منذ بدأت أزمة فيروس «كورونا المستجد»، برزت الأهمية الكبيرة لمفهوم «إدارة الأزمات»، لأن ما ميز ويميز وسيميز بين دولة وأخرى، هو آلية أو آليات إدارة هذه الأزمة والتعامل مع آثارها وتداعياتها، وسوف يتحدد حجم خسائر الدول المختلفة بعد انتهاء الأزمة وفق كفاءة أو عدم كفاءة هذه الإدارة.
وهذا يلفت النظر بقوة إلى «إدارة الأزمات»، باعتبارها عنصراً أساسياً وجوهرياً على المستويات كافة، بدءاً من مؤسسات الدولة وأجهزتها الرسمية وانتهاء بالشركات والمؤسسات والهيئات بمختلف أحجامها وتخصصاتها؛ وذلك لأن العالم يعيش ما يمكن تسميته بـ «عصر المخاطر»، في المجالات كافة، وهذا ما يتضح من التواتر الكبير للأزمات والكوارث، الطبيعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية وغيرها، التي لا يفيق العالم من إحداها حتى يدخل في أخرى. وفي ظل حركة التواصل السهلة والكثيفة بين الدول والمجتمعات فيما يُعرف بـ «القرية العالمية الواحدة»، لم تعد آثار هذه الأزمات والكوارث محصورة داخل دولة أو مجموعة من الدول، وإنما تمتد إلى العالم كله.
وتنبع أهمية «إدارة الأزمات» وحتمية الوعي والاهتمام بها، من خصائص الأزمة أو الكارثة بشكل عام، حيث تتسم بأنها تأتي بشكل مفاجئ ما يسبب صدمة وحالة من الارتباك، كما تنطوي الأزمة على تهديد خطير وجدي للدولة أو المجتمع أو المؤسسة، وتحتاج إلى اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة في وقت قصير جداً، وفي ظل ظروف ربما تشح فيها المعلومات وتنتشر الشائعات بقوة. وهذا يجعل الدول التي تمتلك رؤى وخططاً واستراتيجيات واضحة لإدارة الأزمات، هي وحدها القادرة على التعامل الإيجابي مع الأزمة أو الكارثة حين وقوعها.
إضافة لما سبق، فإن الهيئات القائمة على «إدارة الأزمات»، لا تعمل فقط في وقت اشتعال الأزمة، وإنما لها دور قبلها وبعدها. حيث تقوم باكتشاف إشارات الأزمة قبل وقوعها «الإنذار المبكر»، وتحتوي أضرارها عند وقوعها، ثم تستنبط دروسها التي يمكن الاستفادة منها بعد انتهائها.
ونتيجة لذلك، غدا علم «إدارة الأزمات والكوارث»، علماً قائماً بذاته في الجامعات والأكاديميات ومراكز الدراسات المتخصصة، خاصة في الغرب، وله أدبياته وعلماؤه ومتخصصوه ودارسوه. وفي المنطقة العربية، انتبهت بعض الدول إلى أهمية «إدارة الأزمات»، وأنشأت مراكز وهيئات متخصصة لذلك، منها على سبيل المثال «الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث» في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قامت وتقوم بدور مهم في تنسيق الجهود الوطنية في مواجهة فيروس كورونا، في إطار التوجيهات والرؤى السديدة لقيادتنا الرشيدة وقراراتها الحاسمة التي تضع صحة الإنسان الإماراتي على قمة الأولويات، وتقدم نموذجاً متميزاً في إدارة الأزمة منذ بدايتها.
لكن، بشكل عام، لا يزال علم «إدارة الأزمات والكوارث» يحتاج إلى المزيد من الاهتمام على الساحة العربية، خاصة في الجامعات ومراكز الدراسات والبحوث، وأن يتعزز الوعي بمفهوم إدارة الأزمات في المؤسسات المختلفة، وتترسخ ثقافته في المجتمع، والمأمول أن تكون أزمة كورونا، هي المنطلق لوعي عربي جديد بمفهوم «إدارة الأزمات»، علماً وممارسة وثقافة مؤسسية ومجتمعية.
تمضي دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بخطى ثابتة وفق رؤية مستقبلية واضحة، للتحول إلى عاصمة للعالم في مجال …