خلال الحرب العالمية الثانية كان نوع الهجمات التي تشنها الغواصات الألمانية ضد سفن الحلفاء على طول خطوط الإمداد في المحيط الأطلسي، أحد أعظم الأخطار التي واجهت الحلفاء. ولمواجهة هذا الخطر استخدمت البحرية الملكية البريطانية وبحرية الولايات المتحدة الأمريكية نوعين من معدات الكشف تحت الماء، كانا وسيلة جديدة لكشف الغواصات الغائصة تحت الماء ومهاجمتها، وذلك على الرغم محدوية فعاليتها.
والنوعان هما جهاز «اسديك» و«سونار». واستمرت الأبحاث وأعمال التطوير على الجهازين في كل من بريطانيا والولايات المتحدة. وما إن اندلعت الحرب العالمية الثانية حتى كان لدى البحرية الملكية 220 سفينة حربية (مدمرات وسفن دورية) مزودة بأجهز «اسديك»، في حين كان لدى بحرية الولايات المتحدة حين دخلت الحرب في ديسمبر عام 1941، حوالي 170 مدمرة مزودة بأجهزة «سونار». وانطلاقاً من هذه الأسس، تحقق تقدم كبير، خاصة في مجال الإلكترونيات التي جعلت بالإمكان تطوير معدات أدق، والغرض من هذا البحث هو تبيان المبادئ التي يعمل «السونار» بموجبها، ثم إلقاء نظرة على الدور الذي يلعبه، وأنواع الأجهزة المتوفرة منه.
انتشار الصوت
موجات الصوت هي موجات تضاغط، تتحرك من خلال وسيط، قد يكون صلباً أو سائلاً أو غازياً. ولا تنتشر موجات الصوت في الفراغ. ومصدر موجات الصوت محول طاقة، مزود بحاجز قابل للتذبب )كما في مكبر الصوت، على سبيل المثال).
وتستخدم أجهزة «السونار» عادة ترددات في حدود الترددات الصوتية، وتتراوح عادة ما بين 4 – 14 كيلوهيرتز. أما في الماء، فإن سرعة الصوت تبلغ أربعة أضعاف سرعته في الهواء، وهي تترواح ما بين 1460 متراً في الثانية في درجة حرارة مقدارها أربع درجات مئوية إلى 1620 متراً في درجة حرارة 30 مئوية. وحين تصطدم موجة الصوت بجسم داخل الوسيط الذي تسير فيه، أو الحدود ما بين وسيطين (ماء وهواء، على سبيل المثال)، يحدث انعكاس، وترتد الموجة عن الجسم الذي اصطدمت به بزاوية تساوي زاوية سقوطها. أما في البحر، وحتى عمق 200 متر فإن الموجات تنعكس بعد اصطدامها بالقاع.
ونواجه في أثناء استخدام «السونار» ثلاثة أنواع من الأصداء: الأصوات المنعكسة عن جسم الماء، والأصوات المنعكسة عن السطح (التي تبلغ أقصى درجة من الحدة بعد بثها مباشرة)، والأصوات المنعكسة عن القاع (التي تبلغ أقصى حدة لها في المياه الضحلة، خاصة إذا كان القاع صخرياً).
وعامل آخر مهم في استخدام «السونار»، هو خسران الطاقة التي تتعرض لها الموجات الصوتية في أثناء مرورها خلال الوسيط (وذلك في حالة مياه البحر). وترتبط حدة هذا الخسران بمدى الجهاز، ويعتمد على حالة البحر، وتكون عادة عالية إن كان في الماء فقاعات هواء (كما هي حالة إبحار السفينة، أو حالة وجود رياح سطحية قوية تكون رغوة سطح من الهواء ومياه البحر). ويحدث امتصاص للطاقة أو بعثرة لها إذا وجدت جزئيات طافية أو معلقة، مثل الأعشاب البحرية، أو الطفليليات التي تعيش في الماء.
ومن بين كل العوامل المتعلقة بانتقال الصوت يعتبر التخلخل أكثرها أهمية، لأن بإمكانه تقليل المدى الذي يمكن كشف أي غواصة خلاله إلى الصفر تقريباً، أو تجعله يتغير بشكل غير منتظر، وذلك حسب أوضاع البحر. وتحاول الغواصات عادة، الاستفادة إلى أقصى حد، من تأثيرات التخلخل خلال قيامها بأعمال هجومية.
ضجيج العمق
تزود أجهزة «السونار» عادة بأجهزة استماع، وفي بعض الأحيان يضطر مشغل هذه الأجهزة إلى الاعتماد على أذنيه للتمييز بين الأصوات المختلفة. ومهمته الرئيسية هي التقاط الإشارات الحقيقية والتحقق منها وتميزها عن ضجيج العمق.
وأجهزة الاستماع أكثر فائدة على الغواصات منها في سفن السطح، فسفن السطح التي تتحرك بسرعة عالية تولد قدراً كبيراً من الضجيج يطغى على الأصوات التي تصدر من مصادر من خارج السفينة.
ظاهرة دوبلر
اكتشف مبدأ دوبلر الفيزيائي النمساوي كريستان دوبلر، ويمكن تطبيقه على حركة الأمواج كلها. وينص المبدأ على أنه إذا كانت هناك حركة نسبية بين مصدر الموجة ومستقبل لها، فإن التردد الظاهري في المستقبل يختلف عن التردد في المصدر، ولهذا المبدأ تطبيقات عملية مهمة في استخدام «السونار».
وتردد الصوت المسموع يتأثر بالحركة النسبية بين الهدف والمستقبل، أي أنه إذا كان الهدف يتحرك باتجاه محول الطاقة يكون تردد الصدى أكبر من التردد (المعروف باسم Up – Doppler)
أما إذا تحرك الهدف بعيداً عن محول الطاقة، فإن تردد الصدى يكون أقل من التردد المعروف باسم Down – Doppler.
ومن المهم جداً أن نفهم أن ظاهرة دوبلر تنتج أيضاً عن حركة السفينة، وإذا كان الهدف ثابتاً، وكانت السفينة المتعقبة سائرة، تطبق القاعدة ذاتها.
مبادئ محول الطاقة
محول الطاقة هو الذي يبث النبضات إلى الخارج. ويستقبل الأصداء المرتدة، وقلب أنظمة «السونار» الحديثة، ويعمل محول الطاقة كمستقبِل للأضواء الراجعة، بالعمل كميكرفون عادي. وما إن يصطدم الصدى بالحاجز، حتى تتغير أطوال أنابيب النيكل، وهذا يؤدي إلى حدوث تيار في الملفات المحيطة بالأنابيب، نتيجة انعكاس عمليات البث، حيث يستخدم هذا التيار الكهربائي المنتج في المستقبِل، بعد أن يضخم ويمرر إلى جهاز عرض، أو يحول إلى ترددات سمعية في مكبر صوت.
الاستخدام العملي للسونار
تهتم القوى البحرية بتحديد موقع الأجسام الموجودة تحت الماء، لأهداف عديدة، ليست كلها مرتبطة بالحرب ضد الغواصات. وهذا الاستخدام الأخير هو واحد من استخدامات عديدة، إلا أنه أهمها. ومهما تكن الأهداف، فإن النجاح في تحديد مواقع الأجسام الموجودة تحت الماء يتأتى من القيام بإجراءات دقيقة ومنظمة ومستمرة. وتعتمد خطة هذا العمل على حقيقة أن في استطاعة «السونار» القيام بالعمليات التالية:
أولاً: إيجاد اتصال مع الهدف بواسطة الطاقة الصوتية.
ثانياً: المحافظة على الاتصال حتى التحقق من الهدف.
ثالثاً: اتخاذ وضع مناسب من الهدف، فيما يتعلق بالمسافة والانحراف.
رابعاً: تحديد السرعة بالنسبة إلى الاختلاف في المسافة والانحراف عن الهدف.
ولمعرفة طريقة استخدام هذه العوامل، سوف نقتصر حديثنا على استعمالات تقنيات «السونار» في عمليات البحث التي تقوم بها سفن السطح المخصصة للعمل ضد الغواصات. والمهمات التي يمكن أن يعهد بها إلى إحدى سفن السطح الموكلة إليها عملية مضادة للغواصات هي:
المطارة: كشْف وجود أكبر عدد ممكن من غواصات العدو، دون أية معلومات إضافية حول عددها أو موقعها بالضبط.
التعيين: كشف غواصة معادية، موقعها معروف بدرجة معقولة من الدقة.
الستر: بإيجاد منطقة سائرة حول القوات البحرية الصديقة، بحيث يتوجب على أي غواصة معادية المرور من هذه المنطقة إذا ما أرادت الهجوم، ثم التحقق من أي غواصة معادية أثناء مرورها من المنطقة السائرة.
الحاجز: إنشاء ساتر ثابت (يطلق عليه اسم الحاجز) لمنع مرور الغواصات المعادية.
أنواع السونار
يمكن تقسيم أجهزة «السونار» إلى نوعين أساسيين: «السونار» الاتجاهي و «سونار» المسح.
«السونار» الاتجاهي: ما زالت السونارات الاتجاهية مستخدمة في الدفاع عن الموانئ، حيث تكون المنطقة الواجب تغطيتها محدودة، وقد اختفى هذا النوع من الأجهزة من السفن الحديثة. وتستخدم أجهزة «السونار» من هذا الطراز محولات طاقة اتجاهية لتركيز نبضة الصوت التي يتم إطلاقها في شعاع ضيق. وتقرر زاوية تجاه الهدف بتسديد محول الطاقة لاستقبال أقصى قوة للصدى. وتكون استجابة الصدى مسموعة، وتبدأ ببطء وخطوة خطوة عملية تفتيش شاملة تحت الماء.
«سونار» المسح: حل «سونار» المسح الكثير من المسائل التي كان يسببها الوقت الطويل اللازم لتفتيش منطقة واسعة. ويسمح هذا النوع من الأجهزة للعامل بأن يفتش المنطقة المحيطة بسفينتة في وقت قصير جداً، وهذا لم يكن متوفراً في السابق، وبذلك أصبح بالإمكان الآن تفتيش منطقة دائرية قطرها 1000 يارد في 1,5 ثانية، وهكذا يحتاج «السونار» الاتجاهي إلى مدة تزيد على 60 مرة لتفتيش المساحة ذاتها. أضف إلى ذلك أن «سونار» المسح يسمح للعامل بتتبع كل الاجسام الموجودة تحت الماء ضمن مدى جهازه، وتوجد صورة كاملة ومستمرة لكل الأجسام ومصادر الصوت الموجودة في المنطقة، وبإمكانه أن يتتبع أهدافاً عدة مختلفة في وقت واحد.
أنواع أجهزة «سونار» المسح
صمم نوعان رئيسيان من سونارات المسح، الأول يبث نبضات صوتية قصيرة (النوع النبضي). أما الثاني، فيبث إشارة متصلة لها تردد مختلف.
أجهزة «السونار» المحمولة جواً
البحث عن الغواصات بواسطة الطائرات أحد العوامل المهمة في الحرب المضادة للغواصات. وتستطيع جميع أنواع الطائرات المضادة للغواصات، سواء منها ذات الأجنحة الثابتة أو الهليكوبتر، القيام بمهمات البحث عن الغواصات ومهاجمتها، مستفيدة من العديد من الصفات التي لا تتوافر في السفن، مثل السرعة، والمناورة، (خاصة بالنسبة لطائرات الهليكوبتر)، وسرعة التدخل، أضف إلى ذلك، أن الطائرة لا تصدر أي صوت يمكن أن يؤثر على عمل «السونار» الذي تحمله، نظراً لأنها لا تلامس الماء.
وتختلف أجهزة الكشف المستخدمة في الطائرات إلى حد بعيد عن تلك المستخدمة في السفن. ونظراً لأن بعضها (مثل أجهزة م أ د) مهم للغاية لإنجاز ما يعرف باسم «التغطية المنفصلة»، فإن من المفيد أعطاء فكرة عامة عن أنواع هذه الأجهزة المختلفة وهي: «سونار» الغطس، والمطافيات الصوتية، وكاشف الظاهرة المغناطيسية الشاذة (م أ د)، و»السونار» المتطور.
«سونار» الغطس
تعلق السماعات المائية (الهيدروفونات) أو محولات الطاقة بطرف سلك يتصل بـ «سونار» إحدى طائرات الهليكوبتر، وتخفض السماعة المائية في البحر، ويبدأ العامل المختص على متن الطائرة في التنصت. ويمكن استخدام هذا النوع من المعدات في طائرات الهليكوبتر فقط. وطائرة الهليكوبتر التي قد تكون كثيرة الضجيج في الهواء، فهي تصدر صوتاً ضئيلاً للغاية بالنسبة لتحت الماء، لذلك فهي في مأمن من الإجراءات المضادة للكشف التي قد تقوم بها الغواصات.
وإذا تم اكتشاف الغواصة للهدف، فإن الهليكوبتر تستدعي مدمرة مطاردة، أو سفينة مضادة للغواصات، لمهاجمة الهدف، أو تهاجمها هي إن كانت تحمل طوربيدات موجهه مثل الطوربيد الأمريكي «مارك 43».
كاشف الظاهرة المغناطيسية
كاشف الظاهرة المغناطيسية الشاذة (م أ د) هو جهاز آخر ذو عون كبير على كشف الغواصات، ويمكن تزويد الطائرات ذات الاجنحة الثابتة به، أو طائرات الهليكوبتر. ويُمَكِّن جهاز (م أ د) طاقم طائرة الدورية التي تحلق على ارتفاع منخفض من كشف وجود الغواصات.
الطافيات الصوتية
تستخدم الطافيات الصوتية لكشف الأصوات الصادرة من تحت الماء، التي تقوم ببثها بواسطة الراديو إلى الطائرات القريبة، أو غيرها من المحطات المجهزة بمعدات استقبال ملائمة. والطافيات الصوتية أجهزة تستخدم لمرة واحدة، وتقذف من أي نوع من الطائرات، بواسطة مظلة صغيرة يحملها الجهاز.
ولتتبع الغواصة المعادية، لا بد من إسقاط عدة طافيات، حسب نمط أو تصميم يعد مسبقاً، وتتصل كل سماعة مائية بسلك طويل يرخى حتى نهايته القصوى، وبذلك تبقى السماعة المائية تحت الماء وتتعلق بالطافية التي تبقى على السطح. وبمقارنة الإشارات الصادرة عن عدة طافيات صوتية، تستطيع الطائرة أن تحدد مكان الهدف.
الدفاع عن الموانئ
أحد أهداف الحرب المضادة للغواصات، هو منع الغواصات من الاقتراب من الموانئ أو دخولها. ولهذا الغرض تقام خطوط كشف كاملة، تستخدم أنواعاً متعددة من الأجهزة. أحدها مؤشر متعدد من الأجهزة، والثاني هو المؤشر الإطاري المغناطيسي الذي يوضع في قاع البحر ويسجل أي تشويه في مجال الأرض المغناطيسي، الذي قد يسببه وجود جسم معدني يتحرك فوقه. ومن جهة أخرى، تسجل الأجهزة السمعية الأصوات الصادرة عن المراوح والمحركات وبذلك تنبه إلى اقتراب أي سفينة. أضف إلى ذلك أن الجزء الغائص من أجسام السفن – وليس الغواصات فحسب – يشكل سطحاً عاكساً للموجات الصوتية. وبالتالي يمكن استخدام أجهزة «السونار» ضده.
وبالإضافة إلى جميع الأجهزة التي سبق ذكرها، هناك جهاز يستخدم للدفاع عن الموانئ. ويعرف باسم «هيرالد» (اختصار لجملة «جهاز سبر صدى الموانئ والاستماع)، ومن الناحية التكتيكية، يعتبر جهاز «هيرالد» أدق أجهزة كشف الأصوات تحت الماء. ويسمح للعامل بأن يحدد بالضبط اتجاه الهدف المحتمل ومداه، بحيث تتجه سفن الدورية الموجودة في الميناء إلى موقع الهدف بالضبط.
كلمة لا بد منها
للحرب المضادة للغواصات اليوم أهمية خاصة، ففي السنوات الأخيرة أصبح أسطول الغواصات الروسي يشكل أكبر خطر على خطوط المواصلات الغربية في المحيط الأطلسي، وهذا هو أحد الأسباب. أما الأسباب الأخرى فمصدرها تطور أساطيل الغواصات حاملة الصواريخ الباليستية الأمريكية والروسية. وأحد أكبر عوامل الردع النووي لدى البلدين هو الغواصات حاملة الصواريخ النووية. ونظراً للحركية العالية لهذا النوع من الأسلحة، وصعوبة تحديد موقع الغواصة التي تحملها، فإن في مقدورها أن تنجو من أي هجوم مباغت، في حين أن هجوماً مماثلاً كفيل بشل حركة القوات الجوية، وصوامع الصواريخ البحرية.
ومن الواضح أن القدرة على تحديد مواقع الغواصات النووية سيضع أياً من الدولتين في مركز قوة يمكنها من قلب «ميزان الرعب»، والقيام بهجوم مباغت، دون أن تخشى أي انتقام، ولهذه الأسباب بالذات أوليت عناية خاصة، لأعمال البحث والتطوير الخاصة بالحرب المضادة للغواصات، والأجهزة الخاصة بكشف الغواصات. ولا شك أننا سنشهد في المستقبل تطورات كبيرة في هذا المجال، سيكون لها أثر فعال على الحرب المضادة للغواصات والاستراتيجية البحرية بشل عام.
» د. معين أحمد محمود (باحث عسكري واستراتيجي)