Liaoning

عمليات المنطقة الرمادية كيفية الرد على تهديدات الملاحة البحرية المتصاعدة

تصاعدت‭ ‬تهديدات‭ ‬الملاحة‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وضح‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناطق‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬أبرزها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬التساؤل‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬مواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬التهديدات،‭ ‬والرد‭ ‬عليها،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭ ‬من‭ ‬تنامي‭ ‬هذه‭ ‬الأنشطة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬دخول‭ ‬حقبة‭ ‬صراعات‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬جانب،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬المناوئة‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭. ‬

يعرف‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬المناطق‭ ‬الرمادية‮»‬‭ ‬بأنها‭ ‬المساحات‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬بين‭ ‬المناطق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخالصة‭ ‬لدول‭ ‬مختلفة‭. ‬وتشكل‭ ‬حالات‭ ‬المناطق‭ ‬الرمادية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المناطق‭ ‬البحرية‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬تحدياً‭ ‬لأنشطة‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون،‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬وكالات‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭. ‬وتتسم‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬بأنها‭ ‬عمليات‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬قسرية‭. ‬ففي‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان،‭ ‬وليس‭ ‬كلها،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أنها‭ ‬مصممة‭ ‬عمداً‭ ‬لتبقى‭ ‬دون‭ ‬عتبة‭ ‬النزاع‭ ‬العسكري‭ ‬التقليدي‭ ‬والحرب‭ ‬المفتوحة‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬دون‭ ‬تصعيد‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬علنية،‭ ‬ودون‭ ‬تجاوز‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمراء‭ ‬المحددة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬دون‭ ‬تعريض‭ ‬الممارس‭ ‬للعقوبات‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يجلبها‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التصعيد‭.‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬البحرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوة‭ ‬أضعف‭ ‬ضد‭ ‬قوة‭ ‬أقوى،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أيضاً‭ ‬توظيفها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوة‭ ‬أقوى‭ ‬ضد‭ ‬قوة‭ ‬أضعف‭.‬‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وكاستثناء‭ ‬مهم‭ ‬لقاعدة‭ ‬تجنب‭ ‬التصعيد،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬أحد‭ ‬الملامح‭ ‬الأساسية‭ ‬لعمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬القوة‭ ‬الأقوى‭ ‬مستعدة‭ ‬لاستفزاز‭ ‬رد‭ ‬عسكري‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬القوة‭ ‬الأضعف‭ ‬لجعل‭ ‬الأخيرة‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬المعتدية‭ ‬لدفعها‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتصر‭ ‬فيه‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬متهمة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدول‭ ‬المناوئة‭ ‬لها‭ ‬باستخدام‭ ‬الميليشيات‭ ‬البحرية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فرض‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬وبسيط‭ ‬سيطرة‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬البحرية‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭.‬

وتنطوي‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬الحرب‭ ‬القانونية،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬قد‭ ‬تستغل‭ ‬الغموض‭ ‬القانوني‭ ‬لتحقيق‭ ‬ميزة‭ ‬عسكرية‭ ‬وعملياتية،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قد‭ ‬تستغل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬في‭ ‬معنى‭ ‬‮«‬مطالبة‮»‬‭ ‬سفينة‭ ‬حربية‭ ‬جانحة‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بالمرور‭ ‬البريء‭ ‬‮«‬بمغادرة‭ ‬البحر‭ ‬الإقليمي‭ ‬فوراً‮»‬،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬كيفية‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الساحلية‭ ‬بذلك،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة،‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬التوضيح‭ ‬الدبلوماسي‭. ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬تحترم‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬قد‭ ‬تقوم‭ ‬بانتهاك‭ ‬القانون‭ ‬كذلك‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬مرادف‭ ‬للحرب‭ ‬الهجينة،‭ ‬إذ‭ ‬يعرف‭ ‬البعض‭ ‬المفهوم‭ ‬الأول‭ ‬بأنه‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬تطبيق‭ ‬تكتيكات‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة،‭ ‬فإن‭ ‬الاتجاه‭ ‬الغالب‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬الأمنية‭ ‬الدولية‭ ‬يميز‭ ‬بين‭ ‬المفهومين،‭ ‬وذلك‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الاختلافات‭ ‬الكبيرة‭ ‬بينهما‭. ‬ويمكن‭ ‬توضيح‭ ‬هذا‭ ‬التمايز‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬حالتي‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬القرم‭ ‬بالنسبة‭ ‬للأولى،‭ ‬وعمليات‭ ‬المناطق‭ ‬الرمادية‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬بالنسبة‭ ‬للثانية‭. ‬

