الحاجة أم الإختراع. تضفي هذه المقولة الشهيرة شعوراً بالحتمية بأننا إذا احتجنا اختراعاً ما بشدة، فإن ابتكاره سيصبح مسألةً من الوقت فقط. ومن الأمثلة على ذلك تطوير الأنظمة المستقلة التي لا تعتمد على شبكة نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية. هذا التطور سيساهم في تحقيق العديد من الفوائد مثل تعزيز القدرة على حل التحديات التي تواجه القطاع البحري بشكل دائم مثل القرصنة والتهريب والصيد غير القانوني.
ونظراً إلى حدة هذه التهديدات على حياة الأفراد وعلى الاقتصاد العالمي على حدٍ سواء، تصب “أسباير” تركيزها على تطوير هذا النوع من الابتكار. وتؤمن “أسباير” بأن الطريقة المثلى لتحقيق ذلك هي عن طريق إقامة مسابقة عالمية متخصصة بدلاً من الاعتماد على الأبحاث الأكاديمية أو المستقلة فقط.
ورغم ضعف إشارات نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية أمام هجمات التشويش كما لوحظ منذ سنوات عديدة، إلا أن الأبحاث التي تُجرى على الأنظمة المستقلة المعزولة عن نظام الملاحة قليلة إلى حد كبير. وفي هذا الإطار، أصدرت مؤسسة Resilient للملاحة والتوقيت، وهي منظمة تعليمية وعلمية غير ربحية، تقريراً نشرته عام 2017 يشير إلى أنه تم إجراء تحليل للبيانات العالمية لتتبع السفن خلال السنتين الماضيتين، وأظهر حالات عديدة ظهرت فيها مواقع العديد من السفن بشكل خاطئ، إذ كانت بعض السفن موجودة على اليابسة في مطارات بعيدة عن المواقع البحرية التي تواجدت فيها فعلاً.
واقتبس التقرير عن دانا غوارد، رئيس مؤسسة Resilient، قوله: “بدأ اهتمامنا بهذه المسألة في يونيو عندما أبلغ قبطان سفينة في البحر الأسود عن موقعه عبر نظام تحديد المواقع (GPS) ليظهر أن السفينة في مطار جيلينديك، على بعد حوالي 25 ميلاً من موقعه الفعلي. وقد قدّم صوراً للمعدات ومعلومات أخرى أقنعت الخبراء بأن نظام تحديد المواقع العالمي لديه كان يتعرض لهجوم انتحال متعمد”. وأظهرت التقارير أن حوالي 20 سفينة أخرى في المنطقة تعرضت لنفس المشكلة.
وبينما يتطلب شن هجوم الانتحال على نظام تحديد المواقع معدات أكثر تطوراً من أدوات التشويش، إلا أنها أصبحت الآن متاحة بسهولة، إذ تتوفر حالياً على الإنترنت مولدات لإشارات نظام تحديد المواقع، كما تحظى بشعبية كبيرة بين عشاق لعبة بوكيمون-غو. وتُستخدم تلك المولدات الجاهزة لخداع الهواتف المحمولة بهدف جمع المكافآت ضمن اللعبة من مواقع بعيدة دون الحاجة إلى التواجد فعلياً في الموقع. ووفقاً لغوارد: “الدرس الحقيقي هو أن إشارات نظام تحديد المواقع يمكن تشويشها وانتحالها بسهولة”.
وعلى نطاق أوسع، يعد نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية معرضاً للخطر بنفس الدرجة. علماً أن هذا النظام يشير إلى منظومة دولية من الأقمار الصناعية المتعددة، تشمل نظام تحديد المواقع (GPS)، إضافة إلى أنظمة غلوناس، وبايدو، وغاليليو. ولأن إشارات النظام تعتبر منخفضة الطاقة، قد تتسبب مصادر تداخل ضعيفة في فشل المتلقي أو إظهار معلومات مضللة إلى حد خطير. إن مصدر القلق الأكبر حول النظام حتى الآن هو إمكانية تشويشه عن طريق إخفاء إشارة القمر الصناعي بالضوضاء.
وفي هذه الأوقات، يتزايد استخدام القراصنة الذين يستهدفون سفن البضائع والركاب لهجمات الانتحال والتشويش على الإشارات. ورغم الجهود العالمية المتضافرة لمكافحة الجرائم البحرية، يصعب القضاء عليها تماماً نظراً للقوى البشرية ورؤوس الأموال المرتفعة التي تتطلبها، ونظراً لمساحة المحيطات الشاسعة التي يستحيل تغطيتها.
لكن من جهة أخرى، وجود نظام يمكنه اتخاذ القرارات بشكل مستقل والتدخل أو التحقيق في أي عامل مشبوه في المحيط قد يوفر أداة فعالة لأفراد الأمن، وللبحارة بشكل عام. وتشمل مزايا تلك الأنظمة الاتساق وغياب عامل الخطأ البشري، وتوفير التكاليف مع مرور الوقت، والحفاظ على الموارد البشرية.
كما يتيح ذلك النظام عدداً من التطبيقات الجديدة لاستخدام المركبات الجوية والبحرية غير المأهولة في مجالات عمليات التفتيش المؤتمتة، لا سيما عندما تكون إشارات نظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية ضعيفة أو غير متوفرة أو معرضة للخطر، بما يشمل مناطق الكوارث الطبيعية والحروب والأنفاق والأودية، أو حتى الكواكب البعيدة. لا شك بأن اختراعك هذا يحقق قفزة نوعية في مجال الأنظمة المستقلة، ويوسع نطاق القدرات البشرية إلى أبعد الحدود.