Screenshot 2025-03-01 at 1.15.31 AM

فتح مكة

شهد التاريخ عدة غزوات وحروب، كانت نتائجها حاسمة في تغيير مجراه، وسنتناول على صفحات “الجندي” بعضاً من هذه المعارك الفاصلة..

غزوة وقعت في العشرين من رمضان في العام الثامن من الهجرة، وكان من نتائجها اعتناقُ كثيرٍ من أهلها دينَ الإسلام، ومنهم سيد قريش أبو سفيان بن حرب، وزوجتُه هند بنت عتبة، وكذلك عكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق، وغيرُهم.

أسباب الفتح

كانت بين قبيلتي خزاعة وبني الدئل بن بكر عداوة وثارات في الجاهلية، دخلت خزاعة في حلف الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو الدئل بن بكر في حلف قريش، فلما كانت الهدنة، اغتنمها بنو الدئل بن بكر، وأرادوا أن يصيبوا من خزاعة، ثأر أولئك النفر، فأغاروا على خزاعة ليلاً، وهم على ماء يقال له «الوتير» جنوب غربي مكة، فأصابوا منهم رجالاً، وأمدّت قريش بني الدئل بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً، ونتيجةً لذلك الغدر والنقض في العهد، خرج عمرو بن سالم الخزاعي في أربعين من خزاعة حتى قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وأخبروه بما كان من بني الدئل بن بكر، وبمن أصيب منهم، وبمناصرة قريش لبني الدئل بن بكر عليهم. فقال الرسول صلى الله عليه وسلمٌ: «نُصرت يا عمرو بن سالم»

أحست قريش بغدرها، وخافت وشعرت بعواقبه الوخيمة، فعقدت مجلساً استشارياً، وقررت أن تبعث قائدها أبا سفيان ممثلاً لها، ليقوم بتجديد الصلح. وعند نزول أبي سفيان في المدينة دخل على ابنته أم حبيبة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم، وأراد أن يجلس على فراش الرسول فطوته عنه، فقال: «يا بنية، ما أدري، أرغبت بي عن هذا الفراش، أم رغبت به عني؟»، قالت: «بل هذا فراش رسول الله، وأنت مشرك نجس»، قال: «والله لقد أصابك بعدي شر». ثم خرج أبو سفيان حتى أتى الرسول فكلمه، فلم يرد عليه شيئاً، ولما قدم أبو سفيان على قريش قالوا: «ما وراءك؟»، قال: «جئت محمداً فكلمته، فوالله ما رد عليَّ شيئاً.

استعداد المسلمين للخروج

عندما قرر الرسول صلى الله عليه وسلم السير لفتح مكة، حرص على كتمان هذا الأمر، حتى لا يصل الخبر إلى قريش فتعد العدة لمجابهته، وأعد الرسول صلى الله عليه وسلم جيشاً وصلت عدته إلى عشرة آلاف رجل،وبث رجال العسس بالدولة الإسلامية داخل المدينة وخارجها حتى لا تنتقل أخباره إلى قريش، ثم دعا الله تعالى فقال: «اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم فلا يرونا إلا بغتة ولا يسمعوا بنا إلا فجأة».

مسير المسلمين من المدينة إلى مكة

لقد تعمد الرسول صلى الله عليه وسلم شن الحرب النفسية على أعدائه أثناء سيره لفتح مكة، حيث أمر الرسول بإيقاد النيران، فأوقدوا عشرة آلاف نار في ليلة واحدة حتى ملأت الأفق، فكان لمعسكرهم منظر مهيب كادت تنخلع قلوب القرشيين من شدة هوله، وقد قصد الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك تحطيم نفسيات أعدائه والقضاء على معنوياتهم حتى لا يفكروا في أية مقاومة، وإجبارهم على الاستسلام لكي يتم له تحقيق هدفه دون إراقة دماء.

الاقتراب من مكة والتخطيط لفتحها

عندما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذي طوى وزَّعَ المهام على النحو الآتي:

جعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى، وأمره أن يدخل مكة من أسفلها، وقال: «إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصداً، حتى توافوني على الصفا».

جعل الزبير بن العوام على المجنبة اليسرى، ولا يبرح حتى يأتيه.

جعل أبا عبيدة على البياذقة (الرجالة) وبطن الوادي.

بعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمرهم أن يكفوا أيديهم ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم، وبهذا كانت المسؤوليات واضحة، وكل قد عرف ما أسند إليه من مهام والطريق الذي ينبغي أن يسير فيه.

دخول المسلمين مكة

دخلت قوات المسلمين مكة من جهاتها الأربع في آنٍ واحد، ولم تلق تلك القوات مقاومة تقريباً، وكان في دخول جيش المسلمين من الجهات الأربع ضربة قاضية لجنود قريش، حيث عجزت عن التجمع، وضاعت منها فرصة المقاومة، وهذا من التدابير الحربية الحكيمة التي لجأ إليها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أصبح في مركز القوة في العدد والعتاد، ونجحت خطة الرسول، فلم يستطع المشركون المقاومة، ولا الصمود أمام الجيش الزاحف إلى أم القرى، فاحتل كل فيلق منطقته التي وُجّه إليها، في سلم واستسلام، إلا ما كان من المنطقة التي توجه إليها خالد بن الوليد، فقد تجمع بعض رجال قريش ومنهم صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو وغيرهم مع بعض حلفائهم في مكان اسمه «الخندمة» وتصدوا للقوات المتقدمة بالسهام، وصمموا على القتال، فأصدر خالد بن الوليد أوامره بالانقضاض عليهم، وما هي إلا لحظات حتى قضى على تلك القوة وشتت شمل أفرادها، وبذلك أكمل الجيش السيطرة على مكة المكرمة.

ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، وهو واضع رأسه تواضعاً لله، حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح، حتى إن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل، ودخل وهو يقرأ سورة الفتح مستشعراً بنعمة الفتح وغفران الذنوب، وإفاضة النصر العزيز. وعندما دخل مكة فاتحاً أردف أسامة بن زيد، وهو ابن زيد بن حارثة مولى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يردف أحداً من أبناء بني هاشم وأبناء أشراف قريش وهم كثير، وكان ذلك صبح يوم الجمعة لعشرين ليلة خلت من رمضان، سنة ثمانٍ من الهجرة.

ولما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت فطاف به، وفي يده قوس، وحول البيت وعليه ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بالقوس ويقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً»

وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوماً، يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى، وخلال هذه الأيام أمر أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، وكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكسرت كلها، ونادى مناديه بمكة: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره».

إعلان العفو العام

نال أهل مكة عفواً عاماً رغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته، ومع قدرة الجيش الإسلامي على إبادتهم، وقد جاء إعلان العفو عنهم وهم مجتمعون قرب الكعبة ينتظرون حكم الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم، فقال: «ما تظنون أني فاعل بكم؟»، فقالوا: «خيراً أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريمٍ»، فقال: «لا تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ». وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل أو السبي، وإبقاء الأموال المنقولة والأراضي بيد أصحابها، وعدم فرض الخراج عليها، فلم تُعامل مكة كما عوملت المناطق الأخرى المفتوحة عنوة، لقدسيتها وحرمتها عند المسلمين، فهم يؤمنون أنها دار النسك، ومتعبد الخلق، وحَرَم الرب تعالى.

دخول أهل مكة الإسلام

كان من أثر عفو الرسول صلى الله عليه وسلم الشامل عن أهل مكة، والعفو عن بعض من أَهدر دماءَهم، أن دخل أهل مكة رجالاً ونساءً وأحراراً وموالي في الإسلام طواعيةً واختياراً، وبدخول مكة تحت راية الإسلام دخل الناس في الإسلام أفواجاً، وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم الناس جميعاً الرجال والنساء، والكبار والصغار، وبدأ بمبايعة الرجال، فقد جلس لهم على الصفا، فأخذ عليهم البيعة على «الإسلام والسمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا».

ولما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه.

نتائج الفتح

كان لفتح مكة نتائج كثيرة منها: أن دخلت مكةُ تحت نفوذ المسلمين، وزالت دولة قريش منها، وأصبح المسلمون قوة عظمى في جزيرة العرب. وتحققت أمنية الرسول صلى الله عليه وسلم بدخول قريش في الإسلام، وبرزت الدولة الإسلامية قوةً كبرى في الجزيرة العربية لا يستطيع أي تجمع قبلي الوقوف في وجهها.

إعداد: نادر نايف محمد

Twitter
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض