إن فكرة دمج المستشعرات Sensor Fusion موجودة منذ فترة لا بأس بها. في الواقع، استخدمت عمليات الهبوط الأولى على سطح القمر خوارزمية أساسية لدمج البيانات (DFA) المستخدمة في مستشعرات التوجيه لضمان هبوط رواد الفضاء في المكان الصحيح، وفي الحقيقة، لضمان عودتهم. بعد عقود، أتاحت التطورات الرئيسية في الحوسبة والاتصالات فرصاً جديدة هائلة.
يضيف ظهور إنترنت الأشياء (IoT) وانتشار تكنولوجيا المركبات المسيرة ذاتياً في السياقات المدنية والعسكرية أهمية جديدة هائلة لتكنولوجيا دمج المستشعرات. ومن المتوقع أيضاً أن يصل سوق مثل هذه التكنولوجيا إلى 7 مليارات دولار في الولايات المتحدة وحدها خلال السنوات الثلاث المقبلة. ستسلط هذه الدراسة الضوء على تطبيقات دمج أجهزة الاستشعار، المدنية والعسكرية على حد سواء، وفائدة هذه التكنولوجيا الجديدة، وكيف ستغير ساحات القتال المستقبلية.
تطبيقات دمج المستشعرات
يتمثل أحد الإنجازات الرئيسية في شكل وحدة التحكم الدقيقة لدمج المستشعرات التي تسمى «مركز المستشعرات»، والتي تدير
خوارزمية مُبيَّتة لدمج المستشعرات، مما يقلل بشكل كبير من عبء الحوسبة للنُهج القائمة على البرامج سابقاً من وحدة المعالجة المركزية. يؤدي هذا بدوره إلى زيادة السرعة والأداء وتعقيد مهام دمج المستشعرات المحتملة. يسمح تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي أيضاً بتفسير أكثر ذكاءً وقدرة لمصادر البيانات المتعددة، في مجالات مثل صقل بيانات المستشعرات غير الدقيقة أو المارقة التي يمكن أن تؤثر على إصدار الأحكام العامة أو أداء الآلات. في السياقات المدنية، لا يسمح الظهور الوشيك للبنية التحتية لـ G5، وهي (شبكة الجيل الخامس للهواتف الجوالة التي صُممت للتواصل الافتراضي مع كل شخص وكل شيء بما في ذلك الآلات والأشياء والأجهزة)، بتحسين معدلات البيانات بشكل كبير فحسب، ولكن أيضاً للتطبيقات الأكثر تعقيداً والمتعطشة للبيانات التي كانت في السابق بطيئة جداً أو متعطشة للطاقة أو تتطلب الكثير من طاقة العمليات الحسابية. تستفيد G5 أيضاً من تقنية تشكيل الحزم، والتي يمكن أن توفر إمكانيات جغرافية-مكانية للتخفيف من آليات الأقمار الصناعية التقليدية، باستخدام التحليل الحسابي لبيانات توجيه الإشارة: نسخة حديثة من تقنية تحديد الاتجاه الراديوي في زمن الحرب. قد يكون هذا مفيداً بشكل خاص في البيئات التي تعاني صعوبة في تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية، كما هو الحال في الأنفاق أو بين المباني العالية. وهذا بدوره يعزز من مصداقية المركبات ذاتية التسيير في مجموعة من البيئات المختلفة، ومن الاتصال الشبكي الأكثر ثباتاً بشكل عام.
تشتمل الهواتف الذكية التي تعمل بنظام Android وApple هذه التكنولوجيا بالفعل في أحدث موديلاتها، مما يسمح لها أن تندمج بصورة أكبر مع الأجهزة القابلة للارتداء والأجهزة الأخرى مع تقليل استنزاف طاقة البطارية. تعد صناعة السيارات مجالاً واضحاً آخر للتطبيق، حيث يمكن لـدمج المستشعرات تحسين استجابات ميزات السلامة مثل نشر أنظمة تجنب الاصطدام، مما يجعل ظهور المركبات المسيرة ذاتياً القابلة للاستخدام والحياة على الطرق العامة أقرب كثيراً. وفي مجال الصحة، يسمح نشر شبكات استشعار منطقة الجسم الواسعة (WBASNs) التي تستخدم مستشعرات دقيقة متعددة، جمع المزيد من البيانات حول وظائف الجسم، مما يتيح تحليلاً وتشخيصاً أفضل للحالات الصحية، وللرصد الديناميكي لوظائف الأعضاء.
هناك تحديات يفرضها دمج المستشعرات. فضمان الموثوقية في مواجهة المدخلات المارقة من جهاز استشعار معين أمر بالغ الخطورة، خاصة في مجالات مثل أنظمة تجنب الاصطدام للمركبات ذاتية التسيير. يثير دمج عدد لا يحصى من أجهزة إنترنت الأشياء الشخصية والخاصة في أنظمة دمج المستشعرات الشاملة مخاوف بشأن الخصوصية. في الوقت نفسه، يمكن أن يسمح الاستخدام الذكي للذكاء الاصطناعي والتشفير بمزيد من الأمان في الاتصالات إذا تم استخدامها بشكل فعال.
في سياق ساحة المعارك، كان دور البيانات السريعة والدقيقة ضمن المنطق الأساسي لـ C4ISR (القيادة والسيطرة والاتصالات وأجهزة الكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع) دائماً حاسماً لتحقيق التفوق التكتيكي. قدَّم ظهور الشبكة العنكبوتية للمستشعرات (Smart Sensor Web (SSW وتقنية دمج المستشعرات، مجموعة من الفرص والمزايا الجديدة نفسها.
وكما قال الاستراتيجي العسكري الصيني في القرن الخامس، صن تزو، فإن المعرفة المسبقة تسمح للجنرال الحكيم بقهر أعدائه. بفضل استخدام أجهزة استشعار متعددة على المركبات والمعدات العسكرية، سواء في المجالات البرية أو الجوية أو البحرية؛ وأنظمة معالجة الإشارات المُدَعَّمة بالذكاء الاصطناعي وتحليلها للبيانات المستلمة، أصبح بالإمكان تحقيق الهدف المتمثل في الحصول على قدرة مراقبة واستطلاع محسّنة بشكل كبير عبر عدد كبير ومتعدد من البيئات. وهذا بدوره يمكن أن يساعد على القيام باستجابات مستهدفة أكثر كفاءة وبدقة أكبر للتخفيف من التهديدات أو تحييدها. ربما ليس من قبيل المصادفة أن قيادة أنظمة الحرب الفضائية والبحرية الأمريكية أعادت تسمية نفسها مؤخراً باسم قيادة أنظمة حرب المعلومات البحرية، لتأكيد أهمية هذه «القطعة من بانوراما )الألغاز(».
فوائد جمَّة لدمج المستشعرات
تتيح شبكة المستشعرات الذكية العنكبوتية وتوافرها للمقاتل في ساحة المعركة إدراكاً أكبر وأكثر ديناميكية للوضع القتالي، حيث يمكنها أن تشتمل على خرائط رقمية عالية الدقة بما في ذلك نمذجة التضاريس ثلاثية الأبعاد؛ صور متعددة الأطياف من مجموعة من أجهزة الاستشعار المحمولة على المركبات المأهولة أو غير المأهولة في بيئات مختلفة؛ تغذي بها مباشرة قواعد بيانات الاستخبارات والمعلومات الخاصة بمقر القيادة. في الأجواء، كما هو الحال مع G5، يمكن للطائرات بدون طيار استخدام دمج المستشعرات للتخفيف من تداعيات فقدان الإشارة أو الأعطال في أجهزة استشعار GPS، من خلال استخدام بيانات أخرى مثل الكشف عن الضوء أو الرادار، مما سيؤدي إلى توفير بيانات جغرافية- مكانية أفضل وأكثر دقة باستمرار، ما يسمح بالعثور على الأنظمة المعادية واستهدافها بشكل أكثر فعالية.
وكما هي الحال، مع أي تطور كبير في التكنولوجيا العسكرية، فإن المستخدمين الأوائل ذوي الميزانيات الأكبر، سيستمتعون بأكبر مزايا في ساحات المعارك. لو فكرنا بحرب الخليج عام 1991 ضد العراق لوجدنا أن الطريقة والاستخدام المتطور للتصوير الحراري من قبل القوات الجوية الأمريكية أتاح لها «الهيمنة على الأجواء» والتمتع بالسيطرة الكاملة على العمليات الليلية. في الوقت نفسه، تسببت التكاليف الأولية الهائلة لهذه الأنظمة في حدوث مشكلات حتى لأكبر المنفقين في مواجهة تراجع ميزانيات الدفاع. ومع ذلك، فإن أحدث التطورات في تكنولوجيا الحوسبة والاتصالات، والفرص المعزَّزة بشكل كبير لاستخدام القدرات التجارية الجاهزة (COT) المتطورة، تسمح للجيوش بنشر مجموعة أكبر بكثير من أجهزة الاستشعار في ساحة المعركة، والقيام بالمزيد بتكلفة أقل من خلال البيانات التي تم جمعها.
والحال كذلك، إن الحاجة إلى عمليات ميدانية أكثر استهدافاً وكفاءة ستكون حاسمة في مواجهة انخفاض الأعداد العسكرية. أعلنت وزارة الدفاع البريطانية مؤخراً، على سبيل المثال، أنها ستخفض عدد جيشها بمقدار 10000 جندي. سيسمح المزج بين الشبكة العنكبوتية للمستشعرات الذكية SSW وتكنولوجيا التسيير الذاتي بعمل المزيد، مع عدد أقل من الموظفين. وسيروق هذا بلا شك ويكون جذاباً للغاية للمخططين والاستراتيجيين العسكريين. فهو يوفر فرصاً جديدة للصناعات الدفاعية في الاقتصادات المتقدمة لتكون في الطليعة في هذا المجال لتطوير التكنولوجيا المتقدمة: حقيقة تم توضيحها في مراجعات الدفاع والأمن الأخيرة في المملكة المتحدة وأماكن أخرى.
ساحة المعارك المستقبلية؟
أول قطعة من «لعبة الذكاء لتركيب الصور Jigsaw» هي تفشي انتشار المستشعرات. أجهزة الاستشعار ستنتشر بشكل متزايد في كل مكان في كل من البيئات المدنية والعسكرية. فالتقنيات الجديدة التي سنستخدمها جميعاً تتطلب، سواء في الصحة أو النقل أو الأمن، توفراً ثابتاً ودقيقاً للبيانات لدفع عملياتها. لقد تم إحراز تقدم كبير في نمنمة المستشعرات وأدائها في السنوات الأخيرة، مما سمح بأجهزة استشعار أرخص وأكثر فاعلية تستخدم طاقة أقل بكثير من النسخ السابقة.
تُعد أنظمة الأشعة تحت الحمراء (FLIR) للرؤية الأمامية مثالاً جيداً على تقدم المستشعرات في مجال التصوير الحراري. يزن هذا النوع من الأجهزة الآن 70 جراماً؛ ويستخدم كميات ضئيلة من الطاقة للتشغيل ويمكن شراؤها من الأسواق مقابل بضع مئات من الدولارات. يمكن «زرع» ساحة المعركة المستقبلية بأجهزة استشعار متعددة من هذا النوع عن طريق الإسقاط الجوي أو الأجهزة الروبوتية الصغيرة أو حملها في طائرات بدون طيار أو غيرها من المنصات الجوية، مما يسمح بتعزيز إدراك الأوضاع القتالية بشكل كبير في وقت قصير. عندما تكون عمليات النشر قريبة من المناطق المأهولة، يمكن اختيار مجموعة متنوعة بشكل متزايد من أجهزة الاستشعار الخاصة والتجارية، مثل كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة وأجهزة البث الأخرى المتصلة بالإنترنت ودمجها ضمن شبكة مستشعرات ذكية شاملة توفر معلومات مكانية حركية عن الوضع )القتالي).
يعد الاتصال السحابي مكوناً رئيسياً ثانياً للصورة. في المناطق الحضرية، ستوفر شبكات الجيل الخامس الجديدة قنوات اتصال جاهزة يمكنها حمل كميات أكبر بكثير من البيانات بمعدلات أسرع وأكثر كفاءة من الشبكات الحالية. تتصل هذه الشبكات بالإنترنت عبر مجموعة متزايدة من الأجهزة وأجهزة الاستشعار الخاصة والتجارية والمنتشرة. عندما تكون المواقع بعيدة وتفتقر إلى البنية التحتية للاتصالات، فإن تقنية تشكيل الحزم تضيء الطريق لتقديم معدلات بيانات أعلى بكثير للمنصات الميكروويفية ومنصات الترحيل الراديوي الأخرى. وذلك يسمح باستهداف الإشارات بشكل أكثر تحديداً على طول قنوات معينة، وبتحسين كفاءة الطاقة للأنظمة وموثوقية إرسال البيانات، حتى في الظروف البيئية المعادية.
يتكون المكون الحاسم الأخير للصورة بفضل تقدم القدرات الحسابية وتطوير تقنية الذكاء الاصطناعي القابلة للتطبيق. من نواحٍ عديدة، الحوسبة على أبواب أعتاب ثورة رئيسية قادمة ستجعل الأنظمة قادرة على إجراء حسابات أكبر وأشد تعقيداً بشكل مضاعف، مما كان يُعتقد سابقاً أنه ممكن باستخدام تقنية الرقائق الدقيقة القياسية. ستتمثل القصة الكبيرة في الحوسبة بتطوير أنظمة الكم، والتي لا تزال بعيدة بعض الشيء في الأفق من حيث الجدوى والقدرة على تحمل تكاليفها. في غضون ذلك، أظهر تطوير وحدات MCU المضمنة والمُجهزة بخوارزميات ذات أسلاك صلبة مُدعمة بالذكاء الاصطناعي أنه يمكن تحقيق تقدم كبير في تقليل الحمل الكلي لوحدات المعالجة المركزية، وبالتالي تقليل تعقيد البيانات وتحسين ديناميكية تحليلها، بمستويات أقل من الطاقة والتكلفة. سمحت التكنولوجيا السحابية التي تقوم بمهام حوسبية متعطشة للبيانات أيضاً بتقريب مهام الحوسبة «إلى جبهة المعركة». بمجرد تجاوز عتبات معينة من هذا النوع بشكل جليّ، يصبح استخدام الأساليب والتقنيات الافتراضية السابقة ممكناً بشكل واضح.
وبالتالي، سيكون المقاتل المستقبلي في الجيوش المتقدمة قادراً على التواصل مع أنظمة التعريف المحسّن بالأوضاع القتالية والمتزايد بشكل كبير عبر جميع البيئات، مما يؤدي إلى تحسين قدرات الاستخبارات الدفاعية والهجومية. وسيتم تحسين موثوقية البيانات وسرعتها والحدّ من تعقيدها. كما سيتم تمكين التخفيف من المشكلات مثل التعويض عن البيانات المارقة أو غير الدقيقة بشكل متزايد من خلال نمذجة الذكاء الاصطناعي. وسيكون هذا مفيداً للغاية ليس فقط في مجالات مثل القضاء على مخاطر حوادث التعرُّض لــ «النيران الصديقة» مشكلة كبيرة عانت منها القوات في حرب الخليج عام 1991، على سبيل المثال ، وإنما لتعزيز الوعي بالأوضاع القتالية بشكل عام مما يؤدي إلى عمليات أكثر استهدافًا وكفاءة.
هناك بالطبع أسئلة أخلاقية مهمة تحيط بهذه التطورات. مع تكنولوجيا دمج المستشعرات، فإن الاحتمالية المتزايدة لـ «الرؤية الشاملة» – التي لا يمكن تجنبها في أي ظرف من الظروف – تطرح أسئلة صعبة حول قِيَم المقاربات العسكرية الديمقراطية الليبرالية للنظام العالمي. يطرح اندماج الشبكات العنكبوتية الأمنية الخاصة والمدنية للمستشعرات الذكية في العمليات العسكرية أسئلة مُلِحّة حول حق الإنسان في الخصوصية، حيث ننتقل جميعاً إلى عالم إنترنت الأشياء. وكما هي الحال مع جميع التقنيات الجديدة، تعاني هذه التقنيات من عدم تناسق يحتمل أن يكون إشكالياً، حيث يجد المستخدمون الضعفاء والذين يعانون نقص الموارد صعوبة متزايدة في مواجهة الأقوياء. في الوقت ذاته، سيُغري القوى العسكرية الكبرى حتماً فرص زيادة الكفاءة والفعالية التي توفرها تكنولوجيا دمج المستشعرات، ما سيجعلها بكل تأكيد تطوراً لا يمكن إيقافه.
المصادر والمراجع:
Steve Orrin (2019, November 12). «See something, do something: Sensors in battlefield dominance». DefenseNews. See something, do something: Sensors in battlefield dominance – Defense Systems
Jeffrey L. Paul (2000). «Smart Sensor Web: Web-Based Exploitation of Sensor Fusion for Visualization of the Tactical Battlefield». IEEE Aerospace and Electronic Systems Magazine, 23, vol.1
Martin Keenan (2019, February 20). «The Challenge and the Opportunity of Sensor Fusion: A Real Gamechanger». 5G Technology World. The Challenge and the Opportunity of Sensor Fusion, a Real Gamechanger – 5G Technology World
» البروفيسور جوليان ريتشاردز
(مركز دراسات الأمن والاستخبارات «BUCSIS»، جامعة باكنغهام، المملكة المتحدة(