مثل العديد من التقنيات المعاصرة الأخرى التي يتم تطويرها بمعدل سريع، تدور حول المركبات الجوية غير المأهولة (UAVs) أو « الدرونز»، لقبها الأكثر شيوعاً، تكهنات كبيرة بخصوص الاستخدامات التي سيتم إسنادها لها. في كثير من الأحيان، لا يمكننا رؤية التأثير المستقبلي لاختراعاتنا وجميع الطرق التي سيتم استخدامها بها. ربما يكون هذا صحيحاً إلى حد ما في حالة الطائرات بدون طيار. ومع ذلك، فقد وصلت الطائرات بدون طيار إلى مرحلة النضج، حيث أصبح من السهل الآن تمييز فوائدها عبر مجموعة من الأنشطة المحتملة. وهذا يشمل استخدامها في البيئة البحرية.
اليوم ، تقوم العديد من الحكومات بتنفيذ برامج للأمن البحري تستفيد بشكل متزايد من الطائرات بدون طيار. بعض هذه البرامج نشطة بالفعل؛ والبعض الآخر في مرحلة الإعداد. وكما سنوضح في هذا المقال، ستكون الطائرات بدون طيار عنصراً أساسياً في مواجهة عدد لا يحصى من تحديات الأمن البحري. ومع ذلك، فإن هذه الأنظمة ليست حلاً سحرياً: فهي تمتلك قيوداً وبالتالي من المرجح أن تزيد – وإن كان ذلك بطرق مهمة - بدلاً من أن تصبح بديلاً عن الأدوات الحالية للأمن البحري.
تقدم هذه الدراسة أولاً نظرة عامة على بعض أهم مجالات الأمن البحري التي يمكن للطائرات بدون طيار أن تساهم فيها على المدى القريب. ثم ستسعرض الاتجاهات الحالية في القطاع لاقتراح الطرق الممكنة لتأثيرها في السنوات المقبلة.
تأمين البيئة البحرية
نظراً لأن أنظمة الطيران الحاملة للمستشعرات قادرة على قطع مسافات طويلة، فإن الطائرات بدون طيار جذابة للغاية للبلدان ذات الخطوط الساحلية الطويلة المجاورة لبحار شاسعة يجب مراقبتها. إذا ما أخذنا مثالاً يحتذى به في الطرف الأقصى من الطيف، سنجد أن تأمين البيئة البحرية لأستراليا تُعدّ مهمة ضخمة. حكومة أستراليا مسؤولة عما يقرب من 35000 كيلومتر من السواحل وحوالي 15 في المائة من بحار العالم. حتى بالنسبة للبلدان ذات السواحل المحدودة، فإن المجال البحري يمثل تهديدات أمنية بحرية متنوعة، بما في ذلك، من بين أمور أخرى ، الصيد غير المصرح به، وتهريب المخدرات والأشخاص، والهجرة غير الشرعية، ناهيك عن التهديدات العسكرية التقليدية. وبالنظر إلى هذه الديناميكيات، ليس من المستغرب أن ترى دولًا- مثل أستراليا- بشكل متزايد الطائرات بدون طيار كمضاعف أمني في المجال البحري. وكالة السلامة البحرية الأوروبية (EMSA)، على سبيل المثال، تستخدم الآن طائرات بدون طيار للمساعدة في مراقبة الحدود ومراقبة التلوث والكشف عن الأنشطة غير القانونية مثل صيد الأسماك وتهريب المخدرات.
تعتقد العديد من الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية أن أنظمة المراقبة البحرية الحالية لن تكون قادرة على مواجهة التغييرات المتوقعة في بيئة التهديدات المستقبلية. لذا يُنظر إلى الطائرات بدون طيار على أنها وسيلة فعالة لتعويض هذا العجز المتوقع. توضح المجالات التالية بالتفصيل بعض المناطق التي يُرجح أن تؤثر فيها الطائرات بدون طيار تأثيراً إيجابياً على الأمن البحري.
الوعي بالمجال البحري للدفاع
نظراً لاتساع حجم المنطقة البحرية المراد تغطيتها، فإن اكتشاف التهديدات غالباً ما يشبه محاولة العثور على إبرة في كومة قش. ومع ذلك، يمكن للطائرات بدون طيار التي تنطلق من على الأرض أو التي يتم إطلاقها من السفن تضخيم قدرات الدول الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع (ISR) عبر البحار.
على سبيل المثال، تشتري وزارة الدفاع اليابانية المزيد من الطائرات بدون طيار لتحسين وعيها بالمجال البحري (MDA) عبر مياهها الشاسعة وما وراءها. إن اعتقاد اليابان أن هذا الجانب من أمنها القومي بالغ الأهمية ليس مفاجئاً. تضم الأراضي اليابانية أكثر من 6852 جزيرة وتعتمد البلاد على التجارة البحرية. يضاف إلى ذلك وجود نزاعات إقليمية قائمة مع الصين وروسيا وكوريا الجنوبية. كثيراً ما تعترض طائرات قوات الدفاع الذاتي الجوية اليابانية الطائرات أو تراقب السفن البحرية بالقرب من المناطق المتنازع عليها. الدول الأخرى التي تواجه تحديات مماثلة لمياهها الإقليمية تحصل أيضاً على الطائرات بدون طيار. ستلعب الطائرات بدون طيار، بما في ذلك الطائرات المسلحة بدون طيار، دوراً متزايد الأهمية في الحرب المضادة للأهداف السطحية والغواصات (ASW). أعلنت شركة General Atomics الأمريكية المصنعة للطائرات بدون طيار مؤخراً أنها نجحت في اختبار ظرفٍ حاوٍ موزعٍ كجزء من عرض أوسع للقدرات المضادة للغواصات التي تطورها لصالح طائرة MQ-9B Sea Guardian بدون طيار. تم استخدام الظروف الحاوية لإطلاق طافيات لكن الشركة ذكرت أيضاً أنها ستكون قادرة أيضاً على إطلاق ذخائر دقيقة التوجيه والعديد من الطائرات الصغيرة غير المأهولة للعمل كسرب ذاتي التسيير.
ضد القرصنة
القرصنة مشكلة خطيرة في النقل البحري ولها آثار متعددة على المستوى الاقتصادي وعلى خسائر الموارد البشرية. تمت مناقشة أنظمة الطائرات بدون طيار كأدوات محتملة لمكافحة القرصنة لعدة سنوات حيث أثبتت الجهود الأخرى أنها محدودة التأثير. شهدت السنوات الأخيرة استخدام الطائرات بدون طيار بشكل متزايد في عمليات مكافحة القرصنة متعددة الجنسيات. على سبيل المثال، تستخدم عملية أتالانتا التابعة للاتحاد الأوروبي، وهي مهمة بحرية يقوم بها الاتحاد الأوروبي لمكافحة القرصنة في منطقة شديدة الخطورة قبالة سواحل الصومال، طائرات بدون طيار لمراقبة ساحل البلاد والبحث عن أي نشاط للقرصنة.
في مواقع مثل جنوب شرق آسيا، التي وُصفت بأنها «جنة» القراصنة (إلى حد كبير لأن الحكومات هناك فشلت في إنشاء أنظمة إنذار مبكر وبالتالي فشلت أيضاً في تطوير قدراتها للإنذار المبكر والاستجابة)، قد توفر الطائرات بدون طيار وسيلة ميسورة التكلفة لسد الفجوة . في الوقت الحالي، تخلفت المراقبة في البلدان التي تفتقر إلى الموارد المادية عن مواجهة التحدي المتزايد للقرصنة. في خليج غينيا، على سبيل المثال، تمتلك أكبر القوات البحرية المحلية زوارق للدوريات البعيدة عن الشواطئ، لكن قدرتها على إنفاذ الإجراءات ضد القراصنة محدودة. يبلغ مدى الكشف لأنظمة الرادار المتمركزة على الشواطئ -عندما لا تواجه مشكلات تتعلق بالطاقة أو الصيانة- 30 أو 40 ميلاً بحرياً فقط. بينما توفر الطائرات بدون طيار وسيلة للقوات البحرية وخفر السواحل الإفريقية لتعزيز عمليات مكافحة القرصنة بشكل كبير وبطريقة غير مكلفة نسبياً.
البحث والإنقاذ
ثبت أن الطائرات بدون طيار تزيد بشكل كبير من فعالية أي جهود بحث وإنقاذ، وهذا الاختلاف واضح بشكل خاص في البحر. تتمتع الطائرة بدون طيار المجهزة بأنظمة VIDAR (للاكتشاف البصري وتحديد المدى) بقدرة ذاتية مثبتة على اكتشاف مئات الأجسام الكبيرة والصغيرة في البحر بشكل مستقل وفي مختلف الظروف. تم استخدام VIDAR الصغير والخفيف والمستقل بذاته لتحسين فعالية تكلفة البحث والإنقاذ بشكل كبير. فقد تمكنت الطائرات بدون طيار من اكتشاف العديد من الأجسام الصغيرة وتحديدها بشكل إيجابي مثل الزلاجات النفاثة والعوامات على مدى 5 أميال بحرية.
لا تقتصر مزايا التكنولوجيا على العثور على الأشخاص المفقودين وحسب؛ بل لعبت الطائرات بدون طيار أيضاً دوراً نشطاً في جهود الإنقاذ. قُبالة الساحل الشرقي لأستراليا في عام 2016، حوصر صبيان وسط أمواج كثيفة، وفي غضون دقيقتين تمكنت طائرة بدون طيار من إسقاط جهاز طفو عليهم لإنقاذهم.
أستراليا، التي تضم أكبر منطقة بحث وإنقاذ بحرية في العالم ومنطقة لسلطة قوات الأمن، والتي تغطي أكثر من عُشر سطح الأرض، كانت من أوائل الدول التي تبنت الطائرات بدون طيار لهذه المهمة. تحذو العديد من الدول حذوها وتكثف من استخدامها للطائرات بدون طيار للبحث والإنقاذ. تقوم وكالة البحرية وخفر السواحل في المملكة المتحدة (MCA) بتنفيذ مشروع جديد كبير للتحقيق في مدى قدرة الطائرات بدون طيار على المساعدة في البحث والإنقاذ مقارنة بفرق الانقاذ التقليدية الجوية أو البحرية أو البرية.
تحديات دائمة
يمثل الجيل الجديد من الطائرات بدون طيار البحرية المتطورة، مثل MQ-4C Triton، نطاقاً وفئة مختلفة تماماً من التكنولوجيا. يمكن لأجهزة الاستشعار الموجودة على الطائرة بدون طيار تحديد ومراقبة السفن من مسافة 16.5 كيلومتر في الجو وفي الوقت ذاته إرسال البيانات إلى ضباط البحرية في الوقت الفعلي تقريباً. وفي الغالب لا يمكن استخدام هذا النوع من الطائرات إلا من قبل الجيوش والحكومات. تستخدم البحرية الأمريكية MQ-4C Triton، على سبيل المثال، لضمان المراقبة البحرية شبه المستمرة حول إحدى قواعدها البحرية الرئيسية في كاليفورنيا.
تقدمت تكنولوجيا الطائرات بدون طيار البحرية إلى الأمام بسرعة، ولكن لا تزال تعاني من محدودية متأصلة في الأنظمة. توفر الطائرات بدون طيار القدرة على الطيران طويل الأمد، لكنها، مثل الشمعة في غرفة مظلمة، لا تضيء سوى منطقة واحدة فقط في كل مرة. كيف يختار المشغلون بين التسكع على مساحة صغيرة لفترات طويلة من الوقت من أجل المثابرة أو السفر عبر مناطق شاسعة من أجل النطاق التشغيلي؟ نظراً لعدم الاحتفاظ بالعديد من المنصات في الجو في أي وقت، فإن الكثير من البيئات البحرية ستظل غير مكتظة تماماً – معظم الوقت، على الأقل. قد تتباهى منصات الطائرات بدون طيار بكفاءة عالية مقارنة بالمنصات المأهولة، لكنها لا تزال تعتمد على الوقود وتتطلب صيانة مستمرة. على سبيل المثال، تم قياس تكلفة كل ساعة طيران لطائرة RQ-4 Global Hawk (التي اشتُقت منها طائرة Triton المذكورة أعلاه) مؤخراً بمبلغ 18900 دولار أمريكي. هذه المصاريف تضاف إلى تكاليف الاستحواذ الكبيرة.
بينما لاتزال الأجيال القادمة من المركبات البحرية بدون طيار (UMVs) في طور «المراهقة» حالياً مقارنة بصناعة الطائرات بدون طيار الراسخة، فإنها قد تقدم إضافة فعالة من حيث الطاقة والتكلفة لأنظمة المراقبة الجوية. إذا كان من الممكن بناؤها بثمن بخس، فإن المراقبة السلبية من قبل عدد كبير من المنصات الرخيصة يمكن أن تثبت أنها أكثر فعالية من الطائرات بدون طيار.
استنتاج
إلى أين تشير الاتجاهات الحالية؟ تتوسع البلدان حالياً بتجربة إيجاد عالم من الطائرات بدون طيار الجديدة. فالبحرية الأمريكية اختبرت مؤخراً طائرة هليكوبتر بدون طيار، حيث تم إطلاقها من أنبوب تسمى Nomad والطائرة الشراعية الهجينة «السَبّاحة»، وهي طائرة بدون طيار يمكن أن تُطلَق من طائرة، وتطير على سطح الماء، ثم تغوص حتى عمق 200 متر. ولكن ربما يكون خفض أسعار الطائرات بدون طيار الأمر الأكثر أهمية للأمن البحري من التطورات التكنولوجية ونماذج الأنظمة الجديدة.
