A1_0002_Layer 0

الحرب‭ ‬منخفضة الكربون‭ ‬مستـقبل الحروب القادمة

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬تقدير‭ ‬إجمالي‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬جيوش‭ ‬العالم‭ ‬والصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بها،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬قدرت‭ ‬إجمالي‭ ‬البصمة‭ ‬الكربونية‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬العالمية‭ ‬بنحو‭ ‬5‭% ‬من‭ ‬الانبعاثات‭ ‬العالمية‭ ‬لثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬كما‭ ‬أعلن‭ “‬المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬الدولي‭ ‬المعني‭ ‬بالمناخ‭ ‬والأمن‭” ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬أن‭ ‬الدفاع‭ ‬يعد‭ ‬أكبر‭ ‬مستهلك‭ ‬مؤسسي‭ ‬للهيدروكرونات‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬استراتيجية‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬العالمية‭ ‬إلى‭ ‬1‭.‬5‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬مقارنة‭ ‬بمستويات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الصناعة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬تقليل‭ ‬مستويات‭ ‬انبعاثات‭ ‬الغازات‭ ‬الدفيئة‭ ‬العالمية‭ ‬لصفر‭ ‬انبعاثات‭ ‬كربونية‭ ‬بحلول‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تخفيض‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القطاع‭ ‬العسكري،‭ ‬وقد‭ ‬أضحى‭ ‬هناك‭ ‬قناعة‭ ‬لدى‭ ‬الغرب‭ ‬بأن‭ ‬الجيوش‭ ‬عليها‭ ‬دور‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬تقليل‭ ‬مستويات‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭.‬

وبالتالي،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية‭ ‬الراهنة‭ ‬بمجال‭ ‬الطاقة،‭ ‬استجابةً‭ ‬لأزمات‭ ‬المناخ‭ ‬المتفاقمة،‭ ‬ومحاولة‭ ‬الوصول‭ ‬لصافي‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الصفرية،‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬المستقبلية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬طَرَحت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأدبيات‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون‮»‬‭ ‬باعتبارها‭ ‬مقاربة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬فك‭ ‬الاشتباك‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأنشطة‭ ‬الجيوش‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬القادمة،‭ ‬بالتزامن‭ ‬مع‭ ‬التوجهات‭ ‬الراهنة‭ ‬للتحول‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭.‬

تأثير‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬على‭ ‬بيئات‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية

في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬رجَّح‭ ‬رئيس‭ ‬الأركان‭ ‬العامة‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬الجنرال‭ ‬السير‭ ‬‮«‬مارك‭ ‬كارلتون‭ ‬سميث‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬هو‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬محركات‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭. ‬ويشير‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون‮»‬‭ (‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬أيضاً‭ ‬الحرب‭ ‬محايدة‭ ‬الكربون‭) ‬إلى‭ ‬التغيرات‭ ‬المحتملة‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬عمل‭ ‬الجيوش،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التوجهات‭ ‬الراهنة‭ ‬لحساب‭ ‬تكاليف‭ ‬الكربون‭ ‬ضمن‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬العسكري‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تنامي‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدولي‭ ‬بشكل‭ ‬مطرد‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المناخ‭ ‬والأمن‭ ‬لم‭ ‬يكتسب‭ ‬أهمية‭ ‬حقيقية‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬ذاته،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1987‭ ‬عندما‭ ‬أطلقت‭ ‬اللجنة‭ ‬العالمية‭ ‬للبيئة‭ ‬والتنمية‭ ‬تقرير‭ ‬‮«‬مستقبلنا‭ ‬المشترك‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬ألمح‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأمن‭ ‬والمناخ،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ظهور‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬البيئي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬شرعت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬دمج‭ ‬المناخ‭ ‬ضمن‭ ‬استراتيجيات‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬انطوت‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022‭ ‬على‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬بات‭ ‬يشكل‭ ‬تحدياً‭ ‬وجودياً‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭. ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬عكسته‭ ‬استراتيجيتا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭. ‬وكذا‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الروسية‭ ‬لعام‭ ‬2021،‭ ‬والتي‭ ‬نصت‭ ‬صراحةً‭ ‬على‭ ‬التهديد‭ ‬الأمني‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الوقاية‭ ‬والتكيف‭ ‬معه‭.‬

وثمة‭ ‬تداعيات‭ ‬واسعة‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والظواهر‭ ‬الجوية‭ ‬المتطرفة‭ ‬على‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬الجيوش‭ ‬وبنيتها‭ ‬التحتية‭ ‬والقدرات‭ ‬والمعدات‭ ‬العسكرية‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬إلى‭ ‬إغراق‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬الساحلية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والتي‭ ‬تتعرض‭ ‬قاعدتها‭ ‬العسكرية‭ ‬البحرية‭ ‬‮«‬نورفولك‮»‬‭ ‬لفيضانات‭ ‬متكررة‭. ‬وتواجه‭ ‬الصين‭ ‬الخطر‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬الساحلية‭ ‬في‭ ‬‮«‬هاينان‮»‬‭ ‬و«جيانغسو‮»‬‭. 

بالإضافة‭ ‬لذلك،‭ ‬سيؤدي‭ ‬تغير‭ ‬المناخ‭ ‬إلى‭ ‬دفع‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬متغيرة،‭ ‬والاضطرار‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الصراعات‭ ‬المتزايدة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والموارد،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬مهام‭ ‬جديدة‭ ‬وشروط‭ ‬جديدة‭ ‬للتدخل‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬الواضحة‭ ‬على‭ ‬تأثير‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬على‭ ‬بيئات‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتأثير‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭ ‬على‭ ‬ملوحة‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬وما‭ ‬يتبعه‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬بيئات‭ ‬عمل‭ ‬الغواصات‭ ‬والعمليات‭ ‬المضادة‭ ‬للغواصات‭. ‬يضاف‭ ‬لذلك‭ ‬تأثيرات‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬على‭ ‬محطات‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬بناؤها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أخذ‭ ‬للأبعاد‭ ‬المناخية‭ ‬في‭ ‬الاعتبار،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تزايد‭ ‬خطر‭ ‬الأضرار‭ ‬المحتملة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحطات‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬إجراء‭ ‬أي‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬المحطات‭ ‬النووية‭.‬

أيضاً،‭ ‬سيكون‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬تأثيرات‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬بيئات‭ ‬عمل‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬نشر‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬متزايد‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬ذات‭ ‬ظروف‭ ‬مناخية‭ ‬قاسية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬منخفضة‭ ‬للغاية،‭ ‬كالقطب‭ ‬الشمالي‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يشكل‭ ‬بؤرة‭ ‬تنافس‭ ‬جيواستراتيجية‭ ‬بسبب‭ ‬ذوبان‭ ‬الجليد‭ ‬المستمر،‭ ‬أو‭ ‬مناطق‭ ‬ذات‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬مرتفعة‭ ‬كالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وإفريقيا‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬قدرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬مقاتلتها‭ ‬الشبحية‭ ‬‮«‬F35‮»‬‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬المرتفعة‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬المناخية‭ ‬القاسية‭ ‬لا‭ ‬تؤثر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬المعدات‭ ‬والمهام‭ ‬العسكرية‭ ‬وتجبر‭ ‬الجيوش‭ ‬على‭ ‬تقليل‭ ‬عدد‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬وأوزان‭ ‬الحمولات‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الطائرات‭ ‬الحربية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬الرصد‭ ‬والتحكم،‭ ‬لكنها‭ ‬تؤثر‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬الصحية‭ ‬للجنود‭ ‬وقدرتهم‭ ‬على‭ ‬التحمل،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الجنود‭ ‬البريطانيين‭ ‬الذين‭ ‬تأثروا‭ ‬بدرجات‭ ‬الحرارة‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬حوالي‭ ‬800‭ ‬حالة‭. ‬

‌التحول‭ ‬من‭ ‬‮«‬تخضير‭ ‬الدفاع‮»‬‭ ‬ إلى‭ ‬خفض‭ ‬الكربون‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية

‌منذ‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭ ‬ماضية،‭ ‬ترسخت‭ ‬قناعة‭ ‬لدى‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬لها‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي،‭ ‬وقد‭ ‬عبرت‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬تخوفاتها‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الانعكاسات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إطلاقها‭ ‬لمفهوم‭ ‬‮«‬الأمن‭ ‬المناخي‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعبر‭ ‬بالأساس‭ ‬عن‭ ‬الارتدادات‭ ‬المحتملة‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬على‭ ‬تفاقم‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬وانعدام‭ ‬الأمن‭ ‬وتأجيج‭ ‬الصراعات‭ ‬العنيفة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭.‬

ورغم‭ ‬ميل‭ ‬الجيوش‭ ‬الوطنية‭ ‬للدول‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬الإعفاء‭ ‬من‭ ‬التشريعيات‭ ‬البيئية،‭ ‬فإنها‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬برزت‭ ‬الدعوات‭ ‬الأولى‭ ‬لـ«تخضير‭ ‬الجيوش‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تأكيد‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬خلال‭ ‬بروتوكول‭ ‬كيوتو‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬والذي‭ ‬أثار‭ ‬قضية‭ ‬الانبعاثات‭ ‬العسكرية‭. ‬ومنذ‭ ‬مطلع‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬تزايدت‭ ‬الضغوط‭ ‬الداخلية‭ ‬على‭ ‬وزارات‭ ‬الدفاع‭ ‬الغربية‭ ‬لخفض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬أبرزها‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬تشريعات‭ ‬وطنية‭ ‬تحدد‭ ‬أهدافاً‭ ‬واضحة‭ ‬وملزمة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالانبعاثات‭ ‬الكربونية،‭ ‬في‭ ‬مؤشر‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬اتجاه‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لمحاولة‭ ‬خفض‭ ‬البصمة‭ ‬الكربونية‭ ‬للدفاع،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬المعيار‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التوجهات‭ ‬تمثل‭ ‬بالأساس‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬عدم‭ ‬تأثير‭ ‬‮«‬تخضير‭ ‬الجيوش‮»‬‭ ‬على‭ ‬فاعلية‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬للقوات‭ ‬العسكرية‭ ‬الوطنية‭. ‬

ويقصد‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬تخضير‭ ‬الجيوش‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬أيضاً‭ ‬‮«‬الجيوش‭ ‬صديقة‭ ‬البيئة‮»‬،‭ ‬‮«‬توجه‭ ‬الجيوش‭ ‬نحو‭ ‬استخدام‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬الصديقة‭ ‬للبيئة‭ ‬والمتجددة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السعي‭ ‬لإحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الجيوش‭ ‬والتوجه‭ ‬لبناء‭ ‬منظومات‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية،‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬لتأمين‭ ‬احتياجات‭ ‬الجيوش‭ ‬من‭ ‬الطاقة‮»‬‭.‬

أسباب‭ ‬اهتمام‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬بتخضير‭ ‬الجيوش

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬المحددات‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬للاهتمام‭ ‬بتخضير‭ ‬الجيوش،‭ ‬ارتبطت‭ ‬بالارتفاع‭ ‬المتنامي‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬آنذاك،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التداعيات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بحربي‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭ ‬ارتكز‭ ‬على‭ ‬التخوفات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتزايد‭ ‬تكلفة‭ ‬الأنشطة‭ ‬العسكرية‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬تراجع‭ ‬الاهتمام‭ ‬الغربي‭ ‬بتخضير‭ ‬الجيوش‭ ‬بعد‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬العراق،‭ ‬وبشكل‭ ‬أكبر‭ ‬بعد‭ ‬الانخفاض‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬العالمي‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬وضم‭ ‬روسيا‭ ‬لشبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم،‭ ‬حيث‭ ‬عمد‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراته‭ ‬الدفاعية‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبرته‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬بمثابة‭ ‬نهاية‭ ‬للموجة‭ ‬الأولى‭ ‬للاهتمام‭ ‬الغربي‭ ‬بتخفيض‭ ‬الكربون‭ ‬في‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬تخضير‭ ‬الدفاع‮»‬‭. ‬

وكان‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬مخرجات‭ ‬الموجة‭ ‬الأولى‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬بالإمكان‭ ‬إقناع‭ ‬الجيوش‭ ‬بتخفيض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬فاعلية‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬جاءت‭ ‬اتفاقية‭ ‬باريس‭ ‬للمناخ‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬لتؤطر‭ ‬إلى‭ ‬موجة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬الدولي‭ ‬بخفض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬لتحقيق‭ ‬هدف‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬بحد‭ ‬أقصى‭ ‬1‭.‬5‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭ ‬مقارنة‭ ‬بمستويات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التصنيع،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬صافي‭ ‬انبعاثات‭ ‬كربونية‭ ‬بحلول‭ ‬سنة‭ ‬2050،‭ ‬وبموجبها‭ ‬تعهدت‭ ‬الدول‭ ‬المختلفة‭ ‬الموقعة‭ ‬على‭ ‬الاتفاقية‭ ‬بتخفيف‭ ‬انبعاثاتها‭ ‬الوطنية،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬استبعاد‭ ‬الجيوش‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التخفيض‭. ‬لكن،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬التحول‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬ويعد‭ ‬مهمة‭ ‬معقدة،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬المسؤولية‭ ‬الرئيسية‭ ‬للجيوش‭ ‬هي‭ ‬حماية‭ ‬الدول،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فمتطلبات‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القدرة‭ ‬للقيام‭ ‬بهذه‭ ‬المهمة‭ ‬ستؤثر‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬ونطاق‭ ‬أي‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬بدائل‭ ‬للوقود‭ ‬الأحفوري‭. ‬وقد‭ ‬عكست‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬مؤشراً‭ ‬مهماً‭ ‬بأنه‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالبقاء‭ ‬الوطني‭ ‬للدول،‭ ‬فإنها‭ ‬ستكون‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتجاوز‭ ‬قضية‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬والمناخ‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬عمدت‭ ‬بعض‭ ‬مراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬الدفاعية‭ ‬والأمنية،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬التميز‭ ‬لأمن‭ ‬الطاقة‮»‬‭ ‬التابع‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬إلى‭ ‬طرح‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬بشأن‭ ‬الحروب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون،‭ ‬تَمَثَّلَ‭ ‬أبرزها‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬واعتماد‭ ‬أنواع‭ ‬وقود‭ ‬بديلة،‭ ‬كالوقود‭ ‬الحيوي‭ ‬أو‭ ‬الوقود‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬كما‭ ‬تبدو‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬التزود‭ ‬بالوقود‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الخيارات‭ ‬الجاذبة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تتبعه‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬مبادرتها‭ ‬‮«‬الأسطول‭ ‬الأخضر‭ ‬العظيم‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬كشفت‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬تزويد‭ ‬مجموعة‭ ‬حاملة‭ ‬الطائرات‭ ‬الضاربة‭ ‬بالوقود‭ ‬الحيوي‭ ‬المتقدم‭. ‬وعلى‭ ‬المنوال‭ ‬ذاته،‭ ‬تمكنت‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الملكية‭ ‬للمملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬تزويد‭ ‬طائراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬الكبيرة‭ ‬بوقود‭ ‬الطيران‭ ‬المستدام‭.‬

كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون‮»‬‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬التنافس‭ ‬الجيواستراتيجي؟

‌لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الغموض‭ ‬التي‭ ‬تهمين‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬الراهنة‭ ‬والتوجهات‭ ‬الدولية‭ ‬لخفض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬الدراسات‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬فإن‭ ‬أغلبية‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬حسم‭ ‬الجدل‭ ‬المرتبط‭ ‬بكيفية‭ ‬تعامل‭ ‬الجيوش‭ ‬مع‭ ‬التحديات‭ ‬الخاصة‭ ‬بتقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬والانعكاسات‭ ‬المحتملة‭ ‬لذلك‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التأثيرات‭ ‬الأمنية‭ ‬للتغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬فثمة‭ ‬مخاطر‭ ‬جيوسياسية‭ ‬وأمنية‭ ‬تتعلق‭ ‬بنشر‭ ‬تقنيات‭ ‬المناخ‭ ‬الناشئة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬خيارات‭ ‬الهندسة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬الشمسية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬بعض‭ ‬الأدبيات‭ ‬في‭ ‬تسميته‭ ‬بـ«حرب‭ ‬المناخ‭ ‬الثانية‮»‬،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الأولى‭ ‬للمناخ‭ ‬كانت‭ ‬حرباً‭ ‬ناعمة‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعرفة،‭ ‬أما‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭ ‬فلا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حرباً‭ ‬باردة‭ ‬كالأولى،‭ ‬بل‭ ‬يرجح‭ ‬أن‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬صراعات‭ ‬عسكرية‭ ‬أو‭ ‬حروب‭ ‬هجينة‭. ‬وقد‭ ‬ذهبت‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬الانبعاثات‭ ‬السلبية‭ ‬وخيارات‭ ‬الهندسة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬كعمود‭ ‬فقري‭ ‬مستقبلي‭ ‬لمجتمع‭ ‬منخفض‭ ‬الكربون‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬هدف‭ ‬صافي‭ ‬انبعاثات‭ ‬كربونية،‭ ‬نظراً‭ ‬لكون‭ ‬هذه‭ ‬الخيارات‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عمل‭ ‬وتنسيق‭ ‬عالمي،‭ ‬بل‭ ‬يمكن‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مجموعة‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬الفواعل‭ ‬الدوليين‭. ‬وبينما‭ ‬تعد‭ ‬الهندسة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬أداة‭ ‬فعلية‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬المقبلة،‭ ‬لكنها‭ ‬تبدو‭ ‬أقل‭ ‬احتمالية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬المحتمل‭ ‬لوقف‭ ‬نشر‭ ‬الهندسة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬احتمالية‭. ‬

ويتسق‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬تقرير‭ ‬نشره‭ ‬‮«‬مرصد‭ ‬الدفاع‭ ‬والمناخ‮»‬‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2023،‭ ‬والذي‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬عدة‭ ‬سيناريوهات‭ ‬محتملة‭ ‬تتعلق‭ ‬بمستقبل‭ ‬الصراعات‭ ‬المحتملة‭ ‬نتيجية‭ ‬خيارات‭ ‬الهندسة‭ ‬الجيولوجية‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬يتمثل‭ ‬السيناريو‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بشكل‭ ‬منفرد‭ ‬بتقنية‭ ‬‮«‬حقن‭ ‬الهباء‭ ‬الجوي‭ ‬الستراتوسفيري‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬إلى‭ ‬التهديد‭ ‬باللجوء‭ ‬للتدخل‭ ‬العسكري‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الأمريكية‭. ‬أما‭ ‬السيناريو‭ ‬الثاني‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬الصين‭ ‬بإطلاق‭ ‬مشروعها‭ ‬‮«‬Arctic X‮»‬‭ ‬والذي‭ ‬يهدف‭ ‬لزيادة‭ ‬سطوع‭ ‬السُّحُب‭ ‬البحرية‭ ‬فوق‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬خفض‭ ‬كمية‭ ‬الأشعة‭ ‬الشمسية‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬سيلقى‭ ‬معارضة‭ ‬قوية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬روسيا،‭ ‬والتي‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬ذوبان‭ ‬الجليد‭ ‬في‭ ‬غرينلاند‭ ‬وبحر‭ ‬بارنتس‭ ‬كفرصة‭ ‬لاستخدام‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬كطريق‭ ‬شحن‭ ‬تجاري،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭. ‬

وحتى‭ ‬الآن،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الإبلاغ‭ ‬عن‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬العسكرية‭ ‬أمراً‭ ‬طوعياً،‭ ‬وليس‭ ‬إلزامياً‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الدول،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ربما‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متزايد‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التنامي‭ ‬الملحوظ‭ ‬والمستمر‭ ‬في‭ ‬الظواهر‭ ‬الجوية‭ ‬القاسية‭ ‬والمتطرفة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الالتزامات‭ ‬الدولية‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬انبعاثات‭ ‬الغازات‭ ‬الدفيئة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬قابلة‭ ‬للتنفيذ‭ ‬بشكل‭ ‬صارم‭.‬

هل‭ ‬تغير‭ ‬الحرب‭ ‬منخضفة‭ ‬الكربون‭ ‬من‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬القائمة؟

في‭ ‬إطار‭ ‬الاستعدادات‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الجيوش‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬تعمد‭ ‬وزارات‭ ‬الدفاع‭ ‬حالياً‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬ميزانية‭ ‬للتكيف‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فقد‭ ‬خصصت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬المالية‭ ‬2022‭ ‬نحو‭ ‬617‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬للسياسات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالتكيف‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬وتخفيف‭ ‬آثارها‭ ‬المحتملة‭. ‬

وفعلياً،‭ ‬ينطوي‭ ‬خفض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬والفرص‭ ‬لوزارات‭ ‬الدفاع‭ ‬المختلفة،‭ ‬فمن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالقدرات‭ ‬التقليدية‭ ‬الغنية‭ ‬بالكربون،‭ ‬كالدبابات‭ ‬والطائرات‭ ‬المقاتلة،‭ ‬لحين‭ ‬نفاد‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬فخلال‭ ‬العقد‭ ‬الجاري‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬التشغيلية‭ ‬مع‭ ‬تقليل‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية،‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬التنازلات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قطاع‭ ‬الدفاع‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬البصمة‭ ‬الكربونية‭ ‬للجيوش‭ ‬يأتي‭ ‬بالأساس‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬وأنظمة‭ ‬المنصات‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭. ‬لكن‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬المركبات‭ ‬البرية‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬سهولة‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬حيث‭ ‬تواجه‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬والجوية‭ ‬مشكلات‭ ‬أكبر‭ ‬بسبب‭ ‬منصاتها‭ ‬الأكبر‭. ‬وتشمل‭ ‬الخيارات‭ ‬المطروحة‭ ‬لتقليل‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬الدفع‭ ‬نحو‭ ‬استخدام‭ ‬أنواع‭ ‬الوقود‭ ‬البديلة‭ ‬وأنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬البديلة‭ ‬وتحسين‭ ‬كفاءة‭ ‬استهلاك‭ ‬الوقود،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬المنصات‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬والتدريب‭ ‬الاصطناعي‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬بدأت‭ ‬بعض‭ ‬الجيوش‭ ‬الأوروبية‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تقليل‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المنشآت‭ ‬العسكرية،‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬الطاقة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬خيارات‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي،‭ ‬بل‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬الطاقة‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬الوطنية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬مبتكرة‭ ‬لتخزين‭ ‬الطاقة‭ ‬بشكل‭ ‬آمن،‭ ‬وإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬الدفاعية‭ ‬لمواجهة‭ ‬التخفيف‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬آثار‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬بدأت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬أسلحة‭ ‬وذخيرة‭ ‬خضراء،‭ ‬وكانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬برنامجها‭ ‬لتصنيع‭ ‬ذخائر‭ ‬غير‭ ‬ضارة‭ ‬بالبيئة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬وأنتجت‭ ‬طلقات‭ ‬من‭ ‬عيار‭ ‬5‭.‬56‭ ‬ملم،‭ ‬كما‭ ‬عمد‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬ذخائر‭ ‬قابلة‭ ‬للتحلل‭ ‬للاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬التدريب‭. ‬

وثمة‭ ‬تساؤل‭ ‬رئيسي‭ ‬يواجه‭ ‬الجيوش‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬نهج‭ ‬الحرب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬احتمالية‭ ‬مواجهة‭ ‬أعداء‭ ‬ذوي‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الكربون‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعارك،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬البريطانية‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬البرية‭ ‬المكهربة‭ (‬منخفضة‭ ‬الكربون‭) ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬بمقدورها‭ ‬مجاراة‭ ‬مستويات‭ ‬القوة‭ ‬والقدرات‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬القوات‭ ‬الأحفورية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬نحو‭ ‬الحرب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون‭ ‬ستحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬عقيدتها‭ ‬القتالية‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬الحرب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون‭ ‬هيكلة‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬آخر‭ ‬يتعلق‭ ‬بسلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬ومصادر‭ ‬الطاقة،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أدت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬إلى‭ ‬دفعة‭ ‬جديدة‭ ‬للجيوش‭ ‬الأوروبية‭ ‬نحو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬بهدف‭ ‬تقليل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الامدادات‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬والنفط‭. ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬سيؤدي‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬البديلة‭ ‬للوقود‭ ‬الاحفوري‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المعادن‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬روسيا‭ ‬منها‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬تعزيز‭ ‬دور‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أيضاً‭.‬

التحديات‭ ‬المحتملة‭ ‬للحروب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون

بينما‭ ‬تتجه‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬أكبر‭ ‬مستهلك‭ ‬للطاقة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬نحو‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬كهربة‭ ‬أنشطتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تشغيل‭ ‬الدبابات‭ ‬والمركبات‭ ‬والسفن‭ ‬والطائرات،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الوزارة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬درست‭ ‬فكرة‭ ‬نشر‭ ‬مفاعلات‭ ‬نووية‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬ساحات‭ ‬حروب‭ ‬مستقبلية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توفير‭ ‬الطاقة‭ ‬اللازمة،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬تقارير‭ ‬أمريكية‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أخذها‭ ‬في‭ ‬الاعتبار،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تقوم‭ ‬فيها‭ ‬الجيوش‭ ‬بتغيير‭ ‬أنظمة‭ ‬الطاقة،‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬تداعيات‭ ‬جيواستراتيجية‭ ‬هائلة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬الأسبق،‭ ‬ونستون‭ ‬تشيرشل،‭ ‬بتحويل‭ ‬مصدر‭ ‬الطاقة‭ ‬الرئيسي‭ ‬للبحرية‭ ‬الملكية‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬الفحم‭ ‬المنتج‭ ‬محلياً‭ ‬إلى‭ ‬النفط‭ ‬المستورد‭. ‬وعلى‭ ‬المنوال‭ ‬ذاته،‭ ‬بينما‭ ‬يعد‭ ‬تنوع‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬محددات‭ ‬قوتها‭ ‬وأمن‭ ‬الطاقة‭ ‬لديها،‭ ‬فإن‭ ‬اتجاه‭ ‬واشنطن‭ ‬نحو‭ ‬التخلص‭ ‬التدريجي‭ ‬من‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬لديها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬أمنها‭ ‬الطاقوي،‭ ‬حيث‭ ‬سيجعل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أكثر‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬الجهات‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬استيراد‭ ‬المعادن‭ ‬اللازمة‭ ‬لأنظمة‭ ‬الكهرباء‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬كمصدر‭ ‬رئيسي‭ ‬للطاقة،‭ ‬وما‭ ‬ينطوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬ترابط‭ ‬أنظمة‭ ‬الطاقة،‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬وقوع‭ ‬هجمات‭ ‬سيبرانية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التهديدات‭ ‬المحتملة‭ ‬لمحطات‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهرومائية‭ ‬والنووية‭. ‬يضاف‭ ‬لذلك‭ ‬إشكالية‭ ‬أخرى‭ ‬تتعلق‭ ‬بصعوبات‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الكهرباء‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬المعارك،‭ ‬كون‭ ‬خطوط‭ ‬الكهرباء‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬فعالة‭ ‬سوى‭ ‬لمسافات‭ ‬قصيرة‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬التحديات‭ ‬الخاصة‭ ‬بالوقت‭ ‬اللازم‭ ‬لشحن‭ ‬البطاريات‭ ‬مقابل‭ ‬التزود‭ ‬بالوقود،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخلق‭ ‬تحديات‭ ‬إضافية‭ ‬على‭ ‬فاعلية‭ ‬الجيوش‭. ‬وبالتالي‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬تحققها‭ ‬الحروب‭ ‬منخفضة‭ ‬الكربون،‭ ‬فإنها‭ ‬تنطوي‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬تحديات‭ ‬عدة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬الحاجة‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬والمناقشات‭ ‬قبل‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬الأخير‭.‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬استجابة‭ ‬ملحوظة‭ ‬حالياً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجيوش‭ ‬الغربية‭ ‬المختلفة‭ ‬للطريقة‭ ‬التي‭ ‬يعيد‭ ‬بها‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬من‭ ‬تشكيل‭ ‬مجال‭ ‬وبيئة‭ ‬عمل‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية،‭ ‬ودور‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭. ‬وتعمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدفاعية‭ ‬الأوروبية‭ ‬حالياً‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬وخططها‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬حيث‭ ‬تحدد‭ ‬معظم‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬الغربية‭ ‬أهدافاً‭ ‬مؤقتة‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقيق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خفض‭ ‬الانبعاثات،‭ ‬فهي‭ ‬تركز‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المنظور‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬كفاءة‭ ‬اسخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬المنشآت‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وتشغيل‭ ‬أسطول‭ ‬المركبات‭ ‬غير‭ ‬التكتيكية‭ ‬بالطاقة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تركيب‭ ‬أنظمة‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬وكذا‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬تجريبية‭ ‬لدمج‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الجديدة‭ ‬كالهيدروجين‭ ‬والوقود‭ ‬الاصطناعي‭ (‬أو‭ ‬الوقود‭ ‬الكهربائي.

‮»‬‭ ‬الأستاذ‭ ‬عدنان‭ ‬موسى (‬مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬بكلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭(‬

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض