يكثر الحديث في الوقت الراهن حول مفهوم الحرب الشبكية المركزية Network Centric Warfare NCW ، حيث يتم توثيق الاتصالات على جميع مستويات القوات المسلحة خلال العمليات الحربية، مع تأمين صورة شاملة لمسارح العمليات، وذلك بالاعتماد على أنظمة الاتصالات الرقمية ومعالجة البيانات بواسطة أجهزة الحواسب المحمولة أو المركزية، والتي تكون موصولة بصورة مباشرة بأجهزة الاستشعار، ويتوقع الخبراء العسكريون بأن يكون هذا المفهوم عماد العمل العسكري في السنوات القادمة.
حيث توشك البحريات المتقدمة على الدخول في مرحلة جديدة، تلعب فيها أنظمة شبكات الحواسب وتكنولوجيا المعلومات دوراً قد تزيد أهميته على أهمية السفن الحربية والطائرات والغواصات التي تستفيد من هذه المعلومات، من خلال مفهوم الحرب الشبكية المركزية الذي يعتمد على الاستفادة من الاستثمارات المكثفة في مجالات أنظمة الاتصالات والاستخبارات والقيادة والسيطرة، حتى يمكن للوحدات البحرية، المتمركزة بالقرب من السواحل، زيادة قدراتها العسكرية، من خلال ما توفره أنظمة المعلومات لهذه الوحدات من الاستخبارات اللحظية اللازمة عن مواقع العدو، وإمكانية رد الفعل السريع للتهديدات المتوقعة.
وتاريخياً، كان القادة البحريون، في عصر السفن الشراعية المزوّدة بالمدافع يستطيعون رؤية كل النشاطات حولهم عبر تلسكوب بسيط، أما اليوم، فهم يحتاجون إلى إدراك الأحداث على امتداد المحيطات، في السماء، وفي عمق اليابسة، على بعد آلاف الأميال، وذلك من خلال نظم تتيح لهم بلوغ هذا المستوى من إدراك الوضع الميداني، ويمكنها تجميع المعلومات المستقاة من مجموعة من المستشعرات، بما فيها الرادار، والصور الفيديوية، والمجسات التحتمائية، والتقارير البصرية المرسلة من السفن البحرية، ونظم التعقب الآلي، ونتائج تمييز وتحديد هوية الأهداف من المنصات الجوية والبحرية، ومن ثم استثمارها بالشكل الملائم.
مفهوم الحرب الشبكية المركزية
يمكن تعريف الحرب الشبكية المركزية بأنها «مفهوم لعمليات تقوم على التفوق المعلوماتي، الذي يولد قوة قتالية متزايدة بواسطة شبكة من أجهزة الاستشعار لصانعي القرار، ولنظم الأسلحة، لتحقيق إدراك مشترك للخطر، وسرعة متزايدة في اتخاذ القرار، ودرجة أعظم من التدمير، وفاعلية متزايدة للبقاء، ودرجة من الانسجام الذاتي مع الظروف المتغيرة». وتهدف الحرب الشبكية المركزية كذلك، إلى استخدام معلومات الاستخبارات المتكاملة، التي يفترض أن توفرها الأقمار الاصطناعية، والطائرات الحربية، والمركبات الجوية غير المأهولة، وأجهزة الاستشعار الأخرى، من أجل التعرف على الأهداف الصحيحة، وتدميرها بذخائر دقيقة التوجيه.
ويعتمد مفهوم الحرب الشبكية المركزية على التقاء تقنيات المعلومات مع العمليات العسكرية، حيث يتم نقل المعلومات من المستشعرات المختلفة، المحمولة براً وجواً وبحراً، إلى أسلحة القتل والتدمير، في ميدان المعركة الرقمية. فمع التحول التدريجي من عصر الصناعة إلى عصر المعلومات، تنتقل القوات المسلحة الحديثة لتصبح قادرة على التحكم إلكترونياً في ميدان المعركة، والاتصال ببعضها في جميع الجبهات، ويؤدي ذلك إلى تغيير كيفية إدارة الحرب، ومساعدة العسكريين على التأقلم مع الميدان، الذي أصبح غير محدد جغرافياً.
ووفقاً لمفهوم الحرب الشبكية المركزية، يتم خلق شبكات معلوماتية شاملة معقدة، لتحقيق التفوق المعلوماتي على العدو. وبمعنى آخر، معرفة معلومات أكثر عن القوات الصديقة، وعن حقل المعركة، وعن العدو، ومنعه من معرفة معلومات عن القوات الصديقة، ويبشر ذلك بقدرات وآفاق جديدة في الحروب، حيث تنتهي العمليات بصورة ناجحة وسريعة، وبتكلفة أقل. فكل عناصر وحدات القوات المسلحة: الجنود، والقادة، والأسلحة، سترتبط معاً إلكترونياً، بصورة كاملة، بطريقة شبكية، لتزويدهم بصورة عملياتية مشتركة لما يجري في كل مكان من فضاء المعركة، والمنطقة التى يتم تنفيذ العمليات فيها، وتسمح هذه الصورة للقادة بصنع القرارات بسرعة أكبر، وامتلاك نيران دقيقة، تكون ثقيلة الوطأة على العدو.
لقد شهد مطلع القرن الحادي والعشرين تحولاً في أسلحة الحروب وتكتيكاتها وأساليب خوضها، الأمر الذي تجلى بانتقالها من حرب المنصات إلى حرب الشبكات المركزية التي تعبر عن شبكة واسعة المدى من المستشعرات، تمكن الوحدات المقاتلة، سواء على الأرض، أو في الجو، أو في البحر، من النفاذ إلى المعلومات الحرجة الآنية، التي تحتاج اليها، كما يتم من خلالها ربط قوات الخط الأمامي، البرية والجوية والبحرية، معاً، وكذلك مع قياداتهم، وعناصر إسنادهم، في أي مكان في العالم. فبناء الشبكات ضاعف من قدرة الشركاء، والاستفادة من طاقاتهم في الزمان والمكان المطلوبين، وسمح للقوات بتطوير سرعة ونمط القيادة والسيطرة، وبالتالي، أدى إلى تناسق تام فيما بين الوحدات المنضوية في القتال من خلال التزود السريع بمعلومات مبرمجة ومنسقة، تصب في صالح معركة الأسلحة المشتركة.
والتقدم الذي حدث في مجال تقنيات وأنظمة الاستطلاع، والمراقبة، والاتصالات أصبح أحد العلامات المميزة للحرب الحديثة، حيث تحولت القوات نحو العمل في إطار العمليات المشتركة، بدعم من منظومة ضخمة ومتطورة من المستشعرات ومنصات الاستطلاع، المأهولة وغير المأهولة، والتي تغذي القيادات الميدانية، والقوات على كافة المستويات، بكل المعلومات الميدانية التي تحتاجها، كما أصبحت القوات أكثر تماسكاً وحركية بفضل شبكات الاتصالات والقيادة والسيطرة الحديثة، التي توفر للقادة والقوات رؤية شاملة وواضحة لميدان المعركة، ومناطق انتشار وتحرك القوات المعادية والصديقة، والقدرة على تغيير تمركز ومهام القوات، وفقاً للأوضاع الميدانية.
وترتكز حرب الشبكات المركزية على شبكات الاتصالات، أكثر من ارتكازها على العمليات الحربية بحد ذاتها، فهي تعمل على نقل حجم كبير من المعلومات حول طبيعة المعركة وقوة المتحاربين، وبالتالي، تعكس المواصفات الضرورية للنجاح. فالتحول من المنصات المركزية إلى الشبكات المركزية ليس بالمهمة المبسطة، وهي قد تستغرق وقتاً طويلاً لإجراء التحول الكامل في القوات المسلحة، والذي بدوره يؤدي إلى مضاعفة القدرات القتالية، والاستمرارية، والسرعة في التنفيذ، والمبادأة.
شبكة المستشعرات الاستكشافية
تخطط البحرية الأمريكية لنشر شبكة تتضمن آلاف المستشعرات في البر والبحر والجو، والتي سوف ترتبط ببعضها عن طريق شبكة نقل معلومات. وفي حالة نجاح هذه الفكرة يتوقع أن تؤدي إلى تغيير شامل في نوع وتشكيل القوات البحرية في الحروب المستقبلية. وقد ظهرت فكرة هذه الشبكة، والتي أطلق عليها اسم «شبكة المستشعرات الاستكشافية» Expeditionary Sensor Grid في مركز تطوير أساليب الحرب البحرية، والذي يتولي تطوير الأساليب المستقبلية للحرب البحرية. وتتضمن الشبكة حوالي 10 آلاف مستشعر، منها ما هو محمول على مركبات جوية وبحرية غير مأهولة، ومستشعرات أرضية وبحرية، ومركبات برمائية غير مأهولة، بالإضافة الى حاويات للأسلحة المتنوعة، مثل الصواريخ والألغام، والطوربيدات، وسيتم نشر هذه المستشعرات في مساحة كبيرة لتقوم بإمداد القوات بكميات هائلة من المعلومات. ويضع المسؤولون في البحرية الأمريكية هذه الشبكة على رأس أولوياتهم، نظراً لما سوف توفره لهم من دراية مفصلة لكل ما يدور في ميدان المعركة. وبالإضافة إلى الأهمية التكتيكية للشبكة، يتوقع أن تؤثر أيضاً على شكل وطبيعة القطع البحرية والطائرات والغواصات التي تستخدمها الأساطيل البحرية. فنجاح مثل هذه الشبكة يضمن التفوق المعلوماتي، وبالتالي، إمكانية توفير أموال طائلة تنفق من أجل تطوير وتدشين الرادارات ونظم التوجيه ومستشعرات الأشعة تحت الحمراء، التي لا غنى عنها على متن كل القطع البحرية والطائرات العاملة في القوات البحرية.
وفيما يتعلق بحرب الشبكات المركزية في القوات البحرية الأمريكية يمكن تصور هذا الجزء من عمل الشبكة: يحوم قائد المقاتلة «هورنت» F/A-18 Hornet، التي تنطلق من حاملة الطائرات، فوق أرض المعركة، فتظهر إشارة من وصلة نقل البيانات Data Link، تشير إلى ظهور صورة دبابة في الميدان، مع خطة كاملة لهجوم الطائرة عليها، وتتضمن الخطة مسار الطائرة، والارتفاع، وجاهزية الأسلحة، وإحداثيات الهدف، ومسار مقترح لعودة الطائرة إلى حاملة الطائرات بعد تنفيذ الهجوم، وربما تظهر أمام الطيار صورة توضح مواقع القوات الصديقة القريبة من الهدف، وتم نقل المعلومات من طائرة «هورنت» أخرى تقوم بمهام الاستطلاع، بواسطة مستشعرات الأشعة تحت الحمراء إلى الطائرة المهاجمة، وإلى مراكز قيادة وسيطرة، متصلة بوصلات نقل المعلومات. وعلى حاملة الطائرات، التي أقلعت منها الطائرة «هورنت» المهاجمة، وكذلك على الأرض، يعرف القادة أماكن تواجد قواتهم، وكيف تتم الهجمات، ومن الذي يستطيع إنهاء المهمة، إذا استدعى الأمر.
وتستخدم طائرات «هورنت»، الموجودة على حاملة الطائرات «جون كيندي»، المخصصة لمهام الاستطلاع، نظام التصويب المتقدم باستخدام الأشعة تحت الحمراء Advanced Targeting Forward-Looking Infrared Receiver ويمكن استخدامه أيضاً على الطائرات المقاتلة F-15 Eagle و F-16 Falcon، حيث يمكنه اكتشاف وتمييز الأهداف على مديات تصل إلى ثلاثة أو خمسة أضعاف مديات الأنظمة الأخرى المستخدمة حالياً.
وفي الحرب المضادة للغواصات، فإن عملية تكوين وبناء الصورة التحتمائية لا ترتكز على معلومات من منصة واحدة، بل على المعلومات الموثقة والمندمجة من أجهزة استشعار مختلفة، ومنشورة على مساحة واسعة. وفي الإمكان استخدام أنواع عديدة من أجهزة الاستشعار، مثل أجهزة استشعار خاصة بالسفن، وأجهزة استشعار في قاع البحر، ومركبات تحتمائية غير آهلة، وأجهزة استشعار خاصة بالطائرات، وسونارات Sonars تطلقها عموديات أو غواصات… إلخ.
نظام توزيع البيانات DDS
يشكل نظام توزيع البيانات Data Distribution System شبكة واسعة لنقل البيانات بقدرة عالية، وبسرية كبرى، بين معالجات الاشتباك المشتركة Cooperative Engagement، ويوزع بيانات استشعارية رئيسية لكل أعضاء القوة البحرية في وقت فعلي، بحيث يسمح لجميع المنصات بالتحكم بالنيران. وقوة البث عالية الفعالية، وانتشار طيف الترددات الواسعة، والتوقيت الدقيق، هي كلها مواصفات مطلوبة، ومن أجلها يستخدم النظام مجموعة هوائيات تدار إلكترونياً لإرسال واستقبال البيانات المشفرة. وهذه الآليات كانت مطروحة على بساط البحث منذ عام 1987، غير أن اتخاذ المبادرات العملية بشأنها أتى بعد سنتين من الدراسات المسبقة حول جدوى الدخول في معادلات جديدة في مجال الاتصالات العسكرية ذات الطابع التكتيكي، وبدأ الانتاج الفعلي عام 2002 مع مخططات لتجهيز 250 وحدة بحرية بمعالج قدرة الاشتباك التعاوني لتجهيز سفن السطح، وطائرات المراقبة، ومواقع التدريب والتجارب، ومنصات مشاة البحرية الأمريكية.
وتطور قيادة نظم البحرية الأمريكية نظام شبكة المستشعرات في قدرة الاشتباك المشتركة Cooperative Engagement Capability، المصمّمة لتمنح كشفاً مبكراً، ومتابعة ثابتة للتهديدات الجوية، كالصواريخ الجوالة، والطائرات التي يقودها طيارون، والطائرات المسيرة. وتعتمد هذه القدرة على نظام اتصالات عسكري، مع تدابير إلكترونية مضادة، وتشكل حماية للقوة القتالية. والنظام عبارة عن شبكة أسلحة مترابطة آمنة، ذات سرعة عالية، تربط مستشعرات البحرية بنظم الدفاع الجوي.
وفي هذا الإطار، شكلت آلية الاشتباك التعاوني النقلة النوعية المطلوبة، وعبرت الأطلنطي لتصل إلى المملكة المتحدة، للتعاون بهذا البرنامج الحديث المتقدم، بهدف إعادة تأهيل أول نظام على فرقاطات من فئة Type 23، أما مدمرات البحرية الملكية من فئة Type 45 وحاملات الطائرات الجديدة، فستجهز بقدرة الاشتباك المشترك، الجاهزة. وتطور قيادة نظم البحرية الأمريكية نظام شبكة المستشعرات في قدرة الاشتباك التعاوني Cooperative Engagement Capability المصممة لتمنح كشفاً مبكراً، ومتابعة ثابتة للتهديدات الجوية، كالصواريخ الجوالة، والطائرات التي يقودها طيار، والطائرات المسيرة.
تعزيز قدرات الاتصالات البحرية
تستعين البحرية الفرنسية بأحدث خبرات شركات دمج الأنظمة الأوروبية لدعم فعاليّة الاتصالات البحرية، وتحقيق مفهوم العمليات المعززة شبكياً وتعزيز قدرات تبادل المعلومات بالنطاق العريض مع طائرات البحرية الفرنسية. ومن شأن هذا البرنامج بلورة عزم وتصميم البحرية الفرنسية في متابعة تحقيق مفهوم العمليات المعززة شبكياً، وتعزيز قدرات تبادل المعلومات بالنطاق العريض لنظم المعلومات على متن السفن الفرنسية، وذلك بتوفير المزيد من التوافق العملياتي عبر العديد من شبكات الاتصالات المشتركة في الهيكلية العسكرية لفرنسا وحلفائها.
ويتم تشغيل شبكة اتصالات القوات الجوية التابعة لسلاح البحرية الفرنسية من قبل مديرية القوات المشتركة لأنظمة شبكات البنية التحتية للدفاع وأنظمة المعلومات DIRSI. هذا وسوف يتم إدخال قدرة إدارية لشبكة اتصالات فائضة عن الحاجة، تكون مصممة لمراقبة وإدارة المعدات التي تتكون منها القوات الجوية العائدة لسلاح البحرية الفرنسية، وذلك انطلاقاً من موقعين موجودين على اليابسة.
ويجري تزويد أسطول البحرية الأمريكية بوحدة الاتصال الشبكية الثانوية SNR كجزء من برنامج التشبيك التكتيكي للقوات المقاتلة لنظم القيادة والتحكم والكمبيوتر والاستخبارات C4I، وهذه الوحدة تسمح بتأسيس شبكة لاسلكية مرتجلة عبر مراسم الإنترنت تستخدم لتبادل المعطيات التكتيكية والإدراك الميداني المعزّز والتخطيط الجماعي عبر استخدام أنظمة الاتصال الحالية الموجودة على متن الأساطيل البحرية.
وتعتبر شبكة SNR الخيار الأفضل كنظام للاتصال الشبكي عبر مراسم الإنترنت لتوفير التوافق العملياتي ما بين قوات البحرية المشتركة والمتحالفة، من خلال تأمين معيار مشترك للتخطيط التعاوني ومشاركة المعلومات التكتيكية. ووحدة الاتصال الشبكية الثانوية هي في الواقع تصميم هندسي يتضمن قدرات ترحيل الاتصالات، مثل عرض الدردشة النصية، وشاشة عرض لمجمل الإشارات، ووحدة تحكم عن بعد بالبيانات.
دور وصلات البيانات
لدى القوات البحرية متطلباتها الخاصة بالاتصالات، وكانت البحريات حول العالم في طليعة من طور تقنية وصلة البيانات Data Link لتتيح لكل الوحدات في الأسطول المشاركة في البيانات. وتطمح قوات بحرية عديدة أن تربط نظم إدارة نيران الأسلحة بكل الوحدات في الأسطول على شبكة وصلة البيانات نفسها، حتى يتمكن كبار القادة من المبادرة بالاشتباك من بعد. وهذه هي الحال بالنسبة لمعلومات المراقبة الرادارية، التي تود القوات البحرية الحديثة دمجها ببعضها لتوليد صورة شاملة عن نشاط العدو في الوقت الفعلي Real Time. وتشارك في هذه الصورة بعدئذٍ كل الوحدات في الأسطول على وصلات بيانات مختلفة، مثل نظم توزيع المعلومات التكتيكية المشتركة JTIDS، أو الوصلة Link-16 وغيرها.
وتستخدم وصلة نقل البيانات التكتيكية Link- 11 لتبادل البيانات بين منظومات القيادة والسيطرة والوحدات الحاملة للمستشعرات، وهي الوصلة الأساسية لبحرية الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسى «ناتو» NATO، وتعمل على الحيز الترددي UHF-HF، ويمكن أن تعمل مع الأقمار الاصطناعية، وهي ذات مدى كبير، ومشفرة، وعدد المشتركين في الوصلة يصل إلى 62 مشتركاً. وللوصلة معدلان لإرسال البيانات: المعدل السريع (2250 نبضة/ ثانية)، والمعدل البطيء (1364 نبضة/ثانية). وبالنسبة لقوات حلف شمال الأطلسى «ناتو» البحرية، تعتبر وصلة البيانات Link-١١ وخليفتها المحسنة Link -22، مرادفة للوصلة Link-16، في القطاع البحري، وهي مصممة لتأمين الاتصال مع المنصات الجوية والبحرية والبرية، وتتيح العمل ضمن ما يصل إلى أربع شبكات اتصالات مستقلة بشكل متزامن، ويمكن تسجيلها على ما يصل إلى ثماني شبكات اتصال. وتوفر الوصلة Link -١١ مدى 300 ميل بحري باستخدام البث على التردد HF، ويتم تغطية هذا المدى أيضاً باستخدام التردد UHF الذي يعيقه انحناء الأرض والتضاريس. وتم تصدير وصلة البيانات Link -11 على نطاق واسع لدى زبائن، مثل البرازيل، التي تستخدمها ضمن حزمة تحديث للطائرات «أوريون» P-3 Orion، وتستخدم البحرية الرومانية البنية الهندسية ذات النظام المفتوح في جهاز طرفي متعدد الاستقبال لوصلات البيانات على متن فرقاطتين جديدتين طراز Type 22، استقدمتا من بريطانيا، ويستخدم في هذا النظام وصلات البيانات Link-11 و Link-22، والتراسل بحسب نسق الرسائل القابل للتغيير.
تقنية دمج المعلومات
تولد تقنية دمج المعلومات الصور البحرية التي تشكل أساساً حقيقياً لوضع مشترك يوضع تحت تصرّف القادة البحريين، ويتم عندها تشارك الصور لحظياً عبر وصلات بيانات مع اتصالات عريضة الموجة بسفن حربية، وطائرات، وغواصات أخرى، بالإضافة إلى القيادات العامة على اليابسة، بحيث يتمتع القادة في البحر بفهم مشترك للوضع القتالي للقيام برد فعل سريع إزاء أي تطورات جديدة. ولهذا، يعد مركز العمليات البحرية ذا أهمية حيوية للعمليات العسكرية، بشكل عام، لأنه يحتوي على نظام إدراك وضع ميداني، فهو يأخذ المعلومات من أنحاء العالم كافة لبناء صورة عملياتية مشتركة (قد تكون صورة عن قرب لسفينة مشبوهة، مثلاً، يجري تحديثها كل دقائق قليلة، أو لبقعة محلية محيطة بسفينة عسكرية أو وحدة بحرية على الشاطىء). وفي سبعينات القرن العشرين، صمم نظام من هذا النوع مع وتيرة تحديث الصورة لحوالي ٥٠ ألف عملية تسجيل، وارتفع العدد الى حوالي ٢٠٠ ألف عملية، مع عمليات تسجيل اضافية قامت بها الطائرات.
وتعمل وكالة الدفاع الأوروبية على تطوير شبكة مراقبة بحرية، وتخطط لإقامة مركز العمليات والبيانات الخاص بها، ويكمن هدف المركز الشامل، وفقاً للوكالة، في إنتاج حلّ تقني يؤمن صورة بحرية معترف بها بشكل مشترك ومترابطة بالنسبة لكل المشاركين. وأطلق برنامج المركز عام ٢٠٠٦ بمشاركة ١٨ دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك سلطات مدنية ووكالات مختلفة من الاتحاد الأوروبي تعمل في التصوير عبر الأقمار الاصطناعية، والسلامة البحرية، ومراقبة الحدود والأبحاث. ويتم تطوير برمجية لتكييف الشبكات الوطنية الموجودة ودعم وتوسيع قدرات مشاركة البيانات، عبر مراسم الإنترنت، إلى جانب الدردشة والرسائل الفورية.
ومن ناحية أخرى، فإن برنامج بيئة مشاركة المعلومات المشتركة Common Information Sharing Environment الأوروبي يهدف إلى السماح بالمشاركة في معلومات المراقبة بين سلطات مراقبة بحرية مختلفة، مثل فرض القانون، ومراقبة الحدود، والنقل، ومراقبة التلوث البحري، ومراقبة صيد الأسماك، والجمارك. ومن المنتظر أن يربط البرنامج أيضاً نظم المراقبة البحرية الموجودة كافة دون اللجوء إلى ابتكار نظام جديد. وقد بُذلت جهود كبيرة لجمع وتبادل البيانات، مثل مواقع السفن وتفاصيل الشحن بين وكالات مختصة، وزيادة فعالية عمليات المراقبة مع الوسائل الموجودة. وتعتمد غرفة عمليات السفينة البريطانية نظاماً بإمكانه التعقب الآلي لكل السفن المعروفة والمجهولة، والتعرف على التهديدات المحتملة، وهو نظام إدراك وضع ميداني يُصمم حسب طلب الزبون، ويستخدم أساليب معالجة وتحليل صور فيديوية معقدة، وتُقسّم المعالجات والتحاليل بين غرفة عمليات السفينة وغرفة السيطرة التابعة على البر. وتحصل السفينة على صور محدثة كل ٣٠ ثانية بفضل البيانات التي أمنتها الوصلة Link 16، والمعلومات التي قدمها نظام الاتصالات التكتيكي Bowman المترابط مع المعلومات التي وفرها نظام القتال والمعروضة على شاشات نظام دعم القيادة الخاص بالبحرية الملكية البريطانية.
الخلاصة
تفرض الحرب الشبكية تحديات عديدة لوسائل الحرب البحرية المعروفة حالياً، ولتنظيم الأساطيل البحرية، وحتى للأنظمة ولأنواع السفن المطلوب تطويرها لتتوافق مع هذه الحرب. وتتوفر تقنيات القيادة والسيطرة البحرية الآن بشكل واسع، وتتطلع بحريات عدة إلى تصميم نظم تلبي حاجاتها الخاصة، مع استخدام تقنيات جاهزة تجارياً، مما يخفض التكلفة، ويسرّع الدمج، ويتيح بسهولة إدخال مستشعرات غير عسكرية. ونتيجة لتلك النظم تتوفر للقادة البحريين صورة غير مسبوقة عن ساحة المعركة البحرية لإدراك الوضع الميداني.
لواء د. علي محمد علي رجب (باحث عسكري وخبير استراتيجي)