سواحل‭ ‬كندا،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬أيضاً‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬المحيطين‭ ‬الأطلسي‭ ‬والهادئ‭. ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬التغيرات‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أن‭ ‬مضيق‭ ‬‮«‬بيرينج‮»‬‭ ‬بين‭ ‬ألاسكا‭ ‬وروسيا،‭ ‬وبحر‭ ‬بارنتس‭ ‬شمال‭ ‬النرويج‭ ‬‮«‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للملاحة‭ ‬وأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وعسكرياً‮»‬‭.‬

تبلغ‭ ‬مساحة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬القارية‭ ‬والبحرية‭ ‬20‭.‬946‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬38‭ ‬مرة‭ ‬ضعف‭ ‬منطقة‭ ‬العاصمة‭ ‬باريس‭. ‬وتبلغ‭ ‬مساحة‭ ‬المحيط‭ ‬الجليدي‭ ‬القطبي‭ ‬الشمالي‭ ‬14‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬وتشمل‭ ‬الأحواض‭ ‬الكندية‭ ‬والأوراسية،‭ ‬والبحار‭ ‬السيبيرية‭ (‬كارا،‭ ‬لابتيف‭ ‬وسيبيريا‭ ‬الشرقية‭)‬،‭ ‬بحر‭ ‬تشوكشي،‭ ‬بحر‭ ‬بوفورت،‭ ‬بحر‭ ‬بارنتس،‭ ‬بحر‭ ‬جرينلاند،‭ ‬خليج‭ ‬بافن‭ ‬وخليج‭ ‬هدسون‭. ‬حوالي‭ ‬60‭ % ‬من‭ ‬سطح‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬متر‭ ‬عمق‭. ‬وأقصى‭ ‬عمق‭ ‬5‭,‬400‭ ‬متر‭ (‬Litke Deep‭). ‬ومن‭ ‬أهم‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬بجانب‭ ‬الغاز‭ ‬والنفط‭: ‬الخشب،‭ ‬النيكل،‭ ‬أسماك‭ ‬المياه‭ ‬الباردة،‭ ‬الماس،‭ ‬والأتربة‭ ‬النادرة‭. ‬ووفقاً‭ ‬لأحدث‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستشرافية،‭ ‬ستمتلك‭ ‬روسيا‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬41‭ % ‬من‭ ‬حجم‭ ‬احتياطيات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬غير‭ ‬المكتشفة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تمتلك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ (‬عبر‭ ‬ألاسكا‭) ‬28‭ % ‬والدنمارك‭ ‬18‭ % ‬وكندا‭ ‬9‭ % ‬والنرويج‭ ‬4‭ %. ‬

الدول‭ ‬والمنظمات‭ ‬الفاعلة‭ ‬

يوضح‭ ‬الشكل‭ ‬التالي‭ ‬الدول‭ ‬الفاعلة،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي،‭ ‬ومنها‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬غير‭ ‬المتاخمة‭ ‬للمحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي،‭ ‬ومنها‭ ‬الدول‭ ‬غير‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬منحها‭ ‬صفة‭ ‬مراقب،‭ ‬كما‭ ‬يوضع‭ ‬المنظمات‭ ‬الأخرى‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭: ‬

‭ ‬وبموجب‭ ‬إعلان‭ ‬أوتاوا‭ ‬الذي‭ ‬وقعته‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التالية‭: ‬كندا،‭ ‬والدانمارك،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفنلندا،‭ ‬وآيسلندا،‭ ‬والنرويج،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والسويد،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬تم‭ ‬انشاء‭ ‬مجلس‭ ‬المنطقة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية،‭ ‬والذي‭ ‬يمثل‭ ‬المؤسسة‭ ‬التنظيمية‭ ‬السياسية‭ ‬المرجعية‭ ‬للتعاون‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬المنطقة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭. ‬والمجلس‭ ‬ليس‭ ‬منتدى‭ ‬لحوكمة‭ ‬المنطقة،‭ ‬وإنما‭ ‬منتدى‭ ‬للتعاون‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يتناول‭ ‬القضايا‭ ‬العسكرية‭ ‬والجغرافية‭ ‬الحدودية‭ ‬والقضايا‭ ‬السيادية‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬نطاق‭ ‬صلاحياته،‭ ‬بل‭ ‬يركز‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬مناقشة‭ ‬مواضيع‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تلقى‭ ‬إجماعاً‭ ‬من‭ ‬الأعضاء‭ ‬بسهولة،‭ ‬مثل‭: ‬التعاون‭ ‬العلمي،‭ ‬حماية‭ ‬البيئة،‭ ‬رفاهية‭ ‬الشعوب‭ ‬الأصلية‭ ‬وتنميتها‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬سلامة‭ ‬الملاحة،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قضايا‭. ‬

تأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬

وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتأثير‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬التوازنات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬أكد‭ ‬الدكتور‭ ‬لوسون‭ ‬بريغهام،‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ألاسكا‭ ‬فيربانكس،‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬التي‭ ‬انضمت‭ ‬بلدان‭ ‬من‭ ‬دولها‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬باتت‭ ‬مسرحاً‭ ‬للعسكرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬وذلك‭ ‬للأسباب‭ ‬التالية‭:‬

1‭.‬ انضمام‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد‭ ‬للناتو‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬القطب‭ ‬الثماني‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الناتو،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ (‬الدولة‭ ‬الثامنة‭) ‬سيكون‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬الجلوس‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬7‭ ‬أعضاء‭ ‬من‭ ‬الحلف‭. ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬التعاون‭ ‬الأمني‭ ‬والعسكري‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وباقي‭ ‬دول‭ ‬القطب‭ ‬صعباً،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستحيلًا‭. ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬انضمام‭ ‬فنلندا‭ ‬والسويد‭ ‬للناتو‭ ‬سيغير‭ ‬بالطبع‭ ‬من‭ ‬خطط‭ ‬الحلف‭ ‬والسعي‭ ‬أكثر‭ ‬لامتلاك‭ ‬أدوات‭ ‬الردع‭ ‬وتطوير‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭. ‬

2‭.‬ مستقبل‭ ‬مجلس‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬بات‭ ‬غامضاً‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬فالمجلس‭ ‬الذي‭ ‬أسس‭ ‬عام‭ ‬1996،‭ ‬اتخذ‭ ‬أعضاؤه،‭ ‬باستثناء‭ ‬روسيا،‭ ‬قراراً‭ ‬بتعليق‭ ‬عمله‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬أوكرانيا‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬قالت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكندا‭ ‬والدنمارك‭ ‬وفنلندا‭ ‬وآيسلندا‭ ‬والنرويج‭ ‬والسويد‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬مشترك،‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬السبع‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مقتنعة‭ ‬بالقيمة‭ ‬الدائمة‭ ‬لمجلس‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬للتعاون‭ ‬المحيطي‮»‬،‭ ‬مؤكدة‭ ‬دعمها‭ ‬لهذا‭ ‬المنتدى‭ ‬وعمله‭ ‬المهم،‭ ‬و»بناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أعلن‭ ‬عن‭ ‬اعتزام‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬استئناف‭ ‬العمل‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬المجلس،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬مشاركة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‮»‬،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭: ‬1‭. ‬أن‭ ‬إحدى‭ ‬دول‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬وهي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬خارج‭ ‬معاهدة‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لقانون‭ ‬البحار،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬تنفيذ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالمحيط‭ ‬القطبي‭ ‬الشمالي‭ ‬محل‭ ‬جدل‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭. ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬بشأن‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭. ‬2‭. ‬عدم‭ ‬حسم‭ ‬بعض‭ ‬الخلافات‭ ‬الحدودية‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬وبين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكندا‭ ‬وبين‭ ‬النرويج‭ ‬وروسيا‭. ‬

مما‭ ‬سبق،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬العسكرة‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬الدول‭ ‬العسكرية‭ ‬للفاعلين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬خصوصاً‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭. ‬

2‭. ‬تزايد‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭ ‬نتيجة‭ ‬للتنافس‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬

الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬

قدمت‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬نسخة‭ ‬محدثة‭ ‬من‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لمنطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2032‭ ‬تستهدف‭: ‬

1‭. ‬تعزيز‭ ‬الوجود‭ ‬العسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭.‬

2‭. ‬تكثيف‭ ‬التدريبات‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الشريكة‭.‬

3‭. ‬تحديث‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬لردع‭ ‬العدوان‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬روسيا‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭. ‬كما‭ ‬دعت‭ ‬استراتيجية‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2024،‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬من‭ ‬أهمها‭:‬

1‭. ‬زيادة‭ ‬الوجود‭ ‬العسكري‭ ‬والقدرات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭.‬

2‭. ‬حتمية‭ ‬الاستعداد‭ ‬لمواجهة‭ ‬آثار‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تطرحها‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬ذوبان‭ ‬الجليد‭ ‬الذي‭ ‬سهل‭ ‬وصول‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬إليها‭.‬

3‭. ‬تحديث‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬بناؤها‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬والتي‭ ‬تواجه‭ ‬تدهوراً‭ ‬ملحوظاً‭ ‬بسبب‭ ‬ذوبان‭ ‬الجليد‭ ‬الدائم‭ ‬وتآكل‭ ‬السواحل‭.‬

4‭. ‬تعزيز‭ ‬قدرات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬والبيانات‭ ‬الضخمة‭ ‬والمتكاملة‭. ‬

قامت‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بتدريب‭ (‬ICE CAMP‭) ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي‭ ‬في‭ ‬8‭ ‬مارس‭ ‬2024،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬بناء‭ ‬معسكر‭ ‬جليدي‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬Whale‭ ‬بمشاركة‭ ‬غواصتين‭ ‬هجوميتين‭ ‬سريعتين‭ ‬جديدتين‭ ‬للبحرية‭ ‬الأمريكية‭. ‬استمر‭ ‬المعسكر‭ ‬والتدريبات‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع،‭ ‬وشملت‭ ‬أنشطة‭ ‬مصممة‭ ‬للبحث‭ ‬واختبار‭ ‬وتقييم‭ ‬القدرات‭ ‬التشغيلية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭. ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬التدريب‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والجيش‭ ‬والقوات‭ ‬الجوية‭ ‬ومشاة‭ ‬البحرية‭ ‬وقوات‭ ‬الفضاء،‭ ‬كما‭ ‬شارك‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الملكية‭ ‬الكندية‭ ‬والبحرية‭ ‬الملكية‭ ‬الكندية‭ ‬والبحرية‭ ‬الفرنسية‭ ‬والبحرية‭ ‬الملكية‭ ‬البريطانية‭ ‬والبحرية‭ ‬الملكية‭ ‬الأسترالية‭. ‬وفي‭ ‬يوليو‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬وقعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفنلندا‭ ‬وكندا‭ ‬اتفاقية‭ ‬ثلاثية‭ ‬لإنتاج‭ ‬مشترك‭ ‬لكاسحات‭ ‬الجليد‭ ‬القطبية‭.‬

حلف‭ ‬شمال‭ ‬لأطلسي‭ (‬الناتو‭)‬

شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬اهتماماً‭ ‬متزايداً‭ ‬من‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬لأطلسي‭ (‬الناتو‭) ‬بمنطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬يؤكد‭ ‬الأدميرال‭ ‬روب‭ ‬باور،‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬العسكرية‭ ‬لحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬بأن‭ ‬الحلف‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يستعد‭ ‬للصراعات‭ ‬العسكرية‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬وأن‭ ‬المنافسة‭ ‬والعسكرة‭ ‬المتزايدة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬أمر‭ ‬مثير‭ ‬للقلق،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬الأمر‭ ‬سوءاً‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬لدى‭ ‬الحلف‭ ‬وروسيا‭ ‬خط‭ ‬عسكري‭ ‬ساخن‭ ‬فعال‭ ‬رفيع‭ ‬المستوى‭ ‬لخفض‭ ‬أي‭ ‬تصعيد‭ ‬سريع‭ ‬ومفاجئ‭. ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬حذر‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬سيرجي‭ ‬لافروف‭ ‬من‭ ‬‮«‬استعداد‭ ‬روسيا‭ ‬التام‭ ‬لخوض‭ ‬صراع‮»‬‭ ‬مع‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬‮«‬الناتو‮»‬‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬مؤكداً‭ ‬قدرة‭ ‬بلاده‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬سياسياً‭ ‬وعسكرياً‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬شارك‭ ‬أعضاء‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬في‭ ‬أكبر‭ ‬مناورة‭ ‬له‭ ‬منذ‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الباردة،‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬Steadfast Defender 24‭. ‬وشملت‭ ‬التدريبات‭ ‬التي‭ ‬تمت‭ ‬بين‭ ‬يناير‭ ‬ومايو‭ ‬2024‭ ‬مشاركة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬من‭ ‬32‭ ‬دولة،‭ ‬وتضمنت‭ ‬مناورات‭ ‬بحرية‭ ‬حية‭ ‬وتدريب‭ ‬على‭ ‬الهجوم‭ ‬البرمائي‭ ‬بهدف‭ ‬إظهار‭ ‬وجود‭ ‬دفاعي‭ ‬قوي‭ ‬وقادر‭ ‬للحلف‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭. ‬

كندا

أعلنت‭ ‬كندا‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬تحديث‭ ‬نظامها‭ ‬الدفاعي‭ ‬الجوي‭ ‬والصاروخي‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وستحل‭ ‬الأنظمة‭ ‬الجديدة‭ ‬محل‭ ‬نظام‭ ‬الإنذار‭ ‬الشمالي‭ ‬القديم،‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬حقبة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬محطاته‭ ‬الـ‭ ‬50‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬الصواريخ‭ ‬الحديثة‭. ‬كما‭ ‬أعلنت‭ ‬الحكومة‭ ‬الكندية‭ ‬نيتها‭ ‬شراء‭ ‬88‭ ‬مقاتلة‭ ‬أمريكية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬إف‭-‬35‮»‬،‭ ‬لتحل‭ ‬محل‭ ‬أسطولها‭ ‬القديم،‭ ‬للقيام‭ ‬بدورياتها‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭. ‬واستضافت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الكندية‭ ‬عملية‭ ‬NANOOK-NUNALIVUT،‭ ‬من‭ ‬1‭ ‬إلى‭ ‬17‭ ‬مارس‭ ‬2024،‭ ‬حيث‭ ‬شارك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬عضو‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الكندية‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬عضواً‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبلجيكا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬والتي‭ ‬أظهرت‭ ‬قدرة‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬للبحرية‭ ‬الكندية‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬السيطرة‭ ‬والسيادة‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أقسى‭ ‬الظروف،‭ ‬وتقييم‭ ‬قدرات‭ ‬معداتها‭ ‬الجديدة،‭ ‬وتحسين‭ ‬التشغيل‭ ‬البيني‭ ‬مع‭ ‬حلفائها‭.  ‬وترى‭ ‬الحكومة‭ ‬الكندية،‭ ‬كما‭ ‬صرح‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الكندي‭ ‬بيل‭ ‬بلير،‭ ‬أن‭ ‬الوصول‭ ‬المتزايد‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬الأمنية،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تسعى‭ ‬كندا‭ ‬لنشر‭ ‬سفن‭ ‬دورية‭ ‬جديدة‭ ‬ومدمرات‭ ‬بحرية‭ ‬وكاسحات‭ ‬جليد‭ ‬وغواصات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬تحت‭ ‬الصفائح‭ ‬الجليدية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬والطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار‭. ‬وفي‭ ‬يوليو‭ ‬2024‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الكندية‭ ‬أنها‭ ‬تمضي‭ ‬قُدماً‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬غواصة،‭ ‬وبدأت‭ ‬عملية‭ ‬رسمية‭ ‬للقاء‭ ‬الشركات‭ ‬المصنعة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سعيها‭ ‬لتعزيز‭ ‬دفاعها‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭.‬

فرنسا

ترى‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬أن‭ ‬الافتتاح‭ ‬التدريجي‭ ‬للطرق‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬وزيادة‭ ‬الحركة‭ ‬التجارية‭ ‬التي‭ ‬ستشارك‭ ‬فيها‭ ‬قطع‭ ‬بحرية‭ ‬ترفع‭ ‬العلم‭ ‬الفرنسي،‭ ‬سيشكل‭ ‬تحديات‭ ‬جديدة‭ ‬لفرنسا،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬نفسها‭ ‬قوة‭ ‬بحرية‭ ‬رائدة،‭ ‬مما‭ ‬سيتطلب‭ ‬منها‭: ‬حماية‭ ‬السفن‭ ‬وإنقاذها،‭ ‬ومكافحة‭ ‬التلوث،‭ ‬والمسائل‭ ‬القانونية‭ ‬الأساسية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحرية‭ ‬الملاحة،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬وأخيراً،‭ ‬فإن‭ ‬الفضاء‭ ‬القطبي‭ ‬الشمالي‭ ‬هو‭ ‬مساحة‭ ‬مناورة‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية‭ ‬الفرنسية‭. ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العملياتي،‭ ‬ترى‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أنه‭ ‬يتعين‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قواتها‭ ‬الجوية‭ ‬والبحرية،‭ ‬وربما‭ ‬الجوية‭ ‬البحرية‭.‬

في‭ ‬12‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024،‭ ‬وصلت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬السفينة‭ ‬Le Commandant Charcot‭ ‬الفرنسية‭ ‬التي‭ ‬صنعتها‭ ‬شركة‭ ‬Ponant‭ ‬الفرنسية‭ ‬وعلى‭ ‬متنها‭ ‬20‭ ‬عالماً‭ ‬إلى‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬الذي‭ ‬يتعذر‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭ ‬Poles of Inaccessibility‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬لجمع‭ ‬البيانات‭ ‬المهمة‭. ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬السفن‭ ‬تطوراً‭ ‬المصممة‭ ‬خصيصاً‭ ‬لبيئة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬والذي‭ ‬يسمح‭ ‬هيكلها‭ ‬القطبي‭ ‬PC2‭ ‬بالتنقل‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬القطبية‭ ‬مع‭ ‬تقليل‭ ‬تأثيرها‭ ‬البيئي‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬بفضل‭ ‬الدفع‭ ‬الكهربائي‭ ‬الهجين‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬بالغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬المسال‭ (‬LNG‭). ‬وبذلك‭ ‬حققت‭ ‬إنجازاً‭ ‬ملاحياً‭ ‬تاريخياً‭ ‬بعبورها‭ ‬من‭ ‬نومي،‭ ‬مروراً‭ ‬بألاسكا،‭ ‬ولونجييربين،‭ ‬وسبيتسبيرجين،‭ ‬وعبورها‭ ‬أيضاً‭ ‬القطبين‭ ‬الشماليين‭ ‬المغناطيسيين‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬سبتمبر‭ ‬والقطب‭ ‬الشمالي‭ ‬الجغرافي‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024،‭ ‬كما‭ ‬توضحه‭ ‬الخريطة‭ ‬المرفقة‭: ‬

وقبل‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬لم‭ ‬تطأ‭ ‬قدم‭ ‬أحد‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬ويتم‭ ‬تعريف‭ ‬‮«‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‮»‬‭ ‬بأنه‭ ‬النقطة‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬إحداثياتها‭ ‬هي‭ ‬الأبعد‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬أرض‭. ‬تم‭ ‬تسميته‭ ‬ووصفه‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1909‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستكشف‭ ‬القطبي‭ ‬الروسي‭ ‬ألكسندر‭ ‬كولتشاك،‭ ‬وتم‭ ‬تحديد‭ ‬الإحداثيات‭ ‬الجغرافية‭ ‬الدقيقة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جيم‭ ‬ماكنيل‭ ‬بمساعدة‭ ‬وكالة‭ ‬ناسا‭ ‬والأقمار‭ ‬الصناعية،‭ ‬عند‭ ‬85°48’‭ ‬شمالاً،‭ ‬176°09’‭ ‬شرقاً‭. ‬وتقع‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬1‭,‬465‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬أوتكياسوك‭ ‬في‭ ‬ألاسكا،‭ ‬و1‭,‬390‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬فرانز‭ ‬جوزيف‭ ‬لاند‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬و1‭,‬070‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬جزيرة‭ ‬إليسمير‭ ‬في‭ ‬كندا‭. ‬

روسيا‭ ‬والصين‭ ‬

من‭ ‬جانبها،‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬تدعيم‭ ‬قوة‭ ‬أسطولها‭ ‬الشمالي،‭ ‬حيث‭ ‬زودته‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بأحدث‭ ‬سفن‭ ‬الصناعة‭ ‬الروسية‭ ‬المزودة‭ ‬بصاروخ‭ ‬‮«‬تسيركون‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تفوق‭ ‬سرعته‭ ‬سرعة‭ ‬الصوت،‭ ‬وقامت‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024‭ ‬بأكبر‭ ‬مناورة‭ ‬عسكرية‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬30‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬المحيطين‭ ‬الهادئ‭ ‬والمتجمد‭ ‬الشمالي‭ ‬والبحر‭ ‬المتوسط‭ ‬وبحرَي‭ ‬قزوين‭ ‬والبلطيق‭ ‬بمشاركة‭ ‬سفن‭ ‬حربية‭ ‬صينية‭ ‬لإظهار‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬واستعداد‭ ‬الصين‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬الجغرافية‭. ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المناورات‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬400‭ ‬سفينة‭ ‬وغواصة‭ ‬وسفينة‭ ‬دعم،‭ ‬ونحو‭ ‬120‭ ‬طائرة‭ ‬ومروحية‭ ‬من‭ ‬الطيران‭ ‬البحري‭ ‬التابع‭ ‬للقوات‭ ‬البحرية‭ ‬والقوات‭ ‬الجوية‭ ‬للبحرية‭ ‬و7‭ ‬آلاف‭ ‬وحدة‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمعدات،‭ ‬وحوالي‭ ‬90‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭. ‬

كما‭ ‬أعلنت‭ ‬الشركة‭ ‬الروسية‭ ‬المتحدة‭ ‬لبناء‭ ‬السفن،‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬أن‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬لتطوير‭ ‬سفن‭ ‬مدنية‭ ‬جديدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الإبحار‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬نسخ‭ ‬مطورة‭ ‬من‭ ‬كاسحات‭ ‬الجليد‭ ‬التي‭ ‬تصنعها،‭ ‬مميزة‭ ‬بتجهيزات‭ ‬خاصة‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬الرسو‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬المغطاة‭ ‬بالجليد‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المائية‭ ‬غير‭ ‬المجهزة‭ ‬بالموانئ‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬مزودة‭ ‬بمنصات‭ ‬لحمل‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬ومنصات‭ ‬لحمل‭ ‬المروحيات،‭ ‬ويمكنها‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬للتزود‭ ‬بالوقود‭ ‬والمؤن‭. ‬كما‭ ‬تسعى‭ ‬موسكو‭ ‬لبناء‭ ‬كاسحة‭ ‬جليد‭ ‬نووية‭ ‬جديدة‭ ‬سميت‭ ‬‮«‬لينينغراد‮»‬،‭ ‬لشق‭ ‬طريق‭ ‬مختصر‭ ‬إلى‭ ‬آسيا‭ ‬عبر‭ ‬مياه‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭. ‬وفي‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬أكدت‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬كقوة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬وعززت‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬التوازنات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والجيواقتصادية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭. ‬فالصين‭ ‬تُعرِّف‭ ‬نفسها‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬مجاورة‭ ‬للقطب‭ ‬الشمالى‮»‬‭ ‬ستتأثر‭ ‬من‭ ‬ذوبان‭ ‬ذلك‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭. ‬وفى‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬نشرت‭ ‬بكين‭ ‬كتابها‭ ‬الأبيض‭ ‬لطريق‭ ‬الحرير‭ ‬القطبي‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬الصينية‭ ‬بخصوص‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬والذي‭ ‬دافعت‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬بعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬ومحاولتين‭ ‬فاشلتين،‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقتنص‭ ‬صفة‭ ‬مراقب‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭. ‬ويمثل‭ ‬توسع‭ ‬التعاون‭ ‬الروسي‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬الهاجس‭ ‬الأكبر‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬تصريحات‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬لشؤون‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬مايكل‭ ‬سفراجا‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬بلاده‭ ‬‮«‬تراقب‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬تكرار‭ ‬وتعقيد‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮»‬،‭ ‬معتبراً‭ ‬أنها‭ ‬تنقل‭ ‬‮«‬إشارات‭ ‬مثيرة‭ ‬للقلق‮»‬‭.‬

وتستند‭ ‬الرؤية‭ ‬الصينية‭ ‬بخصوص‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬مفادها‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬فتح‭ ‬الممر‭ ‬الشمالي‭ ‬الغربي،‭ ‬سوف‭ ‬يصبح‭ ‬‮«‬طريقاً‭ ‬بحرياً‭ ‬محورياً‭ ‬جديداً‭ ‬بين‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬والمحيط‭ ‬الهادئ‮»‬،‭ ‬وسوف‭ ‬يتم‭ ‬تقصير‭ ‬الطريق‭ ‬البحري‭ ‬بين‭ ‬أوروبا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬بمقدار‭ ‬5200‭ ‬إلى‭ ‬7000‭ ‬ميل‭ ‬بحري‭. ‬ومن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬البحري‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬سوف‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وممراً‭ ‬استراتيجياً‭ ‬دولياً‭ ‬جديداً،‭ ‬وذلك‭ ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬لي‭ ‬تشنغفو‭ ‬LI ZHENFU،‭ ‬الأستاذ‭ ‬المتخصص‭ ‬بعلوم‭ ‬المحيطات‭ ‬والسياسة‭ ‬والحوكمة،‭ ‬بجامعة‭ ‬داليان‭ ‬البحرية‭ ‬DMU‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تعمل‭ ‬مع‭ ‬شريكتها‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬تدويل‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬بشكل‭ ‬محدود،‭ ‬حتى‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الخطاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬الساعي‭ ‬لاستبعاد‭ ‬الدول‭ ‬نظراً‭ ‬لأنها‭ ‬‮«‬غير‭ ‬قطبية‮»‬‭ .‬

كما‭ ‬أجرت‭ ‬سفن‭ ‬خفر‭ ‬السواحل‭ ‬الصيني‭ ‬وحرس‭ ‬الحدود‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬دورية‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬مذكرة‭ ‬تفاهم‭ ‬وقعها‭ ‬الطرفان‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬بشأن‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬البحري‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬الملاحة‭ ‬لخفر‭ ‬السواحل‭ ‬الصيني‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬بشكل‭ ‬فعال،‭ ‬واختبار‭ ‬دقة‭ ‬قدرة‭ ‬السفن‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬المهام‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬غير‭ ‬المألوفة،‭ ‬واختبار‭ ‬قدرة‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬للمشاركة‭ ‬النشطة‭ ‬في‭ ‬حوكمة‭ ‬المحيطات‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية‭.‬

الخاتمة‭ ‬

من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬تحولات‭ ‬هيكلية‭ ‬نتيجة‭ ‬لتزايد‭ ‬وتيرة‭ ‬تغيير‭ ‬المناخ‭ ‬ولتزايد‭ ‬سعي‭ ‬اللاعبين‭ ‬العالميين‭ ‬والإقليميين‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬نفوذهم‭ ‬فيها،‭ ‬مما‭ ‬يحولها‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬أكثر‭ ‬سخونة‭ ‬جيوسياسياً‭ ‬وعسكرياً،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬الحرجة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثيرات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭: ‬وتيرة‭ ‬تغير‭ ‬المناخ،‭ ‬ومسار‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ (‬فعالية‭ ‬السياسات‭ ‬واللوائح‭ ‬البيئية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والديموغرافية،‭ ‬وتوافر‭ ‬الحوافز‭ ‬المالية‭ ‬وجودة‭ ‬الحوكمة،‭ ‬ووتيرة‭ ‬تطوير‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والابتكار،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مستوى‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬والاتصال،‭ ‬وتسويق‭ ‬التكنولوجيات،‭ ‬وتكلفة‭ ‬ممارسة‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭)‬،‭ ‬وديناميكيات‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬وغيرها‭. ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬المتنوعة‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬المذكورة‭ ‬بالأعلى،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثيرات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬فالسيناريو‭ ‬الأقرب‭ ‬للحدوث‭ ‬هو‭ ‬تسارع‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬التغيير‭ ‬المناخي‭ ‬وفي‭ ‬التنمية‭ ‬وفي‭ ‬التنافس‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬والعسكري،‭ ‬ما‭ ‬يرجح‭ ‬استمرار‭ ‬تزايد‭ ‬التسلح‭ ‬البحري‭ ‬والوجود‭ ‬البحري‭ ‬العسكري‭ ‬للمتنافسين‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬القادمة‭. ‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬قد‭ ‬باتت‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬‮«‬منطقة‭ ‬تحديد‭ ‬مصير‭ ‬البشرية‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬تربط‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬الجغرافية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬قلب‭ ‬البر‭ ‬الأوراسي‭ ‬وقلب‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭. ‬ومع‭ ‬بدء‭ ‬تلاشي‭ ‬السور‭ ‬الجليدي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬العالمين،‭ ‬سنشهد‭ ‬عالماً‭ ‬جديداً‭ ‬أصبحت‭ ‬فيه‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬المتنافسين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬على‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أقصر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭. ‬وبهذا‭ ‬ربما‭ ‬تتأكد‭ ‬مقولة‭ ‬الأدميرال‭ ‬الروسي‭ ‬فاليري‭ ‬ألكسين‭ ‬‮«‬من‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬العالم‮»‬،‭ ‬والدراسة‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬أكدت‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬ربما‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬سيحدد‭ ‬مصير‭ ‬العالم‭.‬

‮»‬‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬وائل‭ ‬صالح‭ ‬‬خبير‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬تريندز‭ ‬للبحوث‭ ‬والاستشارات‭

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض