في مؤتمر «كيف نكسب الحرب الرقمية» الذي عقدته وزارة الدفاع الإماراتية في أبوظبي، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في الفترة من ٠٦-07 نوفمبر 2019، التقت «الجندي» السيد «بول شاري «Paul Scharre، زميل أول ومدير برنامج التكنولوجيا والأمن القومي في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وأحد أبرز المتحدثين في المؤتمر، وحاورته وناقشت معه تحديات الحروب الرقمية وتأثيرها على الأمن القومي وأفضل السبل والوسائل لتحقيق النصر في مثل هذه الحروب، وبعض القضايا الأخرى ذات الصلة. وإليك عزيزي القارئ ما دار في الحوار:
هل يمكن أن تقدم نفسك لمجلة الجندي من فضلك؟
أنا زميل أول ومدير برنامج التكنولوجيا والأمن القومي في مركز الأمن الأمريكي الجديد. نحن مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، وأنا المؤلف الوحيد لكتاب جيش من لا أحد.. «الأسلحة المسيرة ذاتياً ومستقبل الحرب» .
هل يمكنك أن تُوضح لقرائنا ما المقصود بالضبط بموضوع «الحرب الرقمية»، موضوع هذا المؤتمر؟
الحرب الرقمية ليست حرباً جديدة أو مختلفة. إنها تطور لحرب تتضمن المزيد من التقنيات الرقمية، من قبيل أجهزة الكمبيوتر والشبكات وأجهزة الاستشعار ودمج المراكز وبصورة أكثر، أشياء مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي والحرب السيبرانية والحرب الإلكترونية وجميع القدرات العسكرية التي تستفيد من جميع التقنيات التي تتمخض عن ثورة المعلومات والثورة الرقمية.
هل تقصد أنها الحرب التي تشتمل على أدوات الحرب الرقمية التي ذكرتها آنفاً؟
نعم، في الواقع هذه هي أدوات الحرب الرقمية، تلك التي ذكرتها في إجابتي السابقة، وهي لا تسعى إلى التخلص من الحرب المادية «أي الحرب التقليدية بكل محتوياتها»، بقدر ما تعمل على تغيير ودمج الحرب الرقمية في المادية.
يبدو أن لدينا نوعين من الأدوات الرقمية، الأدوات المرئية وغير المرئية، أليس كذلك؟
أنت على حق. يمكن أن يكون من الصعب تصوُّر أو تخيُّل العديد من هذه الأدوات مثل طيف الحرب الإلكترونية، أو أدوات الإنترنت، لكنها حقيقية، على الرغم من أن الكثير من الناس لا يرونها، إلا أن آثارها يمكن أن تظهر على الأشياء المادية من قبيل تدمير المعلومات أو المعدات أو التشويش أو سرقة البيانات، ولكنها أقل وضوحاً ويصعب تصورها.
أي من هذه الأدوات يُعتبر استخدامها الأكثر فعالية بالنسبة لنا، وأيها الأكثر خطورة؟
يعتمد الأمر حقاً على ما تحاول تحقيقه، وهذه الأدوات لها قِيَم مختلفة. وقد شاهدنا ذلك التأثير بكل تأكيد في عمليات وسائل التواصل الاجتماعي، والهجمات السيبرانية ضد شبكات الكمبيوتر التي شكلت أشياء جاذبة للغاية للجهات الفاعلة في جميع أنحاء العالم، سواء كانت هذه الجهات تُديرها حكومات ودول أو كانت جهات غير حكومية، ومازلنا نراها يتم تنفيذها بشكل متزايد وتُستخدم لمهاجمة الخصوم.
