لا شك أن رحيل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح مصاب جلل، ليس فقط على المستوى الداخلي الكويتي، حيث يُنظر له بأنه رجل السلام والتواضع ورجل العفو، وإنما أيضاً على المستوى الخليجي والعربي، إذ يعد الراحل أحد الشخصيات الذين كانت لهم بصمة مهمة في تعزيز مسيرة العمل الخليجي والعربي المشترك، منذ أن تولى ولاية عهد الكويت في العام 2006 حيث أمضى 14 عاماً في واجهة العمل السياسي الكويتي على المستوى الخارجي، وحاضراً في عدد من محطات العمل الخليجي والعربي المشترك، وبخاصة في غمرة الاهتزازات التي عصفت بالمنطقة، سواء على مستوى (الحرب العراقية الإيرانية، الغزو العراقي للكويت، ومرحلة ما يسمى بالربيع العربي وتداعياته على أمن واستقرار المنطقة).
يعد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أحد القيادات في الدولة الحديثة في الكويت منذ أن تدرج في العمل السياسي محافظاً لمنطقة حولي، لينتقل بعدها إلى قيادة ملف الداخلية والدفاع وهي إحدى الفترات المهمة في تاريخ الدولة الكويتية، حيث عاصرت الكويت أحداثاً في غاية الأهمية، وبخاصة الحرب العراقية الإيرانية التي بلا شك ألقت بظلالها على الداخل الكويتي، حيث تعرضت الكويت لعدد من العمليات الإرهابية، من أبرزها محاولة اغتيال فاشلة للأمير الأسبق الشيخ جابر الأحمد عام 1985، وتفجيرات طالت سفارات أجنبية ومرافق ترفيهية في الكويت، وخطف طائرتي كاظمة والجابرية التابعتين للخطوط الجوية الكويتية. فقد استطاع الشيخ نواف الأحمد بقيادة ملف الداخلية ومن بعده ملف الدفاع، ضبط مسار الأمور والعمل على تجنيب الكويت، الانزلاق في ساحة الصراع بين العراق وإيران.
بعد توليه مقاليد الحكم في دولة الكويت، برغم أنها فترة قصيرة نسبياً، لا تتخطى الثلاث سنوات، فإنها كانت مليئة بالتغييرات التي نجحت في إعادة تنشيط الحياة السياسية الكويتية، وإعادة ترميمها، وبخاصة بعد أن عانت الكويت من تأثيرات ما يسمى بالربيع العربي، حيث أرسى الشيخ نواف الأحمد قواعد إدارة الدولة الجديدة القائمة على الشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد وتحقيق “إصلاحات سياسية وقانونية قادت لنقل الدولة إلى مرحلة من الانضباط والمرجعية القانونية وإصدار عدد من مراسيم العفو” وتحقيق المصالحة الوطنية التي انعكست بدورها على إصلاح مسار العمل السياسي الكويتي بعد أن عاش حالة من الترهل وهو ما انعكس تأثيره على الحياة البرلمانية في الكويت التي اتسمت بالهدوء في الفترة الأخيرة، وهي خطوة قادت إلى الخروج من حالة الاعتراك السياسي إلى التركيز على عجلة التنمية.
وعلى المستوى السياسي الخارجي كان الشيخ نواف الأحمد حاضراً منذ العام 2006 منذ توليه منصب ولاية العهد وحتى رحيله العام 2023، فقد كانت له بصمات مهمة في تعزيز علاقات الكويت الخارجية على المستويات الثلاث (الخليجي والعربي والدولي)، حيث أرسى قواعد السياسة الخارجية القائمة على الإيمان بأن العمل العربي المشترك غاية لا بديل عنها وتعزيز روابط العلاقات الخليجية والعربية، وتعزيز حضور الكويت على المستوى الدولي لنصرة ومساندة القضايا العربية والإسـلامية في المحافل الدولية، والحرص على نزع فتيل الأزمات تحقيق السلام والاستقرار على المستوى الإقليمي والدولي..