تصاعدت تهديدات الملاحة البحرية في الآونة الأخيرة، وهو ما وضح في عدة مناطق حول العالم، أبرزها في بحر الصين الجنوبي، وهو ما يثير التساؤل حول كيفية مواجهة مثل هذه النوعية من التهديدات، والرد عليها، خاصة في ظل ما هو متوقع من تنامي هذه الأنشطة في ظل دخول حقبة صراعات القوى الكبرى، خاصة بين الصين من جانب، والولايات المتحدة والدول المناوئة للصين في جنوب شرق آسيا من جانب آخر.
يعرف البعض «المناطق الرمادية» بأنها المساحات المتنازع عليها بين المناطق الاقتصادية الخالصة لدول مختلفة. وتشكل حالات المناطق الرمادية في مختلف المناطق البحرية المتنازع عليها تحدياً لأنشطة إنفاذ القانون، والتنسيق بين وكالات إنفاذ القانون بين دولتين أو أكثر. وتتسم عمليات المنطقة الرمادية بأنها عمليات ذات طبيعة قسرية. ففي معظم الأحيان، وليس كلها، يلاحظ أنها مصممة عمداً لتبقى دون عتبة النزاع العسكري التقليدي والحرب المفتوحة بين الدول، وتهدف إلى تحقيق مكاسب دون تصعيد إلى حرب علنية، ودون تجاوز الخطوط الحمراء المحددة، وبالتالي دون تعريض الممارس للعقوبات والمخاطر التي قد يجلبها مثل هذا التصعيد.
ويمكن أن تستخدم عمليات المنطقة الرمادية البحرية من قبل قوة أضعف ضد قوة أقوى، كما يمكن أيضاً توظيفها من قبل قوة أقوى ضد قوة أضعف. في هذه الحالة الأخيرة، وكاستثناء مهم لقاعدة تجنب التصعيد، والتي كانت أحد الملامح الأساسية لعمليات المنطقة الرمادية، قد تكون القوة الأقوى مستعدة لاستفزاز رد عسكري من جانب القوة الأضعف لجعل الأخيرة تبدو وكأنها المعتدية لدفعها في الدخول في صراع لا يمكن أن تنتصر فيه. وفي هذه الظروف، فإن الصين متهمة من جانب الدول المناوئة لها باستخدام الميليشيات البحرية من أجل فرض أمر واقع وبسيط سيطرة الصين على المناطق البحرية المتنازع عليها في جنوب شرق آسيا.
وتنطوي عمليات المنطقة الرمادية على توظيف الحرب القانونية، إذ إنها قد تستغل الغموض القانوني لتحقيق ميزة عسكرية وعملياتية، ومن ذلك على سبيل المثال، قد تستغل مثل هذه العمليات عدم اليقين في معنى «مطالبة» سفينة حربية جانحة لا تقوم بالمرور البريء «بمغادرة البحر الإقليمي فوراً»، إذ إنه ليس من الواضح كيفية قيام الدولة الساحلية بذلك، وإذا ما كانت هذه السلطة تمتد إلى استخدام القوة، أو مجرد التوضيح الدبلوماسي. ولا يعني ذلك أن هذه النوعية من العمليات تحترم القانون الدولي في كل الأحوال، إذ إنها قد تقوم بانتهاك القانون كذلك.
وفي حين يرى البعض أن مفهوم عمليات المنطقة الرمادية هو مفهوم مرادف للحرب الهجينة، إذ يعرف البعض المفهوم الأول بأنه المنطقة التي تشهد تطبيق تكتيكات الحرب الهجينة، فإن الاتجاه الغالب في الدراسات الأمنية الدولية يميز بين المفهومين، وذلك بالنظر إلى الاختلافات الكبيرة بينهما. ويمكن توضيح هذا التمايز من خلال الإشارة إلى حالتي روسيا والصين في توظيف الحرب الهجينة للسيطرة على القرم بالنسبة للأولى، وعمليات المناطق الرمادية في بحر الصين الجنوبي بالنسبة للثانية.
ابتداءً، يلاحظ أن عمليات «المنطقة الرمادية» التي تقوم بها الصين هي مناورات بحرية وغير عسكرية ظاهرياً، وتهدف إلى تحسين وضعها الجيواستراتيجي للصين في وقت السلم من خلال انتزاع السيطرة على المياه الإقليمية والمعالم الموجودة داخلها مع الحفاظ على علاقات إيجابية مع جيرانها. وعلى النقيض من ذلك، فإن «الحرب الهجينة»، مثل تلك التي مارستها روسيا في شبه جزيرة القرم في عام 2014، لها عنصر عسكري مباشر، وغالباً ما تكون برية، وتسعى إلى زعزعة استقرار العدو.
ومن جهة ثانية، تتم أغلب أنشطة المنطقة الرمادية الصينية في البحر، وهي منطقة ليست مأهولة بالسكان، وذلك على عكس البيئات الحضرية التي هي أساس مفهوم الحرب الهجينة. كما لا تهدف الصين إلى السيطرة على مساحة معينة، بل إلى زيادة الهيمنة الصينية في المجال البحري، وهو أمر يختلف اختلافاً جوهرياً عن الحرب الهجينة، والتي تستهدف فرض سيطرة الدولة على الأشخاص والأراضي التي تضمها.
ومن جهة ثالثة، لا تهدف حملة التوسع البحري الصيني إلى زعزعة استقرار دولة أخرى أو إضعافها، بل تسعى لتحقيق أهداف محدودة للغاية، مثل تعزيز أمنها القومي من خلال زيادة قدرتها على السيطرة على المياه الإقليمية التي تتسم بطابع دولي إلى حد كبير. وعلاوة على ذلك، تحاول الصين فرض القواعد والأجندة الخاصة لها من خلال تأسيس موقع أمني وسياسي مهيمن في المجال الدولي الإقليمي.
وعلاوة على ما سبق، فإن الأدوات التي تستخدمها الصين في حملتها البحرية هي السفن غير المسلحة، أو السفن المسلحة تسليحاً خفيفاً. ويتم اختيارها على وجه التحديد لأنه من غير المرجح أن تؤدي إلى استخدام القوة المميتة. وهذا يمنح الصين القدرة على السيطرة على التصعيد. ولا تستخدم الصين السفن البحرية في بعض الأحيان لترهيب خصوم بكين، بقدر ما هي إشارة إلى القوى البحرية الخارجية، مثل الولايات المتحدة، وذلك بهدف ردعها عن التدخل. فالغالبية العظمى من عمليات المنطقة الرمادية اليومية تتم دون أي تدخل عسكري على الإطلاق. في المقابل، تقوم الحرب الهجينة بتوظيف القوة العسكرية المميتة بالاقتران المباشر مع مجموعة من الأشكال الأخرى غير المميتة من القوة القسرية.
ويضاف إلى ما سبق، يتم استخدام العمليات المعلوماتية في إطار الحرب الهجينة لنشر المعلومات المضللة والتخريب وإحداث القلاقل داخل الدول المعادية. وعلى النقيض من ذلك، فإن الغرض من عمليات الصين الإعلامية في المنطقة الرمادية هو تصوير بكين لنفسها على أنها تلتزم بالقانون الدولي، من وجهة نظرها، وتقوم بممارسة شرعية في المجال البحري. وفي بحر الصين الجنوبي على وجه الخصوص، ترسل الصين رسائل واضحة عن هيمنتها وعدم جدوى المقاومة، وذلك في مسعى منها لتأمين الموارد الاقتصادية في المناطق المتنازع عليها، والحد من قدرة الخصوم على استغلال هذه الموارد، وحماية البر الرئيسي الصيني من الهجمات، وإعداد ساحة المعركة لأي نزاع مستقبلي محتمل.
وفي ضوء ما سبق، يمكن تعريف المناطق الرمادية بأنها «الحملات العدائية التي تقوم بها الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية التي تجمع بين الأدوات غير العسكرية وشبه العسكرية وتقل عن عتبة النزاع المسلح. وتهدف هذه الحملات إلى إحباط تحركات الخصم أو زعزعة استقراره أو إضعافه أو مهاجمته، وغالباً ما تكون مصممة خصيصاً لتستهدف نقاط ضعف الدولة المستهدفة».
وتستهدف عمليات المناطق الرمادية تحقيق عدد من الأهداف أبرزها تعزيز المطالبات بالسيادة أو الحقوق السيادية على الجزر، المأهولة، أو غير المأهولة، أو مناطق معينة من البحار، أو كوسيلة لخلق ضغط إضافي على دولة ما بدلاً من السعي إلى إيجاد حل خاص بقضية بحرية معنية موضع نزاع، أو كأداة مساعدة في عملية بحرية عسكرية تهدف إلى تحقيق مكاسب بحرية.
أشكال الحرب الهجينة البحرية
يتم توجيه اتهامات إلى بعض الدول، خاصة الصين، في جنوب شرق آسيا، بتوظيف تكتيكات الحرب الهجينة في المجال البحري، وذلك من خلال ما يلي:
• توظيف القوات «المدنية»: تقوم الصين على سبيل المثال، بتوظيف خفر السواحل، بالإضافة إلى الميليشيات البحرية المكونة من الصيادين، إلى جانب القوات البحرية، وذلك لكي تحيط الصين تدريجياً بالجزر الصغيرة المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي لاحتلالها، وفرض واقع جديد بحكم الأمر الواقع، كما يتضح من مواجهة سكاربورو شوال في عام 2012، أو أيونجين شوال في سبراتلي في عام 2013. وعلى وجه التحديد، تورط هؤلاء الصيادون الصينيون، غير المرتبطين ظاهرياً بالحكومة أو القوات المسلحة الصينية، في مضايقة السفن الأجنبية ومنع وصولها إلى المياه الإقليمية أو القيام بالأنشطة التجارية، بحجة أنهم يقومون بمبادرة منهم بالدفاع عن سيادة القانون في أعالي البحار. ولكن في حقيقة الأمر، تطالب الصين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي بأكمله تقريباً، بما فيها المياه والجزر القريبة من شواطئ جيرانها، وتجاهلت قراراً للمحكمة الدولية، والذي يعتبر أن مطالبها لا تستند إلى أساس قانوني سليم.
• بناء الجزر الصناعية: تقوم الصين بتنفيذ استراتيجية الحرمان من الدخول ومنع الوصول إلى المناطق البحرية التي تسعى للسيطرة عليها في بحر الصين الجنوبي، حيث قامت بضخ الرمال لبناء جزر اصطناعية، فضلاً عن القيام بأعمال هندسية مدنية وعسكرية مزدوجة الاستخدام في الجزر الصغيرة المحتلة، مما سمح لها ببسط سيطرتها على مناطق بحرية متنازع عليها. يهدف ذلك إلى ردع وصول القوات العسكرية المنافسة وزيادة استعراض القوة الصينية، مع منح قواتها المسلحة مساحة أكبر للمناورة في حالة نشوب نزاع عسكري. وعلى سبيل المثال، من خلال تثبيت صواريخ مضادة للسفن وصواريخ أرض جو على ثلاث شعاب مرجانية (فيري كروس وسوبي وميشيشيف)، مارست الصين سيطرة فعلية على جزر سبراتلي من خلال قدرتها على معارضة جميع التحركات الجوية أو البحرية في الأرخبيل منذ عام 2018.
• المناورات العسكرية البحرية: أجرى جيش التحرير الشعبي الصيني ثلاث مناورات عسكرية واسعة النطاق حول تايوان، بين عامي 2022 و2024، وذلك لإظهار امتلاك بكين لخيارات مختلفة إذا ما قررت غزو الجزيرة، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصينية، والتي تلوح من فترة لأخرى بإمكانية استقلالها عن بكين. ومن خلال جعل التدريبات العسكرية حول تايوان أمراً روتينياً اعتيادياً، يعمل جيش التحرير الشعبي الصيني على إضعاف استعداد تايبيه العسكرية وقدرتها على تقييم ما إذا كانت «التدريبات» تُستخدم لإخفاء الاستعدادات لغزو فعلي. كما توفر المناورات الروتينية لجيش التحرير الشعبي الصيني فرصاً للتدريب وجمع المعلومات الاستخباراتية وتزيد من الضغط السياسي على القادة التايوانيين للرضوخ لجهود الصين لإعادة ضم الجزيرة سلمياً.
وكان الهدف من التمرين الأخير، السيف المشترك، هو معاقبة تايوان على أفعالها الانفصالية بعد تنصيب الرئيس لاي. وللمرة الأولى، تضمنت التدريبات التنسيق العسكري وإنفاذ القانون بين جيش التحرير الشعبي الصيني وحكومة الصين الشعبية حول تايوان وجزرها النائية. وتوغلت وحدات حرس السواحل الصينية في المياه المحظورة في جزيرتي دونغين وووكيو وأجرت تدريبات على إنفاذ القانون شرق الجزيرة الرئيسية، بما في ذلك استخدام مدافع المياه وزيارة وتفتيش السفن المارة.
• منع بحرية الدول الأخرى: تقوم الصين بصدم سفن الصيد الفلبينية، على سبيل المثال، وإغراقها، والاستيلاء غير القانوني على معدات الصيد، واستخدام مدافع المياه ضد السفن الفلبينية، وذلك في محاولة لإبعادها عن المناطق التي تدعي الصين السيطرة عليها، فضلاً عن استصلاح المعالم البحرية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة الفلبينية وعسكرتها.
فقد وقع حادث في 16 يونيو 2024، عندما أصيب بحار فلبيني على متن السفينة باكاجاي بجروح بالغة أثناء محاولة إيصال إمدادات إنسانية لسفينة سييرا مادري في شول توماس الثاني، فقد اتخذت السفن التابعة للصين سلسلة من الإجراءات الخطيرة ضد السفينة باكاجاي، بما في ذلك استخدام خراطيم المياه والصدم والقطر ومناورات المنع. هذه هي المرة الثالثة التي يصاب فيها أحد أفراد الطاقم الفلبيني الذي يقوم بتوصيل الإمدادات إلى سييرا مادري بسبب الأعمال العدوانية الصينية. ومع ذلك، ألقت الصين باللوم في حادث التصادم على السفينة باكاجاي، مشيرةً إلى أن لها ما يبرر استخدام تدابير السيطرة القانونية ضد السفينة الفلبينية.
ولم تكتف الصين بذلك، بل اعتمدت الصين ابتداءً من يونيو 2024 قواعد جديدة تجيز لخفر السواحل الصينية توقيف الأجانب الذين يدخلون في المياه المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي بشكل غير قانوني، من وجهة نظر بكين، لفترة تصل إلى ستين يوماً من دون محاكمة.
الإجراءات المقابلة
لجأت بعض الدول المشاطئة للبحار المشتركة مع الصين، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، للتفكير في اتخاذ إجراءات، أو القيام بها بالفعل، بهدف إضعاف تهديدات عمليات المنطقة الرمادية الصينية، وذلك على النحو التالي:
• محاكاة تكتيكات الخصوم: يقصد بهذا أن تقوم الدولة بتكرار التكتيكات التي يتبعها الخصم، مثل تأسيس «ميليشيات بحرية»، أو القيام بمناورات الاصطدام. وعلى سبيل المثال، ألمح قائد البحرية الفلبينية الجديد، نائب الأدميرال خوسيه ما. أمبروزيو إيزبيليتا، في ديسمبر 2024، إلى إمكانية أن يتبنى الجيش الفلبيني تكتيكات «المنطقة الرمادية» الخاصة به في بحر الصين الجنوبي لمواجهة تلك التي تستخدمها بكين لتعزيز ادعاءاتها الإقليمية في الممر المائي المتنازع عليه.
واتبعت الفلبين بعض التكتيكات الصينية، حتى قبل إصدار مثل هذه التصريحات. ففي يونيو 2024، اقتربت سفينة نقل وإمداد فلبينية بشكل خطير من سفينة صينية، ما أدى إلى وقوع تصادم بسيط بعد أن دخلت المياه المتاخمة لجزيرة سكند توماس شول في بحر الصين الجنوبي. وأكدت الصين أن السفينة الفلبينية تجاهلت التحذيرات الجادة والمتكررة من الصين، كما أنها اقتربت عمداً وبشكل خطير من السفينة الصينية بطريقة غير مهنية، مما أدى إلى وقوع التصادم. كما وقع تصادم آخر في أغسطس 2024، بين سفينتين صينيتين وفلبينيتين، أثناء مواجهة بالقرب من منطقة متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وتبادل الطرفان الاتهامات حول المتسبب في الحادث.
• توظيف الأسلحة غير الفتاكة: هناك عدد كبير من هذه الأسلحة، والتي يمكن توظيفها مع تجنب التصعيد. وتتمثل هذه الأدوات في أجهزة الإنذار الصوتية بعيدة المدى المقترنة بأجهزة ترجمة للتحذيرات الشفوية الواضحة. ويأتي من ضمن الأمثلة كذلك أجهزة الليزر المبهرة التي تتمتع بمدى طويل لإيصال تحذيرات بصرية وتوفير وهج لحجب الرؤية للأفراد والزجاج الأمامي والبصريات للمركبات أو السفن أو الأنظمة غير المأهولة المقتربة. وكذلك يتم توظيف أنظمة الطاقة الموجهة بالموجات الدقيقة عالية الطاقة لتعطيل أجهزة التحكم الإلكترونية وإيقاف محركات السفن دون الإضرار بالركاب.
كما يمكن توظيف الطاقة الكهرومغناطيسية، والذي يعرف باسم «نظام الحرمان النشط»، والتي تُحدِث إحساساً مؤلماً على جلد الشخص المستهدف، ولكن دون التسبب في إصابة. وعند الشعور بالألم، سيتحرك الهدف بعد ذلك خارج مسار الشعاع.
وتقترح بعض مراكز الفكر الأمريكية اتباع مثل هذه التكتيكات لوقف عمليات المنطقة الرمادية، مع تجنب مخاطر التصعيد، غير أنه في الوقت نفسه، فإنه ليس من الواضح ردة فعل الخصوم على مثل هذه الإجراءات، إذا ما تم اتباعها فعلاً، وهل ستؤدي إلى منع التصعيد، أم تدفع إلى دوامة من التصعيد والتصعيد المتبادل.
• تأسيس التحالفات البحرية: تقوم الدول المجاورة للصين، والمتضررة من سياستها، مثل الفلبين ببناء تحالفات مع القوى الدولية المناوئة للصين، مثل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا الإطار، تدعو بعض مراكز الفكر الأمريكية إلى قيام واشنطن بمساندة مانيلا في الحفاظ على سيطرتها على الجزيرة المرجانية توماس شول الثانية. وتشمل هذه الخطوات توفير مرافقة بحرية أمريكية منتظمة للسفن الفلبينية، سواء كانت تقوم بإعادة إمداد القوات لسفينة سييرا مادري المتمركزة على الجزيرة، أو تشارك في جهود بناء المزيد من الهياكل الدائمة على الشعاب المرجانية هذه، وزيادة أصول الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في المنطقة المحيطة بتوماس شول الثاني.
• نشر القوات البحرية الخفيفة: يتمثل أحد الحلول المقترحة في الولايات المتحدة بإنشاء قوة من سفن الدورية المسلحة تسليحاً خفيفاً والمصممة لتوفير وجود في العمق بتكلفة أقل بكثير من نشر المدمرات، وذلك في المناطق البحرية المتنازع عليها بالقرب من الصين. ولن تكون سفن الدورية هذه بحاجة إلى أن تكون ذات قوة فتاكة أو حتى مجهزة للقتال، إذ لا يُتوقع منها خوض حرب. وبدلاً من ذلك، ستكون بمثابة أسلاك شائكة، لأنه من وجهة نظر الصينيين، فإن الاشتباك مع زورق دورية أمريكي لا يقل خطورة عن الاشتباك مع مدمرة أمريكية. هناك اقتراح آخر تم تقديمه مؤخراً وهو شراء فرقاطات يمكنها أن تتولى المهام الموكلة حالياً للمدمرات بتكلفة أقل، مما يوفر المدمرات للقيام بمهمة أخرى، وهي زيادة قوة الردع السطحية للبحرية الأمريكية.
وفي الختام، يمكن القول إن تكتيكات عمليات المنطقة الرمادية توظف من جانب القوى الكبرى، مثل الصين، بهدف تحقيق أهداف استراتيجية، وذلك باتباع أدوات لا ترقي إلى استخدام القوة المسلحة، وذلك لفرض أمر واقع في مواجهة الخصوم، مثل توظيف أساطيل الصيد من أجل حرمان أساطيل السفن المناوئة من التواجد في المياه المتنازع عليها. وعلى الرغم من أن مواجهة مثل هذه الأساطيل قد يبدو أمراً هيناً، خاصة من القوات البحرية النظامية، فإن محاولة استهدافها بقوة قاتلة قد يوفر الذريعة المناسبة للصين من أجل التدخل بقوة عسكرية أكبر ضد الدولة التي قامت باستهداف أساطيل الصيد الصينية. ولذلك، فإن الخيار الآمن للدول المناوئة للصين هو تجنب مثل هذا الخيار. ولايزال الحل العملي المتبقي في هذه الحالة هو محاولة اتباع نفس عمليات المنطقة الرمادية ضد الصين، خاصة من جانب الدول المشاطئة، مثل الفلبين. وتبقى عيوب هذا الحل هو أنه يفتح الباب أمام التصعيد، والذي قد يخرج عن السيطرة. ولذا يتوقع أن تشارك الولايات المتحدة في دعم الفلبين لمحاولة توفير الردع ومنع تصعيد المواجهات في المناطق المتنازع عليها.
د. شادي عبدالوهاب
أستاذ مشارك في كلية الدفاع الوطني