تمثل الانتخابات الرئاسية حدثاً يستقطب اهتمام العالم كله منذ عقود، بالنظر إلى التأثير الكبير للولايات المتحدة في كل الملفات السياسية والاقتصادية حول العالم تقريباً، لكن الاهتمام بالانتخابات الرئاسية الأمريكية هذه المرة تفوق أي انتخابات سابقة، بسبب عوامل عدة أهمها شخصية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب وسياساته خلال السنوات الأربع الماضية، وحدة الاستقطاب السياسي الذي يجعل المنافسة أشد ضراوة، والتطورات العالمية المهمة التي ستترتب على فوز أي من المرشحين. وبالطبع فإن الترقب أقوى في منطقة الشرق الأوسط مع وجود ملفات ساخنة مثل إيران وبرنامجها النووي، والمواجهات السياسية والعسكرية في العراق وليبيا واليمن ولبنان، وتطورات عملية السلام، وغيرها من قضايا المنطقة. ويناقش الملف طبيعة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومواقف كل من المرشحين إزاء القضايا الرئيسية في المنطقة، وفرص كل منهما في الفوز.
لا يتم انتخاب الرئيس الأمريكي من قبل الناخبين مباشرة، كما هو الحال في أغلب الدول الرئاسية، وإنما يتم انتخابه بصورة غير مباشرة عبر ما يعرف باسم “المجمع الانتخابي”، ففي المؤتمر الدستوري لعام 1787، ناقش الآباء المؤسسون جدلاً امتد على مدار أشهر حول كيفية انتخاب الرئيس الأمريكي، ففي حين طالب بعضهم اختيار الكونجرس الأمريكي لرئيس الدولة، أصر آخرون على التصويت الشعبي المباشر لرئيس الدولة. وتم رفض كلا المقترحين، على أساس أن انتخاب الرئيس من قبل الكونجرس قد يفتح الباب أمام الفساد، عبر حدوث تواطؤ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما أنه لم يتم اختيار أي رئيس دولة بصورة مباشرة في ذلك الوقت، ولذلك تم التوصل لحل وسط عبر انتخاب الرئيس من خلال المجمع الانتخابي. ففي موعد الانتخابات الرئاسية، يتوجه الأمريكيون إلى مراكز الاقتراع للتصويت لحوالي 538 عضواً يمثلون إجمالي عدد أعضاء المجمع الانتخابي، وهو عدد موازٍ لعدد أعضاء الكونجرس الأمريكي.
ويمثل هؤلاء الأعضاء مختلف الولايات الأمريكية، وفقاً لوزنها السكاني، إذ تتمتع ولاية كاليفورنيا بالعدد الأكبر من أعضاء المجمع، وهو 55 عضواً، في حين يكون لولاية فلوريدا 27 مندوباً، ويتم تمثيل الولايات ذات الكثافة السكانية المنخفضة مثل ألاسكا ونورث داكوتا وكارولينا الشمالية، إضافة إلى العاصمة واشنطن، بثلاثة أعضاء. ويمثل كل عضو من أعضاء المجمع الانتخابي صوتاً انتخابياً واحداً. ويحتاج المرشح الرئاسي الحصول على أغلبية هذه الأصوات، أي حوالي 270 صوتاً أو أكثر، لكي يفوز بالانتخابات الأمريكية.
ويلاحظ أن الولايات الأمريكية هي التي تضع بنفسها القواعد الخاصة بكيفية انتخابات أعضاء المجمع الانتخابي، وكذلك كيفية منح الأصوات. وعلى الرغم من أن أغلب الولايات تتجه إلى منح جميع أصوات مجمعها الانتخابي لمن يحصل على أغلبية أصوات الناخبين (50 % + 1)، فإن هناك ولايتان فقط، وهما مين ونبراسكا، تقوم بتقسيم أصوات المجمع الانتخابي بحسب نسبة الأصوات التي يحصل كلها كل مرشح.
وتعد أحد أبرز مساوئ النظام الانتخابي هو إمكانية حصول أحد المرشحين على العدد الأكبر من أصوات الناخبين على مستوى البلاد، دون الحصول على العدد الكافي من أصوات المجمع الانتخابي، ومن ثم يخسر الانتخابات. وفي الواقع العملي، فاز مرشحان بالرئاسة رغم حصولهما على عدد من أصوات الناخبين في التصويت الشعبي أقل مما حصل عليه منافساهما. ففي عام 2016، حصل دونالد ترامب على عدد أقل بثلاثة ملايين صوت مما حصلت عليه هيلاري كلينتون، لكنه فاز بالرئاسة لأنه حصل على أغلبية أصوات المجمع الانتخابي. وفي عام 2000 فاز جورج دبليو بوش بـ271 صوتاً داخل المجمع الانتخابي، رغم تقدم المرشح الديمقراطي آل غور في التصويت الشعبي بأكثر من نصف مليون صوت.
أما أبرز مزايا هذا النظام، فتتمثل في حسم الانتخابات من الجولة الأولى، دون الحاجة إلى جولة إعادة، فضلاً عن منع التشكيك في نتيجة الانتخابات، فقد كان هامش التصويت الشعبي لجون ف. كينيدي على ريتشارد نيكسون في انتخابات نوفمبر 1960 حوالي 118 ألف صوت فقط، وفي حالة اعتماد الانتخاب المباشر للرئيس، فإن هذا سوف يوفر حوافز قوية للمرشح الخاسر للتشكيك في نتائج الانتخابات، والمطالبة بإعادة فرز الأصوات، بما يرتبه ذلك من إثارة حالة من عدم الاستقرار الداخلي.
ترامب وبايدن
يوجد في الولايات المتحدة، دون غيرها من البلدان الديمقراطية، حزبان فقط يسيطران على الحياة السياسية، وينتخبهما معظم الناخبين وهما: الديمقراطيون والجمهوريون.
★ الحزب الديمقراطي يميل إلى الليبرالية الحديثة، ويؤمن بتدخل الدولة، وتوفير الرعاية الصحية للجميع، وتوفير التعليم برسوم غير باهظة، وبالبرامج الاجتماعية، وسياسات حماية البيئة، ونقابات العمال.
★ الحزب الجمهوري يتبنى ما يعرف بالاتجاه المحافظ الأمريكي، الذي يؤمن بضرورة الحد من تدخل الحكومة، ويشجع تخفيض الضرائب وينادي بالسوق الرأسمالي الحر، وحقوق امتلاك السلاح، وإلغاء النقابات العمالية، وفرض قيود على الهجرة والإجهاض. كما يوجد عدد آخر من الأحزاب الصغيرة الأخرى، مثل التحرريين، والخضر، والمستقلين، غير أنهما لا يتم تمثيلهما في المجمع الانتخابي الأمريكي، نظراً لهيمنة الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الحياة السياسية في الولايات المتحدة.
★ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو مرشح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد أصبح الرئيس رقم 45 في تاريخ الولايات المتحدة، وكان قبل توليه رئاسة الولايات المتحدة، رجل أعمال وأحد المشاهير. ففي أوائل القرن الحادي والعشرين، كانت مجموعته الخاصة «مؤسسة ترامب» تضم حوالي 500 شركة تعمل في أنشطة متعددة منها الفنادق والمنتجعات والعقارات السكنية والبضائع والترفيه والتلفزيون.
وفي عام 2019، أصبح ترامب الرئيس الثالث فقط في تاريخ الولايات المتحدة، بعد أندرو جونسون (عام 1868) وبيل كلينتون (في عام 1998)، الذي يتعرض لمحاولة عزل من قبل مجلس النواب الأمريكي، كما كان أول رئيس، في تاريخ الولايات المتحدة، لتتم محاولة عزله خلال فترة ولايته الأولى.
ويزعم ترامب أنه مرشح من خارج الطبقة السياسية، وأنه يهدف إلى مكافحة الفساد في واشنطن، كما أن شعاره الانتخابي في حملته الانتخابية الأولى كانت “أمريكا أولاً”. وفي الواقع العملي، تبنى سياسة خارجية قامت على الضغط على الحلفاء في حلف شمال الأطلسي، أو خارجه من أجل زيادة إنفاقهم الدفاعي، بل ومطالبته لكوريا الجنوبية بدفع أموال مقابل نشر قوات أمريكية بها لتوفير الحماية لها من التهديدات النابعة من جاراتها الشمالية.
★ جو بايدن هو مرشح الحزب الديمقراطي، بدأ مسيرته المهنية في واشنطن في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1973، وقاد أول حملة لانتخابات الرئاسة في عام 1987، وعلى الرغم من كونه سياسي محنك، ومعاصرته لثمانية رؤساء أمريكيين، فإن الصحافة رصدت له العديد من الأخطاء، والتي كان أبرزها ادعائه قائلاً “كان أسلافي يعملون في مناجم الفحم في شمال شرق ولاية بنسلفانيا” وأنه غاضب لأنهم لم يحصلوا على الفرص التي يستحقونها في الحياة. غير أن هذه المعلومة كانت كاذبة، إذ سرق هذه المقولة والعديدة غيرها من خطابات السياسي البريطاني العمالي نيل كينوك الذي كان أقاربه عمال مناجم فعلاً.
كما أن بايدن صاحب زلات لا تصدق، فقد اختاره الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليكون نائباً لأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، والذي سبق لبايدن أن وصفه بأنه «أول أمريكي أفريقي طليق اللسان ولامع ونظيف ووسيم». وفي خلال حملته الانتخابية الحالية، ظهر في برنامج محادثة مع مذيع أسود وأخبره: «إذا كانت لديك مشكلة في معرفة فيما إذا كنت ستصوت لي أم لترامب، فأنت لست أسود»، وهو ما أثار استياء بين الناخبين السود في الولايات المتحدة.
وإلى جانب زلات لسانه، يواجه بايدن اتهامات بالتحرش الجنسي، فقد اتهمت ثمان سيدات العام الماضي بايدن باللمس أو المعانقة أو التقبيل غير اللائق، وفي مارس 2020، زعمت تارا ريد أنه أسند ظهرها إلى الحائط واعتدى عليها جنسياً قبل 30 عاماً عندما كانت تعمل في مكتبه. وقامت القنوات الإخبارية الأمريكية بنشر مقاطع عن طريقته الشخصية اللصيقة في تحية النساء في المناسبات العامة، والتي يبدو أنها تتضمن أحياناً شم شعرهن.
واختار جو بايدن كامالا هاريس نائبة له، في محاولة منه لاستقطاب أصوات الشباب الأمريكي ذوي البشرة السوداء، وسوف تصبح كامالا في حالة فوزه أول سيدة تتولى منصب نائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تبلغ من العمر 55 عاماً، وتسعى للوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، كأول امرأة سوداء تنجح في الوصول لهذا المنصب، وفي انتظار ذلك، ستحاول بلوغ منصب نائب الرئيس مع بايدن، وعينها على انتخابات 2024.
وتولت هاريس منصب المدعي بسان فرانسيسكو لولايتين (2004 – 2011)، كما اختيرت مرتين كمدعٍ عام في كاليفورنيا (2007 – 2011)، لتكون بذلك أول سيدة، وأول شخص ذي بشرة سوداء يسير المصالح القانونية لأكثر ولاية مأهولة بالسكان في أمريكا. وفي يناير 2017 أدت القسم بمجلس الشيوخ في واشنطن، ليسجل اسمها كأول سيدة منحدرة من آسيا الجنوبية، وكثاني نائبة ببشرة سوداء في التاريخ الأمريكي.
أهمية الانتخابات القادمة
تتمتع الانتخابات الأمريكية بأهمية مركزية، نظراً لكون الولايات المتحدة دولة كبرى، تمارس تأثيراً فاعلاً، وتحتفظ بوجود أمني في العديد من أقاليم العالم، ولذا، فإن التغير في هوية الرئيس الأمريكي الجديد، سوف ينعكس على السياسة الأمريكية تجاهها. وفي ضوء ذلك، تتمتع الانتخابات الأمريكية باهتمام شديد من جانب أغلب دول العالم، كما تحظى الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2020 بأهمية خاصة، في ضوء عدد من العوامل، والتي يمكن بيانها في التالي:
1 -استمرار حديث التدخلات الأجنبية: لايزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمثل، من وجهة نظر العديد من المواطنين الأمريكيين، شخصية مثيرة للانقسام، خاصة مع إصراره على مهاجمة خصومه بشدة، رداً على انتقاداتهم له، وما ترتب عليه ذلك من إثارة الانقسام في المجتمع الأمريكي وتعميقه، وهي سمة صاحبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، بين ترامب من جانب، ومرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، كما أن ما عزز من هذا الانقسام الداخلي أحاديث التدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية، والتي يتوقع أن تستمر مع انتخابات 2020، خاصة مع تأكيد مكتب مدير الاستخبارات الوطنية جون راتكليف في أغسطس 2020، إن روسيا والصين وإيران يحاولون جميعها التأثير على نتيجة التصويت في انتخابات نوفمبر المقبلة.
وأفاد مدير المركز الوطني الأمريكي للأمن ومكافحة التجسس وليام إيفانينا، بأن الصين لا تريد أن يفوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفترة رئاسية جديدة، وأنها تحاول قبل نوفمبر 2020 “تشكيل بيئة السياسة في الولايات المتحدة والضغط على الشخصيات السياسية التي تعارضها”. ولا يختلف الأمر بالنسبة لإيران، والتي أكدت إيفانينا إنها تحاول تقويض فرص الرئيس ترامب في الفوز بالانتخابات. وعلى النقيض، تسعى روسيا تشويه سمعة منافسه الديمقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة جو بايدن.
2 -تأثيرات جائحة كورونا: تجري هذه الانتخابات في ظل ظروف استثنائية، خاصة مع استمرار تفشي جائحة كورونا حول العالم، وتحول مسألة كيفية مواجهتها إلى أحد أبعاد السجال الانتخابي بين الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، والمرشح الديمقراطي جو بايدن.
وأكدت نائبة المرشح الديمقراطي كامالا هاريس إنها لن تثق بما يقوله ترمب بشأن مدى سلامة لقاح لكورونا وفاعليته. كما اتهم جو بايدن ترمب بتعريض أرواحٍ الأمريكيين للخطر، من خلال أسلوب تعامله مع الفيروس، وهو ما دفع ترامب إلى شن هجوم حاد ضدهما، إذ وصف بايدن بأنه “غبي ويريد إلقاء بلادنا في أحضان الفيروس، وإلقاء عائلاتنا في أحضان غوغائية اليساريين، وإلقاء وظائفنا في أحضان الصين”، وهي كلها مؤشرات على أن موضوع كيفية التعامل مع كورونا سوف يكون أحد محاور الصراع الانتخابي، وقد يلعب دوراً حاسماً في ترجيح كفة إحدى المرشحين.
3 -الانعكاسات الدولية والإقليمية للانتخابات: تجئ الانتخابات الأمريكية في ظل تصاعد التوتر بين واشنطن من جانب، وعدد من القوى الدولية، وخاصة الصين، بالإضافة إلى تصاعد التوتر بين واشنطن وإيران، ومراهنة كل من الصين وإيران على إمكانية حدوث تحوّل في السياسة الأمريكية حال نجاح الرئيس الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، وذلك على الرغم من أن الكونجرس الأمريكي يلعب دوراً مؤثراً في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية، ويضع سقفاً على قدرة الرئيس الأمريكي في إحداث تحولات عميقة في محتوى سياسة واشنطن تجاه العالم الخارجي.
ففيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية – الصينية، فقد تدهورت بشكل حاد، بسبب إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وقف الامتيازات التجارية التي تحصل عليها الصين بصورة غير عادلة من واشنطن، كما أعلن الرئيس الأمريكي تقديم حوافز للشركات الأمريكية لنقل نشاطها من الصين إلى الولايات المتحدة، على غرار تقديم ائتمانات ضريبية لها، كما هددها ترامب أيضاً بسحب العقود الحكومية من الشركات التي تواصل أعمالها في الصين، كما قامت الدولتان بالدخول في حرب تجارية عبر فرض جمارك بصورة تبادلية ضد صادرات الدول الأخرى، ولم يستطيعا حسم الخلاف في هذا المجال، وإن تمكنا من التوصل لهدنة بين الجانبين.
وانتقلت الخلافات بين واشنطن وبكين من الجوانب الاقتصادية إلى القضايا الجيواستراتيجية، مثل تصاعد التوتر بينهما في بحر الصين الجنوبي. وتأمل الصين ألا تتم إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي ترامب من جديد، وأن ينجح بادين في الانتخابات الرئاسية، أملاً في وصول رئيس يقبل بتسوية الملفات العالقة بينهما.
أما فيما يتعلق بملف الاتفاق النووي الإيراني، فقد أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ولجأ إلى تطبيق “سياسة العقوبات القصوى” ضد إيران، وذلك في محاولة منه لإجبارها على تعديل الاتفاق، والذي يحتوي على ثغرات تمكن إيران من امتلاك برنامج نووي يمكن أن تعيد توظيفه لأغراض عسكرية، فضلاً عن تجاهل الاتفاق النووي لتطوير إيران صواريخ باليستية، وغضه الطرف عن تدخلات إيران المقوضة للاستقرار الإقليمي.
وفي ضوء انتقاد بعض رموز الحزب الديمقراطي، مثل وزير الخارجية الأسبق، جون كيري، لسياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حيال إيران، بل وتواصله مع مسؤولين إيرانيين، ونصيحته لهم بعدم التفاوض مع ترامب، انتظاراً لوصول رئيس ديمقراطي، فإن إيران يبدو أنها أخذت نصيحته على محمل الجد، وتأمل في وصول جو بايدن إلى رئاسة الولايات المتحدة، حتى يتخلى عن سياسة “العقوبات القصوى”، التي ينتهجها ترامب، على نحو يسمح بإنقاذ الاقتصاد الإيراني من الانهيار، في ظل العقوبات الأمريكية، والتداعيات السلبية لجائحة كورونا.
4 -صدام ترامب مع المؤسسات الأمريكية: يصر الرئيس الأمريكي على مواصلة الانسحاب من صراعات الشرق الأوسط، التي يعدها صراعات خاسرة، مثل رغبة ترامب في الانسحاب من أفغانستان، وتقليص وجود القوات الأمريكية في سوريا والعراق، خاصة وأنه يسعى لتسويق هذه الانسحابات على إنها أحد الإنجازات الرئيسية لإدارته، غير أن هذه التوجهات تلاقي معارضة من جانب الجيش الأمريكي، وهو ما رد عليه ترامب إعلامياً من خلال تصريحاته العلنية، والتي أشار فيها إلى “أن القادة العسكريين يريدون خوض الحروب لإدخال السعادة على نفوس صانعي الأسلحة”، وهو ما دفع رئيس أركان الجيش الأمريكي، الجنرال جيمس مكونفيل، للرد بصورة غير مباشرة على تصريحات ترامب، عبر تأكيده إن القادة العسكريين لن يوصوا بإرسال قوات للقتال إلا عندما يكون ذلك في مصلحة الأمن القومي أو كملاذ أخير. ومن شأن هذا الصراع أن يتجدد في حالة إعادة انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة.
المواقف من قضايا الشرق الأوسط
أبدى كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمرشح الديمقراطي جو بايدن مواقف مختلفة فيما يتعلق بأبرز قضايا الشرق الأوسط، وإن لم يمنع ذلك من توافقهما حول بعض القضايا.
وينبغي التعامل مع هذه المواقف بحذر شديد، خاصة للمرشح الديمقراطي بايدن، وهو ما يرتبط بأن جانب من المواقف المعلنة تستهدف الفوز بأكبر قدر من الناخبين الأمريكيين، ولذلك قد يغلب عليها المبالغة، أو تنحرف عن السياسة التي يسعى الرئيس القادم انتهاجها في الواقع العملي في حالة فوزه.
كما أن دوائر صنع السياسة الخارجية الأمريكية، وتحديداً وزارت الخارجية والدفاع والكونجرس الأمريكي تمارس دوراً في تشكيل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وقد تفرض قيوداً على بعض توجهات الرئيس الجديد، أو تدخل عليها بعض التعديلات. وفي ضوء ما سبق، تتمثل أبرز المواقف المعلنة لكلا المرشحين من قضايا الشرق الأوسط في التالي:
1 -الانخراط العسكري في صراعات المنطقة: يميل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الانسحاب من صراعات الشرق الأوسط، خاصة تلك الصراعات الممتدة، على غرار الصراعات القائمة في كل من أفغانستان والعراق وسوريا، وعلى الرغم من معارضة وزارتي الدفاع والخارجية ذلك، فإن ترامب يصر على تنفيذها، كما في محاولته للانسحاب من سوريا في ديسمبر 2018، فضلاً عن كشف مسؤولين في إدارة ترامب، عزم ترامب على خفض عدد القوات الأمريكية في العراق من حوالي خمسة ألاف جندي إلى 3500 جندي، كما وضعت إدارة ترامب خطة منذ منتصف يونيو الماضي تهدف إلى خفض حجم القوات الأمريكية في أفغانستان من 8600 إلى 4500 جندي، والتي من المتوقع أن يتم تنفيذها بحلول نوفمبر، أي قبيل موعد الانتخابات الأمريكية، وذلك على الرغم من أن مفاوضات السلام بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية لم تبدأ إلا أوائل سبتمبر، وتواجه تحديات هائلة.
وفي المقابل، فإن المرشح الديمقراطي جو بايدن، لم يبد اختلافاً كبيراً عن توجهات ترامب السابقة، إذ أكد أنه سيحتفظ بوجود عسكري صغير في منطقة الشرق الأوسط، إذا تم انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. وسيتم إعطاء هذه القوات مهمة توجيه الجهود العسكرية بالتعاون مع قوات الحلفاء للقضاء على التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم داعش. وعبّر بايدن عن اعتقاده بأن الحجم الأمثل للقوات الأمريكية في مناطق الصراعات ستتراوح ما بين 1500 و2000 جندي أمريكي، ومن ثم فإن بايدن، في حالة نفذ تعهداته الانتخابية، سوف يواصل نهج ترامب القائم على مواصلة الانسحاب من مناطق الصراعات.
2 -أزمة البرنامج النووي الإيراني: يتبني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسة فرض العقوبات الاقتصادية ضد إيران، وذلك ضمن سياسة “الضغط الأقصى”، وذلك بهدف إجبار إيران على تعديل الاتفاق النووي الإيراني، ووقف تدخلاتها الإقليمية، ونزوعها للهيمنة على عدد من الدول العربية. وتدرجت العقوبات الأمريكية ضد إيران من فرض عقوبات على قدرتها على تصدير النفط الإيراني، وصولاً إلى إخضاع كيانات داخل إيران للعقوبات، مثل البنك المركزي الإيراني، بسبب تمويله لجماعات إرهابية، مثل ميليشيات الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان، وذلك إلى جانب تصنيف الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي.
وفي المقابل، فإن موقف جو بايدن لايزال غامضاً، فهو لم يوضح ما إذا كان سينوي العودة للالتزام بالاتفاق النووي، كما يرغب قطاع كبير من مؤيديه ومنتسبي الحزب الديمقراطي، أم إنه سيواصل سياسة ترامب في المطالبة بتقديم إيران لتنازلات جدية، حتى يرفع العقوبات عنها، وإن كان من الملاحظ أن بايدن قد طالب بتعليق العقوبات الأمريكية على إيران بسبب التداعيات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد الإيراني، كما أن تحليل توجهات فريق المرشح الديمقراطي جو بايدن يكشف عن تبنيهم لمواقف تدعو إلى تخفيف العقوبات الأمريكية على إيران لإغرائها بالعودة إلى طاولة المفاوضات وإحياء الاتفاق النووي مع طهران.
3 -التدخلات التركية العدائية: اتجهت تركيا منذ بداية العام إلى عسكرة سياستها الخارجية، بل وتوظيف التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق باعتبارها أحد أدوات تدخلها، على نحو ما هو واضح من توظيفها في سوريا، فضلاً عن نقل هذه التنظيمات إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني في مواجهة الجيش الوطني الليبي، والذي يحظى بدعم البرلمان المنتخب. ومثلت هذه التحركات هاجساً ليس فقط للدول العربية المجاورة، بل امتدت كذلك إلى فرنسا، خاصة وأن هذه التنظيمات قد تجد طريقها إلى منطقة الساحل الأفريقي، بما يهدد النفوذ الفرنسي في تلك المنطقة، في ظل مواجهة باريس تحديات كبيرة في القضاء على التنظيمات الإرهابية المتواجدة في هذه المنطقة.
ومن جهة ثانية، أقدمت تركيا على تصعيد محاولاتها الرامية إلى التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية لليونان، بصورة لاقت معارضة من كل القوى الدولية المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار، بدأت واشنطن تتوجس من التحركات التركية، وتعمل على تحجيمها، وذلك عبر زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى نيقوسيا، عاصمة قبرص اليونانية، في 13 سبتمبر، ودعوته إلى تركيا لسحب قواتها من منطقة المتوسط لخفض التوتر مع قبرص واليونان، فضلاً عن قيام واشنطن بتوقيع مذكرة تفاهم حول إنشاء مركز تدريبي مع إدارة قبرص اليونانية، وهو ما يعني دعماً عسكرياً أمريكياً للأخيرة في مواجهة الأطماع التركية.
وفي المقابل، كانت مواقف جو بايدن حادة تجاه تركيا، إذ أكد في يناير 2020 لبرنامج “ذا ويكلي” على قناة “إف إكس” الأمريكية، “قلقه الكبير” بشأن التطورات في تركيا، مشيراً إلى تبني نهج مختلف حيال أردوغان، في حالة توليه رئاسة الولايات المتحدة، وذلك من خلال دعم وتشجيع قيادة المعارضة التركية كما كان يفعل حين كان نائباً لأوباما.
كما أكد بايدن أنه قضى كثير من الوقت مع أردوغان، أكثر من أي شخص في الإدارة الأمريكية، مضيفاً أن أردوغان كان يتحدث معه فقط لأنه كان يعتقد أنه ليس معادياً للإسلام. وأضاف “إنه مستبد.. عليه أن يدفع ثمن أفعاله”، وهو ما يؤشر على إمكانية توتر العلاقات الأمريكية – التركية في حالة تولي بايدن رئاسة الولايات المتحدة، خاصة إذا أقدم بايدن على تحجيم التدخلات التركية المثيرة للأزمات.
4 -تيار الإسلام السياسي: يتبني دونالد ترامب رؤية مناوئة لحركات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، إذ يعتبرها خطراً لا يقل جسامة عن تهديد التنظيمات المتطرفة والإرهابية، وذلك في ضوء وجود ارتباطات وتفاهمات ضمنية بين الجانبين في أكثر من دولة شرق أوسطية، فضلاً عن كون الأفكار الرئيسية لجماعة الإخوان المسلمين مثلت الأساس الذي استقت منه الجماعات المتطرفة والإرهابية أدبياتها وأيديولوجياتها التي تحرض على العنف والكراهية. وفي ضوء ذلك يرى ترامب أن أحد أهداف السياسة الخارجية الأمريكية هي محاربة هذه الجماعات، كما أعلن ترامب في 30 أبريل بأنه يعمل على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً أجنبياً.
وفي المقابل، فإن بايدن، يتبنى رؤية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما نفسها لجماعات الإسلام السياسي، والتي تنطلق من كونها تمثل الوجه المعتدل من الإسلام، ولهذا لم تجد إدارة أوباما حرجاً من دعم وصول الإخوان إلى السلطة في أكثر من دولة عربية، بعد الاضطرابات التي شهدتها المنطقة في عام 2011. ولعل هذا يفسر تأييد جماعات ومنظمات مقربة من جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة لجو بايدن في السباق الانتخابي، نظراً لرهانها على إحياء جو بايدن لمشروع الإسلام السياسي مجدداً في المنطقة.
5 -السلام مع إسرائيل: لعبت الولايات المتحدة دوراً في التوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة، والتي هدفت في أحد جوانبها إلى تجميد المحاولات الإسرائيلية للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وتم توقيع الاتفاق في 15 سبتمبر، كما أعلنت البحرين عن اتجاهها لإبرام اتفاق مماثل، ويلاحظ أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتجه إلى توظيف اتفاق السلام انتخابياً باعتبارها أحد الإنجازات التي نجحت إدارته في تحقيقها.
وعلى الرغم مما سبق، فإنه يتوقع ان تكون هذه القضية محل توافق بين الجانبين، وهو ما وضح من دعم بايدن للاتفاق، إذ أشاد المرشح الديمقراطي بالاتفاق واعتبره “خطوة تاريخية” تساعد على تخفيف التوتر في المنطقة، وثمّن خطة الإمارات مؤكداً أن “عرض الإمارات الاعتراف بشكل علني بدولة اسرائيل عمل مرحب به وشجاع وفعل سياسي مطلوب بشدة”.
ومع ذلك تظل هناك خلافات بين ترامب وبايدن من إسرائيل، ففي حين يدعم ترامب تل أبيب، وتوسعها على حساب الأراضي الفلسطينية، فإن بايدن وعد بالضغط على إسرائيل لوقف التوسع في بناء المستوطنات، فضلاً عن دعمه لحل الدولتين الذي يؤدي في النهاية إلى قيام دولة فلسطينية. كما أعرب بايدن عن معارضته لنقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس في 2018، وإن أشار إلى أنه لن يتراجع عن القرار في حالة انتخابه كرئيس للولايات المتحدة.
شعبية المرشحين في استطلاعات الرأي العام
تظهر استطلاعات الرأي العام تقدم جو بايدن على ترامب في على مدار العام الحالي، وكانت شعبية بايدن تقترب من حدود الـ 50 ٪ في الأسابيع الأخيرة، بينما بلغ الفارق بينه وبين ترامب حوالي عشر نقاط مئوية في بعض الأحيان، وعلى الرغم من هذا الفارق الكبير في استطلاعات الرأي العام، فإن الأمور لا تعد محسومة سلفاً بالنسبة لبايدن، وهو ما يرجع إلى عاملين أساسين، وهما:
1 -إخفاق استطلاعات الرأي في عام 2016: أظهرت استطلاعات الرأي العام في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016 تفوق هيلاري كلينتون على ترامب، غير أنها خسرت الانتخابات الأمريكية، ويلاحظ أن نتائج استطلاعات الرأي العام لم تخفق تماماً، فقد فازت كلينتون بالتصويت الشعبي، وتفوقت على ترامب بحوالي 3 ملايين صوت، ومع ذلك خسرت أسواق المجمع الانتخابي، ومن ثم الانتخابات الأمريكية.
ومن جهة ثانية، لا يجب إغفال أن إستطلاعات الرأي واجهت بعض المشاكل الفنية في 2016، إذ أخفقت في تمثيل الناخبين غير الحاصلين على مؤهلات جامعية تمثيلاً حقيقياً، مما أدى بدوره إلى الإخفاق في رصد التقدم الذي كان يتمتع به ترامب في بعض الولايات غير المحسومة حتى وقت متأخر. وإن كان من المتوقع أن تكون شركات الاستطلاعات تداركت هذا الخلل في الانتخابات الحالية.
2 -تداعيات الأحداث غير المتوقعة: تؤثر الأحداث والمستجدات الطارئة على شعبية المرشح، وكذلك توجهات الرأي العام، ومن ثم تؤثر على توجهات الناخبين وتدفعهم إلى إعادة النظر في خياراتهم، بل والتفكير في التصويت للمرشح المنافس، ومن ثم تبني سلوكاً تصويتياً يخالف توجهاتهم في استطلاعات الرأي السابقة.
وينطبق هذا الأمر بصورة واضحة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد تمكن من إنعاش الاقتصاد الأمريكي، مما عزز فرصه في الفوز بالانتخابات القادمة، غير أن انتشار جائحة كورونا مطلع هذا العام، وتضرر الولايات المتحدة منها، وتحميل قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي ترامب مسؤولية سوء إدارة الأزمة، قد أثر سلباً على شعبية الرئيس الأمريكي، ودفع إلى تصاعد شعبية المرشح الديمقراطي بايدن.
ويدرك ترامب هذه الحقيقة جيداً، ولذلك سارع في تكثيف الضغوط على إدارة الغذاء والدواء الأمريكية من أجل اعتماد لقاح لكورونا قبيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، وقد رضخت الإدارة جزئياً لهذه الضغوط، إذ سمحت بالاستخدام الطارئ لبلازما المتعافين من مرض كوفيد – 19 لعلاج المرضى الحاليين قبل تقييم فوائدها في تجارب إكلينيكية عشوائية، وتثار مخاوف مماثلة من أن توافق الإدارة على لقاح لكورونا قبل نوفمبر القادم، موعد الانتخابات، وذلك لتعزيز فرص ترامب في الفوز بالانتخابات. وحتى في حالة، اعتماد ترامب للقاح لكورونا، فإن هذا الأمر قد يتسبب في مشاكل تؤثر على فرص إعادة ترشحه، إذا ما ظهرت أعراض جانبية للقاح الجديد، أو ثبت كونه غير آمن، على غرار المشاكل التي واجهت لقاح أكسفورد، وهو ما سيؤثر سلباً على فرص ترامب في الترشح للانتخابات.
وعلى الجانب الأخر، فإن بايدن يبلغ من العمر 77 عاماً، وبدا في بعض فترات حملته الانتخابية غير قادر على ضبط إيقاع حديثه، كما وجهت انتقادات لخطاباته، خاصة حديثه بتعميم غير مفهوم عن استعادة روح أمريكا، فلم يوضح قط ما الذي يقصده تحديداً، بل يرى البعض أنه كلما رآه الناخبون، وهو يتحدث، قلت احتمالات تصويتهم لصالحه. ومن ثم، فإن أي تدهور، ولو طارئ في صحة بايدن، قد تؤثر على توجهات الرأي العام الأمريكي تجاهه، تماماً كما حدث مع المرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون.
موقف دولة الإمارات من الانتخابات
أكد معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، في مداخلة لإحدى القنوات الأمريكية، أن دولة الإمارات العربية المتحدة ليس لها تفضيل لهوية الرئيس القادم للولايات المتحدة، فهو شأن داخلي أمريكي، وأن دولة الإمارات سوف تتعامل مع الرئيس الذي يختاره الشعب الأمريكي.
ومن جهة ثانية، فإن توجهات أي من المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية حيال قضايا الشرق الأوسط لا تفرض أي تحدي كبير على مصالح دولة الإمارات، خاصة وأن الدولة تمكنت من تعزيز أمنها القومي، حتى عندما تبنت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما سياسات إقليمية غير مواتية، عبر توقيع الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015، على الرغم من الثغرات الواردة في هذا الاتفاق، فضلاً عن إقدام أوباما على رفع العقوبات الأمريكية عن طهران، بما سمح لها بتوظيف مواردها المالية المجمدة في الخارج في تمويل الميليشيات المسلحة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، بما مثل تهديداً مباشراً لأمن دول الخليج العربية.
ومن جهة أخرى، فإن أبوظبي أقدمت على تنويع شراكاتها مع القوى الدولية المعنية بأزمات الشرق الأوسط، كما هو واضح من دخولها في علاقات اقتصادية مع الصين، فضلاً عن تعاونها مع روسيا في بعض الملفات الإقليمية، والتي تساهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة. ونظراً لدور الإمارات في تحقيق الاستقرار الإقليمي، فإنها دخلت في مفاوضات متقدمة مع الولايات المتحدة لحيازة مقاتلات “أف – 35” الأمريكية، فقد أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش إن بلاده قدمت طلبات للحصول على طائرات “إف – 35” من الولايات المتحدة الأمريكية، وتدرس الولايات المتحدة بيع الطائرة فعلاً للإمارات، وتوقيع اتفاق بهذا الخصوص.
كما تقيم دولة الإمارات شراكات عسكرية مع كل من روسيا والصين، خاصة مع فرض واشنطن قيود على تصدير التكنولوجيا الخاصة بإنتاج الطائرات بدون طيار، على سبيل المثال. وتمكنت أبوظبي من تطوير صناعات عسكرية متطورة تهدف إلى تقليص اعتمادها على صادرات السلاح، كما أن الصناعات العسكرية الإماراتية ينظر إليها باعتبارها أكثر الصناعات العسكرية تقدماً وتعقيداً بين الدول العربية، حيث تحرص الشركات الدفاعية الإماراتية على القيام بمشروعات تسليحية مشتركة، فضلاً عن توطين التكنولوجيا العسكرية الأجنبية، وهو ما مكنها من إنتاج الطائرات بدون طيار، والذخائر، وصيانة بعض منظومات الأسلحة.
وفي الختام، يمكن القول إن إعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب سوف تعني استمراراً لتبنيه نهج “أمريكا أولاً” تجاه السياسة الخارجية، والذي يتسم بالانعزالية وتبني السياسات الأحادية، فضلاً عن استمراره في تبني السياسات المتشددة تجاه الصين وإيران، بينما سيؤدي انتخاب نائب الرئيس السابق جو بايدن إلى زيادة التركيز على التحالفات متعددة الأطراف لمواجهة تحديات السياسة الخارجية للولايات المتحدة وحلفائها، مع تهدئة حدة الصراع في العلاقات الأمريكية مع كل من الصين وإيران.
