منذ أن غادر البشر سطح القمر آخر مرة في عام 1972، ظلت هناك تطلعات للعودة إليه، بيد أن هذه المساعي ظلت لعقود طويلة تواجه تحديات سياسية، حتى عادت لتفرض نفسها كأحد ملامح التنافس الجيواستراتيجي في النظام الدولي الراهن، لا سيما بين الولايات المتحدة والصين. وكانت فترة ستينات القرن العشرين قد شهدت منافسة حادة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة لتحقيق أول هبوط بشري على القمر، ومن ثم كانت رحلة أبولو 11 المأهولة في يوليو 1969 بمثابة تطور حاسم في هذه المنافسة، وتأكيد التفوق التكنولوجي الأمريكي ونظامها السياسي والاقتصادي.
في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، انضمت روسيا إلى الجهود الأمريكية لاستكشاف الفضاء وتشغيل محطة الفضاء الدولية، حتى بدا الأمر وكأن سباق الفضاء قد انتهى. قبل أن تشهد السنوات الأخيرة سباقاً جديداً نحو القمر، مدفوعاً بمساعي الاستغلال التجاري للموارد القمرية، فضلاً عما ينطوي عليه من تنافس عسكري في الفضاء الخارجي في إطار الحرب الباردة الجديدة المشتعلة حالياً بين واشنطن وبكين.
وفي خضم هذا الزخم الدولي الراهن بالمجال القمري، كشفت بعض التقارير الغربية عن وجود تخوفات أمريكية متزايدة من النجاحات المتتالية التي حققتها الصين في هذا المجال، خاصةً في إطار تحركات بكين لإنشاء محطتها لأبحاث القمر الدولية (ILRS) بحلول عام 2025، بالتوازي مع برنامج «أرتميس» الذي تقوده واشنطن ويستهدف تعزيز الهيمنة الأمريكية في الفضاء القمري. وفي هذا الإطار يبدو أن المنافسة في هذا المجال ستهيمن على مسار الصراع الأرضي خلال السنوات المقبلة، حتى أن هناك بعض التقديرات بدأت تطرح مفهوم «الحرب الباردة القمرية» على هذا التنافس.
أبعاد التنافس الدولي
شهدت السنوات الأخيرة حالة من الزخم المتنامي بشأن الاندفاع إلى القمر، فهناك أكثر من 70 دولة تمتلك حالياً برامج فضائية، وثمة اهتمام خاص بمحاولة العودة للقمر للمرة الأولى منذ برنامج أبولو في منتصف القرن الماضي. وبخلاف عصر الفضاء الأول الذي انطلق في عام 1961، عندما دار أول رائد فضاء سوفييتي حول الكرة الأرضية، وقامت الولايات المتحدة لاحقاً بإرسال أول رائد فضاء إلى سطح القمر، اتسم عصر الفضاء الثاني، الذي بدأ في أعقاب نهاية الحرب الباردة، بدرجة عالية من التعاون وشهد بناء محطة الفضاء الدولية، وبدايةً من عام 2000 كان هناك تواجد مستمر للبشر من جنسيات متعددة في الفضاء للتعاون في المختبر المداري، غير أن أحد أبرز ملامح عصر الفضاء الثاني تمثلت في التراجع الملحوظ في الجهود المرتبطة بإرسال البشر إلى مهام أبعد في الفضاء الخارجي. في المقابل، يبدو أن عصر الفضاء الثالث، الذي بات في طور التشكل، سيشهد ارتفاعاً كبيراً في جهود إرسال البشر لمهام أبعد في الفضاء، لا سيما إلى القمر.
ويتسق هذا الطرح مع تصاعد وتيرة البعثات القمرية التي أرسلتها الصين خلال السنوات الأخيرة، والتي تجاوزت عدد بعثات وكالة ناسا الأمريكية، وقد أثارت هذه التحركات تخوفات لدى الولايات المتحدة من اتجاه الصين لتوظيف الميزة النسبية للتحرك الأول على القمر، واحتمالية تفوقها على البعثات الأمريكية لاستكشاف المناطق الحرجة كالقطبين القمريين واحتياطياتهما الهائلة من الموارد، خاصة الجليد المائي. وهو ما تجسد في التحذيرات التي أشار إليها مدير وكالة ناسا الأمريكية، بيل نيلسون، من إمكانية وصول رواد الفضاء الصينين إلى القطب الجنوبي للقمر قبل نظرائهم الأمريكيين، ما قد يفضي إلى إنشاء مناطق خاصة لبكين في هذه المنطقة الاستراتيجية.
وعلى المنوال ذاته، حذرت العديد من التقارير الأمريكية من اتجاه الصين للتفوق على الولايات المتحدة في مجال الفضاء القمري، لا سيما بعدما تمكنت بكين في يونيو 2024 من أن تصبح أول دولة تنفذ مهمة تتعلق بإعادة عينة من الجانب البعيد من القمر. حيث قامت مركبة الهبوط الصينية غير المأهولة «تشانغ إي 6» (Chang’e 6) بالهبوط عند القطب الجنوبي للقمر من أجل جمع عينات من الصخور والتربة، وهو الهبوط الناجح الثاني لبكين في تلك المنطقة من سطح القمر منذ عام 2019، فقد أعلنت بكين آنذاك عن أول هبوط ناجح لها على الجانب البعيد من القمر، من خلال استخدام المركبة «تشانج إي-4» (Chang’e-4)، وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنطقة لم تستكشف سابقاً من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتي، ومن ثم جاء هذا الإنجاز ليجعل الصين أول دولة ترسل مسباراً للجانب البعيد من القمر، والذي يصعب الوصول إليه بسبب بعد المسافة وتضاريسه الشاقة.
بالتالي، بدأت التقارير الغربية مقارنة هذه النجاحات الصينية بالإخفاقات الأمريكية المتتالية في برنامجها الخاص بالعودة إلى القمر، لا سيما بعدما أعلنت شركة Astrobotic الأمريكية الناشئة فشل مركبتها «بيريغرين» في الهبوط بسلاسة على سطح القمر، كما أعلنت وكالة ناسا أنها اضطرت لتأخير المهمتين المقبلتين من برنامجها «أرتميس» بنحو عام. وقد كان لنقص التمويل من قبل الكونجرس تداعيات سلبية على تعهدات إدارة ترامب بإعادة رواد الفضاء الأمريكيين إلى سطح القمر بحلول عام 2024.
وبخلاف سباق القمر الأول الذي لم تعتمد فيه الولايات المتحدة على حلفائها في أي من بعثات أبولو إلى القمر، إلا أن السباق الجديدة للولايات المتحدة مع الصين يشهد مساهمات مختلفة تماماً لشركاء واشنطن، فقد انضمت حتى الآن حوالي 42 دولة إلى اتفاقيات أرتميس، والتي تبني تحالفاً متنامياً من الدول التي تدعم التعاون القمري، ومحاولة ضمان استمرارية الهيمنة الأمريكية في هذا المجال. وتعمل الولايات المتحدة حالياً، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان، على تطوير محطة الفضاء Lunar Gateway، والتي ستدور على القمر، ومن المتوقع إطلاق الوحدات الأولى لها بحلول عام 2025. كذا تعتمد استراتيجية واشنطن الجديدة على توسيع الشراكة مع القطاع التجاري، وقد تمخض عن هذه الاستراتيجية إطلاق برنامج أرتميس في وقت لاحق.
في المقابل، تتبنى الصين في برنامجها القمري نموذج الحرب الباردة الذي تديره الدولة، لضمان سيطرة الحكومة على المشاريع الفضائية وتكنولوجيتها وبياناتها، وهو ما قد يعزز من فرص نجاحها، لكن بشرط توافر ميزانية ضخمة ومستمرة، لكنها قد تنهار حالة تراجع الاقتصاد والميزانية المخصصة للبرنامج.
وعلى عكس النهج السابق لبكين الذي كان يرتكز على تعاون أقل مع الأطراف الدولية في مجال الفضاء، جاء «برنامج استكشاف القمر» (CLEP) الصيني ليستهدف توسيع التعاون الدولي وتعزيز قوتها الناعمة، ومن ثم أعلنت وكالة الفضاء الوطنية الصينية (CNSA) رسمياً عن مقترح «محطة أبحاث القمر الدولية» (ILRS) في عام 2019، وهي أول مبادرة صينية بشأن تطوير منصة تعاونية متعددة الأطراف للبنية الأساسية على سطح القمر، كما وقعت وكالة الفضاء الصينية مذكرة تفاهم بشأن برنامج الإطلاق الفضائي مع وكالة الفضاء الروسية في مارس 2021.
ولم يعد التنافس الدولي على المجال القمري قاصراً على الولايات المتحدة والصين، فهناك تحركات موازية من قبل بعض الدول الأخرى، كالهند التي أعلنت عن هبوط مركبتها (Chandrayaan-3) غير المأهولة بنجاح على سطح القمر، في أغسطس 2023، لتكون بذلك رابع دولة تهبط على سطح القمر، بعد الولايات المتحدة والصين والاتحاد السوفييتي، ومن ثم صعودها كقوة فضائية من خلال الاستراتيجية الأوسع التي تتبناها نيودلهي لتعزيز قدراتها الفضائية.
بالإضافة لذلك، هناك مساع دولية أخرى، على غرار التحركات اليابانية والروسية، لكنها لا تزال غير قادرة حتى الآن على تحقيق هبوط ناجح على القمر، فقد فشلت مركبة الهبوط الروسية «لونا 25»، ومركبة الفضاء اليابانية «Moon Sniper» في تحقيق هبوط ناجح على سطح القمر في عام 2023، ويتوقع أن تشهد السنوات المقبلة مزيداً من الرحلات الدولية إلى سطح القمر.
الأهمية الجيواستراتيجية
تعد عملية الهبوط على القمر مهمةً شاقةً للغاية، ولعل هذا ما يفسر تأخر إعادة تكرارها لأكثر من خمسة عقود منذ عملية أبولو. إذ لم يتغير عدد رواد الفضاء الذين هبطوا على سطح القمر منذ منتصف القرن الماضي، وهم 12 رائداً جميعهم أمريكيون، وصلوا هناك من خلال بعثات أبولو التي استمرت خلال الفترة 1969 – 1972، بيد أن هذا العدد مرشح للزيادة خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظل الزيادة الملحوظة في عدد البعثات التي يتم إطلاقها للدوران حول القمر أو الهبوط على سطحه.
فثمة اهتمام دولي واسع بالمهام القمرية واستخراج الموارد الموجودة على سطح القمر، وهو ما تجسد في الجهود التي تقوم بها الولايات المتحدة وروسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية، بالإضافة للعديد من الشركات الخاصة، لكن لا تزال الصين تعتبر الدولة الوحيدة التي تمتلك رؤية طويلة الأجل لتوسيع نشاطها على سطح القمر والاستفادة من الموارد الهائلة الموجودة هناك، كما أنها الوحيدة أيضاً التي استثمرت أموالاً طائلة خلال السنوات الماضية في تقنيات الفضاء المستقبلية، على غرار الطاقة الشمسية الفضائية التي يمكن أن تساعد في تشغيل القاعدة القمرية التي تسعى الصين لإنشائها بالقرب من القطب الجنوبي للقمر.
في المقابل، أعلنت شركة (Intuitive Machines)، وهي شركة تجارية أمريكية، نجاحها، في فبراير 2024، في هبوط مركبتها الفضائية غير المأهولة «نوفا-سي» (يطلق عليها اسم أوديسيوس) على سطح القمر، بالقرب من حفرة «مالبيرت أ» (Malapert A) القريبة من القطب الجنوبي. ويشكل هذا الهبوط حدثاً تاريخياً بالنسبة للولايات المتحدة، فهذه المهمة، رغم أنها بمركبة غير مأهولة، فإنها تعد أول هبوط قمري للولايات المتحدة منذ أكثر من 50 عاماً، وهو ما قد يمهد الطريق لجيل جديد من رواد الفضاء الأمريكيين إلى القمر.
وبينما ارتبط سباق الفضاء في القرن العشرين بالصراعات السياسية، فإن سباق القرن الحالي سيكون مرتكزاً على التنافس الاقتصادي. وقد بدأت العديد من الشركات الناشئة وشركات الطيران حول العالم الانخراط في مهام إلى القمر وتطوير مركبات هبوط قمرية تجارية، كما طرحت بعض الأدبيات مفهوم « اقتصاد القمر» للتعبير عن المكاسب المالية التي تحققها الشركات من خلال أنشطتها المرتبطة بالقمر.
من ناحية أخرى، يرى البعض أن الحرب القمرية الراهنة ستكون لها انعكاسات حاسمة على مستقبل التنافس الصيني – الأمريكي على قمة النظام الدولي، فكما أن برنامج أبولو الأمريكي، في منتصف القرن العشرين، والذي تمخض عنه إنزال البشر على القمر، كان محدداً محورياً لتكريس التفوق التكنولوجي الأمريكي على الاتحاد السوفييتي، فإن الحرب القمرية الباردة الجديدة ستكون حاسمة في تحديد ملامح النظام الدولي الجديد.
عسكرة القمر
على الرغم من أن معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 نصت على عدم عسكرة القمر أو أي مطالبات بالملكية، واعتبار القمر بمثابة ملكية مفتوحة لكافة البشر والدول، فإن حالة التنافس الدولي الحاد خلال السنوات الأخيرة زاد من فرص عسكرة القمر وتصاعد وتيرة الصراع بشأن السيطرة على القمر. ففي عام 2020 كان رئيس قوة الفضاء الأمريكية قد أشار إلى القمر باعتباره «تضاريس رئيسية». كذا يتولى مختبر أبحاث القوات الجوية الأمريكي عملية تمويل قمر صناعي تجريبي، وهو Oracle، والذي يفترض أن يتم إطلاقه في عام 2026، ليقوم بمراقبة الفضاء بين القمر والأرض. وفي ظل الخبرة الطويلة للجيش الأمريكي في مراقبة المركبات الفضائية التي تقوم بالدوران حول الأرض، يبدو أن واشنطن تسعى لاستغلال هذه الخبرة لتعزيز نفوذها على سطح القمر، حيث يمكن أن يوفر الجيش الأمريكي معلومات استخباراتية أفضل لأنشطة الحكومة الفضائية.
وخلال السنوات الأخيرة، ركزت «وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة» (DARPA) الأمريكية بشكل متزايد على القمر، حيث أطلقت الوكالة ثلاثة مشروعات رئيسية في هذا الإطار، يتمثل الأول في برنامج «التصنيع المداري والقمري المتكافئ بين المواد والأحجام الكتلية» (NOM4D)، والذي يستهدف تطوير واستحداث أساليب وتصاميم تسمح بتصنيع أنظمة أكثر دقة لصالح وزارة الدفاع الأمريكية. أما البرنامج الثاني فهو (LunA-10)، والذي يستهدف تطوير البنية التحتية القمرية المستقبلية. بينما يتمثل المشروع الثالث في «إرشادات التشغيل القمري لاتحاد البنية التحتية» (LOGIC)، والذي يسعى لتطوير معايير دولية للتشغيل التقني المخصصة للقمر. وقد أثار تنامي أبحاث تكنولوجيا القمر التي تنبثق عن وكالة تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية تخوفات عدة من تكريس مفهوم العسكرة على سطح القمر. حيث يمكن أن يؤدي السباق الفضائي الجديد، الذي يتركز على القمر، إلى تصدير الصراعات والتوترات من الأرض إلى سطح القمر.
ويربتط الاهتمام بعسكرة القمر بتصاعد الأنشطة الفضائية العسكرية بشكل عام، حيث تستعد الولايات المتحدة لنشر نظام «المحطات الطرفية المعيارية عن بعد» (RMT)، وهو نظام تشويش أرضي جديد بغرض تعطيل الأقمار الصناعية المعادية وقت الحروب والصراعات. في المقابل، حذر بعض المسؤوليين الأمريكيين، خلال منتدى «أسبن» الأمني السنوي، من اتجاه روسيا والصين لنشر أسلحة فضائية خلال الفترة المقبلة.
ملامح التسليح القمري الراهن
بات الفضاء القمري يشكل أصلاً استراتيجياً محتملاً للأغراض العسكرية، لا سيما بسبب الخصائص الفريدة التي تميز البيئة القمرية، وكذا قربها من الأرض، مما يجعل سطح القمر ساحةً جذابةً للتطبيقات العسكرية. وتتنوع الطرق التي يمكن من خلالها استخدام القمر كأصل عسكري استراتيجي، لعل أبرزها ترسيخ وجود دائم على القمر، وذلك من خلال بناء قواعد متقدمة هناك، من شأنها توفير منصة مستقرة لمراقبة الفضاء والأرض، وبالتالي تحسين أنظمة الإنذار المبكر وجمع المعلومات الاستخباراتية. كذا يمكن للوجود الدائم على سطح القمر أن يساعد على نشر أصول عسكرية مختلفة، وبالتالي حماية البنية التحتية الفضائية الحرجة وردع الخصوم. بالإضافة لذلك، يمكن للقوات العسكرية، من خلال الوجود على سطح القمر، أن تكتسب ميزة مهمة من حيث المرونة ووقت الاستجابة، إذ يمكن نشر الأصول العسكرية الموجودة على القمر بشكل سريع في مواقع مختلفة في المدار الأرضي، ومن ثم سرعة الاستجابة والرد حال اندلاع أي صراع.
من ناحية أخرى، هناك تخوفات من التهديدات النووية في الفضاء المداري، لا سيما عقب الاختبار الروسي المضاد لأقمار الصناعية والذي أُجري في نوفمبر 2021. وفي هذا السياق، يتزايد القلق من احتمالية أن تحاول القوى الدولية المتنافسة إحكام سيطرتها على نقاط الاهتمام المحدودة حالياً على سطح القمر، والعمل على تقييد الوصول إلى هذه المناطق، وربما تتفاقم هذه المخاوف بسبب اتجاه القوى الدولية، لا سيما الصين والولايات المتحدة، حالياً للعمل في مواقع مشتركة على سطح القمر، وهو ما قد يتمخض عنه مخاطر تشغيلية وتأجيج نزاعات محتملة على الموارد ومناطق التنافس. كما لا يمكن استبعاد احتمالية أن تتزايد التوترات بين القوى الدولية بسبب تنامي احتمالات الاصطدام في ظل النشاط المتزايد نحو القمر. كذا، أشارت بعض التقديرات إلى أن الولايات المتحدة لديها حالياً خطط لنشر أسلحة في الفضاء، بما في ذلك بعض الأسلحة التي تسعى واشنطن لنشرها في الجزء البعيد من القمر، فضلاً عن نشر عدد من الأقمار الصناعية العسكرية لكي تدور حول القمر بهدف التجسس، وتبدو هذه الأهداف قديمة للغاية، ترتبط بتطلعات الولايات المتحدة منذ منتصف القرن الماضي، بيد أن التكلفة الباهظة وعدم توافر الإمكانيات التكنولوجية الكافية أعاق تحقيق هذا الهدف آنذاك. لكن يبدو أن ملامح الحرب الباردة الجديدة التي يشهدها النظام الدولي، بالتزامن مع التقدم التكنولجي الهائل، دفع واشنطن لإعادة التفكير في تطلعاتها السابقة بشأن تسليح القمر. وربما هذا ما يفسر إنشاءها في عام 2019 لـ «القوة الفضائية»، والتي تعد أحد فروع القوات المسلحة الأمريكية. وعلى المنوال ذاته، حذرت بعض التقارير الغربية من وجود مساع صينية حالية لنشر معدات عسكرية على سطح القمر خلال رحلاتها الاستكشافية، وذلك بغية توفير الحماية لتواجدها طويل الأمد في منطقة القطب الجنوبي للقمر.
مستقبل الحرب الباردة القمرية
هناك تنافس رئيسي حالياً لترسيخ وجود مستدام في القطب الجنوبي للقمر، ففي ظل الموارد المائية والمعدنية الهائلة الموجودة في هذه المنطقة، هناك مساع لدى الولايات المتحدة والصين لإنشاء قاعدة قمرية في هذه المنطقة، وستشكل هذه الخطوة نقطة حاسمة للطرف الذي سيكون له السبق فيها. إذ يرتبط أحد أبرز الصراعات المتعلقة بالقمر بمحاولة القوى الدولية المتنافسة تحقيق السبق في الوصول لبعض المناطق الاستراتيجية والمطالبة بملكيتها ومنع الأطراف الأخرى من الهبوط في هذه المناطق. ويرجح أن تشهد السنوات المقبلة تصاعداً في حدة التنافس الدولي على المجال القمري، لا سيما في ظل الاستعداد السياسي الراهن من قبل القوى الكبرى لإنفاق مبالغ ضخمة على البعثات القمرية، فعلى سبيل المثال، تقدر اجمالي نفقات برنامج أرتميس حتى عام 2025 حوالي 93 مليار دولار، كما يتوقع أن تنخرط الشركات التجارية بدور أكبر في هذه المنافسة القمرية.
وتشكل الاعتبارات القانونية معضلة رئيسة ترتبط بعسكرة القمر، إذ لا يزال هناك غياب لقواعد ملزمة تحد من سباق التسلح المحتمل على سطح القمر، وفي الفضاء الخارجي بشكل عام، فإذا كانت معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 تحظر على الدول وضع أسلحة دمار شامل على القمر أو في الفضاء، لكنها لا تنص صراحة على حظر نشر الأسلحة التقليدية أو إنشاء قواعد عسكرية هناك.
وفي ظل ترجيح أن يكون الصينيون أو الأمريكيون أول من يعيد البشر إلى سطح القمر خلال السنوات القليلة المقبلة، فسوف يضفي هذا الأمر بعداً جديداً للتنافس بين الدولتين يضاف للعلاقات المتوترة بالفعل بينهما، غير أن الطرف الذي سيكون له السبق في هذا المجال، يتوقع أن تكون له الهيمنة في وضع المعايير والقواعد الخاصة بالاستفادة من موارد القمر ومناطق النفوذ عليه.●
عدنان موسى (مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة)