منذ أن قامت بريطانيا بدمج تكنولوجيا الرادار في نظام الدفاع الجوي الثوري خلال الحرب العالمية الثانية، كان للرادارات تأثير عميق على إدارة الحرب، لا سيما على الأنظمة الجوية والأنظمة الأرضية التي شهدت تنافساً متأرجحاً باستمرار، مرة لمصلحة هذه وأخرى لمصلحة تلك، بفعل التقدم التقني بهذا الاتجاه أو ذاك. وقد يتم إعادة ضبط التطورات السريعة في تكنولوجيا الرادارات السلبية مرة أخرى لتحقيق تفوق لمصلحة الدفاعات الجوية على أنظمة الهجوم الجوي في هذا الصراع الطويل الأمد.
تبحث هذه الدراسة في التطورات الأخيرة في تكنولوجيا الرادارات السلبية، وخاصة المشاريع المحددة في روسيا وألمانيا والصين وأماكن أخرى. على عكس أنظمة الكشف السلبي الأخرى – مثل تلك المستخدمة بالاستخبارات الإلكترونية (ELINT) والاتصالات (COMINT)، والتي يمكنها اكتشاف وتحديد موقع وتتبع الطائرات بناءً على تلقي انبعاثات الرادارات أو الإشارات من أنظمة الاتصالات على متن الطائرة – هذا النوع الجديد من الرادارات السلبية يُنظر إليه على أنه واعد بتحقيق نفس التأثيرات ضد الأهداف التي لا تصدر انبعاثات – وعلى مستوى عالٍ من التطور، كطائرات الشبح، وفي الطرف الأدنى الطائرات بدون طيار الصغيرة المتاحة في الأسواق التجارية.
بعبارات بسيطة، تحسب أنظمة الرادار السلبية عبر قراءة صورة جوية كيفية ارتداد إشارات الاتصالات المدنية والتجارية عن الأجسام الطائرة. الميزة هي أن هذه التقنية تعمل مع أي نوع من الإشارات الموجودة في المجال الجوي: سواء كانت هذه الإشارات نوع من البث الإذاعي أو التلفزيوني أو البث في كل مكان من محطات الهاتف المحمول. تستخدم الرادارات السلبية هذه الانبعاثات (الإشعاعات) لكشف الأهداف التي تتحرك عبر منطقة من السماء بدلاً من باعث الرادار النشط.
ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن مفهوم الرادار السلبي كان موجوداً منذ فترة طويلة، في الواقع حيث يعود تاريخه إلى بداية أنظمة الرادارات العسكرية، مع وجود رادارات سلبية في الخدمة التشغيلية خلال الحرب العالمية الثانية. في السنوات الأخيرة، ولّد مفهوم الرادار السلبي حماساً كبيراً عبر العديد من الدول وداخل قواعد الإنتاج الدفاعي ومجتمعات البحث. في الواقع، كما لاحظ خبيران في هذا المجال: «في السنوات الأخيرة، كانت أنشطة البحث والتطوير التي تركز على الرادار السلبي مذهلة من حيث العدد والتنوع والتوزيع في جميع أنحاء العالم». فالعديد من مصنعي الأسلحة في مختلف البلدان يتابع الآن التكنولوجيا بسرعة ويعتقدون أن مثل هذه الأنظمة قد يطلق عليها «مغيرات اللعبة» في الحرب، وكذلك في التعامل مع التهديد الأمني المتطور في وقت السلم الذي تشكله الطائرات بدون طيار المتاحة تجارياً.
كما هو الحال مع العديد من برامج الدفاع الناشئة حديثاً والحساسة، هناك القليل من المعلومات التفصيلية حول أحدث مشاريع الرادارات السلبية في المجال العام. ومع ذلك، توجد تفاصيل كافية للبدء في استخلاص استنتاجات، وإن كانت تخمينية، حول ما قد يعنيه الظهور النهائي لهذا الصنف الجديد من الرادارات السلبية كنظم تشغيلية للتوازن العسكري في المجال الجوي وكذلك لمعالجة مجموعة من التحديات الأمنية المتطورة.
لعبة القط والفأر
ركز التعليق في جزء كبير منه على القدرة المحتملة للرادارات السلبية على إبطال الكثير من المزايا التي توفرها تقنية التخفي. هذه السمة المحتملة للرادارات السلبية مهمة للغاية في لعبة القط والفأر بين الطائرات الخفية المقاتلة (المصممة، بالطبع، بحيث لا يمكن للرادار اكتشافها) وتلك المستشعرات التي تحاول التغلب على هذه الميزة. ربما تكون نقطة البيع الأكثر وضوحاً لطائرة F-35 الأمريكية باهظة الثمن هي أن مصمميها ومناصريها يعدون بأن خفاءها كامل لدرجة أنه من العدل وصف المنصة بأنها سلاح لا يقهر – بالرغم من التداعيات على عقيدة الاستخدام المنبثقة عن هذا الاعتقاد.
ولكن هل يمكن للرادارات السلبية، التي تعتبر أرخص بكثير في بنائها ونشرها من الطائرات الشبحية (ناهيك عن المبالغ الضخمة التي تم تخصيصها للبحث والتطوير (R&D) لتكنولوجيا التخفي)، أن تلغي السمة الأكثر تميزاً لطائرة F-35؟ تعتقد مصادر شركة Hensoldt الألمانية المصنعة للرادارات أن نظامها قادر على ذلك وقد قام بذلك بالفعل. وتدعي شركة Hensoldt أن نظام الرادار السلبي، المسمى TwInvis، تعقب طائرتين من طراز F-35 لمسافة 150 كيلومتراً بعد ظهورهما في معرض برلين الجوي 2018 في ألمانيا في أواخر أبريل من ذلك العام.
العديد من التقارير الإعلامية اللاحقة حول نجاح TwInvis في تتبع طائرة F-35 الشبحية وصفت النظام الألماني المحمول – بهوائي قابل للطي، وهو مضغوط جداً بحيث يمكن وضعه في سيارة دفع رباعي – وهو عامل تغيير محتمل في قواعد الدفاع الجوي. ومع ذلك، فإن وضع ادعاء شركة Hensoldt لعام 2018 قيد الفحص والتمحيص الدقيق، يشير إلى توخي الحذر في الوصول إلى استنتاج مفاده أن الرادارات السلبية جعلت تقنية التخفي عفا عليها الزمن. أولاً وقبل كل شيء، تم تركيب عدسات Luneburg على أجنحة طائرات F-35 أثناء رحلتها إلى برلين. ويتم عادة وضع هذه المقابض (العدسات) الصغيرة على طائرة متخفية أثناء مرورها عبر المجال الجوي الصديق بحيث يمكن لأجهزة مراقبة الحركة الجوية المحلية الصديقة اكتشافها.
إنهم يصنعون مقطعاً عرضياً للرادار بشكل مصطنع في نطاقات التردد التي تعمل فيها رادارات منع التصادم أو (الاشتباك غير المرغوب به) في المجال الجوي بحيث تعرف أنظمة رادار الدفاع التقليدية ما تتعامل معه. باختصار، لم تطر (المقاتلات إف-35) في ظل ظروف التخفي في ألمانيا في عام 2018.
ومع ذلك، فقد تم تحسين تقليل الانعكاس المرآوي في الجزء الأمامي لمعظم الطائرات الشبحية تجاه الرادارات النشطة من النوع الأحادي التي تعمل في نطاقات تردد أعلى. الرادارات السلبية التي تشتمل على نطاقات تردد أقل وتبدد من النوع متعدد السكون قد تظل مقاربة قابلة للتطبيق ضد التخفي. بالرغم من ذلك فإنه لا يزال يتعين إثبات ما إذا كانت تقنية الرادارات السلبية هذه يمكن أن تكون فعالة تماماً ضد تصميمات الطائرات الخفية، وأن مثل هذه الأنظمة ستكون بمثابة تحسين على بواعث الرادارات التقليدية التي تفكك تصميمات الطائرات الخفية إشاراتها أو تمتصها، بحيث ينعكس القليل على مستشعرات المحطة الأرضية، تاركاً مشغلي الرادارات الدفاعية في حالة من الظلام.
ربما يكون التأثير النهائي الأكبر للرادارات السلبية في الشؤون الدولية هو كيفية تحويل التفوق من الطائرات الخفية إلى قوات الدفاع الجوي، لكن آثارها المحتملة في المجال الجوي قد تتجاوز ذلك بكثير. وهذا بالتأكيد هو السبب في أن العديد من شركات الدفاع – سواء الخاصة أو المملوكة للقطاع العام – تحاول الدخول مضمار الرادارات السلبية.
جيل جديد من الرادارات الخاملة
إن نظام الرادار السلبي لشركة هنسولدت ليس سوى واحد من جيل ناشئ من أجهزة الاستشعار والمعالِجات التي تَعِد بالعثور على أنشطة لم يكن من الممكن اكتشافها سابقاً في أي مجال جوي معين. يبدو أن روسيا تطور أحد أكثر أنظمة الرادار السلبية إثارة للإعجاب. يستخدم الرادار السلبي الجديد لموسكو، المسمى Tropa (باللغة الروسية «المسار»)، أبراج الاتصالات لتحديد موقع الإشارات دون إرسال إحداها بنفسها. تدعي الشركة المصنعة OKB-Planeta، المملوكة لشركة RTI القابضة للحلول الدفاعية الروسية، أن للرادار أيضاً استخدامات مدنية – لمنع الطائرات بدون طيار من التجسس على الناس، على سبيل المثال.
بشكل أكثر طموحاً، تدعي الصين أنها كشفت عن نموذج أولي لرادار كمّي متقدم مقاوم للتشويش وقد يكون قادراً على اكتشاف الطائرات الشبح. وعلى الرغم من أن البنية التكنولوجية للنظام متجذرة في العلوم المثبتة ويمكن أن تغير قواعد اللعبة، لا يزال الصينيون يواجهون تحديات كبيرة في تحويله إلى قدرة تشغيلية.
تعمل دول أخرى على أنظمة تستفيد من أجهزة الإرسال غير التعاونية – من قبيل محطات راديو FM أو أبراج البث الصوتي الرقمي (DAB) – لتكوين صورة عن أوضاع جوية لهدف لا يصدر إشعاعاً. كما هو مذكور أعلاه، يتم تلقي الانعكاسات الناتجة عن البث بواسطة هوائي واحد أو شبكة من الهوائيات، مما يوفر تغطية ثلاثية الأبعاد وفي جميع الاتجاهات في الوقت الفعلي لتتبع أهداف متعددة في المجال الجوي المزدحم. تدعي معلومات التسويق حول هذه الأنظمة عادةً أن نظام الشركة سيكون قادراً على اكتشاف وتحديد وتتبع الأهداف التي لا تصدر انبعاثات مثل الطائرات بدون طيار.
يمكن أن تثبت أنظمة الرادار السلبية هذه، عند استخدامها بشكل مستقل أو داخل نظام تحكم جوي أكبر، أهميتها في مواجهة تهديد الطائرات بدون طيار للبنية التحتية الحيوية، مثل المطارات التجارية. في السنوات القليلة الماضية، حذر محللو الأمن مراراً وتكراراً من أن التحدي المتمثل في حماية البنية التحتية الحيوية، وخاصة المطارات، من الطائرات بدون طيار يمثل تحدياً لا يمكن التغلب عليه. قد توفر أنظمة الرادار السلبية القدرة على الدفاع بشكل أفضل ضد العديد من الطائرات الصغيرة بدون طيار لأن اكتشافها وتعقبها هو الخطوة الأولى قبل تدميرها أو تعطيلها.
تفاؤل حذر لعناصر الدفاع الجوي
أظهرت النزاعات الحديثة، كما هو الحال في يوغوسلافيا أو منطقة الشرق الأوسط، أن الرادارات القتالية النشطة ذات الهوائيات الدوارة لديها معدل بقاء متدن ضد خصم عسكري متطور – ربما في مكان ما في المنطقة من 20 إلى 30 دقيقة. في الواقع، غالباً ما تكون الرادارات النشطة هي الأهداف الأولى التي يتم ضربها في بداية الصراع العسكري، سواء عن طريق الصواريخ المضادة للإشعاع أو الأنظمة الموجهة بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو بشكل متزايد في المستقبل بأسلحة الطاقة الموجهة (DEW). علاوة على ذلك، لا يلزم تدمير أنظمة الرادار النشطة، بل يتم إيقافها فقط عن العمل. نظراً لأن موقع هذه الأنظمة يمكن تحديده بوضوح بواسطة الأقمار الصناعية – ظل معظمها ثابتاً في نفس المكان لسنوات – لذا، فإن الغالبية معرضة للتدمير بواسطة الأسلحة دقيقة الإصابة الموثوقة. وبعكس هذا السياق، تحظى الرادارات السلبية بمثل هذه الجاذبية بالنسبة لفرق الدفاع الجوي.
فنظراً لعدم امتلاكها لأي بواعث، فإن الرادارات السلبية تكون سرية، مما يعني أن الطيارين الذين يدخلون منطقة المراقبة لا يدركون أنه يتم تعقبهم. ونظراً لعدم وجود أجهزة إرسال مخصصة تولد الحرارة، لا يمكن اكتشافها من خلال بصماتها الحرارية. علاوة على ذلك، فإن هوائيات البث الخاصة بهم صغيرة بشكل عام ويصعب رصدها. وبالنسبة إلى قوات الدفاع الجوي، يَعِد هذا بتحسين كبير في فرصهم في البقاء على قيد الحياة في حالة اندلاع حرب ضد خصم يتمتع بقدرات عسكرية رفيعة.
ومع ذلك، لا تزال تعاني التكنولوجيا من عيوب شديدة، فضلاً عن القيود المفروضة على متى وأين يمكن استخدامها. لسبب واحد، تعتمد الرادارات السلبية على وجود إشارات الراديو وانبعاثات أخرى قد لا تكون موجودة في المناطق النائية من العالم. ربما يجعل هذا أنظمة الرادار السلبية أكثر ملاءمة للدفاع الجوي في أرض الوطن أكثر من كونها أحد الأنظمة العملياتية القابلة للنشر. علاوة على ذلك، فإن تغطية هذه الأنظمة تقتصر على ارتفاعات متوسطة، حيث لا يوجد عملياً أي بث على ارتفاعات أعلى. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه التقنية ليست دقيقة بما يكفي لتوجيه الصواريخ، على الرغم من إمكانية استخدامها لإرسال أسلحة موجهة بالأشعة تحت الحمراء بالقرب من الهدف.
أما بالنسبة للجدل التكنولوجي التكيُّفي (حول الصراع أو التنافس) بين التخفي والرادارات الأرضية، فربما لم يكن أي من مؤيدي أي من التقنيتين على صواب. كما يتخيل المعلق الدفاعي تايلر روجواي: «إن تقنية التخفي ماهي إلا عبارة عن (خلسة أو تسلل) وليست عباءة إخفاء سحرية. لم تكن هكذا أبداً ولن تكون أبداً، كما أن الرادار السلبي ليس أداة سحرية للكشف عن التخفي». ومع ذلك، فإن التقدم المستمر في الرادار السلبي سوف يحرم الوسائل التقليدية من هزيمة الدفاعات الجوية للعدو، ويجعل من الصعب تحقيق التفوق الجوي ضد خصم الرادار السلبي. على المدى الأقصر، قد يكون تأثير الرادار السلبي محسوساً في الأمن الداخلي وحماية البنية التحتية الحيوية ضد الطائرات بدون طيار الصغيرة التي لا تصدر انبعاثات منها أكثر منه في الإخلال بديناميكية الهجوم الدفاعي في المجال الجوي. تشكل الطائرات بدون طيار الصغيرة تهديداً كبيراً لكل من المنشآت العسكرية والمنشآت الصناعية، مثلها بذلك مثل الأسلحة التقليدية. يمكن للرادار السلبي الحفاظ على مراقبة المجال الجوي المحيط مباشرة بهذه المواقع الاستراتيجية، وتعزيز الأمن، وتوفير حماية فعالة ضد هذه التهديدات الجديدة. تُظهر دراسات التغطية النظرية المستندة إلى عمليات محاكاة المقطع العرضي للرادار ثنائي الاتجاه ونماذج الانتشار المعقدة إشارات إيجابية أولية حول إمكانية اكتشاف الطائرات بدون طيار باستخدام الرادارات السلبية.
الرادارات السلبية لم تعد تقنية «شروق الشمس». نحن على عتبة رؤية المزيد والمزيد من الأنظمة تدخل السوق والحكومات تستخدم الرادار السلبي لمواجهة التهديد المتزايد من الطائرات بدون طيار.
» الدكتور آش روسيتر
)أستاذ مساعد في الأمن الدولي، جامعة خليفة، الإمارات العربية المتحدة(