كانت عملية تفجير تايمز سكوير الفاشلة بنيويورك، في مطلع مايو 2010، أول ردٍّ على سياسة باراك أوباما، الرئيس الأمريكي، لـ”محاربة الإرهاب باستخدام الطائرات من دون طيار أولاً”، ولم تكن الردَّ الأخير.
وعندما تَسَلَّم أوباما منصبه تعهَّد بإنهاء”الحرب على الإرهاب”، وإعادة الاحترام إلى حكم القانون في سياسات محاربة الإرهاب الأمريكية، ومع ذلك لم تتغير الأبعاد الأساسية لتلك السياسة بين إدارة بوش الابن وإدارة أوباما، وإن خفَّت اللهجة، وزاد تركيز الضربات، ففي حين دعا الرئيس جورج بوش الابن إلى الحرب دفاعاً عن “الحضارة” ضد تهديد الإرهاب، شنَّ الرئيس أوباما حربه على الإرهاب في الظل، مستخدِماً ضربات الطائرات من دون طيار، والعمليات الخاصة، والمراقبة المتطورة، لخوض حرب سرِّية شديدة ضد القاعدة وشبكات إسلامية أخرى. وخلال ولايته الأولى فقط شنَّ أوباما ضربات بالطائرات من دون طيار تعادل ستة أضعاف ما شنَّها الرئيس بوش طوال مدَّتي رئاسته اللتين بلغتا ثماني سنوات.
وتستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الطائرات من دون طيار لقتل الإرهابيين المشتبه فيهم بأربع دول على الأقل (أفغانستان، وباكستان، واليمن، والصومال)، وقد شاع أن ضربات هذه الطائرات استُخدِمت في أماكن أخرى. وتدير وكالة الاستخبارات المركزية الحملات في باكستان واليمن والصومال تحت رقابة قليلة من الكونجرس، بل إن إدارة أوباما أنكرتها في المحاكم.
وقد ركَّز جانب كبير من الجدل بشأن الطائرات من دون طيار على قانونيتها بموجب القانونين الدولي والداخلي، واستخدامِها من الناحية الأخلاقية سلاحاً في الحرب، فإذا وضعنا هذه القضايا جانباً، فإن هذه الدراسة تثبت قضية مختلفة هي أن لاعتماد إدارة أوباما المتزايد على ضربات الطائرات من دون طيار آثاراً سلبية لم يتم تقديرها بالمقارنة مع المكاسب التكتيكية المرتبطة بقتل الإرهابيين. وتركِّز الدراسة أساساً على التكاليف الاستراتيجية لحملات هذه الطائرات خارج مسارح الحرب النشيطة (تحديداً في باكستان، واليمن، والصومال)، ولا تتناول فوائدها وتكاليفها داخل مسارح الحرب النشيطة مثل أفغانستان.
وتطعن الدراسة في صحة الفكرة الشائعة بأن ضربات الطائرات من دون طيار في الأماكن غير الخاضعة للسيطرة في هذه الدول تُعَدُّ عالية الفاعلية، وذلك بمقارنة الدعاوى بخصوص كفاءتها النسبية في قتل “الأشرار” بآثارها السياسية في الدول التي تُستَخدَم فيها، وتدلِّل الدراسة على أن هذه الضربات تقلل استقرار الحكومات المحلية وشرعيتها، وتزيد عمق المشاعر المعادية للأمريكيين.
وتُستخدَم ضربات الطائرات من دون طيار غالباً في باكستان واليمن، وتُعَدُّ إشارات قوية إلى عجز حكومتي البلدين، وتبعيتهما للولايات المتحدة، ما يجعل من الصعب ـــــ إن لم يكن من المستحيل ـــــ إقامة مجموعة مستقرَّة من الشراكات للتعاون على مكافحة الإرهاب، إذ تعتمد هذه الشراكات على وجود حكومات تتمتع بالقدرة والشرعية. وتبرهن الدراسة أيضاً على أن “سياسة محاربة الإرهاب باستخدام الطائرات من دون طيار أولاً” هي طرح استراتيجي خاسر في الأمد البعيد، إذ إنَّ تبني إدارة أوباما هذا الأسلوبَ يشجع سباقَ تسلح جديداً في هذا النوع من الطائرات، ما يسهم في تمكين المنافسين الحاليين والمستقبليين، وإرساء القواعد لنظام دولي يزداد عنفاً واضطراباً واستقطاباً بين مالكي الطائرات من دون طيار، وضحاياها.
وقد أتِيحَت للرئيس أوباما، في ولايته الثانية، فرصة لتبنِّي سياسة جديدة للطائرات من دون طيار، تخفف تكاليف استخدامها، وتتفادى بعض عواقبه الطويلة الأمد، فبخطوة واحدة يمكن قصر استخدامها على ضرب الأهداف العالية القيمة، مثل الشخصيات القيادية السياسية والعملياتية في الشبكات الإرهابية، مع تقليل، أو إلغاء، الضربات ضد “الجنود المشاة”، أو شبكات الإسلاميين الأخرى المرتبطة بالقاعدة.
وثمَّة خطوة أخيرة وحاسمة نحو تخفيف العواقب الاستراتيجية للطائرات من دون طيار هي إعداد مقاييس ومعايير معترَف بها دوليّاً لاستخدامها وبيعها، فالطائرات من دون طيار ستكون من حقائق الحياة لأعوام مقبلة، ما يُوجِبُ تنظيم استخدامها وفقَ حقوق الإنسان المعترَف بها دوليًاً. وقد بدأت إدارة أوباما بالفعل تُبدي بعض الوعي بخطورة هذه الطائرات إن وُضِعَت في الأيدي الخطأ. ويسري المنطق نفسه على المستوى الدولي، إذ ستكون هذه الطائرات القاتلة في نهاية المطاف في أيدي من يستخدمونها بوازع أضعف من وازع الرئيس أوباما. وإذا لم تتوافر مجموعة من المقاييس أو المعايير المعترف بها دوليًاً تحكم بيعها واستخدامها، فسوف تنتشر، وتخرج عن السيطرة، ويُساء استخدام الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية لها، وتصبح أداة للقمع في أيدي الأقوياء. والحل المتاح هو عقد اتفاق دولي بشأن بيع الطائرات من دون طيار واستخدامها، ليرسي خطوطاً عامة ومعايير لاستخدامها. وبصفة الولايات المتحدة الأمريكية رائدة ومستخدِمة رئيسية لهذه التقنية، فإن لديها الآن فرصة لتوظيف ريادتها في تطوير هيكل قانوني دولي يحول دون العواقب الوخيمة لإساءة استخدامها.
معلومات المؤلف
مايكل بويل:
– أستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة لاسال الأمريكية.
– عمل محاضراً في قسم زمالة البحوث والعلاقات الدولية بمركز دراسة الإرهاب والعنف السياسي (CSTPV) في جامعة سانت أندروز الأمريكية.
– تتركَّز اهتماماته البحثية على الإرهاب والعنف السياسي.
– له بحوث منشورة عن السياسة الخارجية الأمريكية وموضوعات أمنية.
معلومات الكتاب
اسم الكتاب: تكاليف حرب الطائرات من دون طيار ونتائجها
المؤلف: مايكل ج. بويل
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
سنة النشر: 2014