العمليات العسكرية معقدة بطبيعتها وديناميكية وخطرة، وبطبيعة الحال، تنطوي على قبول للمخاطر. ولأن المخاطر غالباً ما ترتبط بالربح، فإن القادة يوازنون المخاطر مقابل الفوائد التي يمكن الحصول عليها من عملية ما، حيث يتم موازنة ظروف نجاح المهمة مع المخاطر الكامنة في العملية العسكرية، وعادة يمارس كل القادة إدارة المخاطر في صنع القرار العسكري، إلا أن نهج إدارة المخاطر ودرجة النجاح تختلف على نطاق واسع اعتماداً على القائد ومستوى التدريب والخبرة.
منذ الحرب الكورية، عانت القوات المسلحة الأمريكية من خسائر غير قتالية أكثر من الخسائر القتالية من العدو بسبب التغير السريع في البيئة التشغيلية، وسرعة وارتفاع وتيرة العمليات وكثرة القوى البشرية، فشل المعدات، ضعف الإسناد، وتأثيرات البيئة المادية والعوامل البشرية.
خسائر المعركة
وعلى مر تاريخ النزاعات والحروب المسلحة، يأخذ القادة العسكريون والسياسيون في الحسبان تأثير الخسائر البشرية على تنفيذ المهمات والاستراتيجيات والسياسات، وينظر القادة العسكريون والسياسيون في خسائر المعركة من وجهات نظر مختلفة. ومع ذلك يحاول الطرفان التوازن بين آثار الإصابات، التأثير على المدنيين، الأضرار التي تلحق بالبيئة، فقدان المعدات، مستوى رد الفعل للجمهور وبين قيمة الأهداف الوطنية المراد تحقيقها.
يستخدم القادة والجنود على جميع المستويات إدارة المخاطر، وهي تنطبق على جميع المهمات والبيئات من خلال مجموعة واسعة من العمليات العسكرية. وفي الفترة الأخيرة أصبحت القيادات العسكرية تدرك أهمية توضيح المبادئ والإجراءات والمسؤوليات لتطبيق عملية إدارة المخاطر بنجاح، للحفاظ على القوة القتالية والموارد. ويقول صن تسو في كتابه «فن الحرب»: إن تقليل العوامل التي تعيق النصر وتقصير المسافات إليه وتقييم المخاطر هو المسار الصحيح لعمل القادة العسكريين. والهدف الرئيسي من إدارة المخاطر هو مساعدة الوحدات على حماية قوتها القتالية من خلال الوقاية من الحوادث، وتمكينها من كسب المعركة بسرعة وبشكل حاسم مع الحد الأدنى من الخسائر.
التهديد، الخطر، إدارة المخاطر بالمفهوم العسكري
التهديد هو أي حالة حالية أو محتملة يمكن أن تسبب إصابة أو مرضاً أو وفاة للأفراد أو تلف المعدات أو الممتلكات أو فقدانها، أو تؤدي إلى تراجع المهمة. بينما الخطر هو احتمال حدوث التهديد أو العواقب السيئة للتهديد والتعرض للخسائر والإصابات. ويعبر عن مستوى الخطر من حيث احتمال حدوث التهديد وشدته. والتهديدات والمخاطر هي دائماً موجودة في مسارح القتال وميادين التدريب. وإدارة المخاطر هي جزء لا يتجزأ من مراحل التخطيط التكتيكي، ويجب أن تتم إدارة المخاطر على جميع مستويات سلسلة القيادة أثناء كل مرحلة من مراحل العمليات العسكرية، وهذا يتطلب معرفة القادة والضباط والجنود باستخدام إدارة المخاطر لضمان تنفيذ المهمة بأعلى كفاءة وأقل خسائر.
إدارة المخاطر هي عملية تحديد وتقييم وضبط المخاطر والتهديدات الناشئة عن العوامل التشغيلية واتخاذ القرارات التي توازن تكاليف المخاطر مع فوائد المهمة. وإدارة المخاطر لا تؤثر ولا تمنع مرونة ومبادرات القادة، ولا تعني أنها ستزيل وتنهي المخاطر تماماً ولا تفرض أو تبرر انتهاك القانون الدولي ولا تتطلب قرار (نفذ أو لا تنفذ) ولا تلغي ضرورة التدريبات القياسية والتكتيكات، والتقنيات، والإجراءات. إنما تعمل على دمج إدارة المخاطر في تخطيط وتحضير وتنفيذ المهمات واتخاذ القرارات المتعلقة بالمخاطر على المستوى المناسب في سلسلة القيادة. وعدم قبول أي مخاطر لا لزوم لها. وتساعد إدارة المخاطر القائد من خلال:
1 - الحفاظ على الأرواح والموارد وتجنب المخاطر غير الضرورية.
2 - اتخاذ قرارات مستنيرة لتنفيذ المهمة.
3 - تحديد تدابير السيطرة الممكنة والفعالة عندما لا توجد معايير محددة.
4 - توفير بدائل معقولة لتنفيذ المهمة.
أنواع المخاطر
1 - المخاطر التكتيكية )التعبوية): هي المخاطر المتعلقة بالأخطار الموجودة بسبب وجود العدو أو الخصم. وهي تنطبق على جميع مستويات الحرب ومن خلال نطاق العمليات.
2 - مخاطر الحوادث: تتضمن مخاطر الحوادث جميع اعتبارات المخاطر التشغيلية ما عدا المخاطر التكتيكية. وتتضمن مخاطر النيران الصديقة وتشمل أيضاً المخاطر التي يتعرض لها المدنيون من جراء العمليات العسكرية، فضلاً عن تأثير العمليات على البيئة. ويمكن أن تشمل الأنشطة المرتبطة بالمخاطر المتعلقة بالموظفين المدنيين وجاهزية المعدات والظروف البيئية.
خطوات إدارة المخاطر
1 - تحديد التهديدات: يحدد القادة التهديدات التي قد تواجههم في تنفيذ المهمة، والتي قد تؤثر على البشر والممتلكات والمهمة. ونعني بالتهديد أي حالة موجودة أو محتملة يمكن أن تنطوي على إصابة أو مرض أو وفاة للأفراد، الضرر أو فقدان المعدات والممتلكات، أو أي سبب يؤدي إلى تدهور المهمة. ويجب النظر في جميع جوانب مجالات التهديدات الماضية والحالية والمستقبلية. وجميع العوامل المشاركة في العملية العسكرية، وتتضمن العمليات التكتيكية والتدريبية أنواعاً عديدة من التهديدات. وتشكل عوامل المهمة، العدو، التضاريس، والطقس، القوات والدعم المتاح، الوقت المتوفر، والاعتبارات المدنية عوامل مهمة في تحديد التهديدات، ولهذا الغرض يمكن الاستعانة ببعض الموارد والأدوات الأخرى التي تدعم تحديد التهديدات مثل الخبراء واللوائح والأدلة وإجراءات التشغيل القياسية (SOPs) والسياسات، وبيانات الحوادث. سيناريوهات الحرب، بيانات من مصفوفات تقييم المخاطر. تقييمات الجاهزية. مخططات السبب والنتيجة، تغيير التحليل، الرسوم البيانية المنطقية، تقنيات رسم الخرائط، تقييمات التدريب، مراجعات ما بعد العمل.
2 - تقييم التهديدات: تقييم التهديدات هو عملية تحديد الأثر المباشر لكل خطر على العملية العسكرية، ويتيح تقييم التهديدات تعزيز الوعي بالموقف. وهذا الوعي يبني الثقة ويرفع المعنويات ويسمح للجنود والوحدات باتخاذ تدابير وقائية فعالة في الوقت المناسب.
وتتم عملية تقييم التهديدات كما يلي:
• تحديد التهديدات التي يمكن منعها أو تجنبها.
• تقييم كل تهديد لا يمكن منعه أو تجنبه لتحديد احتمال حدوث الخطر.
• تقييم شدة الخطر للتهديدات التي لا يمكن منعها أو تجنبها. ويعبر عن شدة الخطورة (التي تعرف بأنها نتيجة أو سبب لحادث خطير) بدرجة الإصابة أو المرض (بما في ذلك الوفاة)، وفقدان المعدات أو الممتلكات أو تلفها، أو الضرر البيئي، أو غيرها من العوامل التي تعيق المهمة (مثل فقدان القوة القتالية).
• تحديد مستوى المخاطر المرتبطة بالتهديدات (عالية للغاية، عالية، معتدلة، ومنخفضة) مع مراعاة كل من احتمال وشدة الخطر.
3 - تطوير الضوابط واتخاذ قرارات المخاطر يتم إنجاز هذه الخطوة من خلال:
أ-تطوير الضوابط. بعد تقييم كل تهديد محتمل، وضع واحد أو أكثر من الضوابط التي تسعى لتخفيف خطر التهديد (احتمال، شدة، أو كليهما). وعند وضع الضوابط، يجب النظر في سبب التهديد وليس الخطر الناتج عنه فقط.
ب-اتخاذ قرارات المخاطر. ويتمثل أحد العناصر الرئيسية في عملية اتخاذ قرار بشأن المخاطر في تحديد ما إذا كان قبول المخاطر مبرراً أم أنه ليس ضرورياً. ويجب على صانع القرار أن يقارن ويوازن الخطر إزاء توقعات المهمة أو العملية. وهو وحده يقرر ما إذا كانت الضوابط كافية ومقبولة وما إذا كان يمكن قبول المخاطر المتبقية الناتجة، وله أن يغير أو يعدل أو يرفض ويمكن أن يوجه بوضع ضوابط إضافية أو ضوابط بديلة، كخيار آخر.
4 - تنفيذ الضوابط: الضوابط هي الإجراءات والاعتبارات التي تستخدمها الوحدة لمنع التهديدات أو تقليل مخاطرها. إن تطبيق الضوابط هو أهم جزء من عملية إدارة المخاطر. وينبع من مساهمة سلسلة القيادة في سلامة الوحدة. وتشمل الضوابط المنفذة التنسيق والتواصل مع الوحدات العليا المتاخمة والمرتبطة بها ومع الأفراد الذين يقومون بتنفيذ المهمة. ويجب على القائد أن يضمن دمج ضوابط محددة في العملية والتأكد من تحويلها إلى أوامر تنفيذ بسيطة مفهومة من جميع المستويات. وإذا أجرى القادة تقييماً متعمقاً للمخاطر، سيكون من السهل تنفيذ الضوابط وإنفاذها ومتابعتها. يقوم القادة أو الأفراد بتطوير عنصر تحكم واحد أو أكثر أيضاً لإزالة الخطر أو تقليل المخاطر من حدث ضار. في تطوير الضوابط، يجب النظر في سبب الخطر، وليس في عزل الخطر فحسب. يمكن أن تتخذ عناصر التحكم عدة أشكال مثل الضوابط التعليمية (التوعية) وتستند هذه الضوابط إلى معرفة ومهارات الوحدات أو المنظمات أو الأفراد، وهي تشمل الوعي بالخطر والسيطرة عليه. يتم تنفيذ ضوابط تعليمية فعالة من خلال التدريب الفردي والجماعي الذي يضمن الأداء وفقاً للمعايير. وتشمل الضوابط المادية إجراءات إيجابية لمنع التعرض للخطر من خلال تقليل أو ازالة الخطر وهي تشمل إجراءات هندسية وإدارية، المفهوم الكامن وراء الضوابط الهندسية هو أنه، إلى أقصى حد ممكن، يقوم المهندسون أو وحدات الجيش بتصميم المعدات أو بيئة العمل التي تهدف لإزالة الخطر أو تقليل التعرض. إذا لم تستطع الإجراءات الهندسية إزالة الخطر، تطبق الوحدات تدابير إدارية تهدف إلى تقليله.
ومن أمثلة ضوابط إدارة المخاطر ما يلي:
• تطبيق ممارسات العمل الآمنة.
• تقديم إيجاز توعية يشمل جميع جوانب المهمة، بما في ذلك المخاطر والضوابط ذات الصلة.
• شرب الكثير من الماء، وتناول الطعام بشكل جيد، والحصول على أكبر قدر ممكن من النوم.
• تحديد حدود السرعة القصوى، واستخدام أحزمة الأمان في السيارات العسكرية.
• إنشاء إشارات مرئية يمكن تمييزها وعلامات لتمييز وحدات المناورة.
• فرض استخدام الأدلة الأرضية في مناطق التجميع وعلى التضاريس الخطرة.
• إنشاء مناطق استراحة ومنامات ملحوظة ومحمية في مناطق التجميع.
• ارتداء معدات الحماية الشخصية.
5 - الإشراف والتقييم: أثناء تنفيذ المهمة، يجب على القادة أن يكفلوا فهم ضوابط إدارة المخاطر وتنفيذها على نحو سليم وتقييم فعالية الوحدة في إدارة المخاطر باستمرار للحصول على نظرة ثاقبة في المجالات التي تحتاج إلى تحسين. ويجب أن نتذكر دائماً أن القيادة ووحدة الانضباط هما المفتاحان لضمان تنفيذ ضوابط فعالة لإدارة المخاطر. وجميع القادة مسؤولون عن الإشراف على تدريبات المهمة وتنفيذها لضمان تطبيق المعايير والضوابط. كما يجب على ضباط الصف أن ينفذوا سياسات السلامة المعمول بها وكذلك الضوابط التي وضعت لعملية أو مهمة محددة. وتشمل التفتيشات المفاجئة، التفقد المستمر، الصيانة الوقائية للمعدات، إيجاز التأكيد، والإشراف الدقيق. وينبغي أن تشمل عملية إدارة المخاطر أيضاً، كلما كان ذلك ممكنا، مراجعة لاحقة لتقييم أداء الوحدة في تحديد المخاطر ومنع الحالات الخطرة. ومن ثم ينبغي للقادة أن يدرجوا الدروس المستفادة من العملية في إجراءات التشغيل الموحدة للوحدات وخطط المهمات والعمليات المستقبلية.
مصفوفة تقييم المخاطر في العمليات العسكرية:
تقييم المخاطر هو عملية التفكير لجعل العمليات أكثر أماناً دون المساس بالمهمة. يجب على القادة إجراء تقييم مستمر للمخاطر في الظروف التي يعملون في ظلها لمنع الخسارة غير الضرورية للأفراد أو المعدات وتدهور نجاح المهمة. تقييم المخاطر هو الكيفية التي يمكن أن تؤدي فيها التهديدات (الظروف( المحددة إلى أحداث ضارة وكيف يمكن أن تؤثر هذه الأحداث على العمليات أي احتمالية حصول الأحداث وتأثيراتها المتوقعة، وتعيين مستويات المخاطر.
تعتمد مصفوفة تقييم المخاطر على عاملين، العامل الأول هو تقدير احتمال وقوع حدث ضار أو واقعة بمعنى آخر (الاحتمالية) يتم تقييمه على أنه متكرر، محتمل أو عرضي أو نادراً أو غير مرجح. العامل الثاني هو تقدير الشدة المتوقعة لحدث أو واقعة بمعنى آخر الشدة (العواقب) وهي النتائج المتوقعة من حيث الإصابة أو تلف الممتلكات أو عوامل أخرى تعيق المهمة، يتم تقييمه على أنه كارثي أو حرج أو معتدل أو مهمل . مستوى الخطر للاحتمالية المقدرة والشدة. هو نوع من النقاط التي تقيم (احتمال) حدوث خطأ وتأثير (شدة) الحادث عند حدوثه ويعبر عنه بالمستويات خطر كبير جداً، خطر كبير، خطر متوسط، خطر منخفض.
الخلاصة
إن تضمين إدارة المخاطر في ثقافة الجيوش، وطريقة التفكير العسكري، يعد أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على الجاهزية القتالية وضمان إنجاز المهمة بكفاءة. وهذا يتطلب توحيد وإضفاء الطابع المؤسسي على التقنيات والأدوات والإجراءات التي تؤدي إلى اتخاذ القرار والقبول الصحيح للمخاطر من قبل القادة العسكريين على جميع المستويات.
» العقيد المتقاعد المهندس خالد عنانزة
(مستشار ومدرب في البيئة والسلامة المهنية(