Russia copy

الرسائل العسكـرية.. دلالات توظيف روسيا صاروخ «أوريشنك» الفرط صوتي ضد أوكرانيا

أعطت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الحليفة‭ ‬كييف‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لضرب‭ ‬العمق‭ ‬الروسي‭ ‬بصواريخ‭ ‬غربية‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬أتاكامز‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ردت‭ ‬عليه‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توجيه‭ ‬صاروخ‭ ‬فرط‭ ‬صوتي‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬أوريشنك‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬البندق‮»‬‭ ‬بالروسية‭ ‬لضرب‭ ‬منشآت‭ ‬حيوية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬دنيبرو‭ ‬وسط‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وهي‭ ‬الصواريخ‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الأمريكية‭ ‬أو‭ ‬الغربية‭ ‬عموماً‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬اعتراضها‭. ‬

حذر‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي،‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يستبعد‭ ‬‮«‬ضرب‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أسلحتها‭ ‬لضرب‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أنه‭ ‬سيرد‭ ‬‮«‬بقوة‭ ‬موازية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تصاعد‭ ‬الأعمال‭ ‬العدوانية‮»‬‭. ‬ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬توظيف‭ ‬موسكو‭ ‬للصاروخ‭ ‬الباليستي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬رسائل‭ (‬Signaling‭) ‬أو‭ ‬تهديدات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحركات‭ ‬عسكرية‭ ‬معينة،‭ ‬مثل‭ ‬استخدام‭ ‬الصاروخ‭ ‬السابق‭. ‬ويهدف‭ ‬التحليل‭ ‬إلى‭ ‬توضيح‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬موسكو‭ ‬إلى‭ ‬إرسالها‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والغرب،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬توضيح‭ ‬المقصود‭ ‬بمفهوم‭ ‬إرسال‭ ‬الرسائل،‭ ‬وكذلك‭ ‬أبرز‭ ‬أشكالها‭.‬

تعريف‭ ‬الرسائل‭ ‬العسكرية‭ ‬وأشكالها‭:‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬إرسال‭ ‬الرسائل‮»‬‭ ‬متداول‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬العسكرية،‭ ‬فإن‭ ‬أغلبيتها‭ ‬أحجم‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬تعريف‭ ‬محدد‭ ‬لهذا‭ ‬المفهوم‭.‬‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬السياسية‭ ‬قد‭ ‬قدمت‭ ‬تعريفاً‭ ‬لإرسال‭ ‬الرسائل‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬الكشف‭ ‬الهادف‭ ‬والاستراتيجي‭ ‬عن‭ ‬المعلومات‭ ‬حول‭ ‬النية‭ ‬والعزيمة‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬القدرات‭ ‬بهدف‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬الخصم‮»‬‭. ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬ترتبط‭ ‬الرسائل‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬‮«‬المصالح‭ ‬الحيوية‮»‬‭ ‬للدولة،‭ ‬وهي‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ ‬مستعدة‭ ‬للقتال‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تحديها‭. ‬ولذلك‭ ‬تنشأ‭ ‬معضلة‭ ‬عند‭ ‬إرسال‭ ‬رسائل‭ ‬التهديد،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬المعرضة‭ ‬للتهديد‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تقتنع‭ ‬بأن‭ ‬الدولة‭ ‬المهددة‭ ‬جدية‭ ‬في‭ ‬تهديدها،‭ ‬وأنها‭ ‬لا‭ ‬تخادع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تصعيد‭ ‬عسكري‭ ‬متبادل‭. ‬وباستقراء‭ ‬التفاعلات‭ ‬الصراعية‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الرسائل‭ ‬العسكرية‭ ‬تأخذ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشكال،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

•المناورات‭ ‬العسكرية‭:‬‭ ‬تكون‭ ‬الرسائل،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬مكلفة‭ ‬للغاية،‭ ‬لأنها‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬حشد‭ ‬قوات،‭ ‬أو‭ ‬استعراض‭ ‬للقوة،‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬أصول‭ ‬عسكرية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإجراءات،‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬أشكال‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬تكلفة‭ ‬مادية‭ ‬مرتفعة‭ ‬للقيام‭ ‬بهذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬السابقة‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬إرسال‭ ‬الرسائل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬جدية‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬التهديد،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الأزمات‭ ‬العسكرية،‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬فاعلية‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬وعن‭ ‬استعدادها‭ ‬لدفع‭ ‬التكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬للحرب،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬الدولة،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬تستهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفها‭ ‬السياسي،‭ ‬وذلك‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬تجنب‭ ‬خوض‭ ‬حرب‭ ‬مكلفة‭.‬‭ ‬ونظراً‭ ‬لما‭ ‬سبق،‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬يتسم‭ ‬بقدر‭ ‬عالٍ‭ ‬من‭ ‬المخاطرة،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬فشلت‭ ‬رسالة‭ ‬التهديد‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬ردع‭ ‬الخصوم،‭ ‬فإن‭ ‬الخيارات‭ ‬المطروحة‭ ‬أمام‭ ‬الدولة‭ ‬ستكون‭ ‬سيئة،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تنفذ‭ ‬تهديدها،‭ ‬أي‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الحرب،‭ ‬وهو‭ ‬خيار‭ ‬مكلف‭ ‬للغاية،‭ ‬ومحفوف‭ ‬بالمخاطر،‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬التهديد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينتقص‭ ‬من‭ ‬مصداقيتها‭.  ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬المناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭. ‬فقد‭ ‬قام‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬بتحريك‭ ‬قواته‭ ‬ومعادته‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬مروحيات‭ ‬الهجوم‭ ‬والنقل‭ ‬وكذلك‭ ‬وحدات‭ ‬الدعم‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬الجنوبية‭ ‬والجنوبية‭ ‬الشرقية‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ثم‭ ‬قامت‭ ‬بنشر‭ ‬قوات‭ ‬إلى‭ ‬شمال‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وكذلك‭ ‬إلى‭ ‬جنوبها،‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭. ‬وهدفت‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحشد‭ ‬العسكري‭ ‬هو‭ ‬انتزاع‭ ‬تنازل‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬إعلانها‭ ‬الصريح‭ ‬وغير‭ ‬المشروط‭ ‬بعدم‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬والالتزام‭ ‬بالحياد،‭ ‬وهي‭ ‬السياسة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنجح،‭ ‬وترتب‭ ‬عليها،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬شن‭ ‬روسيا‭ ‬هجومها‭ ‬العسكري‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬لإجبارها‭ ‬على‭ ‬الانصياع‭ ‬إلى‭ ‬مطالب‭ ‬روسيا‭ ‬بالقوة‭. ‬

•تجارب‭ ‬الأسلحة‭:‬‭ ‬توظف‭ ‬التجارب‭ ‬العسكرية‭ ‬أحياناً‭ ‬بهدف‭ ‬إرسال‭ ‬رسائل‭ ‬عسكرية‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬الدول‭ ‬المعادية‭. ‬ويأتي‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬قيام‭ ‬روسيا‭ ‬بالاختبار‭ ‬الناجح‭ ‬لصاروخ‭ ‬مضاد‭ ‬للأقمار‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬نوفمبر‭ ‬2021،‭ ‬والذي‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬القمر‭ ‬الصناعي‭ ‬السوفييتي‭ ‬‮«‬كوسموس‭ ‬–‭ ‬1408‮»‬‭ ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬حقل‭ ‬من‭ ‬الحطام‭ ‬في‭ ‬المدار‭ ‬الأرضي‭ ‬المنخفض‭. ‬وهدفت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬أبرزها‭ ‬تعزيز‭ ‬الردع‭ ‬وكذلك‭ ‬القدرات‭ ‬الدفاعية‭ ‬الروسية‭ ‬ضد‭ ‬محاولات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتحقيق‭ ‬‮«‬ميزة‭ ‬عسكرية‭ ‬شاملة‮»‬‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬وذلك‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭ ‬حينها،‭ ‬سيرجي‭ ‬شويجو‭. ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بتجربة‭ ‬نظام‭ ‬مماثل‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2008‭. ‬وبالتالي،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬لروسيا‭ ‬ضمان‭ ‬امتلاك‭ ‬سلاح‭ ‬مماثل‭ ‬تستطيع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬تهديد‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لردع‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬استهداف‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية‭ ‬مستقبلية،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬جاءت‭ ‬قبل‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬على‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬–‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬2022‭. ‬ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬أنظمة‭ ‬الملاحة‭ ‬عبر‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬تعد‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توجيه‭ ‬الأسلحة‭ ‬الحديثة،‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬والمجنحة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أهميتها‭ ‬في‭ ‬اتصالات‭ ‬القيادة‭ ‬والتحكم،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬امتلاك‭ ‬موسكو‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إسقاط‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬ردع‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬الروسية،‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬موسكو‭ ‬سوف‭ ‬تتجه‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬إلى‭ ‬استهداف‭ ‬الأقمار‭ ‬الأمريكية‭. ‬

•الوثائق‭ ‬الاستراتيجية‭:‬‭ ‬تستخدم‭ ‬الوثائق‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬مثل‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬العسكرية‭ ‬للدول،‭ ‬خاصة‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬لتوضيح‭ ‬سياستها‭ ‬الدفاعية‭ ‬تجاه‭ ‬خصومها‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬أشارت‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العسكرية‭ ‬الوطنية‭ ‬الأمريكية‭ ‬لعام‭ ‬2022،‭ ‬أن‭ ‬كلاً‭ ‬من‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬وروسيا‭ ‬تمتلكان‭ ‬الإرادة‭ ‬والوسائل‭ ‬اللازمة‭ ‬لتشكيل‭ ‬تهديد‭ ‬وجودي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬الوثيقة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬سوف‭ ‬تسعى‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاث‭ ‬آليات،‭ ‬أبرزها‭ ‬‮«‬الردع‭ ‬المتكامل‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬النهج‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الرئيسي‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مزامنة‭ ‬العمليات‭ ‬عبر‭ ‬أفرع‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬المختلفة،‭ ‬وأدوات‭ ‬القوة‭ ‬الوطنية‭ ‬المختلفة،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشراكة‭ ‬بين‭ ‬الوكالات‭ ‬الحكومية‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحلفاء‭ ‬والشركاء،‭ ‬ويهدف‭ ‬الردع‭ ‬المتكامل‭ ‬للتأثير‭ ‬على‭ ‬حسابات‭ ‬وقرارات‭ ‬الخصم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفع‭ ‬تكاليف‭ ‬المواجهة‭ ‬وتقليص‭ ‬الفوائد‭ ‬المحتملة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تصعيد،‭ ‬لإجباره‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬ضبط‭ ‬النفس‭.‬

وتستهدف‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق،‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬أخرى،‭ ‬إرسال‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬للخصوم‭ ‬بخطوطها‭ ‬الحمراء‭ ‬لتجنب‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬العقائد‭ ‬العسكرية‭ ‬الحاكمة‭ ‬لاستخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭. ‬فوفقاً‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬مراجعة‭ ‬الوضع‭ ‬النووي‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬عن‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق،‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬الدور‭ ‬الأساسي‭ ‬للأسلحة‭ ‬النووية‭ (‬الأمريكية‭) ‬هو‭ ‬ردع‭ ‬الهجوم‭ ‬النووي‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬وشركائها‭. ‬ولن‭ ‬تفكر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬القصوى‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الحيوية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬حلفائها‭ ‬وشركائها‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬غموض‭ ‬متعمد،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬تعريفاً‭ ‬للظروف‭ ‬القصوى،‭ ‬سوى‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هجوم‭ ‬الخصم‭ ‬سيكون‭ ‬له‭ ‬‮«‬تأثير‭ ‬استراتيجي‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬منح‭ ‬الحرية‭ ‬لصانع‭ ‬القرار‭ ‬لتحديد‭ ‬ماهية‭ ‬الظروف‭ ‬القصوى‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬كانت‭ ‬أحدث‭ ‬عقيدة‭ ‬نووية‭ ‬لروسيا‭ ‬هي‭ ‬‮«‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬لسياسة‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬بشأن‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬لعام‭ ‬2020‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬حددت‭ ‬أربعة‭ ‬شروط‭ ‬يمكن‭ ‬لروسيا‭ ‬بموجبها‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬لتشمل‭ ‬تلقي‭ ‬بيانات‭ ‬حول‭ ‬هجوم‭ ‬صاروخي‭ ‬باليستي‭ ‬قادم،‭ ‬واستخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬سلاح‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬حلفائها،‭ ‬والهجمات‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للقيادة‭ ‬والتحكم‭ ‬والاتصالات‭ ‬النووية‭ ‬الروسية،‭ ‬والهجمات‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬بالأسلحة‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تهدد‭ ‬‮«‬وجود‮»‬‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭. ‬كما‭ ‬أشارت‭ ‬العقيدة‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬لمنع‭ ‬‮«‬تصعيد‭ ‬الأعمال‭ ‬العسكرية‭ ‬وإنهائها‭ ‬بشروط‭ ‬مقبولة‭ ‬للاتحاد‭ ‬الروسي‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬حلفائه‮»‬‭. ‬وأشارت‭ ‬هذه‭ ‬اللغة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الخطاب‭ ‬في‭ ‬دوائر‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬ستعتمد‭ ‬على‭ ‬أسلحتها‭ ‬النووية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬بقاء‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬خطر،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬منخرطة‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬قتال‭ ‬تقليدي‭ ‬وتسعى‭ ‬لإجبار‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬الخضوع‭ ‬لإرادتها‭.‬

وفي‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024،‭ ‬أدخلت‭ ‬روسيا‭ ‬تعديلات‭ ‬إضافية‭ ‬على‭ ‬عقيدتها‭ ‬النووية،‭ ‬وذلك‭ ‬لتتضمن‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قيام‭ ‬خصم‭ ‬محتمل‭ ‬بمحاولة‭ ‬‮«‬عزل‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أراضي‭ ‬الاتحاد‭ ‬الروسي‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬جيب‭ ‬كالينينغراد‭ ‬الروسي‭ ‬المحاط‭ ‬بدول‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬التي‭ ‬يمكن،‭ ‬نظرياً،‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬حصاراً‭ ‬عليه‭ ‬لمنع‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إليه‭. ‬كما‭ ‬أدخلت‭ ‬تغييراً‭ ‬إضافياً‭ ‬على‭ ‬عقيدتها‭ ‬النووية‭ ‬لتوضيح‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬ستعتبر‭ ‬أي‭ ‬عدوان‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬غير‭ ‬نووية‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬نووية‭ ‬بمثابة‭ ‬هجوم‭ ‬مشترك،‭ ‬وأنها‭ ‬ستنظر‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬هجوم‭ ‬من‭ ‬الحلف‭ ‬بأكمله‭. ‬ويستهدف‭ ‬الكرملين‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إرسال‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬التي‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬تحالفات‭ ‬أو‭ ‬ائتلافات‭ ‬معادية‭ ‬لروسيا‭ ‬أن‭ ‬تختبئ‭ ‬وراء‭ ‬القوى‭ ‬المسلحة‭ ‬نووياً‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التعديل‭ ‬الأخير‭ ‬يعني‭ ‬تهديد‭ ‬موسكو‭ ‬باستخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬الآن‭ ‬ضد‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬باستخدام‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬تسيطر‭ ‬عليها‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬المجال‭ ‬الجوي‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬البحار‭ ‬للتحضير‭ ‬لعدوان‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬تنفيذه‮»‬‭. ‬وهذه‭ ‬رسالة‭ ‬تهديد‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬التي‭ ‬تعتبرها‭ ‬موسكو،‭ ‬بيدقاً‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬لتهديدها‭.   ‬وهَدَفَ‭ ‬الكرملين‭ ‬من‭ ‬تغيير‭ ‬عقيدة‭ ‬روسيا‭ ‬النووية‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬تستهدف‭ ‬دفعها‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬ضد‭ ‬موسكو‭ ‬عبر‭ ‬إمداد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالصواريخ‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬لاستهداف‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬التعديل‭ ‬الأخير‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬سوف‭ ‬تستخدم‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ولكن‭ ‬كذلك‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وذلك‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬سعت‭ ‬كييف‭ ‬إلى‭ ‬استهداف‭ ‬المواقع‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬داخل‭ ‬روسيا،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬مواقع‭ ‬عسكرية‭ ‬تحتوي‭ ‬أسلحة‭ ‬استراتيجية،‭ ‬أو‭ ‬مواقع‭ ‬نووية،‭ ‬كالمفاعلات‭ ‬النووية‭. ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬توسيع‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬للكرملين‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬فيها‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬الموثوقية‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التهديد،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنه‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وأن‭ ‬الأخيرة‭ ‬لم‭ ‬تستهدف‭ ‬قدرات‭ ‬موسكو‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬فإن‭ ‬الأخيرة‭ ‬سوف‭ ‬تمتنع‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭. ‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يعيب‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوثائق‭ ‬في‭ ‬استقراء‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تبعث‭ ‬بها‭ ‬الدول،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬المعلنة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بالضرورة‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬السياسة‭ ‬الفعلية‭ ‬التي‭ ‬ستتبناها‭ ‬الدولة‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬أو‭ ‬نزاع،‭ ‬ولذلك‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تقييمها‭ ‬بالاستناد‭ ‬إلى‭ ‬الخبرة‭ ‬بالخصوم،‭ ‬وسياستهم‭ ‬السابقة،‭ ‬وكذلك‭ ‬تقييم‭ ‬ما‭ ‬يمتلكونه‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬عسكرية‭ ‬حقيقية‭. ‬

•التصريحات‭ ‬والتحركات‭ ‬المهددة‭:‬‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬التصريحات‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬أو‭ ‬الشخصيات‭ ‬المقربة‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬والأكاديميين،‭ ‬والتي‭ ‬تتعلق‭ ‬بأبعاد‭ ‬عسكرية،‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬الرسائل‭ ‬العسكرية‭ ‬الصريحة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬على‭ ‬إنه‭ ‬يفتقد‭ ‬إلى‭ ‬المصداقية،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬صحته‭ ‬باعتباره‭ ‬محاولة‭ ‬للترهيب‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬المصداقية‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ما‭ ‬أطلقه‭ ‬هو‭ ‬شيجين،‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬صحيفة‭ ‬جلوبال‭ ‬تايمز‭ ‬المملوكة‭ ‬للحكومة‭ ‬الصينية،‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2021،‭ ‬من‭ ‬تهديدات‭ ‬على‭ ‬حسابه‭ ‬على‭ ‬تويتر،‭ ‬إذ‭ ‬كتب‭: ‬‮«‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬القوات‭ ‬الأسترالية‭ ‬إلى‭ ‬مضيق‭ ‬تايوان‭ ‬للقتال‭ ‬ضد‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني،‭ ‬هناك‭ ‬احتمال‭ ‬كبير‭ ‬بأن‭ ‬الصواريخ‭ ‬الصينية‭ ‬ستطير‭ ‬باتجاه‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬والمنشآت‭ ‬الرئيسية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬أستراليا،‭ ‬وذلك‭ ‬للانتقام‭ ‬منها‮»‬‭. ‬وجاء‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬نشره‭ ‬مقالاً‭ ‬افتتاحياً‭ ‬سابقاً‭ ‬كتبه‭ ‬في‭ ‬صحيفته‭ ‬الخاصة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الصين‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬لردع‭ ‬القوات‭ ‬المتطرفة‭ ‬لأستراليا‮»‬‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬تهديد‭ ‬صيني‭ ‬علني‭ ‬بعمل‭ ‬عسكري‭ ‬ضد‭ ‬أستراليا‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬التقييمات‭ ‬تباينت‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬التهديد،‭ ‬ومدى‭ ‬جديته،‭ ‬فإن‭ ‬الرأي‭ ‬الغالب‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬باعتباره‭ ‬أن‭ ‬كانبيرا‭ ‬أصبحت‭ ‬هدفاً‭ ‬متكرراً‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬لإشارات‭ ‬أو‭ ‬رسائل‭ ‬صينية‭ ‬تستهدف‭ ‬ردعها‭ ‬عن‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬صراعها‭ ‬مع‭ ‬تايوان‭.‬

ويأتي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الأمثلة‭ ‬كذلك‭ ‬تحريك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قاذفاتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لردع‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬استهداف‭ ‬إسرائيل‭. ‬ففي‭ ‬خضم‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬المتبادل‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬2024،‭ ‬أطلقت‭ ‬طهران‭ ‬وابلاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬أكتوبر‭. ‬وردت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬أكتوبر‭ ‬بضرب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬والمواقع‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬طهران‭ ‬إلى‭ ‬التهديد‭ ‬بشن‭ ‬هجوم‭ ‬انتقامي‭ ‬آخر‭. ‬وتدخلت‭ ‬واشنطن‭ ‬لوقف‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬إيرانية‭ ‬للرد،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬في‭ ‬1‭ ‬نوفمبر،‭ ‬عن‭ ‬نشر‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ست‭ ‬قاذفات‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬بي‭ ‬–‭ ‬52‮»‬‭ ‬مسلحة‭ ‬بصواريخ‭ ‬كروز‭ ‬وعدة‭ ‬أسراب‭ ‬من‭ ‬المقاتلات‭ ‬التكتيكية‭ ‬ومدمرات‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وقد‭ ‬هدفت‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬لتحذير‭ ‬طهران‭ ‬من‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬عزز‭ ‬من‭ ‬مصداقية‭ ‬هذه‭ ‬التحركات‭ ‬المهددة‭ ‬قيام‭ ‬قاذفتين‭ ‬استراتيجيتين‭ ‬أمريكيتين‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬بي‭-‬2‭ ‬سبيريت‮»‬،‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬أكتوبر،‭ ‬بتنفيذ‭ ‬ضربات‭ ‬ضد‭ ‬خمسة‭ ‬مواقع‭ ‬حوثية‭ ‬محصنة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬في‭ ‬مدينتي‭ ‬صنعاء‭ ‬وصعدة،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تُستخدم‭ ‬لتخزين‭ ‬وتجميع‭ ‬الصواريخ‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيّرة‭. ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬اليوم،‭ ‬وصف‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬لويد‭ ‬أوستن،‭ ‬الضربة‭ ‬بالقاذفتين‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬عرض‭ ‬فريد‭ ‬لقدرة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬المنشآت‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬خصومنا‭ ‬إلى‭ ‬إبقائها‭ ‬بعيدة‭ ‬المنال،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬عمقها‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬أو‭ ‬قوتها،‭ ‬أو‭ ‬تحصينها‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬يظهر‭ ‬القدرات‭ ‬الأمريكية‭ ‬لضرب‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬عند‭ ‬الضرورة،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬وأي‭ ‬مكان‮»‬‭ ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬موجهة‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬طهران،‭ ‬والتي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬برامجها‭ ‬النووية‭ ‬والصاروخية‭ ‬في‭ ‬منشآت‭ ‬مدفونة‭ ‬بعمق‭ ‬ومحصنة‭ ‬بشدة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬قد‭ ‬سبقها‭ ‬استعراض‭ ‬عملي‭ ‬لقدرة‭ ‬واشنطن‭ ‬ضد‭ ‬الحوثيين،‭ ‬حلفاء‭ ‬طهران،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يهدف،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬لا‭ ‬لبس‭ ‬فيها‭ ‬لطهران‭ ‬بقدرة‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬منشآت‭ ‬إيران‭ ‬النووية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬إسرائيل‭ ‬مجدداً‭. ‬ونجحت‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬إذ‭ ‬تراجعت‭ ‬طهران‭ ‬عن‭ ‬استهداف‭ ‬إسرائيل‭ ‬مجدداً‭. ‬

•الاستفزازات‭ ‬العسكرية‭:‬‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬العمل‭ ‬العسكري‭ ‬المحدود‭ ‬كتكتيك‭ ‬لإرسال‭ ‬رسائل‭ ‬للخصم‭ ‬إذا‭ ‬اتسم‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬لإظهار‭ ‬العزم‭ ‬وإثبات‭ ‬مصداقية‭ ‬تصميم‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬وتيرة‭ ‬أو‭ ‬كثافة‭ ‬القوة‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‭. ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تستخدم‭ ‬الصين‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭. ‬وتقدم‭ ‬حادثة‭ ‬إمبيسكابل‭ ‬مثالاً‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬لأن‭ ‬المناورة‭ ‬الصينية‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬عدوانية‭ ‬وتزيد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬التصادم‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬التقدير‭ ‬مع‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭. ‬

ووقعت‭ ‬الحادثة‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2009،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬خمس‭ ‬سفن‭ ‬صينية‭ ‬بمراقبة‭ ‬السفينة‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬إمبيكابل‭ (‬Impeccable‭) ‬والقيام‭ ‬بعملية‭ ‬مناورة‭ ‬تحمل‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬التهور،‭ ‬إذ‭ ‬اقتربت‭ ‬منها‭ ‬بشدة،‭ ‬وذلك‭ ‬بما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الممارسات‭ ‬البحرية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭. ‬وعند‭ ‬حدوث‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة،‭ ‬كانت‭ ‬السفينة‭ ‬إمبيكابل‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬75‭ ‬ميلاً‭ ‬بحرياً‭ ‬تقريباً‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬قاعدة‭ ‬سانيا‭ ‬البحرية‭ ‬الصينية،‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الدولية‭ ‬لبحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬ولكن‭ ‬داخل‭ ‬المنطقة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخالصة‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬بها‭ ‬الصين‭. ‬واعتقد‭ ‬القادة‭ ‬الصينيون‭ ‬على‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬السفينة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بجمع‭ ‬بيانات‭ ‬صوتية‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬تعقب‭ ‬الغواصات‭ ‬الصينية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬قريب،‭ ‬وسعوا‭ ‬لعرقلة‭ ‬أنشطة‭ ‬المراقبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬هذه‭. ‬واقتربت‭ ‬سفينتان‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬الصينية‭ ‬الخمس‭ ‬المتورطة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة،‭ ‬وهما‭ ‬سفينتا‭ ‬صيد‭ ‬صينيتان‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬50‭ ‬قدماً‭ ‬من‭ ‬السفينة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وحاول‭ ‬طاقمهما‭ ‬تعطيل‭ ‬السونار‭ ‬الصوتي‭ ‬المقطور‭ ‬للسفينة‭.‬

وهدفت‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬إرسال‭ ‬رسالة‭ ‬لواشنطن‭ ‬بضرورة‭ ‬وقف‭ ‬جهود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجسس‭ ‬على‭ ‬التحركات‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬جاءت‭ ‬بعد‭ ‬تحذيرات‭ ‬صادرة‭ ‬من‭ ‬بكين‭ ‬ضد‭ ‬واشنطن‭ ‬تحذرها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بأنشطة‭ ‬غير‭ ‬شرعية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخالصة‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬الصين‭ ‬أحقيتها‭ ‬بها،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬رأت‭ ‬أن‭ ‬تصريحاتها‭ ‬المحذرة‭ ‬لواشنطن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كافية‭ ‬لوقف‭ ‬محاولات‭ ‬التجسس‭ ‬الأمريكية‭ ‬ضدها،‭ ‬ولذلك‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬التصعيد‭ ‬عبر‭ ‬تبني‭ ‬أساليب‭ ‬عسكرية‭ ‬استفزازية‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإرسال‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬واشنطن‭ ‬بضرورة‭ ‬وقف‭ ‬تحركاتها‭ ‬المستفزة‭.‬

رسائل‭ ‬أوريشنك‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي‭:‬

بعد‭ ‬تعريف‭ ‬إرسال‭ ‬الرسائل‭ ‬العسكرية،‭ ‬وبيان‭ ‬أشكالها،‭ ‬يمكن‭ ‬تحليل‭ ‬استخدام‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬لصاروخ‭ ‬أوريشنيك،‭ ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬روسيا،‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024،‭ ‬باستخدام‭ ‬الصاروخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي‭ ‬متوسط‭ ‬المدى‭ ‬‮«‬أوريشنيك‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬شجرة‭ ‬البندق‮»‬‭ ‬بالروسية،‭ ‬ضد‭ ‬تصنيع‭ ‬الأقمار‭ ‬الاصطناعية‭ ‬بيفدينماش‭ ‬في‭ ‬دنيبرو‭ ‬الأوكرانية‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬السلاح،‭ ‬غير‭ ‬المعروف‭ ‬حتى‭ ‬استخدمته‭ ‬روسيا‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭. ‬ويستطيع‭ ‬الصاروخ‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬أهداف‭ ‬يتراوح‭ ‬مداها‭ ‬بين‭ ‬3000‭ ‬و5500‭ ‬كيلومتر‭. ‬وصحيح‭ ‬أن‭ ‬الصاروخ‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬ضمن‭ ‬فئة‭ ‬الصواريخ‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات‭ (‬التي‭ ‬يزيد‭ ‬مداها‭ ‬على‭ ‬5500‭ ‬كيلومتر‭)‬،‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬لـ«أوريشنيك‮»‬‭ ‬إذا‭ ‬أُطلق‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭ ‬الروسي‭ ‬أن‭ ‬يضرب‭ ‬أهدافاً‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬الغربي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬وحتى‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بوسع‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نشر‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬بموجب‭ ‬معاهدة‭ ‬القوى‭ ‬النووية‭ ‬متوسطة‭ ‬المدى‭ ‬الموقّعة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1987‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019‭ ‬انسحب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬خلال‭ ‬فترته‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬متهماً‭ ‬موسكو‭ ‬بانتهاكه؛‭ ‬مما‭ ‬فتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬سباق‭ ‬تسلح‭ ‬جديد‭ ‬لامتلاك‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭. ‬

ومنذ‭ ‬بداية‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬استخدمت‭ ‬موسكو‭ ‬أوكرانيا‭ ‬كساحة‭ ‬معركة‭ ‬لاستعراض‭ ‬أحدث‭ ‬ابتكاراتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬والطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬والأنظمة‭ ‬الموجهة‭ ‬بدقة‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفين‭ ‬أساسيين،‭ ‬وهما‭ ‬إنهاك‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬للقوات‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬واستعراض‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬أمام‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يمثل‭ ‬إدخال‭ ‬صاروخ‭ ‬أوريشنيك‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024‭ ‬تصعيداً‭ ‬كبيراً،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬أو‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتوخى‭ ‬تحقيقها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تفصيله‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

•تأكيد‭ ‬التفوق‭ ‬التكنولوجي‭:‬‭ ‬يكشف‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬للصاروخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي‭ ‬عن‭ ‬قدرات‭ ‬الصاروخ‭ ‬أوريشنيك‭ ‬الذي‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬دقيقة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إظهار‭ ‬البراعة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الروسية‭ ‬وعن‭ ‬تفوقها‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭. ‬فقد‭ ‬أعلن‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬اختبار‭ ‬طيران‭ ‬ناجح‭ ‬لصاروخ‭ ‬تقليدي‭ ‬فرط‭ ‬صوتي‭ ‬من‭ ‬محطة‭ ‬كيب‭ ‬كانافيرال‭ ‬للقوات‭ ‬الفضائية‭ ‬في‭ ‬فلوريدا،‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2024،‭ ‬وتعد‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬هي‭ ‬الثانية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬وتكشف‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬النهائي‭ ‬لهذا‭ ‬الصاروخ‭ ‬لصالح‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬باتت‭ ‬على‭ ‬اعتاب‭ ‬اللحاق‭ ‬بالنادي‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي،‭ ‬والذي‭ ‬يضم‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬موسكو‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬هذه‭ ‬القدرات‭ ‬وإنتاج‭ ‬صواريخ‭ ‬مختلفة‭ ‬منها،‭ ‬وسبقت‭ ‬واشنطن‭ ‬بنحو‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬روسية‭ ‬ناجحة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2018‭. ‬

‭ ‬•الكشف‭ ‬عن‭ ‬الضعف‭ ‬الغربي‭:‬‭ ‬تفتقد‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬أوروبا،‭ ‬إلى‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية،‭ ‬إذ‭ ‬تجمع‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬بين‭ ‬السرعة‭ ‬الفائقة‭ (‬سرعة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬5‭ ‬ماخ‭) ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬المناورة،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬بخلاف‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬التقليدية،‭ ‬يمكن‭ ‬للأنظمة‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬أن‭ ‬تتفادى‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعادة‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬التقليدية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الفئة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬تتبع‭ ‬مساراً‭ ‬ثابتاً‭ ‬يسهل‭ ‬اكتشافه‭ ‬بواسطة‭ ‬أنظمة‭ ‬الرادار،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الصواريخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬صاروخ‭ ‬أفانجارد‭ ‬الروسي،‭ ‬والصاروخ‭ ‬المجنح‭ ‬كينزال‭. ‬وتتمتع‭ ‬هذه‭ ‬الصواريخ‭ ‬بدقتها‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬أهداف‭ ‬عالية‭ ‬القيمة‭ ‬بأقل‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الإنذار‭ ‬المبكر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬فائدتها‭ ‬الاستراتيجية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الصاروخ‭ ‬أوريشنيك‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬تفوقاً‭ ‬عن‭ ‬الصاروخين‭ ‬السابقين،‭ ‬من‭ ‬زاويتين،‭ ‬وهما‭ ‬أن‭ ‬حمولته‭ ‬تشتمل‭ ‬على‭ ‬قذائف‭ ‬صاروخية‭ ‬ذاتية‭ ‬الدفع‭ ‬تعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬مركبة‭ ‬إعادة‭ ‬الدخول‭ ‬المتعددة‭ ‬ذات‭ ‬الأهداف‭ ‬المستقلة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الصاروخ‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬رؤوس‭ ‬حربية‭ ‬نووية‭ ‬أو‭ ‬تقليدية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ثمانية‭ ‬رؤوس‭ ‬نووية،‭ ‬وكل‭ ‬رأس‭ ‬له‭ ‬مسار‭ ‬مستقل‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الصاروخ‭ ‬على‭ ‬إرباك‭ ‬الدفاعات‭ ‬الصاروخية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ضرب‭ ‬أهداف‭ ‬متعددة‭.‬

وقد‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬استحالة‭ ‬اعتراض‭ ‬الصاروخ‭ ‬الجديد،‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2024،‭ ‬حينما‭ ‬دعا‭ ‬الغرب‭ ‬لإجراء‭ ‬مبارزة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬بين‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬أوريشنيك‮»‬‭ ‬الروسي‭ ‬وجميع‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوي‭ ‬الغربية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحديد‭ ‬هدف‭ ‬لضربه‭ ‬بالصاروخ‭ ‬الروسي‭ ‬ومحاولة‭ ‬الأنظمة‭ ‬الدفاعية‭ ‬الغربية‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬له،‭ ‬مضيفاً‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬24‭ ‬منظومة‭ ‬للدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬في‭ ‬رومانيا‭ ‬وبولندا،‭ ‬ومؤكداً‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬فرصة‭ ‬لإسقاط‭ ‬الصاروخ‭ ‬الروسي‭. ‬وجاء‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬للرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬تعليقاً‭ ‬على‭ ‬تصريحات‭ ‬خبراء‭ ‬أفادوا‭ ‬بأن‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬الصاروخية‭ ‬الغربية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اعتراض‭ ‬الصاروخ‭ ‬الروسي‭ ‬‮«‬أوريشنيك‮»‬‭.‬

•تهديد‭ ‬واشنطن‭ ‬ضمنياً‭:‬‭ ‬تسعى‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاختبار‭ ‬الناجح‭ ‬لصاروخ‭ ‬أوريشنيك‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الفريدة‭ ‬لصواريخها‭ ‬الفرط‭ ‬صوتية‭ ‬الأخرى،‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬الصواريخ‭ ‬الباليستية‭ ‬الروسية‭ ‬العابرة‭ ‬للقارات،‭ ‬مثل‭ ‬صاروخ‭ ‬‮«‬سارمات‭ ‬آر‭ ‬إس‭ ‬–‭ ‬28‮»‬،‭ ‬المعروف‭ ‬أيضاً‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬الشيطان‭ ‬2‮»‬‭. ‬وكشفت‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬سارمات‭ ‬رسمياً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬وهو‭ ‬صاروخ‭ ‬باليستي‭ ‬ثقيل‭ ‬عابر‭ ‬للقارات‭ ‬يعمل‭ ‬بالوقود‭ ‬السائل‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬10‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‭ ‬أو‭ ‬مركبات‭ ‬صاروخية‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭. ‬ويتجاوز‭ ‬مداه‭ ‬18‭,‬000‭ ‬كيلومتر،‭ ‬وهو‭ ‬مصمم‭ ‬خصيصاً‭ ‬لتجاوز‭ ‬الدفاعات‭ ‬الصاروخية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مسارات‭ ‬غير‭ ‬تقليدية،‭ ‬مثل‭ ‬المرور‭ ‬فوق‭ ‬القطب‭ ‬الجنوبي،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬توجيه‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬الصاروخي‭ ‬التقليدية‭ ‬الغربية‭. ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬تجربة‭ ‬أوريشنيك‭ ‬الناجحة‭ ‬تضفي‭ ‬المصداقية‭ ‬على‭ ‬الادعاءات‭ ‬الروسية‭ ‬حول‭ ‬قدرات‭ ‬سارمات‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬تمتلك‭ ‬صواريخ‭ ‬نووية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬الدفاعات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وذلك‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تمتلك‭ ‬واشنطن‭ ‬منظومة‭ ‬مماثلة‭ ‬بعد‭. ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬معرضة‭ ‬للتهديدات‭ ‬الروسية،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬عليها‭ ‬تماماً،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تمتلك‭ ‬صواريخ‭ ‬عابرة‭ ‬للقارات‭ ‬تحافظ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬الردع‭ ‬النووي‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭. ‬

•تقويض‭ ‬الدعم‭ ‬الأوروبي‭ ‬لأوكرانيا‭: ‬استخدمت‭ ‬روسيا‭ ‬الصاروخ‭ ‬أوريشنك،‭ ‬والذي‭ ‬يصل‭ ‬مداه‭ ‬إلى‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬كيلومتر،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬إرسال‭ ‬رسالة‭ ‬تهديد‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬إذ‭ ‬تمتلك‭ ‬موسكو‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬حمل‭ ‬رؤوس‭ ‬نووية،‭ ‬والتي‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تضرب‭ ‬أي‭ ‬نقطة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬مثل‭ ‬الصاروخ‭ ‬الباليستي‭ ‬قصير‭ ‬المدى‭ ‬إسكندر‭ ‬أو‭ ‬الصاروخ‭ ‬الفرط‭ ‬صوتي‭ ‬كينزال،‭ ‬والذي‭ ‬يصل‭ ‬مداه‭ ‬إلى‭ ‬ألفي‭ ‬كيلومتر‭. ‬وبالتالي،‭ ‬كان‭ ‬المدى‭ ‬الأطول‭ ‬لأوريشنك‭ ‬هو‭ ‬رسالة‭ ‬تذكير‭ ‬لأوروبا‭ ‬بأن‭ ‬موسكو‭ ‬لديها‭ ‬ترسانة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬الأكبر‭ ‬حجماً‭ ‬والأطول‭ ‬مدى،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستهدف‭ ‬بها‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬شك‭ ‬حول‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الروسية‭ ‬قد‭ ‬بددت‭ ‬الشك‭ ‬تماماً‭ ‬حيال‭ ‬ذلك،‭ ‬فقد‭ ‬نشرت‭ ‬رسومات‭ ‬بيانية‭ ‬تقدر‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬تستغرقه‭ ‬صواريخ‭ ‬أوريشنك‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬عواصم‭ ‬أوروبية‭ ‬رئيسية‭.‬

ويلاحظ‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬بعض‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬رسالتها‭ ‬التهديدية‭ ‬هذه،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬الداعمين‭ ‬الدوليين‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬يتم‭ ‬بشكل‭ ‬بطيء،‭ ‬وفقاً‭ ‬للمعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للخدمات‭ ‬المتحدة‭ ‬البريطاني،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التصعيد‭ ‬الأوكراني‭ ‬ضد‭ ‬موسكو‭ ‬لايزال‭ ‬منضبطاً،‭ ‬ولم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬الروسية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استهداف‭ ‬المنشآت‭ ‬أو‭ ‬الأسلحة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الروسية،‭ ‬أو‭ ‬مفاعلاتها‭ ‬النووية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭. ‬

•التراجع‭ ‬عن‭ ‬التهديدات‭ ‬النووية‭ ‬الروسية‭:‬‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬حذرت‭ ‬موسكو‭ ‬الغرب‭ ‬باستخدام‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬ضد‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬ولكن‭ ‬كذلك‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تمدها‭ ‬بالقدرات‭ ‬اللازمة‭ ‬لاستهداف‭ ‬روسيا،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬أعطي‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬لاستهداف‭ ‬العمق‭ ‬الروسي‭ ‬بالصواريخ‭ ‬الغربية،‭ ‬مثل‭ ‬أتاكامز‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وستورم‭ ‬شادو‭ ‬البريطانية‭. ‬وسعى‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬تجاهل‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات‭ ‬الروسية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬محاولة‭ ‬لتقويض‭ ‬التهديدات‭ ‬الروسية،‭ ‬وتوضيح‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭. ‬ورداً‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬قامت‭ ‬روسيا‭ ‬باستخدام‭ ‬‮«‬أوريشنك‮»‬،‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬تنفيذ‭ ‬تهديداتها،‭ ‬فقد‭ ‬أكد‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬الصاروخ‭ ‬الأخير‭ ‬جاء‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أهدافاً‭ ‬في‭ ‬مقاطعتي‭ ‬كورسك‭ ‬وبريانسك‭ ‬الحدوديتين‭ ‬جنوب‭ ‬غربي‭ ‬روسيا‭ ‬بصواريخ‭ ‬أتاكمز‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وستورم‭ ‬شادو‭ ‬البريطانية‭. ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬روسيا‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬صد‭ ‬الصواريخ‭ ‬السابقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬حرص‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬التصعيد‭ ‬مع‭ ‬حفظ‭ ‬ماء‭ ‬الوجه،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬داعٍ‭ ‬للتصعيد‭ ‬طالما‭ ‬تمكنت‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬اعتراض‭ ‬الصواريخ‭ ‬الغربية‭.‬

الخاتمة‭:‬

يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬رسائل‭ ‬التحذير‭ ‬الروسية‭ ‬هدفت‭ ‬بالأساس‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الردع‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬ومحاولة‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬التصعيد‭ ‬مع‭ ‬واشنطن،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬وافقت‭ ‬الأخيرة‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬بعض‭ ‬منظومات‭ ‬الأسلحة‭ ‬الغربية،‭ ‬مثل‭ ‬أتاكامز‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وستورم‭ ‬شادو‭ ‬البريطانية،‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬الأراضي‭ ‬الروسي‭.‬‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬هدف‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬مع‭ ‬الغرب‭ ‬هو‭ ‬وقف‭ ‬جماح‭ ‬التصعيد‭. ‬ولعل‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬الطرفين‭ ‬لم‭ ‬يتجاوزا‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬الحرجة‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تنتشر‭ ‬قوات‭ ‬الناتو‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬لقتال‭ ‬القوات‭ ‬الروسية،‭ ‬ولم‭ ‬تشن‭ ‬روسيا‭ ‬هجوماً‭ ‬عسكرياً‭ ‬تقليدياً‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تم‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وواشنطن،‭ ‬حيث‭ ‬أبلغت‭ ‬الأولى‭ ‬الثانية‭ ‬قبل‭ ‬إطلاق‭ ‬الصاروخ‭ ‬أوريشنك،‭ ‬وإن‭ ‬بفترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭. ‬وبالتالي،‭ ‬تعكس‭ ‬حالة‭ ‬استخدام‭ ‬أوريشنك‭ ‬نجاحاً‭ ‬روسياً‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬رسائل‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬تستهدف‭ ‬بدرجة‭ ‬أساسية‭ ‬ضبط‭ ‬التصعيد‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬الأوكراني‭.‬

د‭. ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض