كتاب العدد 607

أطلس الذكاء الاصطناعي: السلطة والسياسة وتكلفة الذكاء الاصطناعي التي يتحملها الكوكب

ماذا سيحدث عندما يهيمن الذكاء الاصطناعي على الحياة السياسية، ويستنزف موارد الكوكب؟ كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في فهمنا أنفسنا، ومجتمعاتنا؟ تكشف المؤلفة كيت كروفورد، الحائزة جوائز عدَّة -استنادًا إلى جهد بحثي امتد لما يزيد على عقد من الزمن- أن الذكاء الاصطناعي يُعَد تكنولوجيا استخراجية؛ بداية باستخراج المعادن من جوف الأرض، إلى موظفي استخلاص المعلومات الذين يتقاضون أجورًا هزيلة، إلى البيانات التي تُستنبَط من كل فعل، أو تعبير يصدر عنا.

وتُوضح المؤلفة أن هذه الشبكة العالمية تمثل عاملًا محفزًا للتحول نحو حوكمة غير ديمقراطية، وتؤدي إلى تفاقم حالة عدم المساواة؛ وبدلًا من الاكتفاء بالتركيز على الترميز والخوارزميات، تقدم المؤلفة للقارئ تصورًا سياسيًّا لمتطلبات الذكاء الاصطناعي، وكيف يؤدي إلى مركزية القوة؛ ويعدِّد هذا الكتاب الجوانب المهددة بالخطر في ظل سعي شركات التكنولوجيا إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لإعادة رسم ملامح العالم.

ولا شك في أن كل طريقة لتعريف الذكاء الاصطناعي تحقق هدفًا؛ وتضع إطارًا لفهمه، وقياسه، وتقييمه، وإدارته؛ فإذا عُرِّف بالعلامات التجارية الاستهلاكية للبنى التحتية للشركات؛ فلا بد من أن يكون التسويق والإعلان قد حدَّدَا آفاقه سلفًا، وإذا نُظر إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي بصفتها ذات موثوقية أكبر من أي خبير بشري، أو أنها أعقل منه، أو تستطيع القيام “بأحسن عملٍ ممكن”؛ فهذا يعني ضرورة الوثوق بقدرتها على اتخاذ قرارات عالية المخاطرة في مجالات الصحة، والتعليم، والعدالة الجنائية؛ أمَّا عندما تكون أساليب خوارزمية معينة هي محور التركيز الوحيد؛ فهذا لا يعني شيئًا سوى ضرورة أن يستمر التقدم التقني، من دون النظر إلى التكلفة الحسابية لتلك الأساليب، وتأثيراتها الكبيرة في كوكبٍ يرزح تحت وطأة ضغوط عاتية.

وفي المقابل يؤكد هذا الكتاب أن الذكاء الاصطناعي ليس ذكيًّا، ولا اصطناعيًّا، وإنما مجسَّد ومادي، وتدخل في بنائه الموارد الطبيعية، والوقود، والعمل البشري، والبنية التحتية، والإمداد اللوجستي، والتاريخ، والتصنيفات؛ فأنظمة الذكاء الاصطناعي ليست ذاتية التحكم، أو عاقلة، أو قادرة على تمييز أي شيء من دون تدريب حاسوبي مكثَّف يستعين بقواعد بيانات ضخمة، أو قواعد، ونتائج محدَّدة سلفًا. والحقيقة أن الذكاء الاصطناعي الذي نعرفه يعتمد تمامًا على مجموعة أكبر كثيرًا من الهياكل السياسية والاجتماعية؛ ونظرًا إلى ضخامة رأس المال المطلوب لبناء الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، وطرق الرؤية التي يعمل على تحسينها؛ فقد صُمِّمَت أنظمته لخدمة المصالح المهيمِنة الحالية، ومن هذا المنطلق يُعدُّ الذكاء الاصطناعي سجلًّا للقوة والسطوة.

ويبين هذا الكتاب كيفية صنع الذكاء الاصطناعي بمفهومه الأوسع، والعوامل الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والتاريخية التي تؤثر فيه؛ فعندما نربط الذكاء الاصطناعي بهذه الهياكل والأنظمة الاجتماعية الأوسع؛ يمكن أن نتملَّص من الفكرة التي ترى أنه ميدان تقني بحت. إن الذكاء الاصطناعي في جوهره ممارسات تكنولوجية، واجتماعية، ومؤسسات، وبنًى تحتية، وسياسات، وثقافة، ويرتبط العقل الحاسوبي، والعمل المتجسِّد ببعضهما بعضًا على نحو وثيق؛ إذ تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي العلاقات الاجتماعية، وطرائق فهم العالم، وتفرزها.

وربما يحدِث مصطلح “الذكاء الاصطناعي” حالة من الاضطراب والقلق في أوساط مجتمع علوم الحاسوب؛ فقد لاقى المصطلح رواجًا، واستهجانًا على مدى عقود، ويُستخدم في التسويق أكثر من استخدام الباحثين له. وأمَّا مصطلح “التعلُّم الآلي” فيشيع استخدامه في الدراسات والمؤلفات التكنولوجية؛ ومع ذلك فغالبًا ما تُتَبنَّى تسمية “الذكاء الاصطناعي” في أثناء مواسم تقديم طلبات التمويل، حين يأتي أصحاب رؤوس الأموال حاملين دفاتر شيكات؛ أو حين يسعَى الباحثون عن جذب الاهتمام الإعلامي إلى الوصول إلى استنتاجٍ علمي جديد؛ ولذا يُستخدم المصطلح، ويُنبذ، بطرائق تجعل معناه في تغير دائم، ويستخدم هذا الكتاب مصطلح الذكاء الاصطناعي للإشارة إلى عملية التطوير الصناعي الضخمة، التي تشمل مجالات السياسة، والعمل، والثقافة، ورأس المال، ويستخدم مصطلح “التعلُّم الآلي” للإشارة إلى مجموعة من الأساليب التكنولوجية، وهي في الواقع أساليب اجتماعية، تتعلق بالبنية التحتية أيضًا، على الرغم من ندرة الحديث عنها بهذا المفهوم.

ولكن توجد أسباب مهمة وراء شدة تركيز هذا المجال على الاكتشافات التكنولوجية الخوارزمية، والتحسين المطَّرد للمنتجات، وزيادة المواءمة. وتستفيد هياكل القوة، التي تتلاقى في مجالات التكنولوجيا، ورأس المال، والإدارة، كثيرًا من هذا التحليل المجرد الضيق النطاق؛ ولفهم كيف أن الذكاء الاصطناعي ذو طبيعة سياسية بالدرجة الأولى؛ يلزمنا الخروج من حيز الشبكات العصبية، والأنماط الإحصائية، إلى التساؤل عن التحسينات المدخلة، والجهات المستفيدة منها، وتلك التي تتخذ القرار بشأنها، ثم يمكننا تتبُّع الآثار المترتبة على تلك الاختيارات.

وفي المحصلة يمكن أن يعيننا الأطلس على فهم كيفية صنع الذكاء الاصطناعي؛ فالأطلس نوع غريب من الكتب، يجمع أجزاءً متفرقة، مع خرائط تتباين دقتها بين تلك التي التقطتها الأقمار الصناعية لكوكب الأرض، وتلك التي تشتمل على تفاصيل مُكبَّرة لأرخبيلٍ ما مثلًا، وعندما تفتح أطلسًا ربما يكون هدفك البحث عن معلومات محدَّدة بشأن مكان معين، أو ربما تتنقل بين صفحاته بلا هدف محدد، وبدافع من فضولك، ويبدو هذا الفعل لصيقًا بطبيعة الذكاء الاصطناعي اليوم.

ويتناول هذا الكتاب مجالات حاسوبية سبقت دراستها، وأخرى أقل شهرة منها مثل: حفر المناجم، والممرات الطويلة لمراكز البيانات التي تستهلك طاقة ضخمة، وأرشيفات الجماجم، وقواعد بيانات الصور، ومستودعات التسليم ذات الإضاءة الفلورية. وليس الهدف من ذكر هذه المجالات توضيح البناء المادي للذكاء الاصطناعي وأيديولوجياته فحسب، وإنما إلقاء الضوء على الجوانب الذاتية والسياسية التي لا مفر منها لرسم الخرائط، وتوفير بدائل لنُهُج الهيمنة والسلطة، التي غالبًا ما تكون طبيعية ومُحسَّنة.

المؤلف: كيت كروفورد

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

تاريخ النشر: 2024

كيت كروفورد: باحثة رائدة عالميًّا في مجال الذكاء الاصطناعي وتأثيراته. وأستاذة بحوث بجامعة كاليفورنيا الجنوبية في لوس أنجلوس، وقدمت المشورة لصانعي السياسات في الأمم المتحدة، والبيت الأبيض، والبرلمان الأوروبي، وفاز كتابها “أطلس الذكاء الاصطناعي: السلطة والسياسة وتكلفة الذكاء الاصطناعي التي يتحملها الكوكب” بالعديد من الجوائز، وتُرجم إلى أكثر من عشر لغات.

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض