تسعى كوريا الجنوبية منذ عقود إلى الانضمام إلى نادي عمالقة الطيران الحربي، بتصنيع وإنتاج مقاتلات محلية تضاهي في قوتها ومميزاتها أقوى وأفضل الطائرات الحربية على مستوى العالم، وتكون محركاً رئيسياً للتصدير ومنشأً للوظائف والتنمية الاقتصادية. ورغم أن سيؤول دولة ليس لديها تاريخ طويل في إنتاج الطائرات الحربية، فإنها تحتل المرتبة الخامسة عالمياً في قوة الدفاع الجوي بمؤشر قوة يبلغ 1.581، وذلك حسب أحدث إحصاءات «غلوبال فاير باور 2021»، حيث إنها تمتلك اسطولاً من المقاتلات الأجنبية المتطورة والتي من أهمها الطائرة الأمريكية F-35.
منذ زمن بعيد، تحتل كوريا الجنوبية مراتب متقدمة في مؤشر القوة العسكرية الصادر عن «غلوبال فاير باور» وقد حافظت على هذا التقدم واحتلت خلال العام الجاري 2021 المرتبة السادسة على مستوى العالم بمؤشر قوة بلغ (0.1612). وتعمل كوريا الجنوبية جاهدة على تحقيق هدفها المتمثل في أن تكون ضمن الدول السبع الأولى في صناعة الطيران العالمية بحلول عام 2030، وتخطط لبناء قدراتها الخاصة في الملاحة والمراقبة والاستطلاع، والحرب الإلكترونية، والدفاعات الجوية، والأسلحة المتطورة، وذلك حسب تصريحات للمتحدث باسم الحكومة «ليم سي يون».
أغلى مشروع دفاعي
في لحظة رمزية للغاية، تمثل سعي كوريا الجنوبية منذ عقود لتحقيق حلمها وتصنيع طائرتها المقاتلة الخاصة بها، كشفت سيؤول مطلع ابريل الماضي 2021 النقاب عن نموذج أولي لأول طائرة مقاتلة محلية الصنع من الجيل التالي 4.5 تحمل اسم «كيه إف-إكس» «KF-X»، وتمتلك قدرة أكبر على التخفي من مقاتلات الجيل الرابع.
وتم عرض الطائرة المقاتلة الكورية الجنوبية رمادية اللون في فعالية عقدت بمقر شركة كوريا لصناعات الفضاء، في مدينة «ساتشون الجنوبية» (Sacheon) بعد أكثر من 5 سنوات على انطلاق أغلى مشروع دفاعي في كوريا الجنوبية بقيمة 8.8 تريليون وون (7.9 مليار دولار أمريكي) لاستبدال طائرات القوات الجوية القديمة «إف4» و«إف 5» في أواخر عام 2015.
(KF-21 Boramae)
المقاتلة النفاثة الأسرع من الصوت سوف تحمل اسم «كيه-إف-21 بوراميه» (KF-21 Boramae) عندما ينشرها الجيش الكوري الجنوبي. وجرت مراسم الإعلان عن النموذج الأولي للمقاتلة في حفل حضره رئيس كوريا الجنوبية «مون جيه-إن» وممثلون من إندونيسيا بقيادة وزير الدفاع «برابوو سوبيانتو»، باعتبارها بلداً شريكاً في المشروع منذ عام 2014، حيث تمتلك سيؤول 80 % مقابل 20 % لجاكرتا.
وفي هذا السياق قال الرئيس «مون جيه-إن» إن الطائرة الحديثة، ستصبع العمود الفقري للقوات الكورية الجوية، ووصف إطلاقها «بفتح عصر جديد في عالم الدفاع الوطني المستقل، ولحظة مهمة في تاريخ صناعة الطيران بالبلاد». وأضاف «مون» أن كوريا الجنوبية سيكون بحوزتها ما لا يقل عن 40 من المقاتلات الجديدة جاهزة للقتال بحلول عام 2028 و120 بحلول 2032. وأوضح أن الطائرة المقاتلة ستدخل في حيز الإنتاج الكامل بمجرد الانتهاء من الاختبارات على الأرض وفي الجو.
وقالت إدارة برنامج الاستحواذ الدفاعي في كوريا الجنوبية في بيان إن «طرح النموذج الأولي يعد خطوة رئيسية في مراحل التطوير لأنه يعني أننا ندخل مرحلة اختبار قدرات المقاتلة بعد بناء ما كان لدينا من رسومات وحسب».
المواصفات والمميزات
ستزود الطائرة بـ10 حجرات لحمل صواريخ جو- جو وأسلحة أخرى، وهي قادرة على الطيران بسرعة 2.200 كيلومتر في الساعة، بمدى طيران يصل إلى 2900 كيلومتر، وحمولة قصوى تبلغ نحو 7.700 كيلوغرام، فيما يصل وزنها الأقصى للإقلاع نحو 25583 كيلوغراماً، بقوة دفع قصوى تبلغ 22 طناً تقريباً.
ومن المخطط إجراء أول اختبار للمقاتلة الشبح التي يبلغ طولها 16.9 متر، وعرضها 11.2 متر وارتفاعها 4.7 متر، في عام 2022، في حين يتوقع الانتهاء من عملية التطوير بالكامل في 2026.
وتشير التقارير إلى أن 65 % من مكونات المقاتلة الحديثة يتم تصنيعها محلياً، كما أنها ستزود بأنظمة إلكترونية متطورة ورادار «إيسا» AESA، ومعدات حرب إلكترونية فريدة EW وأنظمة بحث وتتبع تعمل بالأشعة تحت الحمراء (IRST)، بالإضافة إلى أنظمة الاستهداف الكهروضوئي (EO TGP).
وعلى الرغم من أن «كي إف- إكس» لديها العديد من الخصائص المخففة لرصد الرادار، فإن أحد العوائق الكبيرة التي تواجهها الطائرة للحفاظ على تخفيها هي الأسلحة المحمولة من الخارج، وذلك نظراً لأنها تفتقر إلى حاوية قنابل مغلقة، أي أن أي سلاح يتم حمله على هيكل الطائرة يمثل نقاط التقاط محتملة للرادار. المقاتلة مزودة بمحرك مزدوج، وتتمتع بكفاءة تشغيلية عالية ومواصفات تطيل عمر استخدامها، وتتوفر بمقعد واحد ويمكن تزويدها بمقاعد مترادفة لتلبية مختلف المتطلبات والمهام، كما أن لديها قدرة عالية على المناورة. ونظراً للأهمية الوطنية للمشروع الدفاعي فقد شاركت في إنجازه نحو 16 جامعة و11 مختبراً و553 مورداً من مختلف أنحاء البلاد. وستصبح كوريا الجنوبية عندما تنتهي من عملية التطوير الدولة رقم 13 في العالم التي تطور طائرتها المقاتلة الخاصة.
المحرك
سلمت شركة جنرال الكتريك للطيران (GE Aviation) في مايو 2020 أول محرك للمقاتلة KF-X، وهو من طراز F414-400K، ويعد جزءاً من عائلة محركات توليد الطاقة التي تشغل الطائرات مثل (Boeing F / A-18 Super Hornet) و(Saab Gripen) و(MKII Tejas Light Combat Aircraft) الهندية.
التسليح
اختارت كوريا الجنوبية صواريخ ميتيورIRIS-T وMBDA الألمانية كصواريخ جو-جو قصيرة ومتوسطة المدى للطائرة الجديدة.
وحددت كوريا الجنوبية الجدول الزمني لتأمين قدرات المقاتلة بأسلحة جو-جو في المرحلة الأولى من المشروع بحلول عام 2026، أما بالنسبة إلى قدرات التسليح من نوع جو-أرض فستكون في المرحلة الثانية، حيث قررت وكالة تطوير الدفاع (ADD) في سيؤول عام 2018 تطوير صاروخ كروز خاص بها يطلق من الجو (ALCM) وذلك بحلول عام 2028.
آفاق التصدير
تأمل كوريا الجنوبية وإندونيسيا من خلال هذا المشروع من الوصول إلى الأسواق الأجنبية بنظام إنتاج ضخم. وتشير التقارير إلى أن نجاح كوريا الجنوبية في بناء المقاتلة الجديدة وتصديرها سوف يعزز من مكانتها على صعيد أكبر الدول المصدرة للسلاح في العالم خاصة وأنها تستحوذ على 2.7 % من سوق الأسلحة العالمي، وتحتل حسب أحدث تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام «سبيري» المرتبة التاسعة عالمياً في قائمة أكبر الدول المصدرة للسلاح في العالم من عام 2016 إلى عام 2020.
كما أن المقاتلة الكورية الجنوبية الحديثة سوف تتمتع بإمكانية تصدير كبيرة، إذ من المتوقع أن يكون سعرها أقل بكثير من سعر طائرات F-35 التي تبيعها الولايات المتحدة للجيوش الأجنبية.
إكرام بندلة (باحثة في الشؤون العسكرية(