تُعد التكنولوجيا محركاً رئيسياً للتغيير في مجال عمليات الأمن الداخلي، إذ توفر قدرات وفرصاً جديدة لجمع قدر كبير من البيانات، والمعلومات الاستخبارية، والأدلة، وتحليلها، وتدعم القدراتُ التكنولوجية أيضاً الأساليب الجديدة والمطورة في مجالات الكشف والمراقبة والتعرف والتحليل، ولهذه المجالات تأثير مباشر في الأمن الداخلي. ومن شأن استخدام التكنولوجيا في الأمن الداخلي أن يتيح مزايا عديدة، غير أن استخدام التكنولوجيا في مجال الأمن الداخلي يبرز أيضاً تحديات جديدة، مثل ضمان حصول الأجهزة المعنية على المهارات والموارد اللازمة لاستغلال التكنولوجيا على نحو فعال، وتوفير الإمكانيات اللازمة لمواكبة وتيرة الابتكارات العملياتية، والقدرة على مجابهة التدابير المضادة حيثما أمكن.
وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تحظى بوضع مناسب، على نحو استثنائي، للاستفادة من أوجه التقدم التكنولوجي في تعزيز الأمن الداخلي، بفضل خبرتها في اقتناء الأنظمة المتقدمة، وقدراتها المتطورة على استغلال التكنولوجيا الحديثة، ومهاراتها الرائدة في هذا المجال، وتبنيها ثقافة الابتكار.
ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين مثلت الطرق التي انتهجتها الدول لضمان أمنها الداخلي محوراً رئيسياً من محاور السجال السياسي العالمي، وفي حين تركز نظريات الأمن الوطني التقليدية اهتمامها على حماية الدولة من القوى الخارجية، تتوسع المفاهيم المعاصرة كثيراً لتشمل في الوقت الحالي مجموعة من القضايا الفردية، والقضايا العابرة للحدود، وتلك المتعلقة بالجهات الفاعلة غير الحكومية. وصاحَب تحول التركيز من مفاهيم الأمن الوطني التقليدية إلى الأمن الداخلي بروز مجموعة كبيرة من الأدوات النظرية والتحليلية النافعة للباحثين والعاملين في هذا المجال على حد سواء، كما أشعل التحول جدلاً كبيراً بشأن جدوى بعض منهجيات الأمن الوطني التقليدية عند التعامل مع تحديات الأمن الداخلي في القرن الحادي والعشرين، ما أثار تساؤلات بشأن التوجهات التي غلبت على الممارسات والبحوث السابقة، التي تتنبأ بالتهديدات استناداً إلى الظروف الراهنة وتلك التي شهدها الماضي القريب، متجاهلة الأحداث والتحولات الأوسع نطاقاً. ويُعد الأمن الداخلي فرعاً من فروع الأمن الوطني والسياسة العامة، ما يجعله مفهوماً شديد التأثر بالتغيرات السياسية والممارسات الأمنية.
أقسام البحث
تنقسم هذه الورقة البحثية إلى أربعة أقسام رئيسية تناقش قضايا مهمة تتعلق بالعلاقة المعقدة بين التكنولوجيا والأمن الداخلي، ويتناول القسم الأول منها محركات التغيير التكنولوجية، وهي التقنيات المادية والرقمية التي تتسبب بتغييرات ملموسة على الصعيد الأمني، وأما القسم الثاني فيتطرق إلى الفرص المتاحة أمام الدول لتسخير التكنولوجيا بصفتها ركيزة من ركائز حفظ الأمن الداخلي وتعزيزه، ويشمل ذلك البيانات والأدوات الجديدة المتوافرة لمؤسسات الاستخبارات وإنفاذ القانون. ويُعنى القسم الثالث بدراسة التحديات التي تواجه الدول عند تطبيق الحلول التكنولوجية، ويشمل ذلك إعداد ما يلزم من الخبراء، وتوفير الصلاحيات القانونية اللازمة، وإيجاد التدابير الوقائية المضادة، بهدف التطبيق الفاعل للحلول الأمنية التكنولوجية. وأخيراً يبحث القسم الرابع في مجموعة التداعيات السياسية الناجمة عن تأثيرات التكنولوجيا في الأمن الداخلي، التي تشمل الاستثمار في تطوير المهارات، وبناء المعارف الضرورية التي تمكن الدول من الاستفادة من الجوانب الإيجابية للتكنولوجيا، وفي الوقت نفسه حرمان جهات التهديد استغلالَ تلك الجوانب لمصلحتها الخاصة. ومن حسن الطالع أن دولة الإمارات العربية المتحدة بصفتها طرفاً فاعل في مجال الأمن، تتمتع بمزايا عديدة، منها خبرتها الحديثة في تطبيق الحلول العالية التقنية لمعالجة التحديات المتعلقة بالسياسات، ورغبتها الحقيقية بالاستثمار في المستقبل، وثقافة الابتكار السائدة فيها، التي يمكن الاستفادة منها في مجالَي التكنولوجيا والأمن الداخلي.
معلومات الكتاب
اسم الكتاب: الأمن الداخلي والتكنولوجيا: الفرص والتحديات
المؤلف: جون أنتوني هاردي
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
سنة النشر: 2022
معلومات المؤلف
الدكتور جون هاردي
أستاذ مساعد في برنامج الأمن الوطني بأكاديمية ربدان
شغل جون سابقاً منصب مدير الدراسات الأمنية في جامعة ماكواري
زميل بحوث بكلية الأمن الوطني الأسترالية