ابتداءً،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬‮«‬المنطقة‭ ‬الرمادية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الصين‭ ‬هي‭ ‬مناورات‭ ‬بحرية‭ ‬وغير‭ ‬عسكرية‭ ‬ظاهرياً،‭ ‬وتهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬وضعها‭ ‬الجيواستراتيجي‭ ‬للصين‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬السلم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬انتزاع‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬والمعالم‭ ‬الموجودة‭ ‬داخلها‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقات‭ ‬إيجابية‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭. ‬وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الهجينة‮»‬،‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬لها‭ ‬عنصر‭ ‬عسكري‭ ‬مباشر،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬برية،‭ ‬وتسعى‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬العدو‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬تتم‭ ‬أغلب‭ ‬أنشطة‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬وهي‭ ‬منطقة‭ ‬ليست‭ ‬مأهولة‭ ‬بالسكان،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬البيئات‭ ‬الحضرية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يختلف‭ ‬اختلافاً‭ ‬جوهرياً‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة،‭ ‬والتي‭ ‬تستهدف‭ ‬فرض‭ ‬سيطرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬والأراضي‭ ‬التي‭ ‬تضمها‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثالثة،‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬حملة‭ ‬التوسع‭ ‬البحري‭ ‬الصيني‭ ‬إلى‭ ‬زعزعة‭ ‬استقرار‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬إضعافها،‭ ‬بل‭ ‬تسعى‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬محدودة‭ ‬للغاية،‭ ‬مثل‭ ‬تعزيز‭ ‬أمنها‭ ‬القومي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬زيادة‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬بطابع‭ ‬دولي‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭. ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تحاول‭ ‬الصين‭ ‬فرض‭ ‬القواعد‭ ‬والأجندة‭ ‬الخاصة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تأسيس‭ ‬موقع‭ ‬أمني‭ ‬وسياسي‭ ‬مهيمن‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الدولي‭ ‬الإقليمي‭.‬

وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬فإن‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬حملتها‭ ‬البحرية‭ ‬هي‭ ‬السفن‭ ‬غير‭ ‬المسلحة،‭ ‬أو‭ ‬السفن‭ ‬المسلحة‭ ‬تسليحاً‭ ‬خفيفاً‭. ‬ويتم‭ ‬اختيارها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬المميتة‭. ‬وهذا‭ ‬يمنح‭ ‬الصين‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬التصعيد‭. ‬ولا‭ ‬تستخدم‭ ‬الصين‭ ‬السفن‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬لترهيب‭ ‬خصوم‭ ‬بكين،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬القوى‭ ‬البحرية‭ ‬الخارجية،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬ردعها‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭. ‬فالغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬اليومية‭ ‬تتم‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬عسكري‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬تقوم‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬بتوظيف‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬المميتة‭ ‬بالاقتران‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأشكال‭ ‬الأخرى‭ ‬غير‭ ‬المميتة‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬القسرية‭.‬

ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬يتم‭ ‬استخدام‭ ‬العمليات‭ ‬المعلوماتية‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬لنشر‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬والتخريب‭ ‬وإحداث‭ ‬القلاقل‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬المعادية‭. ‬وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬الصين‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬هو‭ ‬تصوير‭ ‬بكين‭ ‬لنفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تلتزم‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظرها،‭ ‬وتقوم‭ ‬بممارسة‭ ‬شرعية‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البحري‭. ‬وفي‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬ترسل‭ ‬الصين‭ ‬رسائل‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬هيمنتها‭ ‬وعدم‭ ‬جدوى‭ ‬المقاومة،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مسعى‭ ‬منها‭ ‬لتأمين‭ ‬الموارد‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الخصوم‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬هذه‭ ‬الموارد،‭ ‬وحماية‭ ‬البر‭ ‬الرئيسي‭ ‬الصيني‭ ‬من‭ ‬الهجمات،‭ ‬وإعداد‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬لأي‭ ‬نزاع‭ ‬مستقبلي‭ ‬محتمل‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬يمكن‭ ‬تعريف‭ ‬المناطق‭ ‬الرمادية‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬الحملات‭ ‬العدائية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الجهات‭ ‬الفاعلة‭ ‬الحكومية‭ ‬وغير‭ ‬الحكومية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬الأدوات‭ ‬غير‭ ‬العسكرية‭ ‬وشبه‭ ‬العسكرية‭ ‬وتقل‭ ‬عن‭ ‬عتبة‭ ‬النزاع‭ ‬المسلح‭. ‬وتهدف‭ ‬هذه‭ ‬الحملات‭ ‬إلى‭ ‬إحباط‭ ‬تحركات‭ ‬الخصم‭ ‬أو‭ ‬زعزعة‭ ‬استقراره‭ ‬أو‭ ‬إضعافه‭ ‬أو‭ ‬مهاجمته،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬مصممة‭ ‬خصيصاً‭ ‬لتستهدف‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‭ ‬الدولة‭ ‬المستهدفة‮»‬‭.‬

وتستهدف‭ ‬عمليات‭ ‬المناطق‭ ‬الرمادية‭ ‬تحقيق‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬أبرزها‭ ‬تعزيز‭ ‬المطالبات‭ ‬بالسيادة‭ ‬أو‭ ‬الحقوق‭ ‬السيادية‭ ‬على‭ ‬الجزر،‭ ‬المأهولة،‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المأهولة،‭ ‬أو‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬البحار،‭ ‬أو‭ ‬كوسيلة‭ ‬لخلق‭ ‬ضغط‭ ‬إضافي‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬ما‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬خاص‭ ‬بقضية‭ ‬بحرية‭ ‬معنية‭ ‬موضع‭ ‬نزاع،‭ ‬أو‭ ‬كأداة‭ ‬مساعدة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬بحرية‭ ‬عسكرية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬بحرية‭.‬

أشكال‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬البحرية‭ ‬

يتم‭ ‬توجيه‭ ‬اتهامات‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬خاصة‭ ‬الصين،‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬بتوظيف‭ ‬تكتيكات‭ ‬الحرب‭ ‬الهجينة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬البحري،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

•‭ ‬توظيف‭ ‬القوات‭ ‬‮«‬المدنية‮»‬‭:‬‭ ‬تقوم‭ ‬الصين‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بتوظيف‭ ‬خفر‭ ‬السواحل،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الميليشيات‭ ‬البحرية‭ ‬المكونة‭ ‬من‭ ‬الصيادين،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬القوات‭ ‬البحرية،‭ ‬وذلك‭ ‬لكي‭ ‬تحيط‭ ‬الصين‭ ‬تدريجياً‭ ‬بالجزر‭ ‬الصغيرة‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬لاحتلالها،‭ ‬وفرض‭ ‬واقع‭ ‬جديد‭ ‬بحكم‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬سكاربورو‭ ‬شوال‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬أو‭ ‬أيونجين‭ ‬شوال‭ ‬في‭ ‬سبراتلي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭. ‬وعلى‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬تورط‭ ‬هؤلاء‭ ‬الصيادون‭ ‬الصينيون،‭ ‬غير‭ ‬المرتبطين‭ ‬ظاهرياً‭ ‬بالحكومة‭ ‬أو‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الصينية،‭ ‬في‭ ‬مضايقة‭ ‬السفن‭ ‬الأجنبية‭ ‬ومنع‭ ‬وصولها‭ ‬إلى‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بالأنشطة‭ ‬التجارية،‭ ‬بحجة‭ ‬أنهم‭ ‬يقومون‭ ‬بمبادرة‭ ‬منهم‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬سيادة‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬تطالب‭ ‬الصين‭ ‬بالسيادة‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬بأكمله‭ ‬تقريباً،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المياه‭ ‬والجزر‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬شواطئ‭ ‬جيرانها،‭ ‬وتجاهلت‭ ‬قراراً‭ ‬للمحكمة‭ ‬الدولية،‭ ‬والذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬مطالبها‭ ‬لا‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬أساس‭ ‬قانوني‭ ‬سليم‭.‬

•‭ ‬بناء‭ ‬الجزر‭ ‬الصناعية‭:‬‭ ‬تقوم‭ ‬الصين‭ ‬بتنفيذ‭ ‬استراتيجية‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬ومنع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬للسيطرة‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬بضخ‭ ‬الرمال‭ ‬لبناء‭ ‬جزر‭ ‬اصطناعية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬هندسية‭ ‬مدنية‭ ‬وعسكرية‭ ‬مزدوجة‭ ‬الاستخدام‭ ‬في‭ ‬الجزر‭ ‬الصغيرة‭ ‬المحتلة،‭ ‬مما‭ ‬سمح‭ ‬لها‭ ‬ببسط‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬مناطق‭ ‬بحرية‭ ‬متنازع‭ ‬عليها‭. ‬يهدف‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬ردع‭ ‬وصول‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬المنافسة‭ ‬وزيادة‭ ‬استعراض‭ ‬القوة‭ ‬الصينية،‭ ‬مع‭ ‬منح‭ ‬قواتها‭ ‬المسلحة‭ ‬مساحة‭ ‬أكبر‭ ‬للمناورة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬نشوب‭ ‬نزاع‭ ‬عسكري‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تثبيت‭ ‬صواريخ‭ ‬مضادة‭ ‬للسفن‭ ‬وصواريخ‭ ‬أرض‭ ‬جو‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬شعاب‭ ‬مرجانية‭ (‬فيري‭ ‬كروس‭ ‬وسوبي‭ ‬وميشيشيف‭)‬،‭ ‬مارست‭ ‬الصين‭ ‬سيطرة‭ ‬فعلية‭ ‬على‭ ‬جزر‭ ‬سبراتلي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬معارضة‭ ‬جميع‭ ‬التحركات‭ ‬الجوية‭ ‬أو‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الأرخبيل‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2018‭.‬

•‭ ‬المناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬البحرية‭: ‬أجرى‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني‭ ‬ثلاث‭ ‬مناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬حول‭ ‬تايوان،‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2022‭ ‬و2024،‭ ‬وذلك‭ ‬لإظهار‭ ‬امتلاك‭ ‬بكين‭ ‬لخيارات‭ ‬مختلفة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قررت‭ ‬غزو‭ ‬الجزيرة،‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الصينية،‭ ‬والتي‭ ‬تلوح‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬لأخرى‭ ‬بإمكانية‭ ‬استقلالها‭ ‬عن‭ ‬بكين‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬جعل‭ ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬حول‭ ‬تايوان‭ ‬أمراً‭ ‬روتينياً‭ ‬اعتيادياً،‭ ‬يعمل‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني‭ ‬على‭ ‬إضعاف‭ ‬استعداد‭ ‬تايبيه‭ ‬العسكرية‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬تقييم‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬التدريبات‮»‬‭ ‬تُستخدم‭ ‬لإخفاء‭ ‬الاستعدادات‭ ‬لغزو‭ ‬فعلي‭. ‬كما‭ ‬توفر‭ ‬المناورات‭ ‬الروتينية‭ ‬لجيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني‭ ‬فرصاً‭ ‬للتدريب‭ ‬وجمع‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬وتزيد‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬القادة‭ ‬التايوانيين‭ ‬للرضوخ‭ ‬لجهود‭ ‬الصين‭ ‬لإعادة‭ ‬ضم‭ ‬الجزيرة‭ ‬سلمياً‭.‬

وكان‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬التمرين‭ ‬الأخير،‭ ‬السيف‭ ‬المشترك،‭ ‬هو‭ ‬معاقبة‭ ‬تايوان‭ ‬على‭ ‬أفعالها‭ ‬الانفصالية‭ ‬بعد‭ ‬تنصيب‭ ‬الرئيس‭ ‬لاي‭. ‬وللمرة‭ ‬الأولى،‭ ‬تضمنت‭ ‬التدريبات‭ ‬التنسيق‭ ‬العسكري‭ ‬وإنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬بين‭ ‬جيش‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبي‭ ‬الصيني‭ ‬وحكومة‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬حول‭ ‬تايوان‭ ‬وجزرها‭ ‬النائية‭. ‬وتوغلت‭ ‬وحدات‭ ‬حرس‭ ‬السواحل‭ ‬الصينية‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬المحظورة‭ ‬في‭ ‬جزيرتي‭ ‬دونغين‭ ‬وووكيو‭ ‬وأجرت‭ ‬تدريبات‭ ‬على‭ ‬إنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬شرق‭ ‬الجزيرة‭ ‬الرئيسية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استخدام‭ ‬مدافع‭ ‬المياه‭ ‬وزيارة‭ ‬وتفتيش‭ ‬السفن‭ ‬المارة‭.‬

•‭ ‬منع‭ ‬بحرية‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭: ‬تقوم‭ ‬الصين‭ ‬بصدم‭ ‬سفن‭ ‬الصيد‭ ‬الفلبينية،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وإغراقها،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬على‭ ‬معدات‭ ‬الصيد،‭ ‬واستخدام‭ ‬مدافع‭ ‬المياه‭ ‬ضد‭ ‬السفن‭ ‬الفلبينية،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإبعادها‭ ‬عن‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬الصين‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬استصلاح‭ ‬المعالم‭ ‬البحرية‭ ‬داخل‭ ‬المنطقة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخالصة‭ ‬الفلبينية‭ ‬وعسكرتها‭. ‬

فقد‭ ‬وقع‭ ‬حادث‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬يونيو‭ ‬2024،‭ ‬عندما‭ ‬أصيب‭ ‬بحار‭ ‬فلبيني‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفينة‭ ‬باكاجاي‭ ‬بجروح‭ ‬بالغة‭ ‬أثناء‭ ‬محاولة‭ ‬إيصال‭ ‬إمدادات‭ ‬إنسانية‭ ‬لسفينة‭ ‬سييرا‭ ‬مادري‭ ‬في‭ ‬شول‭ ‬توماس‭ ‬الثاني،‭ ‬فقد‭ ‬اتخذت‭ ‬السفن‭ ‬التابعة‭ ‬للصين‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الخطيرة‭ ‬ضد‭ ‬السفينة‭ ‬باكاجاي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬استخدام‭ ‬خراطيم‭ ‬المياه‭ ‬والصدم‭ ‬والقطر‭ ‬ومناورات‭ ‬المنع‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬يصاب‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬الطاقم‭ ‬الفلبيني‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬بتوصيل‭ ‬الإمدادات‭ ‬إلى‭ ‬سييرا‭ ‬مادري‭ ‬بسبب‭ ‬الأعمال‭ ‬العدوانية‭ ‬الصينية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬ألقت‭ ‬الصين‭ ‬باللوم‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬التصادم‭ ‬على‭ ‬السفينة‭ ‬باكاجاي،‭ ‬مشيرةً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬يبرر‭ ‬استخدام‭ ‬تدابير‭ ‬السيطرة‭ ‬القانونية‭ ‬ضد‭ ‬السفينة‭ ‬الفلبينية‭. ‬

ولم‭ ‬تكتف‭ ‬الصين‭ ‬بذلك،‭ ‬بل‭ ‬اعتمدت‭ ‬الصين‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭ ‬قواعد‭ ‬جديدة‭ ‬تجيز‭ ‬لخفر‭ ‬السواحل‭ ‬الصينية‭ ‬توقيف‭ ‬الأجانب‭ ‬الذين‭ ‬يدخلون‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬قانوني،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬بكين،‭ ‬لفترة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ستين‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬محاكمة‭. ‬

الإجراءات‭ ‬المقابلة‭ ‬

لجأت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المشاطئة‭ ‬للبحار‭ ‬المشتركة‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات،‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬بالفعل،‭ ‬بهدف‭ ‬إضعاف‭ ‬تهديدات‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬الصينية،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬

•‭ ‬محاكاة‭ ‬تكتيكات‭ ‬الخصوم‭:‬‭ ‬يقصد‭ ‬بهذا‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الدولة‭ ‬بتكرار‭ ‬التكتيكات‭ ‬التي‭ ‬يتبعها‭ ‬الخصم،‭ ‬مثل‭ ‬تأسيس‭ ‬‮«‬ميليشيات‭ ‬بحرية‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بمناورات‭ ‬الاصطدام‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬ألمح‭ ‬قائد‭ ‬البحرية‭ ‬الفلبينية‭ ‬الجديد،‭ ‬نائب‭ ‬الأدميرال‭ ‬خوسيه‭ ‬ما‭. ‬أمبروزيو‭ ‬إيزبيليتا،‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2024،‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬أن‭ ‬يتبنى‭ ‬الجيش‭ ‬الفلبيني‭ ‬تكتيكات‭ ‬‮«‬المنطقة‭ ‬الرمادية‮»‬‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬لمواجهة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬بكين‭ ‬لتعزيز‭ ‬ادعاءاتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬الممر‭ ‬المائي‭ ‬المتنازع‭ ‬عليه‭.‬

واتبعت‭ ‬الفلبين‭ ‬بعض‭ ‬التكتيكات‭ ‬الصينية،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬إصدار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭. ‬ففي‭ ‬يونيو‭ ‬2024،‭ ‬اقتربت‭ ‬سفينة‭ ‬نقل‭ ‬وإمداد‭ ‬فلبينية‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭ ‬من‭ ‬سفينة‭ ‬صينية،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬وقوع‭ ‬تصادم‭ ‬بسيط‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬المياه‭ ‬المتاخمة‭ ‬لجزيرة‭ ‬سكند‭ ‬توماس‭ ‬شول‭ ‬في‮ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭. ‬وأكدت‭ ‬الصين‭ ‬أن‭ ‬السفينة‭ ‬الفلبينية‭ ‬تجاهلت‭ ‬التحذيرات‭ ‬الجادة‭ ‬والمتكررة‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬اقتربت‭ ‬عمداً‭ ‬وبشكل‭ ‬خطير‭ ‬من‭ ‬السفينة‭ ‬الصينية‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مهنية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬وقوع‭ ‬التصادم‭. ‬كما‭ ‬وقع‭ ‬تصادم‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬2024،‭ ‬بين‭ ‬سفينتين‭ ‬صينيتين‭ ‬وفلبينيتين،‭ ‬أثناء‭ ‬مواجهة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬متنازع‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬وتبادل‭ ‬الطرفان‭ ‬الاتهامات‭ ‬حول‭ ‬المتسبب‭ ‬في‭ ‬الحادث‭.‬

•‭ ‬توظيف‭ ‬الأسلحة‭ ‬غير‭ ‬الفتاكة‭:‬‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة،‭ ‬والتي‭ ‬يمكن‭ ‬توظيفها‭ ‬مع‭ ‬تجنب‭ ‬التصعيد‭. ‬وتتمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأدوات‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الإنذار‭ ‬الصوتية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬المقترنة‭ ‬بأجهزة‭ ‬ترجمة‭ ‬للتحذيرات‭ ‬الشفوية‭ ‬الواضحة‭. ‬ويأتي‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬الأمثلة‭ ‬كذلك‭ ‬أجهزة‭ ‬الليزر‭ ‬المبهرة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بمدى‭ ‬طويل‭ ‬لإيصال‭ ‬تحذيرات‭ ‬بصرية‭ ‬وتوفير‭ ‬وهج‭ ‬لحجب‭ ‬الرؤية‭ ‬للأفراد‭ ‬والزجاج‭ ‬الأمامي‭ ‬والبصريات‭ ‬للمركبات‭ ‬أو‭ ‬السفن‭ ‬أو‭ ‬الأنظمة‭ ‬غير‭ ‬المأهولة‭ ‬المقتربة‭. ‬وكذلك‭ ‬يتم‭ ‬توظيف‭ ‬أنظمة‭ ‬الطاقة‭ ‬الموجهة‭ ‬بالموجات‭ ‬الدقيقة‭ ‬عالية‭ ‬الطاقة‭ ‬لتعطيل‭ ‬أجهزة‭ ‬التحكم‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وإيقاف‭ ‬محركات‭ ‬السفن‭ ‬دون‭ ‬الإضرار‭ ‬بالركاب‭. ‬

كما‭ ‬يمكن‭ ‬توظيف‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهرومغناطيسية،‭ ‬والذي‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬الحرمان‭ ‬النشط‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تُحدِث‭ ‬إحساساً‭ ‬مؤلماً‭ ‬على‭ ‬جلد‭ ‬الشخص‭ ‬المستهدف،‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬التسبب‭ ‬في‭ ‬إصابة‭. ‬وعند‭ ‬الشعور‭ ‬بالألم،‭ ‬سيتحرك‭ ‬الهدف‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬خارج‭ ‬مسار‭ ‬الشعاع‭. ‬

وتقترح‭ ‬بعض‭ ‬مراكز‭ ‬الفكر‭ ‬الأمريكية‭ ‬اتباع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التكتيكات‭ ‬لوقف‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية،‭ ‬مع‭ ‬تجنب‭ ‬مخاطر‭ ‬التصعيد،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فإنه‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬الخصوم‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬اتباعها‭ ‬فعلاً،‭ ‬وهل‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬التصعيد،‭ ‬أم‭ ‬تدفع‭ ‬إلى‭ ‬دوامة‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬والتصعيد‭ ‬المتبادل‭.‬

•‭ ‬تأسيس‭ ‬التحالفات‭ ‬البحرية‭:‬‭ ‬تقوم‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬للصين،‭ ‬والمتضررة‭ ‬من‭ ‬سياستها،‭ ‬مثل‭ ‬الفلبين‭ ‬ببناء‭ ‬تحالفات‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬المناوئة‭ ‬للصين،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬تدعو‭ ‬بعض‭ ‬مراكز‭ ‬الفكر‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬واشنطن‭ ‬بمساندة‭ ‬مانيلا‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬الجزيرة‭ ‬المرجانية‭ ‬توماس‭ ‬شول الثانية‭. ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوات‭ ‬توفير‭ ‬مرافقة‭ ‬بحرية‭ ‬أمريكية‭ ‬منتظمة‭ ‬للسفن‭ ‬الفلبينية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بإعادة‭ ‬إمداد‭ ‬القوات‭ ‬لسفينة‭ ‬سييرا‭ ‬مادري‭ ‬المتمركزة‭ ‬على‭ ‬الجزيرة،‭ ‬أو‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬جهود‭ ‬بناء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الهياكل‭ ‬الدائمة‭ ‬على‭ ‬الشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬هذه،‭ ‬وزيادة‭ ‬أصول‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والمراقبة‭ ‬والاستطلاع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬المحيطة‭ ‬بتوماس‭ ‬شول الثاني‭.‬

•‭ ‬نشر‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬الخفيفة‭:‬‭ ‬يتمثل‭ ‬أحد‭ ‬الحلول‭ ‬المقترحة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بإنشاء‭ ‬قوة‭ ‬من‭ ‬سفن‭ ‬الدورية‭ ‬المسلحة‭ ‬تسليحاً‭ ‬خفيفاً‭ ‬والمصممة‭ ‬لتوفير‭ ‬وجود‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬بتكلفة‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬نشر‭ ‬المدمرات،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬البحرية‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الصين‭. ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬سفن‭ ‬الدورية‭ ‬هذه‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ذات‭ ‬قوة‭ ‬فتاكة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مجهزة‭ ‬للقتال،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يُتوقع‭ ‬منها‭ ‬خوض‭ ‬حرب‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬ستكون‭ ‬بمثابة‭ ‬أسلاك‭ ‬شائكة،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الصينيين،‭ ‬فإن‭ ‬الاشتباك‭ ‬مع‭ ‬زورق‭ ‬دورية‭ ‬أمريكي‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬خطورة‭ ‬عن‭ ‬الاشتباك‭ ‬مع‭ ‬مدمرة‭ ‬أمريكية‭. ‬هناك‭ ‬اقتراح‭ ‬آخر‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬مؤخراً‭ ‬وهو‭ ‬شراء‭ ‬فرقاطات‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬المهام‭ ‬الموكلة‭ ‬حالياً‭ ‬للمدمرات‭ ‬بتكلفة‭ ‬أقل،‭ ‬مما‭ ‬يوفر‭ ‬المدمرات‭ ‬للقيام‭ ‬بمهمة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهي‭ ‬زيادة‭ ‬قوة‭ ‬الردع‭ ‬السطحية‭ ‬للبحرية‭ ‬الأمريكية‭. ‬

وفي‭ ‬الختام،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تكتيكات‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬توظف‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬مثل‭ ‬الصين،‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬استراتيجية،‭ ‬وذلك‭ ‬باتباع‭ ‬أدوات‭ ‬لا‭ ‬ترقي‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬المسلحة،‭ ‬وذلك‭ ‬لفرض‭ ‬أمر‭ ‬واقع‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخصوم،‭ ‬مثل‭ ‬توظيف‭ ‬أساطيل‭ ‬الصيد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حرمان‭ ‬أساطيل‭ ‬السفن‭ ‬المناوئة‭ ‬من‭ ‬التواجد‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مواجهة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأساطيل‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬أمراً‭ ‬هيناً،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬النظامية،‭ ‬فإن‭ ‬محاولة‭ ‬استهدافها‭ ‬بقوة‭ ‬قاتلة‭ ‬قد‭ ‬يوفر‭ ‬الذريعة‭ ‬المناسبة‭ ‬للصين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التدخل‭ ‬بقوة‭ ‬عسكرية‭ ‬أكبر‭ ‬ضد‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬باستهداف‭ ‬أساطيل‭ ‬الصيد‭ ‬الصينية‭. ‬ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الخيار‭ ‬الآمن‭ ‬للدول‭ ‬المناوئة‭ ‬للصين‭ ‬هو‭ ‬تجنب‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الخيار‭. ‬ولايزال‭ ‬الحل‭ ‬العملي‭ ‬المتبقي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬هو‭ ‬محاولة‭ ‬اتباع‭ ‬نفس‭ ‬عمليات‭ ‬المنطقة‭ ‬الرمادية‭ ‬ضد‭ ‬الصين،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدول‭ ‬المشاطئة،‭ ‬مثل‭ ‬الفلبين‭. ‬وتبقى‭ ‬عيوب‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬التصعيد،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬السيطرة‭. ‬ولذا‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تشارك‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الفلبين‭ ‬لمحاولة‭ ‬توفير‭ ‬الردع‭ ‬ومنع‭ ‬تصعيد‭ ‬المواجهات‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها‭.‬

د‭. ‬شادي‭ ‬عبدالوهاب‭

أستاذ‭ ‬مشارك‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني

Youtube
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض