Close-up image depicting hands working on a futuristic touchscreen interface with holographic displays. The scene conveys high-tech innovation, technology advancement, and modern interface design.

الهندسـة الرقمية وتعزيز الهيمنة العسكرية

أدت‭ ‬التغيرات‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي،‭ ‬بفعل‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬نماذج‭ ‬التصميم‭ ‬التقليدية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تمخض‭ ‬عنه‭ ‬ظهور‭ ‬أدوات‭ ‬جديدة‭ ‬لتحديث‭ ‬ودعم‭ ‬هيكل‭ ‬القوة‭ ‬المتكاملة،‭ ‬فقد‭ ‬أضحت‭ ‬عملية‭ ‬تحديث‭ ‬أنظمة‭ ‬ومعدات‭ ‬عسكرية‭ ‬جديدة،‭ ‬والتي‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬المهام‭ ‬الحالية‭ ‬والمستقبلية،‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬محددات‭ ‬المنافسة‭ ‬الراهنة‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬محاولة‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬تحقيق‭ ‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الجديد‭. ‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬عمليات‭ ‬الهندسة‭ ‬والاستحواذ‭ ‬التقليدية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬فعالة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬المتغيرة‭ ‬والمتزايدة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ظهور‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية،‭ ‬كمقاربة‭ ‬جديدة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬الحوسبة‭ ‬وإدارة‭ ‬البيانات‭ ‬والقدرات‭ ‬التحليلية‭ ‬والنمذجة‭. ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬دمج‭ ‬النماذج‭ ‬الرقمية‭ ‬مع‭ ‬عمليات‭ ‬المحاكاة‭ ‬والبدائل‭ ‬والأنظمة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوفر‭ ‬رؤية‭ ‬متكاملة‭ ‬للتنبؤ‭ ‬الدقيق‭ ‬بمستوى‭ ‬أداء‭ ‬أنظمة‭ ‬التسليح‭ ‬الجديدة‭.‬

تطور‭ ‬مفهوم‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية

لطالما‭ ‬اعتمدت‭ ‬الشركات‭ ‬العسكرية‭ ‬على‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬لبناء‭ ‬أنظمة‭ ‬التسليح‭ ‬المختلفة،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬التصميمات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬لتبدأ‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عملية‭ ‬تصنيع‭ ‬النماذج‭ ‬الأولية‭ ‬المادية،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬تقييم‭ ‬أدائها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭ ‬وإجراء‭ ‬التعديلات‭ ‬عليها‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬أوجه‭ ‬القصور‭ ‬التي‭ ‬كشفتها‭ ‬عملية‭ ‬التجربة‭ ‬العملية،‭ ‬وأخيراً‭ ‬تَعْمَد‭ ‬الشركات‭ ‬لطرح‭ ‬المنتج‭ ‬النهائي‭ ‬بعد‭ ‬تلافي‭ ‬العيوب‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬النموذج‭ ‬الأولي‭. ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬عملية‭ ‬إنتاج‭ ‬سلاح‭ ‬جديد‭ ‬تمر‭ ‬بمرحلة‭ ‬طويلة‭ ‬وتستغرق‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭. ‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الراهنة،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬ملامحها،‭ ‬عمدت‭ ‬الصناعات‭ ‬العسكرية‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الثورة،‭ ‬عبر‭ ‬تطوير‭ ‬أدوات‭ ‬النمذجة‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬محاكاة‭ ‬كاملة‭ ‬ودقيقة‭ ‬لدورة‭ ‬حياة‭ ‬السلاح،‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬التصميم‭ ‬وصولاً‭ ‬للإنتاج‭ ‬والتجريب‭ ‬وعمليات‭ ‬الصيانة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تسمح‭ ‬هذه‭ ‬النمذجة‭ ‬بتقليص‭ ‬المدة‭ ‬الزمنية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتصميم‭ ‬وبناء‭ ‬واختبار‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬افتراضياً‭ ‬وبدرجة‭ ‬دقة‭ ‬عالية،‭ ‬وكذا‭ ‬بتكلفة‭ ‬أقل،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬علمية‭ ‬التصنيع‭ ‬الفعلي‭.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الهندسة‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬البرامج‭ ‬والملفات‭ ‬بشكل‭ ‬تعاوني،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬بعض‭ ‬البرامج،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬Google Docs‭ ‬أو‭ ‬Microsoft Teams،‭ ‬فإن‭ ‬مشروعات‭ ‬الاستحواذ‭ ‬المعقدة‭ ‬وواسعة‭ ‬النطاق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬وصول‭ ‬كافة‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬الوثائق‭ ‬والنماذج‭ ‬والمعلومات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالبرنامج،‭ ‬فقد‭ ‬ساعدت‭ ‬التطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والحوسبة‭ ‬السحابية‭ ‬والبيانات‭ ‬الضخمة‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬ممارسات‭ ‬الهندسة‭ ‬الراسخة،‭ ‬تمثلت‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ«الهندسة‭ ‬الرقمية‮»‬‭. ‬والتي‭ ‬عرَّفتها‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬نهج‭ ‬رقمي‭ ‬متكامل‭ ‬يستخدم‭ ‬مصادر‭ ‬موثوقة‭ ‬لبيانات‭ ‬النظام‭ ‬والنماذج‭ ‬عبر‭ ‬التخصصات‭ ‬المختلفة‭ ‬لدعم‭ ‬أنشطة‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬النظام‮»‬‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬النماذج‭ ‬لتلبية‭ ‬متطلبات‭ ‬عمليات‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الدفاعية‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬اتجاهاً‭ ‬حديثاً،‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬القادة‭ ‬العسكريون‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هندسة‭ ‬النظم‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬التعقيدات‭ ‬المتزايدة‭ ‬لبرامج‭ ‬استحواذ‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع،‭ ‬وهي‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬نهج‭ ‬للتصميم‭ ‬والإدارة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬البرامج‭ ‬الخاصة‭ ‬بالقدرات‭ ‬الدفاعية‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬متكامل‭ ‬وشامل‭ ‬عبر‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬البرنامج،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬أجزائه‭ ‬المعزولة،‭ ‬وقد‭ ‬شكل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬نقطة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬احتمالات‭ ‬عدم‭ ‬توافق‭ ‬هذه‭ ‬الأجزاء‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالجدول‭ ‬الزمني‭ ‬المحدد،‭ ‬لكن‭ ‬هندسة‭ ‬النظم‭ ‬ظلت‭ ‬معتمدة‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬النماذج‭ ‬المادية‭ ‬والوثائق‭ ‬الورقية‭ ‬حتى‭ ‬بدأ‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الحوسبة‭ ‬والبرمجيات‭ ‬والنمذجة‭ ‬باستخدام‭ ‬أدوات‭ ‬مثل‭ (‬CAD‭) ‬و‭(‬CAM‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬ثمانينات‭ ‬وتسعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬فرصة‭ ‬لإنجاز‭ ‬المهام‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬وبدقة‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شركات‭ ‬المقاولات‭ ‬الدفاعية‭ ‬الكبرى‭. ‬

ووصولاً‭ ‬لمطلع‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬ظهر‭ ‬مفهوم‭ ‬آخر‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬‮«‬هندسة‭ ‬الأنظمة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬النماذج‮»‬‭ (‬MBSE‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬استبدال‭ ‬الوثائق‭ ‬الورقية‭ ‬للتصميم،‭ ‬كالمخططات‭ ‬ثنائية‭ ‬الأبعاد‭ ‬ووثائق‭ ‬متطلبات‭ ‬البرنامج‭ ‬وعملية‭ ‬اختبار‭ ‬النماذج‭ ‬الأولية،‭ ‬بالنماذج‭ ‬الرقمية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬‭(‬CAD‭)  ‬و‭(‬CAM‭)‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬مثلت‭ (‬MBSE‭) ‬تطوراً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬البرامج،‭ ‬فقط‭ ‬أتاحت‭ ‬للمهندسين‭ ‬وأصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬باستخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬المحاكاة‭ ‬والاختبار‭ ‬الرقمي‭ ‬لإنشاء‭ ‬واختبار‭ ‬التصميميات‭ ‬الجديدة‭. ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬ظلت‭ ‬تطبيقات‭ (‬MBSE‭) ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬النماذج‭ ‬المنعزلة‭ ‬غير‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬القرارات‭ ‬والوظائف‭ ‬المختلفة‭ ‬عبر‭ ‬مختلف‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬جاءت‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬لتعالج‭ ‬هذه‭ ‬الإشكاليات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ (‬MBSE‭) ‬وأدوات‭ ‬البرمجيات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمعالجة‭ ‬السحابية‭ ‬وتحليلات‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة‭ ‬بالإضافة‭ ‬للشبكات‭ ‬عالية‭ ‬السرعة‭. ‬حيث‭ ‬تسمح‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬بإنشاء‭ ‬نماذج‭ ‬أولية‭ ‬افتراضية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬لأنظمة‭ ‬التسليح‭ ‬الجديدة‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬بناء‭ ‬النموذج‭ ‬المادي‭ ‬الأولي،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إنشاء‭ ‬توائم‭ ‬رقمية‭ ‬للمعدات‭ ‬الموجودة‭ ‬بالفعل‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تتيح‭ ‬إمكانية‭ ‬تسريع‭ ‬كافة‭ ‬مراحل‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬البرنامج،‭ ‬وتحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬أنشطته،‭ ‬مع‭ ‬تسهيل‭ ‬الاختيارات‭ ‬الفنية‭ ‬والتصميمية‭ ‬الدقيقة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬وسرعة‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وضمان‭ ‬الرقابة‭ ‬الشاملة‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬البرنامج‭. ‬ومع‭ ‬التقدم‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬وتحليلات‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة‭ ‬والحوسبة‭ ‬السحابية‭ ‬وقدرات‭ ‬التخزين‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تزايدت‭ ‬أهمية‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬ممكناً‭ ‬تخزين‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬ومشاركتها‭ ‬باستخدام‭ ‬شبكات‭ ‬آمنة‭ ‬تتيح‭ ‬لأصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬الوصول‭ ‬للبرنامج‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت،‭ ‬وعندما‭ ‬يقوم‭ ‬المهندسون‭ ‬بإجراء‭ ‬أي‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬التصميم،‭ ‬يتم‭ ‬تحديث‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭ ‬فوراً‭ ‬ونشرها‭ ‬لكافة‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوفر‭ ‬درجة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬والتنسيق‭.‬

دور‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬دورة‭ ‬الاستحواذ‭ ‬والتطوير‭ ‬الدفاعي

في‭ ‬إطار‭ ‬التحولات‭ ‬المتسارعة‭ ‬في‭ ‬وتيرة‭ ‬التهديدات‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬المعاركة‭ ‬الحديثة،‭ ‬تعمل‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬الدفاعية‭ ‬للجيوش،‭ ‬ودمج‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬القديمة‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬ميزة‭ ‬تنافسية‭ ‬ضد‭ ‬الخصوم‭ ‬ودرجة‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬الاستعدادية‭. ‬وقد‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التطوير‭ ‬الدفاعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬جوانب‭ ‬رئيسية،‭ ‬يتمثل‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬عمليات‭ ‬التصميم‭ ‬للنماذج‭ ‬الأولية،‭ ‬حيث‭ ‬تعمل‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬مراجعات‭ ‬التصميم،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬تطوير‭ ‬ونمذجة‭ ‬الأنظمة‭ ‬الجوية‭ ‬غير‭ ‬المأهولة،‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬مركبات‭ ‬القتال‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ ‬التالي،‭ ‬فباستخدام‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬يتم‭ ‬محاكاة‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬بدقة‭ ‬عالية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتمخض‭ ‬عنه‭ ‬تصميمات‭ ‬محسنة‭ ‬مع‭ ‬تقليص‭ ‬الوقت‭ ‬اللازم‭ ‬للانتقال‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬التصميم‭ ‬إلى‭ ‬النماذج‭ ‬الأولية‭ ‬الوظيفية‭. ‬وبالتالي‭ ‬ربما‭ ‬تسمح‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬بتقليص‭ ‬الوقت‭ ‬المطلوب‭ ‬لطرح‭ ‬الابتكارات‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬بنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬50‭ %.‬

يتمثل‭ ‬الجانب‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬في‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الناشئة،‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬النمذجة‭ ‬والمحاكاة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬ترسانة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬التقنيات‭ ‬المتقدمة‭ ‬مع‭ ‬الأنظمة‭ ‬القديمة،‭ ‬والتي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تبسيط‭ ‬العمليات‭ ‬ورفع‭ ‬فاعلية‭ ‬وموثوقية‭ ‬الأصول‭ ‬العسكرية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬كحماية‭ ‬استباقية‭ ‬ضد‭ ‬المشكلات‭ ‬المحتملة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الجيش‭ ‬على‭ ‬الاستجابة‭ ‬السريعة‭ ‬للمتطلبات‭ ‬التشغيلية،‭ ‬ويمتد‭ ‬هذا‭ ‬التكامل‭ ‬أيضاً‭ ‬لمجال‭ ‬الصيانة‭ ‬والاستدامة،‭ ‬حيث‭ ‬تساعد‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬على‭ ‬التنبؤ‭ ‬بمتطلبات‭ ‬الصيانة‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق،‭ ‬مما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬وقت‭ ‬التوقف‭ ‬المكلف‭ ‬ويضمن‭ ‬توافر‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬الجاهزية‭ ‬التشغيلية‭ ‬مع‭ ‬إطالة‭ ‬العمر‭ ‬التشغيلي‭ ‬للمعدات‭ ‬العسكرية‭. ‬

أما‭ ‬الجانب‭ ‬الثالث‭ ‬فيرتبط‭ ‬بزيادة‭ ‬نقاط‭ ‬اتصال‭ ‬المقاتلين،‭ ‬إذ‭ ‬تسمح‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬بإجراء‭ ‬تجارب‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬وبسرعة‭ ‬أكبر،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للجنود‭ ‬أن‭ ‬يتلقوا‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬أحدث‭ ‬التدريبات‭ ‬وأكثرها‭ ‬واقعية‭ ‬على‭ ‬التقنيات‭ ‬المتقدمة‭ ‬وباستخدام‭ ‬أدوات‭ ‬متطورة‭ ‬تحاكي‭ ‬بدقة‭ ‬عالية‭ ‬الواقع‭ ‬الفعلي‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬الاستعدادية،‭ ‬كما‭ ‬يسمح‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬بتخصيص‭ ‬المعدات‭ ‬للاحتياجات‭ ‬الدقيقة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالوحدات‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فالقدرة‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬تعد‭ ‬محدداً‭ ‬مهماً‭ ‬لتعزيز‭ ‬الفاعلية‭ ‬الشاملة‭ ‬واستعداد‭ ‬وحدات‭ ‬الجيش‭.‬

وعلى‭ ‬المنوال‭ ‬ذاته،‭ ‬أشار‭ ‬تقرير‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬‮«‬معهد‭ ‬ميتشل‭ ‬لدراسات‭ ‬الفضاء‭ ‬الجوي‮»‬،‭ ‬التابع‭ ‬لجمعية‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬والفضاء‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إلى‭ ‬الدور‭ ‬المحوري‭ ‬الذي‭ ‬تلعبه‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬دورة‭ ‬الاستحواذ‭ ‬والتطوير‭ ‬الدفاعي‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬المنافسة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬وتعد‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬أهداف‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬حيث‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬موقفها‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬خاصةً‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وفقاً‭ ‬للتقرير،‭ ‬تعد‭ ‬هي‭ ‬الأقل‭ ‬استعداداً‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السابق،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تبدو‭ ‬الحاجة‭ ‬ملحة‭ ‬لقدرات‭ ‬أكثر‭ ‬تقدماً‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬هذه‭ ‬القدرات‭. ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬مسرعات‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬القوات‭ ‬الجوية،‭ ‬كمكتب‭ ‬القدرات‭ ‬السريعة‭ ‬ومكتب‭ ‬القدرات‭ ‬السريعة‭ ‬الفضائية،‭ ‬غير‭ ‬مصممة‭ ‬لتقديم‭ ‬قدرات‭ ‬دفاعية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهذه‭ ‬المكاتب‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬محدود‭ ‬ولا‭ ‬تعالج‭ ‬غالبية‭ ‬برامج‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الخاصة‭ ‬بالخدمة‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تشكل‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬بديلاً‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية،‭ ‬فهي‭ ‬تتمتع‭ ‬بإمكانية‭ ‬حل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشكلات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحسين‭ ‬تحليل‭ ‬المتطلبات‭ ‬وتعزيز‭ ‬جودة‭ ‬الإنتاج‭ ‬وجهود‭ ‬التحديث‭ ‬والاستدامة‭. ‬وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬الحديثة‭ ‬لتكنولوجيا‭ ‬المعلومات،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تستخدم‭ ‬شبكات‭ ‬آمنة‭ ‬عالية‭ ‬السرعة‭ ‬والنطاق‭ ‬الترددي،‭ ‬ومعالجة‭ ‬البيانات‭ ‬الهائلة‭ ‬والحوسبة‭ ‬السحابية‭ ‬والتخزين،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬إنشاء‭ ‬مكتبة‭ ‬رقمية‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬والنماذج‭ ‬والوثائق‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬للمهندسين‭ ‬وأصحاب‭ ‬المصلحة‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعلومات‭ ‬ومشاركتها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الفعلي‭ ‬بشأن‭ ‬أي‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬أي‭ ‬برنامج،‭ ‬والعمل‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬واحدة‭ ‬مركزية‭ ‬ومتزامنة‭ ‬وموثوقة‭.‬

تزايد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي

تشكل‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬محدداً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬المنافسة‭ ‬الدولية‭ ‬الراهنة،‭ ‬كونها‭ ‬تتمتع‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬ونشر‭ ‬قدرات‭ ‬جديدة‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬وأقل‭ ‬تكلفةً،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تشمل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬الحوسبة‭ ‬وتحليل‭ ‬البيانات‭ ‬والتخزين‭ ‬السحابي،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬مشاركتها‭ ‬للمعلومات‭ ‬الآمنة‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬إحداث‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬التصميم‭ ‬والنمذجة‭ ‬والمحاكاة‭ ‬وممارسات‭ ‬هندسة‭ ‬الأنظمة‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بمقدورها‭ ‬أيضاً‭ ‬ربط‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفاع‭ ‬بالكامل،‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬المتطلبات‭ ‬الأولية،‭ ‬مروراً‭ ‬بالاختبار،‭ ‬وصولاً‭ ‬للتصنيع‭ ‬والتشغيل‭ ‬وضمان‭ ‬الاستدامة‭. ‬وبالتالي،‭ ‬تعد‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬التطور‭ ‬الطبيعي‭ ‬والتحويلي‭ ‬لممارسات‭ ‬الهندسة،‭ ‬والتي‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬الحوسبة‭ ‬وتحليلات‭ ‬البيانات‭ ‬وأدوات‭ ‬النمذجة‭ ‬والمحاكاة،‭ ‬وكذا‭ ‬تقنيات‭ ‬نقل‭ ‬المعلومات‭ ‬الآمنة‮»‬،‭ ‬لذا‭ ‬فهي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬أدوات‭ ‬النمذجة‭ ‬والمحاكاة‭ ‬الرقمية‭ ‬القديمة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والتطورات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬الشبكات‭ ‬والمعالجة‭ ‬وهندسة‭ ‬النظم‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬بغية‭ ‬بناء‭ ‬‮«‬خيط‭ ‬رقمي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الفعلي،‭ ‬وهي‭ ‬بنية‭ ‬تشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬منصات‭ ‬المشاركة‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬الخاصة‭. ‬ويمكن‭ ‬لهذا‭ ‬التكامل‭ ‬المتزايد‭ ‬الذي‭ ‬تحققه‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬أن‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬وجودة‭ ‬العمليات‭ ‬عبر‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬النظام‭ ‬ككل‭.‬

وتعد‭ ‬الصين‭ ‬إحدى‭ ‬أبرز‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ساعد‭ ‬بكين‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬بوتيرة‭ ‬أسرع‭ ‬مقارنة‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فقد‭ ‬استغرفت‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬نظير‭ ‬لطائرة‭ ‬‮«‬F-15‮»‬‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لكنها‭ ‬استغرقت‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭ ‬لمضاهاة‭ ‬‮«‬F-22‮»‬‭. ‬وبينما‭ ‬تستغرق‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حالياً‭ ‬حوالي‭ ‬16‭ ‬عاماً‭ ‬لتطوير‭ ‬وتسليم‭ ‬أنظمة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الجديدة،‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬الصين‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬7‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭ ‬لتطوير‭ ‬أنظمتها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمنح‭ ‬بكين‭ ‬ميزة‭ ‬تشغيلية‭ ‬رئيسية،‭ ‬وقدرة‭ ‬للتكيف‭ ‬مع‭ ‬نظيرتها‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بل‭ ‬وربما‭ ‬التفوق‭ ‬عليها‭. ‬واستناداً‭ ‬لهذه‭ ‬الوتيرة‭ ‬المتسارعة،‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬سيكون‭ ‬بمقدورها‭ ‬استكمال‭ ‬عملية‭ ‬تحديث‭ ‬قدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2027،‭ ‬والتحول‭ ‬لقوة‭ ‬عسكرية‭ ‬عالمية‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬2049‭.‬

ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يتسق‭ ‬مع‭ ‬تحذيرات‭ ‬وزير‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فرانك‭ ‬كيندال،‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2024،‭ ‬والذي‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬ظلت‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬تبني‭ ‬جيشاً‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬ردع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهزيمتها‭ ‬حال‭ ‬تدخلت‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ،‭ ‬وأن‭ ‬الوقت‭ ‬حان‭ ‬كي‭ ‬تقوم‭ ‬واشنطن‭ ‬بإعادة‭ ‬بناء‭ ‬قدارتها‭ ‬لمواكبة‭ ‬القدرات‭ ‬الصينية،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬باتت‭ ‬تشكل‭ ‬عاملاً‭ ‬رئيسياً‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬فالنهج‭ ‬القديم‭ ‬في‭ ‬الاستحواذ‭ ‬وتطوير‭ ‬القدرات‭ ‬الدفاعية‭ ‬الذي‭ ‬تتبناه‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬التفوق‭ ‬على‭ ‬الصين،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مواكبتها‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬طرحت‭ ‬بعض‭ ‬الأدبيات‭ ‬نهج‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬كبديل‭ ‬مناسب‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تسريع‭ ‬عمليات‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الدفعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ومواكبة‭ ‬الصين،‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬إصلاحات‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬القائمة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬للهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬معالجة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتأخيرات‭ ‬الاستحواذ‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬المتطلبات‭ ‬وتسريع‭ ‬عملية‭ ‬التصميم‭ ‬والاختيار،‭ ‬وتبسيط‭ ‬إدارة‭ ‬البرامج‭.‬

هل‭ ‬تعول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬لاستعادة‭ ‬هيمنتها‭ ‬العسكرية؟

ثمة‭ ‬تحديات‭ ‬متزايدة‭ ‬تواجه‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬بسبب‭ ‬النقص‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬القدرات‭ ‬والامكانيات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات،‭ ‬ولطالما‭ ‬دعم‭ ‬التفوق‭ ‬التكنولوجي‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬العسكرية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬اتجاه‭ ‬واشنطن‭ ‬لإعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬لمهام‭ ‬مكافحة‭ ‬التمرد‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ضغوط‭ ‬الميزانية،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تقويض‭ ‬هذه‭ ‬الميزة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية،‭ ‬والتي‭ ‬باتت‭ ‬تمتلك‭ ‬حالياً‭ ‬أصغر‭ ‬مخزون‭ ‬طائرات‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭. ‬

وقد‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المقاربات‭ ‬التقليدية‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الاستحواذ‭ ‬والتطوير‭ ‬والاستدامة‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬مكلفة‭ ‬للغاية‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬فعالة‭ ‬لتلبية‭ ‬الاحتياجات‭ ‬القتالة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬بطئها‭ ‬في‭ ‬مواكبة‭ ‬جهود‭ ‬التحديث‭ ‬للقوى‭ ‬الدولية‭ ‬المنافسة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الصين‭.‬‭ ‬وبالتالي‭ ‬فشلت‭ ‬الجهود‭ ‬التقليدية‭ ‬لإصلاح‭ ‬سياسة‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب‭ ‬لتسريع‭ ‬تطوير‭ ‬القدرات‭ ‬الجديدة‭ ‬ونشرها،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لمبادرة‭ ‬الابتكار‭ ‬والمرونة‭ ‬لصالح‭ ‬منافسيها‭.‬

ولطالما‭ ‬اعتمد‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬هندسة‭ ‬الأنظمة‭ ‬التقليدية،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬يدوية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير،‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وثائق‭ ‬مكثفة‭ ‬توزع‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭ ‬وتكلفة‭ ‬مرتفعة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬أنظمة‭ ‬تسليح‭ ‬متطورة‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة‭. ‬

وقد‭ ‬شكلت‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬آلية‭ ‬جديدة‭ ‬لمحاولة‭ ‬استعادة‭ ‬الهيمنة‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المنافسة‭ ‬الجيواستراتيجية‭ ‬الراهنة‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬حيث‭ ‬تقدم‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬الفعالة‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬زيادة‭ ‬سرعة‭ ‬وجودة‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬التطورات‭ ‬الحاسوبية‭ ‬المتقدمة‭ ‬ونهج‭ ‬إدارة‭ ‬البرامج‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬النماذج،‭ ‬وبالتالي‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬تسريع‭ ‬عمليات‭ ‬الهندسة‭ ‬والاستحواذ‭ ‬والإنتاج‭ ‬بالنسبة‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبمقدور‭ ‬تقنيات‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬معالجة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإشكاليات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالاستحواذ،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬التكاليف‭ ‬المرتفعة‭ ‬والجداول‭ ‬الزمنية‭ ‬الطويلة‭ ‬وانخفاض‭ ‬الأداء‭ ‬وأعباء‭ ‬الصيانة‭. ‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬مساعي‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬تطوير‭ ‬قدراتها‭ ‬الجوية،‭ ‬أوصت‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬استخدام‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬لجميع‭ ‬برامجها‭ ‬المستقبلية،‭ ‬مع‭ ‬طرح‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الحوافز‭ ‬للمقاولين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توسيع‭ ‬اعتمادهم‭ ‬على‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قاعدة‭ ‬الموردين‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم‭.‬

وفي‭ ‬يونيو‭ ‬2018،‭ ‬اصدرت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬أول‭ ‬استراتيجية‭ ‬لها‭ ‬للهندسة‭ ‬الرقمية،‭ ‬حددت‭ ‬فيها‭ ‬رؤية‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬لاستخدام‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬لتحسين‭ ‬عمليات‭ ‬الاستحواذ،‭ ‬وتمثلت‭ ‬أهداف‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬بالأساس‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬كافة‭ ‬وجودة‭ ‬أنظمة‭ ‬القوات‭ ‬الجوية،‭ ‬استناداً‭ ‬للتقارير‭ ‬التي‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحسين‭ ‬التصميم‭ ‬والجدول‭ ‬الزمني‭ ‬وتكلفة‭ ‬عمليات‭ ‬الاستحواذ‭ ‬لأنظمة‭ ‬التسليح‭ ‬الجديدة‭.‬

وفي‭ ‬مايو‭ ‬2024،‭ ‬أعلنت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬سياستها‭ ‬الجديدة‭ ‬بشأن‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية،‭ ‬تستهدف‭ ‬تجديد‭ ‬أنظمتها‭ ‬وعملياتها‭ ‬الهندسية‭ ‬التقليدية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتطورة‭ ‬والنمذجة‭ ‬والمحاكاة‭ ‬الحاسوبية‭ ‬واستكشاف‭ ‬التحديات‭ ‬الهندسية‭. ‬كما‭ ‬تنص‭ ‬السياسة‭ ‬الجديدة‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التهديدات‭ ‬المتزايدة‭ ‬فثمة‭ ‬حاجة‭ ‬لتسريع‭ ‬وتيرة‭ ‬التغيير‭ ‬التكنولوجي‭ ‬وتحسين‭ ‬البيئة‭ ‬المالية‭ ‬المقيدة‭. ‬ويفترض‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬الخاصة‭ ‬بالهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬للجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالانتقال‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬القديمة‭ ‬والورقية‭ ‬واليدوية‭ ‬إلى‭ ‬البيئات‭ ‬الرقمية،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬ستتيح‭ ‬للمهندسين‭ ‬وخبراء‭ ‬اللوجستيات‭ ‬ومديري‭ ‬البرامج‭ ‬وكذا‭ ‬المقاولين‭ ‬بتجربة‭ ‬التصميمات‭ ‬البديلة‭ ‬واجراء‭ ‬الاختبارات‭ ‬والصيانة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أنظمة‭ ‬المحاكاة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيوفر‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬والتكلفة‭. ‬

وقد‭ ‬حددت‭ ‬السياسة‭ ‬الجديدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬مجالات‭ ‬رئيسية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية،‭ ‬تتمثل‭ ‬بالأساس‭ ‬في‭ ‬المركبات‭ ‬الأرضية‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاستشعار‭ ‬والطيران،‭ ‬وقد‭ ‬استخدمت‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالفعل‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬أنظمتها‭ ‬الجديدة،‭ ‬مركبة‭ ‬المشاة‭ ‬القتالية‭ (‬XM-30‭) ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬تطويرها‭ ‬لتحل‭ ‬مكان‭ (‬M2‭ ‬Bradley‭)‬،‭ ‬وطائرة‭ ‬الهجوم‭ ‬بعيدة‭ ‬المدة‭ ‬ذات‭ ‬المراوح‭ ‬الدوارة‭ ‬والتي‭ ‬حلت‭ ‬مكان‭ (‬UH-60‭ ‬Black Hawk‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬يستخدم‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬لتطوير‭ ‬أجهزة‭ ‬استشعار‭ ‬جديدة‭ ‬يمكن‭ ‬تشغيلها‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬المنصات‭. ‬بالإضافة‭ ‬لذلك‭ ‬تركز‭ ‬السياسة‭ ‬الجديدة‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬الاستدامة‭ ‬لبعض‭ ‬برامج‭ ‬الاستكشاف‭ ‬Pathfinder‭ ‬التي‭ ‬توقفت‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬قريباً،‭ ‬كطائرات‭ ‬الهيلكوبتر‭ (‬UH-60‭ ‬Black Hawk‭) ‬و‭(‬AH-64‭ ‬Apache‭) ‬و‭(‬CH-47‭ ‬Chinook‭)‬،‭ ‬وناقلة‭ (‬M113‭) ‬المدرعة‭. ‬كما‭ ‬يتمثل‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬اهداف‭ ‬السياسة‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬قوة‭ ‬عاملة‭ ‬قوية‭ ‬وذات‭ ‬مهارة‭ ‬ومعرفة‭ ‬عالية‭. ‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬نشرت‭ ‬مؤسسة‭ ‬راند‭ ‬الأمريكية‭ ‬تقريراً‭ ‬حول‭ ‬تقييم‭ ‬استخدام‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬توصل‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنفيذ‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬يتطلب‭ ‬بعض‭ ‬التكاليف‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬وإدارة‭ ‬البيانات‭ ‬وتوظيف‭ ‬وتدريب‭ ‬قوة‭ ‬عاملة‭ ‬مؤهلة‭ ‬مع‭ ‬ضمان‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بها‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬أثبتت‭ ‬عملية‭ ‬التقييم‭ ‬أن‭ ‬أكبر‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬تحققها‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬تتركز‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬التشغيل‭ ‬والدعم،‭ ‬فقد‭ ‬ساعدت‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬تحسينات‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬والتكلفة‭ ‬والإطار‭ ‬الزمني،‭ ‬وذلك‭ ‬نتيجةً‭ ‬لإدارة‭ ‬البيانات‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الأكثر‭ ‬موثوقية‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬النمذجة‭ ‬والمحاكاة‭ ‬وتحليلات‭ ‬البيانات‭. ‬كما‭ ‬ساعدت‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬هندسة‭ ‬الأنظمة‭ ‬وزيادة‭ ‬الابتكار‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الانتاج‭ ‬والتطوير،‭ ‬مع‭ ‬تخفيض‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الاختبارات‭ ‬المادية‭. ‬

تحديات‭ ‬قائمة

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬النقلة‭ ‬النوعية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحققها‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية،‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬تبنيها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬يتعلق‭ ‬بعضها‭ ‬بموردي‭ ‬المكونات‭ ‬الفرعية‭ ‬للأنظمة‭ ‬الجديدة،‭ ‬والذين‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يتمكنون‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬للبرمجيات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬برامجهم‭ ‬غير‭ ‬متوافقة‭ ‬مع‭ ‬البرامج‭ ‬الخاصة‭ ‬بالمقاولين‭ ‬الرئيسيين‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬مكلفة‭ ‬للغاية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لبعض‭ ‬الشركات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يدفع‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التمويل‭. ‬

كذلك،‭ ‬هناك‭ ‬تحدٍّ‭ ‬آخر‭ ‬يتعلق‭ ‬بمدى‭ ‬توافر‭ ‬قوى‭ ‬عاملة‭ ‬مدربة‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬أدوات‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬الجديدة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المقاومة‭ ‬الثقافية‭ ‬والبيروقراطية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬العسكرية‭. ‬يضاف‭ ‬لذلك‭ ‬التهديدات‭ ‬السيبرانية‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬تشكل‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬للدول‭ ‬لزيادة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬أنظمة‭ ‬تسليح‭ ‬جديدة‭. ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬التقديرات‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬بأن‭ ‬نتائج‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬النمو،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬تحتاج‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬لضمان‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬صحتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاختبار‭ ‬المادي،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬هذه‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬فيها‭ ‬المحاكاة‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬مكان‭ ‬الاختبار‭ ‬الواقعي‭. ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬تشير‭ ‬الخبرة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الدفاعي‭ ‬إلى‭ ‬الحاجة‭ ‬لتطوير‭ ‬خطط‭ ‬عمل‭ ‬موجهة‭ ‬نحو‭ ‬الأهداف‭ ‬الخاصة‭ ‬بكل‭ ‬برنامج،‭ ‬مع‭ ‬الإدارة‭ ‬الفعالة‭ ‬للتشغيل‭ ‬البيني‭ ‬للبرامج‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬أصحاب‭ ‬المصلحة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬تبني‭ ‬استراتيجيات‭ ‬لتوظيف‭ ‬قوى‭ ‬عاملة‭ ‬ماهرة‭ ‬والاحتفاظ‭ ‬بها،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬فعالة‭ ‬للتغيير‭ ‬الثقافي،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬استدامة‭ ‬أنظمة‭ ‬التسليح‭ ‬الجديدة‭.‬

‮»‬‭ ‬عدنان‭ ‬موسى‭ ‬‬مدرس‭ ‬مساعد‭ ‬بكلية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والعلوم‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة‭

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض