في العاشر من مايو 2020، أعلن الجيش الإيراني مقتل 19 شخصاً وجرح 15 آخرين في حادثة قصف صاروخي تعرضت له سفينة حربية خلال تدريبات في خليج عُمان من قبل سفينة إيرانية أخرى، وأن السفينة الحربية سحبت إلى الشاطئ لإجراء «تحقيقات تقنية». وجاء في بيان على موقع الجيش أنه «خلال تدريبات كانت تقوم بها عدة سفن تابعة لسلاح البحرية في مياه جاسك وشاباهار، تعرّضت سفينة الدعم الخفيفة «كنارك» لصاروخ أطلقته سفينة حربية إيرانية أخرى عن طريق الخطأ خلال تدريب حي على إطلاق النار».
في الحرب، يموت الجنود بثلاث طرق رئيسية: الأولى: بأسلحة العدو، والثانية: حوادث وأخطاء فردية، أما الثالثة: فهي بنيران زملائهم بلا قصد منهم، وهو ما يضع القادة العسكريين في موقف حرج يحاولون دائماً تلافيه وإنكاره، ومعظم تلك الحوادث تقع بسبب عدم التمييز بين العدو والصديق. والنيران الصديقة أمر محتم في الحروب، إذا ما أخذنا في الاعتبار أجواء المعركة، المليئة بالتوتر والضغط. ولهذا، ظهرت أهمية التمييز الدقيق والسريع لأنواع وخواص الأسلحة والمعدات المختلفة، وثبت أنه بدون توافر أنظمة للتمييز على المديات البعيدة، فإن الأسلحة المتقدمة تقنياً، والتي تطلق من بُعْد، يصعب استخدامها دون أن تتعرض الأهداف والقوات الصديقة للحوادث.
ومن المتوقع أن تشمل معظم الصراعات المستقبلية قوات حليفة، أو متحالفة، ويتطلب ذلك توفير طريقة خالية من التعقيد والغموض لتمييز هذه القوات. ولذلك فإن العامل المشترك الذي يشغل تفكير المخططين العسكريين في معركة الأسلحة المشتركة الحديثة هو السيناريو المعقَّد للأنظمة، والأسلحة، والمعدات في ساحات المعركة وسماواتها بصورة تعقَّدت معها مشكلة تمييز الصديق من العدو، نتيجة الحركية العالية، وتعقُّد وكثافة الطيف الكهرومغناطيسي، علاوة على قصر الأزمنة المتيسرة لإجراءات رد الفعل، ومواجهة التهديد، مما يتطلب استخدام أنظمة تمييز تعمل في الظروف المعقدة أثناء وجود طيران كثيف في الجو، وسفن متعددة في البحر، ومركبات قتال على أرض المعركة، ليتم تمييز كل هذه الأهداف على الشاشات، دون تداخل إحداها مع الأخرى.
أسباب حوادث النيران الصديقة
ترجع أسباب حوادث النيران الصديقة، بصفة عامة، إلى عوامل عديدة، منها:
1 - نقص في الإجراءات اللازمة للسيطرة على النيران والمناورة والتحركات.
2 - التقصير في القدرة على الملاحة الأرضية.
3 - عدم متابعة سير المعركة ورفع التقارير اللازمة في الزمان والمكان المحددين.
4 - الجهل بالمواقع الخطرة في ميدان القتال، مثل الموانع الهندسية وحقول الألغام.
5 - عدم القدرة على التمييز المباشر للقوات الصديقة والقوات المعادية.
6 - عدم وضوح الأوامر والتعليمات المتلقاه من قادتهم.
7 - انخفاض مستوى التدريب لدى العسكريين.
مشكلة الماضي والحاضر والمستقبل
حوادث النيران الصديقة قديمة. وفي الماضي، كان معظم الأسلحة المستخدمة ذات مدى قصير نسبياً، وكانت تستخدم في الرماية المباشرة، بالإضافة إلى أن القدرة التدميرية لتلك الأسلحة كانت محدودة نسبياً. وفي العصور الوسطى، استخدم الفرسان الشارات المميزة بألوان زاهية على دروعهم للتمييز، ثم استخدمت ألوان الملابس العسكرية كوسيلة لتمييز القوات المتحاربة. وكثرت حوادث إصابة الجنود في الخنادق في الحرب العالمية الأولى بنيران مدافع صديقة تطلق من خلفهم، ولم تكن هناك وسيلة لابلاغ أطقم هذه المدافع بالخطأ لتصحيحه، وكان سلاح المدفعية هو المسؤول دائماً عن الإصابات بالنيران الصديقة، نظراً لعدم دقة التصويب، وطول المدى، وبالتالي، إطلاق النيران على أهداف غير مرئية. وقدرت بعض الدراسات عدد الجنود الذين قتلوا في الحرب العالمية الأولى بالنيران الصديقة بحوالي 75 ألف جندي.
وخلال الحرب العالمية الثانية، وعندما كانت تحشد قوات ضخمة من الآليات العسكرية، أو عندما كانت تجرى عمليات إبرار بحري أو اقتحام، كان يعطى للدعم الجوي الحق في ممارسة عملياته في مسرح القتال، وكان على الطيارين أن يميزوا أسلحة القوات الصديقة من أسلحة العدو، ولذلك، كانت توضع علامات واضحة، متفق عليها، فوق هذه الأسلحة. وبالرغم من ذلك، حدثت خسائر في صفوف الجنود، وأسقط العديد من الطائرات بالنيران الصديقة، وبلغت الخسائر في الجنود الأمريكيين بالنيران الصديقة حوالي 10 % من إجمالي الخسائر الأمريكية، وعلى إثر ذلك تم تحديد مناطق مُنِعَ الطيران من دخولها على ارتفاع منخفض، وكانت بطاريات المدافع المضادة للطائرات تطلق النار على أية طائرة تحلق على ارتفاع يقل عن 1000 متر، إلا أن هذا الإجراء لم يُكتب له النجاح، لأن الطائرات الصديقة اضطرت مراراً إلى التحليق فوق المناطق الممنوعة، بسبب ظروف القتال الجوي، أو بسبب أخطاء ملاحية. وكانت الطائرات الحربية خلال خمسينات القرن الماضي تعتمد على الرؤية المباشرة في تمييز الأهداف المعادية، وكان طياروها لا يثقون كثيراً في أجهزة تمييز الطائرات المعادية والصديقة. وتجاوزت سرعات الطائرات الحديثة حاجز الصوت، وتضاءل زمن رد الفعل المطلوب من طياري المقاتلات إلى ثوانٍ قليلة، كما تزايد مدى العمل لوسائل النيران والصواريخ الحديثة، بحيث أصبحت قادرة على تهديد أهدافها خارج مدى الرؤية. وإضافة إلى ذلك، ظهرت مشاكل في تمييز الطائرات المتشابهة في الشكل الخارجي، مثل مجموعة F 15 و«سوخوي 27» أو مجموعة «ميج- 23» و«ميراج 3»، كما ظهرت مشاكل في تمييز الغواصات باستخدام أجهزة السونار التقليدية. وفي حرب فيتنام، تراوحت نسبة الإصابة بين الجنود الأمريكيين بالنيران الصديقة بين 15 % و20 % من إجمالي الإصابات. وأثناء الغزو الأمريكي لبنما، ذكرت تقارير أن حوالي 60 % من الإصابات بين الجنود الأمريكيين، التي بلغت 347 إصابة، كان سببها النيران الصديقة. ووفقاً لبيانات البنتاجون، فإن النيران الصديقة في عاصفة الصحراء قتلت 35 عسكرياً، وجرحت 72 آخرين في 28 حادثة، ووقعت 16 من هذه الحوادث في قتال على الأرض، ونتج عنها مقتل 24 جندياً، وجرح 57، بينما قُتل 11 جندياً وجرح 15 في 9 حوادث تم خلالها إطلاق النيران من الطائرات على قوات برية. ووفقاً لمصادر البنتاجون أيضاً فإنه في حادثتين فقط قتل 14 جندياً، ففي 29 يناير 1992، أطلقت طائرة من طراز A-10، تابعة للقوات الجوية الأمريكية، صاروخ «مافريك» ليصيب، بطريق الخطأ، مركبة قتال خفيفة تابعة لمشاة البحرية الأمريكية، ويقتل سبعة جنود ويصيب اثنين.
وبدون توافر نظم تمييز بين الطائرات، فإن الأسلحة جو/جو التي تطلقها الطائرات، يمكنها أن تصيب- بطريق الخطأ- الطائرات الحربية الصديقة. وعلى سبيل المثال، أصيبت طائرة «جاجوار» بريطانية فوق ألمانيا (الغربية) يوم 25 مايو 1981 بصاروخ «سيدويندر»، أطلق من طائرة «فانتوم» بريطانية، نتيجة خطأ في جهاز التمييز.
والمثير أن التطور التقني يمكن أن يكون سبباً مباشراً في زيادة حوادث النيران الصديقة، فعلى سبيل المثال، وفي ظل استخدام أشعة الليزر وأجهزة نظام تحديد الموقع GPS فإن القوات تميل إلى مزيد من الثقة أنها تستطيع الاقتراب من قواتها الصديقة بصورة أكبر، وهنا يزداد الخطر. ومن بين الأمثلة على ذلك ما حدث في أفغانستان بعد فترة قصيرة من دخول القوات الأمريكية هذه الحرب، حيث سقطت قنبلة أمريكية تزن ألفي رطل بالقرب من أحد السجون في مدينة مزار شريف، مما أسفر عن إصابة عدد من الجنود الأمريكيين وجنود التحالف الشمالي الموالي لأمريكا أثناء معركة للسيطرة على هذا السجن. وقد وقع هذا الحادث نتيجة قيام جندي أمريكي بتغيير بطاريات جهاز الـGPS الذي يوجه القنبلة، وإهمال الجندي إعادة تحديد الإحداثيات الخاصة بالجهاز، وهو ما يعني أن القنبلة التي ألقتها طائرة أمريكية ذهبت إلى مكان وجود القوات الأمريكية وحلفائها بدلاً من السقوط فوق مكان تواجد الأعداء.
أساليب التمييز الإلكتروني
التمييز الإلكتروني بين الأهداف الصديقة والمعادية يعني التعرف على الهدف بإرسال إشارة استجواب مشفرة تجاهه، فإذا كان الهدف صديقاً استطاع استقبال الإشارة، وأرسل الرد في صورة إشارة أخرى مشفرة أيضاً، ويكون ذلك بمثابة تمييز الهدف بأنه «صديق»، وإذا لم تستقبل إشارة من الهدف فهو «عدو». ولقد بدأت الحاجة إلى أساليب التمييز الإلكتروني مع استخدام الرادار في الأغراض العسكرية عام 1939، ومنذ ذلك الحين، أصبحت أنظمة التمييز من العناصر الرئيسية، والتي يتم تطويرها باستمرار، حتى تواكب التطورات الحديثة فى أجهزة الرادار. وبدون توافر أنظمة تمييز مع الطائرات، فإن الأسلحة بعيدة المدى، التي تطلقها هذه الطائرات، يمكنها أن تصيب- بطريق الخطأ- الطائرات الصديقة، سواء العسكرية أو المدنية. وباستخدام أنظمة التمييز جو/جو يمكن لقائد الطائرة التعرف على الهدف الصديق دون الاعتماد على مركز التوجيه الأرضي.
وتستخدم الولايات المتحدة نظاماً يطلق عليه اسم Mark XII، وهو يستخدم أيضاً في كل من ألمانيا وكندا وهولندا، في حين تستخدم القوات الجوية الملكية البريطانية نظاماً خاصاً بها يعرف باسم Mark X. وفي عام 1974، بدأت بريطانيا في إنتاج نظام تمييز لتغطية احتياجات الأسطول والقوات الجوية، وإحلاله تدريجياً محل نظام Mark X، ويعمل هذا النظام بأسلوبين: الأسلوب الأول، ويعتمد على النبضات الإشارية المرسلة لاستيضاح هوية الأهداف المجهولة، أما الأسلوب الثاني فهو سلبي، حيث يستقبل الموجات المنبعثة من الأهداف.
والنظام IFF3500 يستخدم مع طائرات «تورنادو» و«نمرود» و«فانتوم»، العاملة مع سلاح الطيران الملكي البريطاني، وكذلك تم تركيب نفس الجهاز مع الطائرات العمودية من طراز «سيكينج» التي تعمل مع البحرية الأمريكية، وهذا الجهاز مجهز بهوائي، ويمتاز بالدقة العالية في تحديد زاوية السمت للهدف الجوي. وظهرت أنواع مختلفة متطورة من أنظمة التمييز التي تستخدم مع وحدات الدفاع الجوي، مثل نظام التمييز IFF890، والذي تم تطويره إلى النظام IFF891B، والممكن استخدامه مع النظام الصاروخي RBS-70، حيث يزود عامل إطلاق الصاروخ بإجابة التمييز بالسرعة المطلوبة للطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة، مع إمكانيات إجراء الربط الإلكتروني بين دوائر التحكم في إطلاق الصاروخ وإجابة جهاز التمييز، والذي يمنع الإطلاق في حالة استقبال إجابة من الطائرة الصديقة. وتطورت أيضاً أجهزة التمييز المستخدمة مع الصواريخ المضادة للطائرات، المحمولة على الكتف، لتعمل هذه الأجهزة بالبطاريات، وتصبح خفيفة الوزن، وتتواءم مع ظروف الاستخدام، من حيث أسلوب تمييز الأهداف.ويستخدم حلف الناتو حالياً نظام التمييز Mark XV، ومن نقاط ضعفه قِصَرُ المدى، وضعف المقاومة لأساليب الإعاقة، وقد اعتمد تصميمه على نفس فكرة عمل نظام Mark XII، ولكن باستخدام تقنية متطورة لتقليل التداخلات وإشارات الإنذار الكاذبة. وطور حلف «ناتو» نظام NIS Q&A لتمييز الطائرات الصديقة باستخدام التغيير الآلي للكود، وتُغذيه مجموعة من وسائل الرصد والاستشعار المتنوعة، والتي تصب فيه كمية هائلة من البيانات والمعلومات المختلفة ليقوم الحاسب بالدراسة والتحليل والمقارنة والتنبؤ والاستنتاج للتغلب على الصعوبات التي تمثلها طبيعة الطائرات والأهداف المتطورة، التي روعي في إنتاجها تفادي وسائل الاكتشاف. وتُوَفِّرُ إمكانيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في النظام إمكانية تمييز الأهداف التي تم تعديل شكلها الخارجي أو تغييره بهدف الخداع، أو لأي غرض آخر، كإضافة خزانات وقود إضافية تحت جناح الطائرة، مثلاً، أو تجهيز قطعة بحرية بنظام صاروخي إضافي للدفاع الذاتي، الأمر الذي يدفع وسائل التمييز التقليدية، التي تعتمد على الصور الجاهزة والثابتة، إلى أخطاء. وتتيح التقنيات الحديثة إمكانية وجود نظام التشفير الآلي لكل دولة على حدة، في نفس الوقت، بمواصفات مختلفة، لتحقيق أغراض السرية المطلوبة. ويتكلف برنامج النظام حوالي 6 مليارات دولار، ويشترك في إنتاجه فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ويهدف إلى تحقيق التمييز بين الطيارين الأمريكيين من جهة، والأوروبيين من جهة أخرى، على مديات طويلة، خلال ظروف المعركة الحقيقية.
وطورت أنظمة جديدة للتمييز بين الصديق والعدو، بحسب مقاييس حلف شمال الأطلسي «ناتو»، ستزوّد بها بطاريات إطلاق صواريخ «ميسترال» التابعة للجيش الفرنسي، ومحطات القيادة والسيطرة «مارثا» الخاصة بالدفاع الجوي الفرنسي، والمركبات المدرعة التي تطلق صواريخ «كروتال» CROTALE NG من الجيل الجديد التابعة لسلاح الجو الفرنسي. ونظام التمييز MSR 1000 I تم تطويره حديثاً للعمليات في المدى القريب والقريب جداً، ليناسب منصات مختلفة، مثل منصات صواريخ ستينجر، أو منصات الصواريخ الألمانية LeFlaSys، أو HVM البريطانية. وبمقدوره التعرف بسرعة وبطريقة آمنة على الطائرات، عبر استعمال تقنيات ترميز معقدة لتفادي تداخل الإشارات اللاسلكية المعادية، وبذلك يتغلب على محدوديات أنظمة التمييز الحالية، ويسهل عمل القادة بمساعدتهم على اتخاذ القرار بالاشتباك مع الطائرات أم لا.
تمييز الأهداف البرية
في ظروف المعركة البرية، حيث يحجب الغبار والدخان والضباب الرؤية المباشرة، تصبح وسائل التمييز التقليدية عاجزة عن الاستجابة لمواقف المعركة المتغيرة باستمرار، مما يجب معه ضرورة توفير نوع من أجهزة تمييز الأهداف البرية للتأكد من هويتها. ولذلك، يخطط العديد من الجيوش لتزويد مركباتهم بأجهزة تمييز إلكترونية، مع ربط هذه الأجهزة بشبكات القيادة والسيطرة في الميدان، بدلاً من أن تكون مجرد أجهزة للإرسال والاستقبال. وتستخدم القوات الأمريكية أجهزة تمييز على المركبات، تعتمد في عملها على إرسال الأشعة تحت الحمراء، التي يمكن استقبالها بواسطة أجهزة رؤية ليلية مع المركبات والطائرات، على مسافة حتى خمسة أميال، كما تستخدم لوحات فلورسنت برتقالية فوق المركبات، لسهولة تمييزها بواسطة الطائرات.
والمنارات الليزرية عبارة عن مصادر إشعاع ليزري في طول موجي معين لتحقيق التمييز بين الصواريخ الصديقة التي تركِّب شعاع الليزر وبين الأهداف المعادية، وخصوصاً في حرب المدن، حيث يقوم العملاء أو القوات الخاصة برمي المنارة الليزرية بالقرب من الهدف المراد تدميره، والذي يمكن أن يكون مقر تجمّع للمقاتلين، أو مخزن ذخيرة، ثم تجيء الطائرات المسيرة، والتي يمكنها إطلاق الصاروخ الموجَّه بالليزر ليرشق بالهدف في إصابة مباشرة ومدمّرة. وأثناء حرب تحرير الكويت، كان الإجراء المتبع لمواجهة الإصابة بالنيران الصديقة هو تمييز جميع مركبات قوات التحالف بعلامة V المقلوبة، والتي كان يتم رسمها بطلاء عاكس للأشعة تحت الحمراء. واستخدمت القوات الأمريكية أيضاً عنصراً تنبعث منه أشعة تحت الحمراء، يمكن رؤيتها بواسطة النظارات الليلية، من على مسافة 1.2 ميل.
وفي إطار تطوير منظومة مقاتل المستقبل الفرنسية، هناك أجهزة تم تطويرها للجيش الفرنسي، مثل جهاز التمييز BIFF، الذي تم إنتاجه للوفاء بمتطلبات حلف الناتو، وتم اختبار الجهاز على دبابات القتال، ومركبة الاستطلاع AMX-10RC وحاملة الجند المدرعة VAB، ويتكون الجهاز من مستجوب/ مجيب ذاتي التشغيل، ويمكن تحميله من الخارج على أي سطح حامل.
اتجاهات التطوير والتحديث
يلزم أن يتعرف جهاز التمييز على الأنواع المختلفة من الأهداف، فقد يُواجَه قائد الدفاع الجوي بأنواع مختلفة من الطائرات، منها المقاتلات، وطائرات النقل، والطائرات العمودية، والقاذفات، حيث إن لكل نوع منها إشارته الخاصة به على شاشة الرادار، ولكن هذه الإشارات غير كافية لتمييز الطائرة، نظراً لاشتراك معظم الطائرات في خواص فنية معينة، وكذلك عدم القدرة على التفريق بين ما هو صديق وما هو معادٍ من نفس النوع. وكان المَخْرَج من هذه المشكلة هو اللجوء إلى وسائل جديدة للرصد والمراقبة والاستشعار «رادارية- حرارية- صوتية- بصرية- سونار- ليزرية- لاسلكية»، بحيث توفر هذه الوسائل أكبر قدر من البيانات التفصيلية عن خواص وطبيعة وموقع الهدف، ثم يتم معالجة هذه البيانات باستخدام حاسبات آلية، يمكنها تجميع واستقراء هذه البيانات والمعلومات التفصيلية، واستخراج صورة قريبة للهدف، ثم مقارنتها بالصور المختزنة فى وحدات الذاكرة لتمييز الهدف بقدر كبير من الدقة، وفي زمن قصير نسبياً، مما يسمح بالتعامل مع الهدف في الوقت والمكان المناسبين. والحاسبات الآلية المستخدمة حالياً لا تتمتع كلها بالمواصفات المطلوبة لإنجاز هذه المهمة، ولذلك، يجري بناء حاسبات أسرع يمكنها التعامل مع الطائرات الخفية، وغواصات الهجوم النووية.
ومن الملامح الرئيسية لأنظمة التمييز الجديدة اعتمادها على تقنيات خاصة لتحقيق مهامها، مثل استخدام تقنية التعرف على الأشكال Pattern Recognition، التي تستخدم أساليب جديدة لمعالجة البيانات المستقبلة من عناصر الرصد والاستشعار والمراقبة، كما تستخدم لغات جديدة للتعامل مع الحاسبات فائقة السرعة، بحيث يحاول الحاسب «استنتاج» طبيعة ونوع الهدف، واستكمال الأجزاء الناقصة من البيانات، أو «استنتاج» ملامح الهدف بالاعتماد على البيانات المُخَزَّنة في ذاكرته، وهي مهمة لا تستطيع الحاسبات التقليدية القيام بها، حتى الآن.
ومن الأساليب الجديدة التي تستخدم في أنظمة التمييز الحديثة أسلوب Aided Target Acquisition Classification System، والذي يقوم بتجميع البيانات الواردة من ثلاثة مصادر، هي:
1 - نظام مراقبة ورصد يعمل بالأشعة تحت الحمراء، ويوفر صورة وصفية غير كاملة التفاصيل للهدف.
2 - نظام مراقبة ليزري يوفر صورة للهدف، تعتمد دقة تفاصيلها أساساً على مدى عمل الهدف المطلوب.
3 - نظام مراقبة راداري يعمل في حيز الموجات المليمترية، ويوفر صورة أكثر تفصيلاً للهدف، ومعالم الموقع المحيط به، ويمكن تحديد طبيعة الهدف، إن كان مجنزراً أو على عجل (في حالة الأهداف الأرضية).
ويقوم الحاسب الخاص بالنظام بتجميع ومعالجة هذه البيانات من مصادرها الثلاثة، في شكل نبضات رقمية، بنظام سري مؤمن، وبأسلوب رياضي استنتاجي، يعتمد على الاستدلال المنطقي وليس على مجرد الحسابات الجامدة التي تعمل بها الحواسب التقليدية، وباستغلال إمكانيات النظام الأخرى، وبيانات الأهداف المختزنة فيه، يمكن تمييز الهدف. وتستخدم أنظمة التمييز الحديثة أيضاً تقنية المعالجة المتوازية لاختصار الوقت اللازم للتمييز. ولزيادة إمكانية هذه الأنظمة في تمييز الأهداف، يتم مراقبة الاتصالات اللاسلكية للهدف المطلوب التعرف عليه وتحليلها للتعرف على جنسيته (من اللغة المستخدمة) وطبيعة أعماله المحتملة (من مضمون الرسائل المتبادلة)، إلى جانب استخلاص إحداثيات موقعه وتغذية شبكة رادار المراقبة بها، لتتولى بدورها ملاحقة الهدف وتعقبه، وهي مهمة تستلزم مهارات عالية لدى أطقم التشغيل في الحالات العادية، وتتولى الحاسبات الآلية هذه المهام لضمان السرعة والدقة في استخلاص النتائج وتقليل احتمالات الخطأ والبلاغات الكاذبة.
وتستلزم عملية تمييز الأهداف الاعتماد على أجهزة ووسائل استشعار سلبية، لضمان تأجيل تنبيه الهدف إلى وجود نظام التمييز، أو إنذار بدخوله في مجال عمله إلى آخر لحظة ممكنة، وتأجيل استخدام وسائل الرصد الإيجابية (مثل الرادار) إلا في المراحل المتأخرة، لتأكيد البيانات قبل الاشتباك مباشرة. والسرية المطلوبة لأنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات بصفة عامة، ولأنظمة التمييز بصفة خاصة، أصبح لها أهمية كبرى، حيث تتطلب هذه السرية ضرورة وجود نظام تشفير آلي لأنظمة التمييز، وأن تكون قادرة على مجابهة الإعاقة الإلكترونية بأنواعها المختلفة.
الخلاصة
عندما تتعرض القوات المسلحة لأي دولة لخسائر في الأرواح أو المعدات، فلا شك أن ذلك يكون له تأثيرات سلبية على تلك القوات، قد يكون أهمها الروح المعنوية، خاصة إذا شاع بين تلك القوات أن هذه الخسائر كانت نتيجة لنيران قوات صديقة. ونظراً للخطوات الواسعة التي تطورت بها الحرب الحديثة وتنوع وتطور الأسلحة المستخدمة، فإن الإجراءات اللازمة لمنع الإصابة بنيران صديقة تطورت هي الأخرى، ومازال يتم تطويرها وتحديثها طبقاً للخبرات المكتسبة أثناء الحروب. ويمكن القول إنه لا يوجد نظام للتمييز بين العدو والصديق مؤمن ضد الاستخدام الخاطئ، وهذا ما كشفت عنه حروب السنوات الأخيرة.
» لواء د./ علي محمد علي رجب (باحث عسكري وخبير استراتيجي)