إلى أي مدى كانت هذه الأدوات فعالة في ساحات معارك الصراعات الحالية والصراعات السابقة؟
إنها بالتأكيد فعالة في عمليات التعطيل. وأعتقد أن أحد الأشياء التي يمكن أن تكون خادعة في بعض الأحيان هو أن العديد من التقنيات لا تعمل بشكل جيد في البداية. على سبيل المثال، لم تعمل الأسلحة النارية في بداياتها بشكل جيد للغاية. وقد عانت العديد من أوجه القصور في البداية. فقد كانت تُفرقع أحياناً، ولم تعمل كما كان منتظر منها على المديات البعيدة، ولم تكن دقيقة بالقدر الكافي. واستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تتطور الأسلحة النارية وتصبح أكثر فعالية من القوس الطويل والقوس النشاب والأدوات الأخرى المستعملة في ذلك الوقت، على سبيل المثال. وقد قيل الشيء نفسه عن الطائرات والدبابات. فقد دارت هناك مناقشات عديدة عن الدبابات في أوائل القرن العشرين. وقال الكثير من الناس لماذا يتعين علينا أن نتخلص من قواتنا ونذهب إلى الدبابات التي تُصاب بأعطال، وتتطلب الوقود، وتتطلب الصيانة، وما إلى ذلك. فنحن نستخدم الخيول منذ آلاف السنين ونحن على ما يرام. كل هذه الأشياء أثبتت صحتها. فالدبابات لا تزال تتعطل، ولا تزال بحاجة إلى الوقود «لكننا نستخدمها بالرغم من ذلك». إنها مجرد تقنية مطلوبة وفي نهاية المطاف وجد الناس طُرقاً مناسبة لاستخدامها. وهكذا فإن هذه المعاينة المبكرة تتعرَّض لها العديد من التقنيات التي تنطوي على إمكانات لم تظهر بعد، ويمكن أن يكون من السهل رفضها، لكنني أعتقد أننا بحاجة لأن نكون مستعدين للقيام بنقلة «أو بتطوير»، أو إحداث طفرة أوقفزة، أو سمِّها ماشئت. لذا أقول إنه بمجرد أن تنضج التقنيات بما فيه الكفاية، فإنها ستصبح جاهزة لتغيير لعبة الحرب.
أنظمة الذكاء الاصطناعي «الروبوتات» تعاني من نقاط ضعف، وأكثرها خطورة هي أنها قابلة للإختراق وعندما نرسلها للقيام بمهمة ضد قوات العدو، فإن قوات العدو قد تقلبها ضدنا إذا تمكنت من اعتراض اتصالاتنا معها. كيف يمكننا حماية أنظمتنا وقواتنا من إجراءات مضادة كهذه؟
بالتأكيد، هذا خطر حقيقي للغاية. عندما نفكر في هذه التوجّهات الرقمية، فإننا نفكر فيها ككل، على سبيل المثال، إن التطور الإلكتروني، والروبوتات، والحرب الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي كلها تتطور بسرعة بسبب ثورة المعلومات، لكنها تتقاطع بطرق بالغة الأهمية، وبهذا يمكن استخدام الحرب الإلكترونية لتشويش الاتصالات بالروبوتات مما يجعلها أقل فعالية. أو يمكن للذكاء الاصطناعي تمكين الروبوتات من إحراز المزيد من الاستقلالية والقدرة على التسيير الذاتي بحيث لا نحتاج إلى الاتصال بها. من جهة أخرى، ومن المحتمل أن تجد الهجمات الإلكترونية والقرصنة الإلكترونية طرقاً للتعامل مع الروبوتات والتحكم فيها، وفي الواقع إذا كانت الروبوتات أكثر استقلالية، فقد تكون عرضة لخطر أكبر. إذا تم اختراق سيارتك «إلكترونياً» اليوم، فقد يتم تعطيلها ما قد يؤدي إلى تدهورها. هذا بالطبع نوع من القرصنة «الإلكترونية» عن بعد للسيارات. وإذا كانت لديك مجموعة سيارات ذاتية القيادة «سيارات مستقلة تماماً»، فقد يقوم القراصنة الإلكترونيون بإعادة توجيهها إلى وجهة مغايرة تماماً ويتسببون بالتالي بحدوث هجوم انتحاري جماعي لسياراتك. لذا فإن هذه التهديدات تتطور باستمرار وتتقاطع بطرق مهمة، لهذا كُلّه يتعين علينا – ونحن نرى كيف تتطور هذه التهديدات – أن نتنبأ بالإجراءات المضادة التي يمكن أن يستخدمها العدو ضدنا في المستقبل. إذا أردنا استخدام الروبوتات، فعلينا أن نعرف كيف سيهاجم الناس أنظمتنا الروبوتية هذه. وإذا ما أردنا استخدام الذكاء الاصطناعي، فعلينا دراسة الذكاء الاصطناعي المضاد أيضاً، لأن جميع التقنيات تعاني بشكل أو بآخر من نقاط ضعف. كما يتعين علينا أن نفكر في كيفية استخدامنا لهذه الأنظمة في البيئات المعادية لجعلها مرنة وقوية في أوقات الحروب الحقيقية.
ضمن هذا السيناريو، ألا تعتقد أنه يتعين على قواتنا أن تتمتع بالمرونة والاستجابة السريعة للتهديدات الجديدة والتعامل مع الإجراءات المضادة للعدو؟
بالتأكيد، هناك هذه العملية المتكررة لبناء قدرات جديدة وإجراءات مضادة، وإجراءات مضادة للتدابير المضادة، وإحدى التحديات الحقيقية التي يجب أن ندرك أهميتها هي التعلم بوتيرة أسرع من الخصم، باعتبارها عملية مستمرة للتكيُّف.
لماذا يتوجب علينا أن نكون سريعي التكيُّف والتعلُّم؟ هل لأن التهديدات تتغير بسرعة؟
نعم بالتأكيد. إنه لأمر مدهش. لقد أمضيت كل عمري في العمل في هذا المجال وفي البحث في التقنيات الناشئة، وأنا مندهش باستمرار وما زلت من سرعة وتيرة التطوير العالية. وأراهن أننا سنرى، في الثمانية عشر شهراً القادمة أو العامين المقبلين، تقنيات جديدة تظهر إلى حيز الوجود. إنها ستتحقق بشكل أسرع مما نتوقع. إن التقنيات تتقدم إلى الأمام بسرعة كبيرة، وكبيرة جداً.
عادة ما يكون لتحويل القوات المسلحة من قوات تقليدية إلى قوات رقمية مؤيدون ومعارضون لا يقبلون التغيير بسهولة أو حتى يرفضونه أحياناً. ما هي أفضل طريقة لإقناع المعارضين بقبول رقمنة القوات؟ هل من خلال التثقيف أم ماذا؟
في الواقع، اعتاد الناس على القيام بذلك من خلال المناظرات التي يناقشون فيها ما إذا كانت هذه التكنولوجيا الجديدة ثورية أو تطويرية. هل هو تغيير مُطوِّر أم مُدمِّر؟ وقد وجدتُ هذه المناقشات مثيرة جداً للاهتمام وبنّاءة للغاية. فجميع التقنيات تتطور بشكل متزايد وتساعد على الابتكار في المجالات التقنية الأخرى. وفي بعض الأحيان، تصل إلى نقطة تحول حيث تغيِّر اللعبة جذرياً في شيء ما. الهواتف الذكية هي مثال جيد على ذلك. الهواتف الذكية مبنية على اختراع سابق لأجهزة iPod التي تعمل باللمس ومجهزة بمشغلات mp3 ويمكن دمجها مع هواتف millet. عندما ظهرت هواتف Apple لأول مرة، أصابت الناس بالدهشة، مع أن الأمر لم يكن سوى كأنك أخذت iPod touch ودمجته مع هاتف. ولكن من يهتم؟ هذا ليس مثيراً للاهتمام. وقبل ذلك عندما ظهر iPod- touch ، قال الناس إنه مجرد مشغل mp3 مع شاشة تعمل باللمس. من يهتم ما هو الفرق. لماذا هذا الأمر؟ وهكذا تم بناء كل واحد منها بشكل تدريجي، ولكن بعد ذلك تصل إلى النقطة التي تصل فيها التكنولوجيا إلى كتلة حرجة من نوع ما، والآن لدينا نظام الهاتف الذكي اليوم مع التطبيقات، ووسائل التواصل الاجتماعي، مع القدرة على استيعاب إضافات جديدة، كتسجيل الأحداث، وإنشاء «هاشتاج hashtag»، وتسهيلات للانتشار السريع «كالفيروس»، وإدخال مشهد معلومات مختلف جذرياً نعيش فيه، ولكنه مبني على سقالات التغيير التدريجي «التراكمي».
من وجهة نظرك الخبيرة، ما هي العوامل التي ينبغي أن تركز عليها القوات المسلحة لكسب الحروب الرقمية؟
بصورة رئيسة تحديد المشاكل العملياتية الملموسة للقوات والتي تحتاج إلى حلِّها. في الواقع، وهذا واضح تماماً في العلوم والآداب العسكرية التي تنص على أنه يتعين على القوات أن تحدد مشاكلها العملياتية بشكل جيد. ويجب أن تكون هذه المشاكل ملموسة للغاية. هذه هي القضايا الاستراتيجية التي تواجهها قواتنا العسكرية. هذه هي المشاكل العملياتية التي نحاول حلَّها من خلال العصف الذهني، وألعاب الحرب، والتمارين والتجارب لمعرفة كيف سنقوم بحلها. ألا تلاحظ معي أن كل هذه التقنيات ليست تقنيات لمصلحتها الخاصة، بقدر ماهي أدوات وصندوق أدوات لمساعدتنا في حل هذه المشاكل، ولكن كيف ستساعدنا؟ قد تساعدنا في فعل الشيء نفسه الذي نقوم به بالفعل، ولكن بصورة أفضل قليلاً، وقد تكون الطريقة مختلفةً تماماً، وقد تكون مختلفةً بشكل جذري. علينا أن نجرب كل هذه الحلول، ولكن يجب أن يكون الهدف منها جميعاً محاولة حل مشاكل محددة.
هل من الممكن للدول الصغيرة أن تتحمل نفقات تحويل قواتها المسلحة إلى قوات رقمية، على الرغم من أن السياسيين في بعض البلدان يقللون من الحاجة إلى ذلك، بنفس الطريقة التي يستخفّون بها بالحرب السيبرانية التي يقللون من شأنها ولا يعتبرونها حرباً حقيقيةً أو أنها تشكل تهديداً خطيراً؟
حسناً، بادىء ذي بدء، من المؤكد أن الحرب السيبرانية تشكل تهديداً حقيقياً، سواء صدّقوا ذلك أم لا. فبالحرب السيبرانية تُهاجَم الدول وتُهدَّد البنى التحتية ويستخدمها الناس لاختلاس البيانات. أحد الأشياء المثيرة للاهتمام حول الكثير من هذه التقنيات الرقمية هو أنها متاحة على نطاق واسع جداً، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه يمكن نسخ الأنظمة الرقمية بدون تكلفة. لذا، انظر إلى البرامج السيبرانية «الإلكترونية» الضارة، على سبيل المثال. بمجرد أن يتمكن شخص ما من الاستثمار في إنشاء برامج ضارة، ثم تصبح في العلن ومتاحة، يمكن لأي شخص أخذ هذا الرمز وإعادة توظيفه. وقد رأينا، على سبيل المثال، رموزاً من «شبكة الأسهم Stock’s net» التي يعتقد الخبراء أنها استهلكت الكثير من الطاقة والقوى البشرية لإنشاء هذا السلاح السيبراني. كذلك يستخدم الناس رمز الشبكة في برامج ضارة أخرى، حيث ينسخونه فقط ثم يعيدون استخدامه. ثم فكر في الآثار المترتبة على ذلك. لنأخذ حالة مختلفة، على سبيل المثال، لا يمكنك الحصول على نسخ جديدة من طائرة مقاتلة أو طائرة خفية، بمجرد النسخ واللصق، حتى ولو توفرت لديك كل الرموز. ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للعديد من الأدوات الرقمية، وهذا يعني أن العديد منها متاح على نطاق واسع. فقد رأينا مجموعات «نشطة في الحرب السيبرانية» لاتتبع دولاً، تستخدم الروبوتات والطائرات بدون طيار والروبوتات الأرضية ومحطات الأسلحة والأدوات السيبرانية ووسائل التواصل الاجتماعي. لذلك، إن هذه الأدوات متاحة حقاً لأي شخص، وبأسعار معقولة جداً. وهناك طرق لذلك للعديد من الدول، وخاصة تلك التي لديها جهات فاعلة في مجال التكنولوجيا العالية التي تستطيع أن تشق طريقها للقيام بذلك. واسمحوا لي أن أقدم لكم مثالاً واحداً، «روبوت بروتكتر Protector» الذي هو عبارة عن سفينة سطحية مسلحة وغير مأهولة، إنه قارب، وقد اقتنته الإكوادور. والإكوادور ليست بقوة عسكرية عظمى، لكن لديها هذا القارب الروبوتي، تستخدمه لحراسة الممرات المائية لديها. لذا، فهذه تقنية يمكن لأي بلد في العالم أن يحصل عليها.
يتمثل أحد التهديدات الرئيسية التي تواجهها بعض البلدان بالهجمات الجماعية للطائرات بدون طيار «هجمات أسراب الدرونز». كيف يمكن للقوات المسلحة الاستفادة من الحرب الرقمية / السيبرانية لتحييد أو هزيمة مثل هذه التهديدات؟
بالتأكيد، إذا كنت قلقاً بشأن الهجمات الجماعية بطائرات بدون طيار، فإن التحدي يكمن في إيجاد طرق فاعلة وغير مُكلِفة لهزيمة الأعداد الكبيرة المهاجمة من طائرات بدون طيار. في كل مرة تُطلِق فيها صاروخ تكلفته مليون دولار ضد طائرة بدون طيار ثمنها ألف دولار، فأنت خاسر، حتى ولو تمكنت من إسقاط الطائرة بدون طيار. لذلك، هناك رغبة لإيجاد حل فعال من حيث التكلفة ضد هذا النوع من التهديدات سواء باستخدام طائرات أخرى بدون طيار، أو باستخدام وسائل سيبرانية أو حرب إلكترونية. ويتعين عليك القيام بذلك بسرعة بالطبع، لأنه إذا كنت تواجه هجوم عدد كبير من طائرات بدون طيار، فإنه يجب عليك إيقاف الهجوم، إيقاف المجموعة بأكملها بطريقة سريعة للغاية وهزيمتها والدفاع عن قواتك ضد هذه التهديدات. أعتقد أن ما سنراه على مدار العقدين المقبلين، تطوراً لحرب تشتمل على المزيد من أسراب الأنظمة الروبوتية «الدرونز» والمزيد من الأنظمة المسيرة ذاتياً التي تتواصل معاً. وتتعاون لتعمل مع بعضها بعضاً بصورة تلقائية سواء كانت هذه الأنظمة صواريخ تخاطب بعضها بعضاً لتنسيق هجماتها، أو طائرات بدون طيار أو أنظمة أخرى.
كيف ترى مشهد الحرب الرقمية المستقبلية؟
ستستمر الحرب في تطوير العنف. أعتقد أن ما سنراه هو استمرار الاتجاه الخاطئ في التكنولوجيا نحو مواجهة التهديدات من مديات أبعد، تماماً مثل التطور من المقلاع إلى الأقواس والسهام، ومن ثم إلى المدافع. والصواريخ والروبوتات ستواصل هذا التطور بالطبع لمواجهة التهديدات من مديات أبعد. وأعتقد أننا سنرى اتساعاً وتعاظماً في رقعة استخدام أنظمة الروبوتات، والأنظمة المسيرة ذاتياً، وأدوات الإنترنت. كما أعتقد أن الناس سيتمكَّنون من أن يقوموا بتطوير التسيير الذاتي بطريقة تُمكِّن شخصاً واحداً من القيام بأشياء كثيرة في وقت واحد. لذا، فإن الـ Botnet «شبكة كمبيوترات خاصة مصابة ببرمجيات ضارة» هي أحد الأمثلة على ذلك اليوم حيث تنتشر قطعة من البرامج الضارة عبر الإنترنت أو أنها بحد ذاتها تصيب الملايين من أجهزة الكمبيوتر وتشن هجمات واسعة النطاق مثل هجمات رفض أو تحريم الخدمة الموزَّعة. وهذه إنما تُمثِّل زيادة في اتساع رقعة الاستخدام بالطبع. وأعتقد أننا سنبدأ في رؤية زيادة في السرعة أيضاً. لا بلْ رأينا ذلك بالفعل في تداول الأسهم، مع تمكين أتمتة السرعة الحساسة في التطور الكامل للتداول وفي المجالات التي لم يتمكن الإنسان من تشغيلها أبدًا، في التداول في غضون مللي ثانية «أي في جزء من ألف من الثانية» فقط، حيث تستجيب الخوارزميات لخوارزميات أخرى بسرعات خارقة. وأعتقد أننا سنرى أن الحرب ستنتقل إلى هذا البعد أيضاً، لا سيما في الفضاء الإلكتروني، وأنها ستتفاعل مع سرعات تفوق السرعات البشرية. كما من المحتمل أن تتسارع وتيرة أو إيقاع الحرب بالنظر إلى استخدام الأتمتة لمعالجة المعلومات واتخاذ القرارات وحتى اتخاذ الإجراءات بشكل أسرع مما تقوم به العناصر البشرية، كل هذا ستقوم به الأنظمة المؤتمتة «أو الأنظمة ذاتية التسيير» بمفردها وباستقلالية تامة.
إلى أي مدى يساهم هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات المماثلة في تعزيز معرفتنا وقدراتنا في الحرب الرقمية؟
نعم، أعتقد أنه مهم للغاية إجراء هذه المحادثات والمناقشات «التي رأيناها في المؤتمر». ومن المهم أيضاً الاستماع من الخبراء عن توجُّهات التكنولوجيا. والحقيقة أن التحدي الحقيقي يتجسد بجعلها ملموسة من الخطوة التالية وذلك من خلال البدء في مواءمة هذه القوة بحيث تكون قادرة على الاستجابة للتحديات.
أجرى اللقاء: محمد فهد الحلبية – تصوير: محمد حسن الشاعر