يتناول الكتاب تعزيز اتفاقية منع الانتشار النووي، ومستقبل القوى النووية الحالية والمقبلة، ومخاطر استحواذ جماعات أو تنظيمات متطرفة على الأسلحة النووية. ويحدد ثلاثة عصور نووية: الأول ينتهي بتفكك الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، والثاني ينتهي بتفجيرات برجي التجارة بنيويورك في الحادي عشر من سبتمبر 2001، والثالث ما زال مستمراً.
وقد صُممت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لتلائم حقبة باكرة، سبقت انفراد قوة عسكرية واحدة بالسيطرة، وظهور شبكات سرية للتجارة النووية، وخلايا إرهابية تسعى إلى الحصول على أسلحة نووية ومواد انشطارية. ومن الواضح أن هذه المعاهدة كانت تستند إلى أسس أقوى كثيراً في عالم ثنائي الأقطاب، حين كانت القوى العظمى تمسك جميعها بزمام السيطرة متى اتفقت فيما بينها على أمر ما. وواضح أيضاً أن العصر النووي الأول كان حقبة “للتمرن” على تطبيق معايير منع الانتشار النووي وترسيخها. وبرغم العجز عن منع انتهاك قواعد منع الانتشار ومبادئه، فقد جرى التأسيس لعزل القوى التي تخرق هذه القواعد، أو عقابها، أما في العصر النووي الثاني، فقد وهنت تلك المعايير، وغابت الضوابط والنظم اللازمة لإعادتها إلى قوتها. واليوم هناك سعي حثيث إلى صياغة قواعد عالمية جديدة للحد من الإرهاب النووي، ولن تُعامل جميع الدول المالكة للأسلحة النووية على قدم المساواة، فالمشكلة ليست في “القنبلة” نفسها بل في طبيعة مالكها وسلوكه.
ومن الأرجح أن يكون الحدث التاريخي المقبل سلبيّاً، فالتطورات النووية السلبية المحتملة تنبئ بعصر نووي ثالث، ومنها: استخدام السلاح النووي من دولة ما في حرب فعلية، واستخدام السلاح النووي من جماعة متطرفة، واستخدام الأسلحة المشعة، أو القنابل “القذرة” التي تشجع الآخرين على الرد بالمثل، وعودة دول كثيرة إلى استئناف التجارب النووية، وانهيار ضوابط النظام العالمي لمراقبة الانتشار النووي. أما التطور المحتمل الإيجابي نسبياً، فهو تزايد الخيارات العسكرية التقليدية المتاحة للقوى العظمى، ما قد يقلص دور الأسلحة النووية.
ومنذ عام 1945 تتشاطر جميع القوى العظمى اعتقاداً جوهرياً بشأن استخدام القنبلة النووية، هو أن هذا الاستخدام إذا كان خياراً مقصوداً ومدروساً ضد عدو مجهز بأسلحة نووية، فسيؤدي إلى ضربة ثأرية مروعة من النوع نفسه، وإذا كان الاستخدام ضد عدو أضعف كثيراً–ولاسيّما المختلف الدين أو اللون- فإن تداعياته السياسية والدبلوماسية والدولية ستفوق غالباً المكاسب العسكرية المحتملة.
ولكن برغم اتفاق دول النادي النووي على ضرورة تعزيز نظام منع الانتشار النووي، فإن السماح بأحداث سلبية الطابع قد يضاعف الأضرار المحتملة على نظام منع الانتشار النووي وقواعده ومعاهداته. وفي القائمة الآتية القُوى التسع المحركة البالغة السوء التي قد تؤدي إلى مستقبل نووي سلبي، وهي: استخدام أسلحة نووية في حرب بين الدول، والإخفاق في وقف برنامجي الأسلحة النووية الإيراني والكوري الشمالي، أو تغيير مقاصدهما الحالية كليةً، وانهيار نظام الحكم في باكستان أو تغيره جذرياً، وبناء مزيد من مراكز التخصيب والمعالجة في دول تحاول تبني خيارات بديلة، وقد تتطلع إلى الاقتراب من امتلاك “القنبلة”، وعدم الاحتفاظ بالأسلحة الخطِرة والمواد النووية التي يمكن استخدامها لتنفيذ عمليات إرهابية في أماكن آمنة جيدة الحراسة، وتنفيذ جماعات متطرفة عمليات إرهاب نووي تستهدف دولاً معينة، وغياب عمليات التفتيش الدولية وانهيار نظم المراقبة النووية، واستئناف تجارب الأسلحة النووية وزيادتها، وتواصُل إنتاج اليورانيوم والبلوتونيوم بدرجة تخصيب عالية لتصنيع أسلحة نووية.
ولهذه الأسباب وغيرها، فإن إزالة الأسلحة النووية كلياً هي الغاية المتوخاة، لكنها قد تتحول غايةً خطِرةً إن لم تُزِل الدول جميعها هذه الأسلحة نهائياً، من باب المعاملة بالمثل، وعلى نحو يمكن التحقق منه.
وقد وظف الرؤساء الأمريكيون خلال الحرب الباردة خمسة عناصر أساسية للتعامل مع “القنبلة” هي: الردع، والقوة العسكرية، والاحتواء، والجهد الدبلوماسي، ومراقبة الأسلحة، ولكن تطبيق هذه الدعامات الأساسية كان يفتقر أحياناً إلى التناغم والحكمة.
ومع أن العناصر الخمسة السابقة لم تكن دائماً كاملة التداخل، فإنه كان يتعذر استبعاد أيٍّ منها، منعاً لتفاقم المخاطر النووية، فالردع والاحتواء تطلّبا، إضافة إلى القوة العسكرية، توافر تطمينات تنشأ من اتصالات وحوارات دبلوماسية، وكذلك عمليات مراقبة الأسلحة.
ولا توجد أسرار أو “عصيٌّ سحرية” للحد من انتشار الأسلحة والمواد الشديدة الخطورة، ومنع وقوعها في أيدٍ جديدة. ويقتـضي النجاح في هذا المجال تطبيق برامج تعاونية أوسع نطاقاً وأسرع أداءً لتقليل التهديدات، ما أثبت حقاً جدواه وأهميته. وكلما تحسنت العلاقات بين القوى العظمى تيسر النجاح، ولكن بلوغ ذلك يزداد صعوبة بتخلي واشنطن وموسكو عن التزامات المعاهدات التي تقيّد حريتهما في التصرف.
وعلى أي حال، فإن اعتماد فهم استراتيجي جديد للحد من التهديدات الشاملة لن ينهي التوتر، لأن الأخطار النووية أكثر تنوعاً ومنافاة للنظام من إخضاعها لسياسات موحدة، ومع ذلك يجب محاولة التوصل إلى فهم استراتيجي موحد يمكن تمريره من إدارة إلى أخرى، وإكسابه مزيداً من الدعمين المحلي والدولي.
معلومات المؤلف
مايكل كريبون
من مناصري منع انتشار السلاح النووي
شارك في تأسيس مركز ستيمسون للفكر عام 1989
اختص في إدارتي كارتر وريجان، وفي الكونجرس أيضاً، بملف الحد من الأسلحة النووية
تولى منصب الرئيس والمدير التنفيذي لمركز ستيمسون حتى عام 2000
في عام 2001عُين أستاذاً دبلوماسياً في جامعة فرجينيا، وبقي فيها إلى عام 2010
تُوفي في يوليو 2022
معلومات الكتاب
اسم الكتاب: الأمن أولاً.. قبل الندم!: مفارقات التعايش مع “القنبلة”
المؤلف: مايكل كريبون
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
سنة النشر: 2012