انخفضت تكاليف الطائرات بدون طيار – الصغيرة والمتوسطة على حد سواء – في السنوات الأخيرة. يبدو من المرجح بشكل متزايد أن الشركات الخاصة، بصفتها جهات أمنية فاعلة غير حكومية، يمكنها تقديم المساعدة لسد فجوة الأمن البحري عندما يتعلق الأمر بهذا الجانب الحيوي من الاقتصاد العالمي. ستكون المستشعرات المحمولة على الطائرات بدون طيار التي يمكنها تحديد هوية السفن ومراقبتها من على بعد أميال عديدة وإرسال المعلومات عنهت تلقائياً إلى المسؤولين في الوقت الفعلي تقريباً متاحة للمؤسسات التجارية. ومع ذلك، فإن إحدى العقبات الرئيسية التي يجب التغلب عليها هي كيفية عمل المشغلين التجاريين ضمن اللوائح والأنظمة الحالية. تفرض سلطات الطيران المدني قيوداً على رحلات الطائرات بدون طيار مما يجعل من الصعب إطلاقها بسرعة في وضع يستلزم الاستجابة السريعة.
سيكون للطائرات بدون طيار دور متزايد الأهمية في الأمن البحري. ومع ذلك، فإن الأمن البحري في نهاية المطاف لا يتعلق بأي قدرة واحدة؛ بقدر ما يتعلق بكيفية تضافر هذه القدرات المختلفة معاً لتشكيل نظام للحكومات غير القادرة – وربما الشركات الخاصة أيضاً- لتوفير تغطية المراقبة البحرية عبر البحار.
المصادر والمراجع:
«Nordic Unmanned & European Maritime Safety Agency (EMSA) Start Sulphur Measurements in World’s Busiest Shipping Lane,» sUAS News, 19 September 2020, https://www.suasnews.com/2020/09/nordic-unmanned-european-maritime-safety-agency-emsa-start-sulphur-measurements-in-worlds-busiest-shipping-lane/
Zoe Hawkins and James Mugg, «Maritime Drones: The Future of Australian Border Security,» ASPI, The Strategist, 16 November 2015.
«MSDF to acquire 20 unmanned helicopters,» Yomiuri Shimbun (Japan), 28 July 2019, https://the-japan-news.com/new/ article/0005902898.
Joseph Trevithick, «New Pods will Allow Reaper Drones to Hunt Submarines and Launch Small Weapons and Drones,» The Drive, 21 January 2021, https://www.thedrive.com/the-war-zone/38843/new-pods-will-allow-reaper-drones-to-hunt-submarines-and-launch-small-weapons-and-drones.
«Anti-piracy Mission Deploys Surveillance Drones,» Maritime Executive, 31 March 2017, https://www.maritime-executive.com/article/anti-piracy-mission-deploys-surveillance-drones.
Tobias Burgers and Scott N. Romaniuk, «Countering the ‘Pirates’ Paradise’: Unmanned Systems and Marine Security in Southeast Asia,» The Diplomat, 26 October 2017, https://thediplomat.com/2017/10/countering-the-pirates-paradise-unmanned-systems-and-marine-security-in-southeast-asia/.
Chris Rawley and Cedric Patmon, «Drones in Africa: A Leap Forward for Maritime Security,» Center for International Maritime Security, 9 October 2018, https://cimsec.org/drones-in-africa-a-leap-ahead-for-maritime-security/
Jose Antunes, «ScanEagle Drone and ViDAR for Maritime Search and Rescue,» Commercial UAV News, 14 December 2016, https://www.commercialuavnews.com/public-safety/scaneagle-drone-vidar-maritime-search-rescue
Government of Australia, Department of Home Affairs, «Future Maritime Surveiliance Capability, https://www.homeaffairs.gov.au/how-to-engage-us-subsite/Pages/maritime-surveillance-capability-project.aspx
«Triton UAV to Enhance US Maritime Surveillance,» iHLS, 17 Nov 2017, https://i-hls.com/archives/79711
Andrea Shalal-Esa, «Costs of Flying Northrop’s Global Hawk down over 50% Sources,» sUAS News, 14 September 2013, https://www.suasnews.com/2013/09/cost-of-flying-northrops-global-hawk-down-over-50-sources/
Patrick Tucker, «The US Navy is Developing Mothership Drones for Coastal Defense,» Defense One, 1 June 2018, https://www.defenseone.com/technology/2018/06/us-navy-developing-mothership-drones-coastal-defense/148671/
بقلم: آش روسيتر
أستاذ مساعد في الأمن الدولي، جامعة خليفة )أبوظبي(