قمة جدة بشأن تحقيق السلام في أوكرانيا، جاءت لتعمل على تقريب وجهات النظر العالمية، بما يخدم تحقيق السلام في الأراضي الأوكرانية، وهو الأمر الذي بلا شك ستنعكس تأثيراته على ترميم الأمن والسلم الدوليين، والذي عانى من تشققات وشروخ بسبب استمرارية الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي ساهمت في تقسيم النظام الدولي بين مؤيد لروسيا وبين مؤيد لأوكرانيا، وهذه الحالة الانقسامية، بلا شك، لا تخدم بناء نظام عالمي جديد قائم على أكثر مرونة وقدرة على تجفيف منابع الصراعات التي انعكست تأثيراتها على الاقتصاد العالمي وتطلعات الشعوب التي تطمح لعالم يسوده الهدوء والسلام.
النظام الدولي يقف على أعتاب مرحلة من المتغيرات السياسية والاقتصادية، وبالتالي من الصعوبة العودة إلى النظام القديم القائم على الأحادية القطبية، فهناك الكثير من اللاعبين المتنافسين على احتلال مكانة مهمة في النظام الجديد الذي سوف يتسم بالتعددية القطبية، وبالتالي من الأهمية بمكان العمل على تعبيد الطريق نحو النظام العالمي الجديد، بما يساهم في تجفيف منابع الصراعات، لبناء نظام أكثر مرونة، قائم على المنافسة التي تخدم الأمن والسلام الدوليين، وبما يخدم حماية الاقتصاد العالمي الذي كان أكثر المتضررين من مرحلة الصراعات.
ومن هنا تأتي أهمية قمة جدة التي استضافتها المملكة العربية السعودية بشأن الأزمة الأوكرانية، من أجل بناء مرحلة دولية جديدة أكثر تقارباً في وجهات النظر الدولية، ففي تقديري أن الأزمة الأوكرانية الروسية كانت أكبر التحديات التي تواجه النظام العالمي الجديد، لأن الدخول إلى هذه المرحلة الجديدة من النظام الدولي يتطلب تقليص حجم المنافسة السياسية العدوانية، وخلق مرونة عالية بين كافة الأطراف السياسية المؤثرة في تحكيم العقل السياسي القائم على الحرص على الحفاظ على الأمن الدولي، وبالتالي، ومن هنا جاءت قمة جدة بقيادة المملكة العربية السعودية لخلق قواعد جديدة لمعالجة النظام السياسي الدولي الفوضوي، وبالتالي استطاعت أن تحقق الإجماع السياسي الذي سيساهم في ترميم التشققات التي يعاني منها النظام الدولي، ويضع قواعد راسخة لبناء المرحلة القادمة، وقد نجح هذا الاجتماع بالخروج بوجهة نظر متقاربة تعيد الأمور إلى نصابها الذي تأسست عليه العلاقات الدولية، والذي يؤكد في مقدمته أهمية الحفاظ على سيادة الدول باعتبارها من أهم القواعد التي تبنى عليها العلاقات بين الدول على أسس صحيحة.
إن قمة جدة لا يقتصر دورها فقط على خلق مقاربة دولية بشأن حلحلة الأزمة الأوكرانية، وكذلك لا تقتصر تأثيراتها على بناء قواعد لمرحلة سياسية واقتصادية دولية أكثر اخلاقية في تنافسها بعيداً عن العدوانية التي كانت تحكم النظام الدولي القديم، بل هي تأتي أيضاً لتؤكد أهمية الدور السعودي في النظام الدولي الجديد، باعتبارها منارة للسلام العالمي.