تباين المنظرون السياسيون والعسكريون في تقييم دور المفاجأة في الحرب. ففي حين أن المنظر العسكري الصيني، صن تسو، أعطاها مكانة متميزة للفوز بالحروب، واعتبرها ميكيافيلي أنها أحد المكونات الرئيسية للنصر، فإن كارل فون كلاوسفتز، المنظر العسكري البروسي، هو الوحيد الذي خالف هذا التوجه، وانتقص من قيمة المفاجأة كمعيار أساسي للنصر في الحروب. وفي الواقع العملي، فإن القادة السياسيين والعسكريين في الولايات المتحدة فاجأهم عجزهم عن ترجمة الانتصار العسكري إلى نصر سياسي واستراتيجي إيجابي في غير مرة.
من وجهة النظر العسكرية، فإن المزايا التي يمكن الحصول عليها من تحقيق المفاجأة الاستراتيجية لا تقدر بثمن، إذ إن الهجوم الناجح غير المتوقع سوف يسهل تدمير جزء كبير من قوات العدو بتكلفة أقل للمهاجم عن طريق اختلال التوازن العسكري للمدافع، وبالتالي الانتقاص من قدرته على المقاومة مؤقتاً. وبعبارات أكثر عمومية، فإن الجانب الأدنى عددياً قادر على أخذ زمام المبادرة من خلال تركيز قوته العسكرية المتفوقة في الزمان والمكان الذي يختاره، وبالتالي تحسين احتمالية تحقيق نصر حاسم بشكل كبير.
وتحدث المفاجأة الاستراتيجية، التي يطلق عليها غالباً «الهجوم المفاجئ»، عندما يحدث صراع في وقت أو مكان غير متوقع. ويمكن أن تحدث المفاجأة على جميع مستويات الحرب، الاستراتيجية والعملياتية والتكتيكية. وتسعى هذه الدراسة إلى توضيح أنواع المفاجأة الاستراتيجية وأسباب حدوثها، وكيف يمكن للدول تجنبها.
أنواع الهجوم المفاجئ:
يتمثل الهدف من الهجوم الاستراتيجي في إنزال هزيمة كبيرة بالخصم، وهو ما يغير الوضع العسكري، ويحدد بدرجة كبيرة نتيجة الصراع. وبطبيعة الحال، فإن الخصم يسعى إلى التكتم على تحركاته، بل واستخدام الخداع. ووفقاً لهذا التعريف، فإن المقصود بالبعد الاستراتيجي هنا، ليس استخدام الأسلحة النووية، أو تورط دولة عظمى في الصراع، أي ليس طبيعة الفاعلين المتورطين، أو الأسلحة المستخدمة، ولكن يرتبط بهدف الهجوم وسياقه. ويمكن التمييز هنا بين أربعة أنواع من الهجوم الاستراتيجي، وذلك على النحو التالي:
الهجوم العسكري المفاجئ: يقصد به أن تقوم دولة بشن هجوم غير متوقع ضد دولة أخرى، مثل الهجوم الياباني المفاجئ على الأسطول الروسي في بورت آرثر عام 1904، أو الهجوم الياباني على ميناء بيرل هابر خلال الحرب العالمية الثانية، وفي الحرب الأخيرة هذه، كان موقع الهجوم هو مكمن المفاجأة، وليس توقيته، فقد كانت الولايات المتحدة تدرك وقتها أن المعركة قادمة مع اليابان.
وتمثلت أحد أسباب إخفاق الولايات المتحدة في توقع الهجوم هو أن الجيش الأمريكي استبعد إمكانية قيام طوكيو بشن هجوم على ميناء بعيد، مثل بيرل هاربور، بسبب اعتقادهم بأن اليابانيين لا يمتلكون القدرات العسكرية اللازمة لتحقيق ذلك. كما يضاف إلى ما سبق هجوم تنظيم القاعدة على مبنيي التجارة العالمية في واشنطن، بالإضافة إلى مقر البنتاجون باستخدام ثلاث طائرات مدنية في 11 سبتمبر 2001.
فتح مسرح عملياتي جديد: يقصد بذلك فتح جبهة جديدة للحرب بشكل غير متوقع في إطار صراع عسكري أوسع، مثل الغزو الألماني للنرويج في عام 1940. كما يدخل في هذا الإطار، شنّ القوات الشيوعية من فيتنام الشمالية وفيت كونج، في 30 يناير 1968، هجوماً عرف باسم «تيت» ضد فيتنام الجنوبية وحلفائها الأمريكيين. وكان هذا الهجوم واحداً من أكبر العمليات العسكرية في حرب فيتنام، وأصبح نقطة تحول رئيسية في الصراع.
فقد كان هجوم تيت عبارة عن سلسلة مفاجئة من الهجمات التي تم إطلاقها خلال مهرجان تيت، وهو مهرجان رأس السنة الفيتنامية. وكان العديد من القوات الفيتنامية الجنوبية في إجازة عندما بدأت الهجمات، وفوجئ جيش فيتنام الجنوبية. واستهدفت الحملة في البداية أكثر من 100 مدينة وبلدة، بما في ذلك العاصمة الجنوبية الاستراتيجية سايجون، والتي تسمى الآن مدينة هوشي منه. ولاقى 50 ألف جندي شيوعي حتفهم في محاولة للسيطرة على الجزء الجنوبي من البلاد. وكانت إجمالي الخسائر الفيتنامية الجنوبية والأمريكية محدودة مقارنة بخسائر قوات فيتنام الشمالية. وعلى الرغم من الخسارة العسكرية، فإن هجوم تيت نجح في تحويل دفة الحرب لصالح فيتنام الشمالية، إذ بدأ الفيتناميون الجنوبيون يفقدون نفوذهم عندما تسلل مقاتلو الفيتكونج إلى المناطق الريفية التي كانت تسيطر عليها حكومة فيتنام الجنوبية، وساهم هذا الهجوم، في النهاية، في انتصار فيتنام الشمالية على الجنوبية.
استخدام تكتيكات جديدة: يقصد به أن يتم استخدام نمط جديد من الحرب لم يكن سائداً من قبل، مثل قصف الولايات المتحدة اليابان باستخدام القنابل النووية خلال الحرب العالمية الثانية. وعلى مدار التاريخ العسكري، قامت بعض الجيوش بمفاجئة أعدائها على أرض المعركة من خلال تبني تكتيكات جديدة، أو استراتيجيات جريئة، أو توظيف قدر كبير من الانضباط العسكري الصارم. ولعل من الأمثلة على ذلك حروب نابليون للسيطرة على الدول الأوروبية، فقد تمكن من إدخال تغيرات مؤسسية مكنته من إدارة جيش ضخم، والذي بدوره تمكن من إلحاق هزائم كبيرة بخصومه، واحتلال كبرى المدن الأوروبية. وبالمثل، مثلت الحرب الخاطفة التي طبقها الألمان في بداية الحرب العالمية الثانية مثالاً أخر للتكتيكات الجديدة.
ويدخل ضمن الأمثلة كذلك، نجاح طائرات الطوربيد اليابانية في إغراق السفينة الحربية «إتش إم إس أمير ويلز» (HMS Prince of Wales) والطراد القتالي «إتش إم إس ريبلس» (HMS Repulse) بعد أيام من الهجوم على بيرل هاربور، إذ إن مثل هذه المفاجأة العسكرية قد تم تحقيقها من خلال الجمع الناجح بين التكتيكات والتكنولوجيا. وفشل كبار ضباط البحرية البريطانية في الاعتراف بإمكانية تعرض السفن الحربية الكبرى لتهديد جوي، بما في ذلك قائد فرقة العمل، الأدميرال توم فيليبس، فقد عملت هذه السفن انطلاقاً من سنغافورة من دون دعم جوي، وتمكن اليابانيون من تحديد موقع قوة فيليبس وشنّوا عليها هجوماً باستخدام قاذفات الطوربيد، مما أدى إلى خسارة السفينتين و840 بحاراً في عملية وُصفت لاحقاً بأنها أرست «نهاية عصر البوارج». وكانت المفاجأة والصدمة اللاحقة عميقة بالنسبة للطواقم وكذلك الأفراد العسكريين والقادة السياسيين خارج المعركة المباشرة.
الكوارث الطبيعية المفاجئة: يلاحظ أن الأحداث البيئية المفاجئة يمكن أن تولد مفاجأة استراتيجية، مثل الكوارث الطبيعية، كالزلازل والبراكين والتسونامي، والتي قد تتطور على نحو غير متوقع، محدثة خسائر فادحة، كما في كارثة التسونامي الذي ضرب المفاعل النووي الياباني فوكوشيما في مارس 2011.
أسباب الهجوم المفاجئ:
بمراجعة آراء الخبراء والمنظرين العسكريين، والذين بنوا تقييماتهم من الخبرات السابقة للحروب، يمكن إيراد عدد من الأسباب لوقوع الهجوم المفاجئ، وذلك على النحو التالي:
خداع الخصم: من الأسباب الرئيسية للمفاجأة الاستراتيجية خداع الخصم. ولا يمكن هنا إغفال رأي صن تسو، القائد العسكري الصيني، والذي قال إن «كل الحروب تقوم على الخديعة». كما أن هناك مصطلحاً آخر، وهو «ضباب الحرب» (Fog of War)، أي صفة عدم اليقين الملازمة للحرب، أي عدم قدرة الأطراف المتحاربة على التيقن من قدراتهم لحظة انتقالها من التخطيط إلى التنفيذ، ولذلك قال مولتك الأكبر، وهو مشير بروسي، عبارته الشهيرة إنه: «لا توجد خطة عمليات تستمر بعد المواجهة الأولى مع القوة الرئيسية للعدو».
ويمكن الإشارة هنا إلى نوعين رئيسيين من الخداع العسكري، وهما «الهجوم المخادع»، و«التظاهر العسكري»، ويتمثل الهجوم المخادع في القيام بهجوم وهمي تماماً، أو محاكاة لبناء هجوم وشيك، أما التظاهر العسكري فيتمثل في تحريك القوات بشكل حقيقي، فالهدف منه هو استدراج قوات العدو، وجر احتياطاته إلى معركة هامشية، وتخاطر هذه النوعية من المعارك بإمكانية فقدان عدد كبير من القوات والمعدات العسكرية. ويلاحظ أن مثل هذا الهجوم قد يغامر بشن معركة تفقد فيها عدداً كبيراً من الأرواح والمعدات، ولذلك ينبغي أن يتم توظيفها بشكل مقتصد، أو مقيد، وفي ظروف متطرفة.
ومن الأمثلة التاريخية على الخداع، قيام الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في عام 1944، بجمع عدد هائل من الدبابات والطائرات المطاطية المزيّفة القابلة للنفخ بمنطقة كينت البريطانية لتضليل طائرات الاستطلاع الألمانية، التي رصدت هذه الأسلحة الوهمية، فضلاً عن تسريب معلومات خاطئة للألمان حول موقع الإنزال، إذ أوهموا القيادة العسكرية الألمانية وأدولف هتلر من خلال هذه العملية التي سميت «الثبات» بحتمية وقوع الإنزال العسكري عند منطقة باد كاليه الفرنسية، في حين أن عملية الإنزال الحقيقية كانت بشواطئ نورماندي. وبتلك الخطة نجح الحلفاء بقيادة واشنطن ولندن آنذاك في إنزال 135 ألف جندي في نورماندي ليصنعوا بذلك رأس الجسر الذي سمح لهم خلال أسبوع واحد بإنزال أكثر من ربع مليون جندي، و50 ألف عربة وآلية عسكرية، و100 ألف طن من المعدات العسكرية الأخرى.
وبالمثل، فإنه من مراجعة الحرب الروسية – الأوكرانية، نجد أن القوات الأوكرانية سعت لشن هجومها المضاد ضد القوات الروسية، في منتصف عام 2023، على ثلاثة محاور على طول الجبهة ضد القوات الروسية الموجودة في جنوب وشرق أوكرانيا، والممتدة على مساحة تقدر بحوالي 600 ميل، وذلك لتشتيت الدفاعات الروسية، وللتمويه على نقطة الهجوم الرئيسية. ولذلك سعت القوات الأوكرانية لشن هجوم على ثلاثة محاور، وهي مليتيبول وبيرديانسك وباخموت، غير أن الولايات المتحدة اعترضت على مثل هذا التخطيط، وكانت تفضل أن تشن القوات الأوكرانية هجومها على نقطة واحدة باتجاه بحر أزوف، وذلك على أساس أن شن هجمات على ثلاث جبهات، سوف يقلل من الكثافة النيرانية للقوات الأوكرانية، ويجعلها عاجزة عن إحداث اختراق في الدفاعات الروسية. وأياً ما كان الأمر، فقد أخفق الهجوم الأوكراني المضاد إخفاقاً كبيراً، واعترف أولكسندر سيرسكي، القائد العام الجديد للقوات المسلحة الأوكرانية، بأن بلاده قيمت قدرات الجيش الروسي بشكل خاطئ.
التكنولوجيا العسكرية: تلعب التكنولوجيا العسكرية دوراً كبيراً في المفاجأة بالحروب. وتميل الدول إلى إخفاء جانب من قدراتها العسكرية من أجل تحقيق عنصر المفاجأة في الحروب. ويمكن الإشارة هنا إلى العديد من الأمثلة، مثل إلقاء الولايات المتحدة قنبلتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، خلال الحرب العالمية الثانية، وهو ما كان في حد ذاته بمثابة رسالة حول قوتها التدميرية، واستعداد واشنطن لاستخدامها بغض النظر عن تداعياتها الكارثية على حياة المدنيين، ومن ثم إجبار اليابان على الاستسلام.
وعادة ما تأخذ المفاجأة في المجال العسكري أحد شكلين، وهما تبني الخصوم تكنولوجيا مبتكرة، أو إخفاق التكنولوجيا العسكرية للدولة التي تسعى لتوظيفها في مواجهة خصومها، وبعبارة أخرى، فإن المفاجأة تتحقق نتيجة للتفوق التقني للخصوم، أو الإخفاق التقني لأحد الأسلحة التي أنتجتها دولة من الدول لتحقيق مفاجأة في مواجهة خصومها.
ولعل من الأمثلة على ذلك من خبرة الحرب الروسية – الأوكرانية، فقد تمكنت روسيا من تدمير حوالي 30 دبابة ألمانية من طراز ليوبارد 2، خلال أول ثلاث شهور من الهجوم الأوكراني المضاد، والتي كان الغرب يراهن عليها في إحداث مفاجأة عسكرية وتكبيد الجيش الروسي خسائر فادحة، وذلك وفقاً للعقيد في القوات المسلحة النمساوية ماركوس ريزنر، مؤكداً أن فاعلية هذه الدبابات كانت أقل مما كان متوقعاً. وفي المقابل، تمكنت موسكو من تدمير أعداد كبير منها باستخدام الطائرات المسيرة من طراز لانتسيت. وقد أكد هذه الحقيقة الميجور جنرال، فاديم سكيبيتسكي، نائب قائد جهاز المخابرات العسكرية الأوكرانية، إذ صرح لصحيفة وول ستريت جورنال في سبتمبر 2023 :«اليوم، يمكن اكتشاف طابور من الدبابات أو طابور من القوات المتقدمة خلال فترة زمنية تتراوح بين ثلاث إلى خمس دقائق وضربه في ثلاث دقائق أخرى. ولا تستغرق إمكانية البقاء على قيد الحياة أثناء التحرك أكثر من 10 دقائق»، مضيفاً :«لقد أصبح تحقيق المفاجآت صعباً للغاية».
العقلية السائدة: تتمثل أحد أسباب المفاجأة العسكرية في الانغلاق العسكري، ورفض التجاوب مع المعطيات العسكرية التي تكشف عن حدوث تحولات في قوة الخصم، ويساعد على ذلك وجود ثقة مفرطة في النفس، تقوم على الإحساس بالتفوق العسكري. ويعضد من ذلك عدم اختبار الأسلحة في ظروف قتالية حقيقية، وهو ما قد يعطي انطباعاً خاطئاً أو مبالغاً فيه عن قدراتها العسكرية.
وفي حين أن التقديرات المفرطة في التشاؤم بشأن الخصم تمثل مشكلة بالتأكيد، فإن المبالغة في تقدير قدرات القوات العسكرية التابعة للدولة القائمة بالهجوم تبدو هي الخطأ الأكثر تواتراً وتكلفة على مدار التاريخ العسكري. وفي العديد من الحالات التاريخية، فإن الجمع بين الأمرين، أي تبني تصورات مفرطة في التفاؤل عن الذات، وتقليل التهديدات النابعة من الخصم، ووضع افتراضات غير صحيحة حول قدراته، يلعب دوراً في تحقيق «الهجوم المفاجئ».
ولعل من أبرز الأمثلة التاريخية على ذلك تأكيد الجنرال دوجلاس ماك آرثر للرئيس هاري ترومان، في أكتوبر 1950، أن الصينيين لن يتدخلوا عسكرياً في الحرب الكورية، وإذا فعلوا ذلك، فسوف يفعلون ذلك بأعداد صغيرة، وهو ما يسهل هزيمتهم. وعلى الرغم من التحذيرات التي تلقاها بشأن نية الصين التدخل العسكري بشكل أكبر في كوريا، فضلاً عن الأدلة التي تؤكد وجود قوات صينية بالفعل في كوريا الشمالية، فإن ماك آرثر وكبار ضباط الاستخبارات تجاهلوا مثل هذه التحذيرات. وترتب على ذلك هزيمة الجيش الثامن الأمريكي في نهر يالو في 24 نوفمبر 1950، والتي أعقبها انسحاب واشنطن من كوريا الشمالية، وهو الهجوم الذي كلف الولايات المتحدة حياة الآلاف من الجنود الأمريكيين.
كيفية مواجهة المفاجآت:
يلاحظ أن الاستعداد للهجوم المفاجئ ليس بالأمر اليسير، إذ إنه بمراجعة التاريخ العسكري، نجد أن أقوى الجيوش تعرضت لهجوم عسكري مفاجئ، ومع ذلك يمكن التوصية بما يلي:
التأقلم السريع: يعد أحد عوامل مواجهة الهجوم المفاجئ في ساحة المعركة، وتجنب الصدمة، إذا تكيف القادة والجنود بسرعة مع التطور غير المتوقع، وذلك من خلال اتجاههم لفهم ما يحدث، واختيار التكتيكات المناسبة لمواجهة الهجوم، وتنفيذها بثبات. وبغير فهم ما يجري، فإنه لا يمكن فهم الإجراءات المناسبة أو تنفيذها، وبالتالي سوف تتحول المفاجأة إلى صدمة وهزيمة في ساحة المعركة.
ومن الأمثلة على ذلك تجربة الحرب الروسية في أوكرانيا، فبعد تراجع القوات الروسية أمام الهجوم الأوكراني في أواخر عام 2022، في خاركيف، فضلاً عن انسحاب القوات الروسية من الشطر الغربي من إقليم خيرسون، اتجهت روسيا إلى حساب أوجه القصور التي عانت منها، والتي تمثلت في عدم وجود عدد كافٍ من القوات، ولذلك اتجهت إلى تجنيد حوالي 300 ألف جندي إضافي، بالإضافة إلى بناء خطوط دفاعية في المناطق التي سيطرت عليها في أوكرانيا، فيما عرف باسم خط سوروفيكين، والذي دمر أغلب القوات والمعدات التي جهزتها أوكرانيا لشن هجومها المضاد منذ منتصف 2023. وارتبط بذلك تأقلم روسيا، مع أن الحرب لن يتم حسمها سريعاً، بل قد تمتد إلى عدة أعوام.
الاستفادة من دروس الآخرين: تمثل كل معركة عسكرية حول العالم دروساً مستفادة للجيوش حول العالم، سواء فيما يتعلق بالتكتيكات الجديدة، التي ثبت نجاحها، أو إخفاقها، وكذلك الأسلحة التي نجحت في إثبات فاعلية، وتلك التي أخفقت في تحقيق الأداء المتوقع منها، غير أن النظر إلى الماضي لا يكفي، نظراً لأن دروس الماضي لن تكون ذات قيمة، إلا إذا تم صياغتها بصورة تأخذ في الاعتبار كذلك احتياجات المستقبل، إذ إن المؤسسة العسكرية التي لا توازن بين النظر إلى الماضي والمستقبل تخاطر بالاستعداد فقط للحرب الأخيرة التي خاضتها، وليس الحرب التي قد تخوضها في المستقبل.
وفي الختام، يمكن القول إن الهجوم العسكري المفاجئ سوف يظل إحدى السمات الرئيسية للمعارك، والتي لا يتوقع أن تختفي من السياسة الدولية، خاصة مع عودة صراعات القوى الكبرى، وتجدد الحروب الإقليمية، كما في اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وتصاعد التوتر بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان، وتجدد المواجهات العسكرية بين إسرائيل والفلسطينيين.
» د. شادي عبدالوهاب
أ(أستاذ مشارك بكلية الدفاع الوطني أبوظبي (