تمثل القوى الصاعدة تحدياً عميقاً للنظام الدولي، ويمكنها أن تثير حروبَ الهيمنة، وتحدث تغييرات مهمة في ميزان القوى، مثلما تؤثر في الطابعَين المعياري والمؤسسي للسياسة الدولية، ويمكن تتبع أثرها تاريخياً في العديد من التحولات عبر الحرب، ومع ذلك فالحرب ليست المصدر الوحيد للتغيير في السياسة العالمية، وربما يذكِّر صعود الصين اليوم رجال الدولة بالحاجة إلى عدم تكرار أخطاء القرن العشرين، فالتغير البنيوي في الأنظمة الدولية قد يَحدثُ عبر آليات مختلفة عمَّا كانت عليه في الماضي، ويشير ذلك إلى أن إدارته قد تكون أسهل بالطرق السلمية، مقارنةً بانتقالات القوة الأخرى.
ويُعَدُّ موضوع التغير السلمي، واستيعاب القوى الصاعدة، من الموضوعات المهمة التي تستحق اهتماماً أكبر من علماء العلاقات الدولية، ويتمثل أحد أهم التحديات الرئيسية لنظريات العلاقات الدولية السائدة في أنها لم تتعامل صراحةً مع السلام بصفته موضوعاً، بقدر ما تعاملت مع الحرب نفسها بتلك الطريقة، وهو ما يطرح سؤالين هما الأهم في دائرة نماذج العلاقات الدولية اليوم: هل يمكن تحقيق السلام الطويل الأمد فعلًا؟ وهل يمكن أن تتغير الأنظمة على نحو سلمي؟
أهداف الكتاب
وفي هذا الإطار يأتي هذا الكتاب للبحث في إمكانية استيعاب القوى الصاعدة، وإدارة انتقالات القوة والتغير في الأنظمة الدولية سلمياً، انطلاقاً من افتراضِ أن الانتقال السلمي للقوة ينتج من عملية التقارب الفكري، والتفاوضَين الضمني والصريح بشأن الأفكار والهوية بين القوى العظمى، أكثر كثيراً ممَّا ينتج من التسويات، أو التفاوض، على التوازن المادي للقوة.
وقد استعرض الكتاب العديد من الحجج، ليثبت أن الانتقال السلمي ينتج من العديد من المتغيرات التي تعمل على نحو مترابط، وكما أن الوجود المسبَق للألفة والهوية المشتركة يسهِّل عملية بناء تصورات حميدة متبادَلَة بين الأطراف الدولية، والقوى العظمى، فإن لممارسة الضبط الاستراتيجي دوراً مهماً في السماح ببناء الثقة بين الأطراف، ما يؤدي بدوره إلى حدوث تحول إدراكي تدريجي نحو الاتصاف بالطابع الاعتدالي، كما أن المصالحـة، والتعامل المفتـوح مع الماضي، ييسران التصورات المعتدلة، ولا سيـَّما إذا كـانت الأطراف المعنية قد انخرطت في نزاع مباشر في الماضي.
وفي السياق نفسه، فإن عملية الإدارة السلمية لتحول النظام الدولي ترتبط بمدى قدرة القوة المسيطرة، والمتحدي الصاعد، على الوصول إلى اتفاق لتكييف النظام الدولي السائد، مع توزيع القوة فيه، فالاتفاق على النظام قد ينتج تسلسلاً هرمياً جديداً، ومجموعة جديدة من القواعد، والمؤسسات، والمعايير. وتمثل الشرعية حجر الزاوية في عمليات الانتقال السلمي للقوة، فوجود شرعية دولية منبثقة من القيم التي يستند إليها الانتقال السلمي، ومشتركة بين الوحدات المختلفة في النظام الدولي، يضمن تسهيل مثل هذه الانتقالات السلمية، ويجعلها أكثر متانةً وديمومة.
ومن جانب آخر تُعدُّ المؤسسات الدولية منصات للقوى العظمى الناشئة حديثاً للتفاعل مع القوة الراسخة، والنظام المهيمن، ويؤكد باحثون كثر أن التغيير الذي تحركه الحرب قد ألغي تاريخياً لأن النظام القائم لديه قدرة واضحة على استيعاب القوى الصاعدة، إضافةً إلى الحدود التي يفرضها وجود الأسلحة النووية، فالحرب في هذه الحالة قد تكون مكلفة جداً، ومدمرة.
صعود الصين
ولا شك في أن صعود الصين يمثل أحد الأحداث الكبرى في القرن الحادي والعشرين، وبرغم التباين في وجهات النظر المتفائلة والمتشائمة، فإنه يمكن القول إن ما يسمى “نقاش الصين” قد فقَد جدواه اليوم. وتجادل هذه الدراسة لتثبت أن العلاقة بين الصين والنظام الدولي أكثر تعقيداً مما تبدو عليه، فعلى مدى العقود القليلة الماضية أثبتت الصين رضاها العام عن المؤسسات الدولية التي أنشأتها الولايات المتحدة، لتغير بذلك موقفها من المجتمع الدولي، وبدلاً من الرفض والمعارضة فإنها تتجه نحو المشاركة، واقتراح الإصلاحات، وبذلك يمكن للصين أن تستمر في صعودها السلمي.
معلومات الكتاب
اسم الكتاب: استيعاب القوى الصاعدة وإدارة الانتقال السلمي للقوة: هل سيكون صعود الصين سلمياً؟
المؤلف: سليم قسوم
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
تاريخ النشر: 2024
معلومات المؤلف
سليم قسوم
أكاديمي وباحث جزائري في الدراسات الاستراتيجية والأمنية
حصل على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة عنابة عام 2006
حصل على درجة الماجستير في الدراسات الاستراتيجية والمستقبليات من “جامعة الجزائر 3” في عام 2010
تَوَّج تحصيله العلمي بحصوله على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من “جامعة باتنة 1” في عام 2022