Family

مقاصد‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة في‭ ‬شريعة‭ ‬الإسلام المقصد‭ ‬النفسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والمالي

‬ناصر‭ ‬عيسى‭ ‬أحمد‭ ‬البلوشي‭ ‬(كبير‭ ‬باحثين‭ ‬بدائرة‭ ‬الشؤون‭ ‬الإسلامية والعمل‭ ‬الخيري‭ ‬بدبي‭(
الأسرة‭ ‬هي‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬والخلية‭ ‬الحيوية‭ ‬واللبنة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأولى‭ ‬والأمة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬يتكون‭ ‬منها‭ ‬جسم‭ ‬الأمة‭ ‬الكبيرة‭ ‬ويقوم‭ ‬عليها‭ ‬صرحها‭ ‬المتين،‭ ‬إذا‭ ‬صَلُحت‭ ‬صَلُحت‭ ‬الأمة‭ ‬كلها‭ ‬وسعدت،‭ ‬وإذا‭ ‬فسدت‭ ‬فسدت‭ ‬الأمة‭ ‬كلها‭ ‬وشقيت،‭ ‬فلا‭ ‬أمة‭ ‬صالحة‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أسرة‭ ‬صالحة،‭ ‬وإن‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬مقاصد‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬تحقيق‭ ‬السكن‭ ‬النفسي‭ ‬والترابط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وسعة‭ ‬الرزق‭ ‬وحفظ‭ ‬المال،‭ ‬ويمكن‭ ‬توضيح‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الآتي‭:‬

أولاً‭:‬‭ ‬ التنعم‭ ‬بأجواء‭ ‬السكينة‭ ‬والمودة‭ ‬والرحمة ‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭
إن‭ ‬التنعم‭ ‬بأجواء‭ ‬السكينة‭ ‬والألفة،‭ ‬والمودة‭ ‬والرحمة،‭ ‬والحب‭ ‬والحنان،‭ ‬والود‭ ‬والتعاطف،‭ ‬والسعادة‭ ‬والاطمئنان‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مقاصد‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬فالله‭ ‬تعالى‭ ‬ذكر‭ ‬ذلك‭ ‬بأبلغ‭ ‬بيان‭ ‬وأجمل‭ ‬تعبير‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬فقال‭ ‬سبحانه‭: (‬وَمِنْ‭ ‬آيَاتِهِ‭ ‬أَنْ‭ ‬خَلَقَ‭ ‬لَكُمْ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَنْفُسِكُمْ‭ ‬أَزْوَاجًا‭ ‬لِتَسْكُنُوا‭ ‬إِلَيْهَا‭ ‬وَجَعَلَ‭ ‬بَيْنَكُمْ‭ ‬مَوَدَّةً‭ ‬وَرَحْمَةً‭ ‬إِنَّ‭ ‬فِي‭ ‬ذَلِكَ‭ ‬لَآيَاتٍ‭ ‬لِقَوْمٍ‭ ‬يَتَفَكَّرُونَ‭) (‬الروم‭: ‬‮٢١‬‭)‬
فمن‭ ‬رحمته‭ ‬وعنايته‭ ‬جل‭ ‬وعلا‭ ‬بعباده،‭ ‬وحكمته‭ ‬العظيمة،‭ ‬أن‭ ‬خلق‭ ‬من‭ ‬نطف‭ ‬الرجال‭ ‬ومن‭ ‬جنسهم‭ ‬نساءً‭ ‬تناسبهم‭ ‬ويناسبونهن‭ ‬وتشاكلهم‭ ‬ويشاكلونهن‭ ‬وتألفهم‭ ‬ويألفونهن،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لمقصد‭ ‬عظيم‭ ‬وغاية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وهي‭ ‬السكن‭ ‬النفسي‭ ‬والاستقرار‭ ‬العاطفي‭ ‬والاطمئنان‭ ‬القلبي‭.‬
ثانياً‭:‬‭ ‬ توثيق‭ ‬العرى‭ ‬بالمصاهرة‭ ‬بين ‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭
إن‭ ‬توثيق‭ ‬عرى‭ ‬الأخوة‭ ‬بالمصاهرة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬ترابط‭ ‬المجتمع‭ ‬بالنسب‭ ‬من‭ ‬أجَلِّ‭ ‬أهداف‭ ‬تكوين‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وهذا‭ ‬الهدف‭ ‬يجعل‭ ‬المجتمع‭ ‬المسلم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة،‭ ‬لا‭ ‬تفرقهم‭ ‬قبيلة‭ ‬ولا‭ ‬لون‭ ‬ولا‭ ‬جنس‭ ‬ولا‭ ‬لهجة‭.‬
قال‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬محكم‭ ‬التنزيل‭: (‬وَجَعَلْنَاكُمْ‭ ‬شُعُوبًا‭ ‬وَقَبَائِلَ‭ ‬لِتَعَارَفُوا‭) (‬الحجرات‭: ‬‮١٣‬‭)‬
فالله‭ ‬تعالى‭ ‬جعل‭ ‬الناس‭ ‬شعوباً‭ ‬وهم‭: ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعتزون‭ ‬إلى‭ ‬أحدٍ،‭ ‬بل‭ ‬ينتسبون‭ ‬إلى‭ ‬المدائن‭ ‬والقرى‭ ‬والشعاب،‭ ‬وقبائل‭ ‬وهم‭: ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬ينتسبون‭ ‬إلى‭ ‬آبائهم،‭ ‬جعلهم‭ ‬الله‭ ‬كذلك‭ ‬وذلك‭ ‬ليتعارفوا‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬بالنسب،‭ ‬ويتقاربوا‭ ‬بالمصاهرة‭ ‬والتزواج،‭ ‬ويتعاونوا‭ ‬ويتناصروا‭ ‬ويقوموا‭ ‬بحقوق‭ ‬الأقارب‭.‬
ثالثاً‭:‬ ‬سعة‭ ‬الرزق‭ ‬والبركة‭ ‬في‭ ‬المال‭
وعد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عبده‭ ‬مريد‭ ‬النكاح‭ ‬بالغنى‭ ‬وسعة‭ ‬الرزق،‭ ‬فقال‭ ‬سبحانه‭: (‬وَأَنْكِحُوا‭ ‬الْأَيَامَى‭ ‬مِنْكُمْ‭ ‬وَالصَّالِحِينَ‭ ‬مِنْ‭ ‬عِبَادِكُمْ‭ ‬وَإِمَائِكُمْ‭ ‬إِنْ‭ ‬يَكُونُوا‭ ‬فُقَرَاءَ‭ ‬يُغْنِهِمُ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬مِنْ‭ ‬فَضْلِهِ‭ ‬وَاللَّهُ‭ ‬وَاسِعٌ‭ ‬عَلِيمٌ‭) (‬النور‭: ‬‮٣٢‬‭)‬
فالله‭ ‬تعالى‭ ‬يحث‭ ‬الأولياء‭ ‬والأسياد‭ ‬أن‭ ‬يزوجوا‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬ولايتهم‭ ‬وأيديهم‭ ‬ممن‭ ‬لا‭ ‬زوج‭ ‬له،‭ ‬من‭ ‬أحرار‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء،‭ ‬ومن‭ ‬أهل‭ ‬الصلاح‭ ‬من‭ ‬العبيد‭ ‬والمماليك،‭ ‬وإن‭ ‬كانوا‭ ‬أهل‭ ‬فاقة‭ ‬وفقر،‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يغنيهم‭ ‬من‭ ‬فضله،‭ ‬فهو‭ ‬سبحانه‭ ‬كثير‭ ‬الخير‭ ‬واسع‭ ‬الفضل‭ ‬جواد‭ ‬كريم،‭ ‬ذو‭ ‬علم‭ ‬بالفقير‭ ‬منهم‭ ‬والغنيّ‭ ‬وبمن‭ ‬يستحق‭ ‬فضله،‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬عليه‭ ‬حال‭ ‬خلقه‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬وتدبيرهم،‭ ‬فيعطي‭ ‬كلا‭ ‬ما‭ ‬علمه‭ ‬واقتضاه‭ ‬حكمه‭.‬
رابعاً: حفظ‭ ‬الميراث‭ ‬بانتقاله‭ ‬لقرابة‭ ‬الإنسان‭
نظام‭ ‬الميراث‭ ‬في‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭ ‬نظام‭ ‬دقيق‭ ‬يحفظ‭ ‬مال‭ ‬المتوفى‭ ‬الذي‭ ‬تركه،‭ ‬فبعد‭ ‬سداد‭ ‬ديون‭ ‬المتوفى‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬ديون،‭ ‬وتنفيذ‭ ‬وصيته‭ ‬بالثلث‭ ‬إن‭ ‬أوصى،‭ ‬تنتقل‭ ‬تركته‭ ‬إلى‭ ‬قرابته‭ ‬فتقسم‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬حسب‭ ‬درجة‭ ‬قرابته‭ ‬توزيعاً‭ ‬عادلاً‭ ‬محدَّداً‭ ‬بمعايير‭ ‬منضبطة،‭ ‬بِحَصْر‭ ‬المستحقين‭ ‬وتحديد‭ ‬نصيب‭ ‬كل‭ ‬منهم‭.‬
وقد‭ ‬بين‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬وفصل‭ ‬قواعد‭ ‬الميراث‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬والثانية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬النساء‭.‬
فلا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬انتقال‭ ‬تركة‭ ‬الإنسان‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬له‭ ‬أسرة،‭ ‬فقد‭ ‬تضيع‭ ‬ثروته‭ ‬أو‭ ‬يستولي‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬حق‭ ‬فيها،‭ ‬فالأسرة‭ ‬هي‭ ‬الوعاء‭ ‬الحافظ‭ ‬لما‭ ‬يتركه‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬وثروات‭.‬
والحمد‭ ‬لله‭ ‬رب‭ ‬العالمين،‭ ‬وصلى‭ ‬الله‭ ‬وسلم‭ ‬على‭ ‬نبينا‭ ‬محمد‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬أجمعين‭.‬‭ ‬

Facebook
WhatsApp
Al Jundi

الرجاء استخدام الوضع العمودي للحصول على أفضل عرض