لم يفصل الولايات المتحدة الأمريكية عن الدخول في حرب نووية، منذ عهد ترومان، سوى ضغطة زر واحدة، وهي قرار بيد الرئيس وحده، فهو الذي يملك صلاحية إطلاق كل الترسانة النووية الأمريكية، من دون انتظار موافقة الكونجرس، أو حتى وزير الدفاع.
ويحكي هذا الكتاب، من وجهة نظر المؤلفين ويليام جيمس بيري، وزير الدفاع في إدارة الرئيس كلينتون، وتوم زد. كولينا، مدير السياسات في صندوق “بلوشيرز فاند” بواشنطن العاصمة، قصصاً مروعة عن صلاحية إطلاق السلاح النووي، بداية من عطل أصاب رقاقة إلكترونية قيمتها نحو 46 سنتاً، كاد يتسبَّب باندلاع حرب عالمية ثالثة، إلى تغريدة نشرها الرئيس ترامب بشأن امتلاكه زراً نووياً كبيراً وقوياً.
ويسرد بيري وكولينا تجربتيهما الشخصيتين بشأن تاريخ أمريكا النووي من منظور شاهدَي عيان، ويعرضان مقابلات تحمل معلومات مهمة مع بيل كلينتون، الرئيس الأسبق، وجيم ماتيس، وزير الدفاع الأسبق، وآدم سميث، عضو الكونجرس؛ وبياتريس فين، الحائزة جائزة نوبل للسلام، ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى في إدارة أوباما، وكثيرين غيرهم.
سلطة الضغط على الزر
ويكشف الكتاب، الذي صيغ بأسلوب سهل، ومعزز بمعلومات تحمل حججاً قوية، حكايات صادمة، وحقائق جادَّة عن سلطة إطلاق السلاح النووي في عصر القنبلة الذرية، وينتقد بشدة ترك هذه القوة المدمرة في يد شخص واحد، إذ يشير الكتاب إلى أن وضع هذا القدر الضخم من القوة العسكرية تحت تصرف شخص واحد يناهض كل ما يدافع عنه الدستور الأمريكي، ولا سيما أن الدستور نفسه لم يمنح صلاحية إعلان الحرب لأحد سوى الكونجرس، في حين وزع مسؤولية شنِّها على الفروع التنفيذية والتشريعية.
ويشير الكتاب إلى أن عضو الكونجرس أبراهام لينكولن ذكر أن الأمريكيين الأوائل قرروا أنه لا ينبغي لشخص واحد أن ينفرد بسلطة جرِّ الأمَّة إلى الحرب، مشيراً إلى أن المؤسسين اتَّبعوا نهجًا يقيِّد الصلاحية الرئاسية، ومع ذلك فلم يكن بوسعهم توقع اكتشاف القنبلة النووية، أو الدور الذي ستضطلع به في تغيير طبيعة الرئاسة، وهو ما لا يتفق مع الوضع اليوم، الذي يعطي الرئيس وحده صلاحية إطلاق الأسلحة النووية القادرة على تدمير الجنس البشري كله.
وبرغم وجود أنظمة تحكّم كثيرة مطبَّقة في الولايات المتحدة اليوم لمنع إطلاق الأسلحة النووية من غير قصد، أو بوساطة شخص غير مخوَّل، فإنه لا توجد أي وسيلة يمكنها أن تمنع رئيساً مصمِّماً من بدء حرب نووية. ولا شك في أن أخطار امتلاك أسلحة نووية جاهزة للإطلاق في غضون دقائق، تبعاً لصلاحية الرئيس المطلقة، تفوق أي منافع مرجوَّة، إضافة إلى أنها تقوِّض المنظومة الدستورية، وتفتح الباب أمام سيناريوهات غير مرغوب فيها.
النتائج
ويناقش الكتاب عواقب الاحتمالات المختلفة لإطلاق سلاح نووي يمتد أثره أزمنةً طويلة، ويؤكد أنه لا ينبغي أن يكون أي رئيس مضطراً إلى تقرير مصير العالم في غضون دقائق معدودة، استناداً إلى معلومات قد تكون ناقصة، أو غير دقيقة، إلا أن السياسة الأمريكية الحالية، المتمثلة في خيار الإطلاق أولاً، والأسلحة في حالة تأهب قصوى، تحت ضغط الإطلاق بمجرد الإنذار بشأن هجوم ما، أو فقدان الأسلحة على الأرض، يمكن أن تضع الرئيس في موقف خطِر، ولذا فإنه يمكن القول إن السياسة النووية الأمريكية مبنية بنحوٍ يدفع الرئيس في جميع الحالات إلى اتخاذ قرار الإطلاق في أثناء التعرض للهجوم، ولا سيّما أن الأمر الذي يصدره الرئيس بالإطلاق قانونيٌ تماماً، حتى وإن كان غير حكيم أو متسرعاً. والضباط العسكريون مدرَّبون على اتباع الأوامر، لا على التشكيك فيها، ومَن يميل منهم إلى التشكيك في أمر رئاسي من هذا النوع ربما يُفصل من الخدمة بكل سهولة.
معلومات الكتاب
اسم الكتاب: الزر: سباق التسلح النووي الجديد وسلطة الرئيس من ترومان إلى ترامب
المؤلفان: توم زد كولينا، وويليام جيمس بيري
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
تاريخ النشر: 2023
معلومات المؤلِّفَين
توم زد كولينا
مدير السياسات في صندوق “بلوشاريس فاند”
يتمتع بنحو 30 عاماً من الخبرة بواشنطن العاصمة بمجالات الأسلحة النووية، والدفاع الصاروخي، وقضايا عدم انتشار الأسلحة النووية
شغل في وقت سابق مناصب رفيعة في رابطة الحد من التسلُّح، ومعهد العلوم والأمن الدولي
ويليام جيمس بيري
شغل منصب وكيل وزارة الدفاع للبحوث والهندسة في إدارة كارتر
منصب وزير الدفاع في إدارة كلينتون
أشرف على تطوير الأنظمة النووية الاستراتيجية الأمريكية